د. آصف ملحم*
في ليل 7/8 فبراير/شباط 2020، إندلعت أحداث شغب ومواجهات مسلحة في بعض قرى منطقة كورداي التابعة لمحافظة جامبيل – Zhambyl Province جنوب غرب كازاخستان، وهي: ماسانتشي، آوخاتي، بولان باتير، كاراكامير، شورتوبي، إلا أن قرية ماسانتشي كانت الأكثر تضرراً (الشكل 1). كانت حصيلة أعمال الشغب تلك وقوع 8 قتلى و40 جريحاً، إضافة إلى حرق 30 منزلاً و20 متجراً و20 سيارة في قرية ماسانتشي، وكما بلغ عدد المشاركين فيها حوالي 1000 شخصاً.
الشكل رقم 1: خارطة كازاخستان مع التقسيمات الإدارية(1)
حاولت الجهات الرسمية، سواء على لسان رئيس البلاد، قاسم جومارت توكاييف، أو وزارة الداخلية تجنب توصيف الأحداث بأنها وقعت على خلفيات إثنية على الرغم من أنها حصلت بشكل أساسي بين الإثنية الكازخية، التي تشكل حوالي 64% من السكان، وإثنية الدونغان، التي يصل عددها إلى حوالي 66 ألف نسمة، أي أقل من 0.4% من سكان كازاخستان، ويتركزون بشكل أساسي في محافظة جامبيل في القرى المذكورة أعلاه.(1)
من هنا، ربط السيد نائب وزير الداخلية الكازاخستاني، ألكسي كلايتشيدي، الموضوع بمشاحنة كلامية حصلت بين ركاب سيارة سياحية وسائق شاحنة من إثنية الدونغان، في قرية شورتوبي، بسبب قطع الشاحنة للطريق، بحيث تطورت المشاحنة إلى عراك بالأيدي بين الطرفين. أما شرطة شورتوبي فقد ربطت القضية بإيقاف أحد السائقين من إثنية الدونغان، في نهار 7 فبراير/شباط، بسبب مخالفة مرورية وعدم الإمتثال لأوامر الشرطة، الأمر الذي استدعى تدخل أقارب السائق، الذين رموا سيارة الشرطة بالحجارة. تم بعدها إلقاء القبض على الفاعلين ووضعهم بالسجن على ذمة التحقيق.
هكذا ووفقاً للرواية الرسمية، تداول الناس هاتين الحادثتين عبر مواقع التواصل الإجتماعي، الأمر الذي أدى إلى حالة من الإحتقان والغليان في صفوف الكازاخ. انفجر الموقف بعدها بسبب التحريض، فتجمع مئات الشباب الكازاخ من محافظة آلماطي وهجموا على قرى الدونغان.
في هذا السياق، ثمة ملاحظة هامة وهي أن الحديث عن هاتين الحادثتين واعتبارهما السبب الرئيسي في اندلاع الأحداث المأساوية جرى بعد ذلك بوقت كاف.
في الواقع، تعتبر كازاخستان بلداً متعدد الأعراق والأديان، ففيه أكثر من 70 إثنية، وينتشر فيه الإسلام والمسيحية والبوذية واللادينية وبعض المجموعات الدينية الصغيرة.(2) لذلك، لا يمكننا، من حيث المبدأ، استبعاد العامل الإثني في تطور وتوسع بعض الخلافات والنزاعات الأهلية، إلا أن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا بتوفر شروط وأسباب موضوعية، فجميع الإثنيات الكازاخية تعيش بسلام مع بعضها البعض منذ مئات السنين.
إثباتاً لما نقول، نذكر على سبيل المثال المشاجرات التي حصلت، 1 يناير/كانون الثاني 2019، بين الأرمن والكازاخ في أحد مطاعم مدينة كاراغانده – Karaganda وسط البلاد، والتي قتل على أثرها شاب أرمني عمره 23 عاماً. أعقب ذلك مظاهرات للأرمن، 6 يناير/كانون الثاني، تطالب السلطات بمعاقبة القتلة ليتم بعدها احتواء الموقف حيث لم نشهد اتساعاً للمواجهات على أية خلفية، لا إثنية ولا مذهبية.
لا يمكن لأحد أن يجادل بالفارق الكبير بين الحادثتين، من حيث حجم الخسائر وشمولية الصراع، لذلك فإن وصف النزاع بالإثني أو الأهلي المحلي يجافي الحقيقة تماماً. إضافة إلى ذلك، هناك مجموعة من القرائن التي تؤكد أن ما حصل كان مخططاً له ومنظماً، أهمها:
1. جميع المخربين كانوا من الغرباء عن منطقة كورداي، أما الكازاخ القاطنون في تلك القرى فقد حاولوا الدفاع عن الدونغان.
2.ضبطت الشرطة الكازاخستانية مع المخربين حوالي 54 عبوة مملوءة بالسوائل الحارقة مع بندقيتي صيد ومسدسين، وهذا دليل على التحضير الجيد للهجوم وأنه لا يمكن أن يكون عفوياً أو كما يقال (فورة دم).
3.في ليل 7-8 يناير/كانون الثاني، بدأ تداول الرسائل، عبر مواقع التواصل الإجتماعي، التي تدعو إلى معاقبة الدونغان.
4.تداول خبر غير مؤكد حول ضبط الشرطة الكازاخستانية لمستودع أسلحة في المنطقة.
توحي هذه الحقائق بأننا أمام مشهد مشابه للمشهد الذي سبق الأحداث الدموية التي اندلعت في سوريا، العام 2011. لذلك، فإننا لن نجانب الصواب إذا حاولنا توسيع دائرة البحث والتحليل، وخاصة في الأبعاد والعوامل الدولية والإقليمية، وهذا ما سنحاول فعله في الفقرات التالية.
الأهمية الجيو – سياسية لكازخستان
تتمتع كازاخستان بموقع جغرافي مميز فهي تحاذي روسيا والصين بحدود طويلة جداً، كما أنها تشاطئ بحر قزوين، إضافة إلى أنها تملك العديد من الثروات الطبيعية الهامة، كالنفط والغاز واليورانيوم والكروم والرصاص والزنك والمنغنيز والنحاس والحديد والذهب والماس.
في الواقع، لم تخف الولايات المتحدة اهتمامها بدول آسيا الوسطى منذ انهيار الإتحاد السوفيتي، إذ أن امتلاك موطئ قدم في هذه الدول سيساعدها في السيطرة على الثروات النفطية الكبيرة والموارد الأخرى في المنطقة، كما أنه سيؤدي إلى زيادة قدرتها في التحكم بالصين وروسيا وإيران اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.
أما الإهتمام الأوروبي بآسيا الوسطى، فيهدف بشكل أساسي إلى التخلص من التحكم الروسي بإمدادات النفط والغاز، ولقد بدأ هذا الاهتمام منذ التسعينات، حيث أن دول آسيا الوسطى، بالرغم من احتياطاتها الكبيرة، تعتمد في تصديرها على الدول المجاورة، خاصة روسيا وتركيا، للوصول إلى الأسواق الغربية الأمر الذي يمنح هذه الدول إمكانية التحكم وفرض الشروط والأسعار.
إثنية الدونغان
في الواقع، هناك خلاف بين المؤرخين حول أصل الدونغان – Dungans، لذلك ظهرت عدة فرضيات حولهم. فقسم أول من الباحثين اعتبر أنهم ينحدرون من شعوب آسيا الوسطى، والقسم الثاني منهم أعادوا جذورهم إلى القومية العربية والفارسية، والقسم الثالث فأعادهم إلى القومية التركية، أما القسم الرابع فربطهم بمسلمي الإيغور، فيما القسم الخامس ردهم إلى الجذور الصينية. إلا أن أكثر الفرضيات رواجاً تؤكد أن الدونغان ينحدرون من الإثنية الصينية المسماة بـ “الهوي” – Hui أو “الهوي زو” – Hui Zu، أي المسلمين الصينيين الذين يعيشون في شمال وشرق وجنوب الصين وبشكل أساسي في محافظات: يونان، غانسو، شاندون، خينان، تسينخاي.(3)(4)
أما في آسيا الوسطى، فمعظم الدونغان يعيشون في وادي تشوي – Chuy Valley في منطقة الحدود القرقيزية – الكازخية. ولقد وصل هؤلاء من الصين في نهاية القرن التاسع عشر، بين عامي 1862 – 1869، بعد اندلاع التمرد الفاشل ضد السلطة الإمبراطورية الصينية والذي أدى إلى مقتل أكثر من 15 مليون شخص، إذ إعتبر أحد أكثر النزاعات المسلحة دموية في التاريخ. وتشير تقديرات العام 2019 إلى أن عدد الدونغان في كازاخستان بلغ 66 ألفاً، وفي قيرقيزيا 67 ألفاً، وفي منغوليا 6 آلاف، وحوالي 1700 شخصاً في كل من روسيا وأوزبكستان. أما الهوي فيشكلون في الصين حوالي 14 مليوناً.
“مبادرة الحزام والطريق”
طرح الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في خطابه الشهير تاريخ 7 سبتمبر/أيلول 2013 في جامعة نازاربييف في كازاخستان، “مبادرة الحزام والطريق” – Belt and Road Initiative (BRI)، أو مبادرة “حزام واحد طريق واحد” – One Belt, One Road (OBOR). هذه المبادرة، في جزء منها، هي محاولة لإحياء “طريق الحرير” القديم.
في الحقيقة، سيؤدي هذا المشروع العملاق، الذي من المتوقع أن ينتهي تنفيذه في العام 2030، إلى ربط الصين بست ممرات اقتصادية هامة: منغوليا وروسيا، دول الفضاء الأوراسي، وسط وغرب آسيا، باكستان، بعض بلدان شبه القارة الهندية، بلدان جنوب شرق آسيا (انظر الشكل 2).
الشكل(2): الممرات الرئيسية لمشروع الحزام والطريق(5)
أثار هذا المشروع حفيظة العديد من دول العالم، كأستراليا والهند واليابان وبعض دول وسط وغرب أوروبا، إذ أنه وبنظرها سيقود إلى “هيمنة الصين” اقتصادياً على العالم. بالمقابل، رحبت العديد من الدول الأخرى، وخاصة تلك التي ستكون أراضيها ممراً لهذه الطرقات، بالمبادرة الصينية.(6)
في ضوء ما تقدم، نرى أن الدول المعارضة لهذا المشروع ستحاول خلق العراقيل المختلفة للصين، ولا غرابة بأن يتم اللجوء إلى إثارة الصراعات الإثنية والمذهبية في المناطق التي يعبرها هذا الطريق، خاصة وأن خبرة الغرب في ذلك كبيرة، ويشهد عليها العراق والقفقاز والبلقان وسوريا.
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن منطقة المثلث الصيني – الكازخستاني – القرقيزي تشكل نقطة الربط بين معظم طرقات هذا المشروع، وفي هذه المنطقة تحديداً يقطن معظم مسلمي الدونغان، حيث اندلعت أعمال الشغب الدموية. كما أن الممرات التي ستعبر شمالاً وغرباً وشرقاً ستمر في الأراضي الكازاخستانية.
في الحقيقة، تنبهت الصين منذ طرح هذه المبادرة إلى أهمية الروابط الثقافية والتاريخية والإجتماعية على طول هذه الممرات الاقتصادية الهامة، خاصة في ظل الخلافات الثقافية بين شعوب آسيا الوسطى والشعوب الصينية، فالطريق ليس مجرد ممر تجاري تعبره الحافلات والبضائع، بل إنه يربط الناس مع بعضهم البعض أيضاً. لذلك طرحت، في العام 2013، مشروعاً تعليمياً مجانياً للطلبة الدونغان في الجامعة الشمالية الغربية – Northwestern University في محافظة غانزو – Gansu، بهدف إعادة ربطهم بأصولهم القومية. ولقد أكد المتخرجون من هذه الجامعة بأنهم سيكونون رسلاً على طول طريق الحرير.(7) هذا يعزز الفرضية السابقة بأن الهدف من أعمال الشعب هو تقويض جهود الصين في هذا المجال، خاصة أن دول آسيا الوسطى تعقد أمالاً كبيرة على مشاريع بكين لتنمية بلدانها اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً.
بان تركيسم Pan-Turkism
كانت حركة “بان تركيسم” تياراً سياسياً اجتماعياً كبيراً بين مثقفي أذربيجان والإمبراطورية العثمانية، وظهرت في ثمانينات القرن التاسع عشر 1880، وتهدف إلى التوحيد الثقافي والسياسي للشعوب التركية -Turkish Peoples.
إم مصطلح الشعوب التركية هو تجمع إثني – لغوي ينتشر أعضاؤه في وسط وشرق وغرب وشمال آسيا، وبعض أجزاء أوروبا وشمال أفريقيا، يصل عددهم إلى حوالي 150 مليوناً. من الناحية العرقية، الشعوب التركية هي هجين معقد من أكثر من 40 إثنية وعرق. أما الدين فهو الإسلام، المسيحية، اليهودية، البوذية، الشامانية، المانوية، اللادينية، الملحدين… إلخ. وهم جميعاً يتكلمون لغات العائلة التركية، التي تضم: الأويغورية، الأوزبكية، التركية، الأذرية، التترية، التركمانية، الكازاخية، القيرغيزية، الباشكيرية، التشوفاشية، الألطية، لغة قراشاي بلقار، لغة كارايم، لغة ساخا.(8)
يبدو واضحاً أن لتركيا مصلحة مباشرة بتوسيع نفوذها بإتجاه هذا الفضاء الحيوي الهام مستخدمة العامل القومي والديني، خاصة في ظل فشل محاولاتها الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي. فشعار “أمة واحدة في ستة دول” تم رفعه في أيام رئاسة عبدالله غول، في القمة التي انعقدت بمدينة إسطنبول يومي 15 – 16 سبتمبر/أيلول 2010، والتي ضمت تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرقيزستان وتركمنستان فيما غابت أوزبكستان عنها.
إضافة إلى ذلك، ارتد انقياد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وراء المشاريع الأمريكية في كل من سوريا والعراق على تركيا نفسها، وأصبح أمنها القومي مهدداً أكثر من أي وقت مضى؛ فأضحت المسألة الكردية ومشكلتي الإرهاب واللاجئين تشكل عبئاً سياسياً واقتصادياً على أنقرة. هذه الحقائق جميعها أيقظت لدى الأتراك الشعور بأن عضويتها في الناتو هي عضوية شكلية لا أكثر، فهذا الحلف لم يقدم لها فوائد تذكر بل على العكس كان يستخدمها كـ “رأس حربة”، وأحياناً كثيرة مطية، لتنفيذ مشاريعه في منطقة الشرق الأوسط ومواجهة الإتحاد السوفيتي سابقاً.
من هنا، تصاعد الحديث، في الصحافة الأوروبية والأمريكية، عن حركة “بان تركيسم”، بعد اندلاع ثورات ما يسمى بـ “الربيع العربي”. في الحقيقة، لا تنطلي الدوافع الغربية على أحد، فالغرب معني بشكل مباشر بخلق حالة من المواجهة مع روسيا والصين عبر أطراف ثلاثة، خاصة أن الشعوب التركية تتركز بشكل أساسي في المناطق القريبة من روسيا والصين.
استناداً إلى ما تقدم، فإننا نعتقد أن خلق حالة من التوتر في آسيا الوسطى سيتيح للدول الغربية، عبر المؤسسات الدولية المختلفة، إيجاد موطأ قدم لها بهدف التحكم في سياسات دول هذه المنطقة، التي تعاني من العديد من الأزمات الإقتصادية والسياسية أصلاً.
إسرائيل وآسيا الوسطى
يعود الإهتمام الإسرائيلي بآسيا الوسطى إلى خمسينات القرن الماضي، حيث تم وقتها اقتراح ما يسمى بـ “عقيدة المحيط” – Periphery Doctrine، حيث تدعو هذه الإستراتيجية إلى تطوير تحالفات مع الدول الإسلامية غير العربية، أو مع دول الطوق الثاني.
في هذا السياق، ثمة ملاحظة هامة يجدر التنويه إليها وهي أنه خلال الحرب العالمية الثانية، لجأ أكثر من مليوني شخص إلى دول آسيا الوسطى، نصفهم تقريباً كان من اليهود، حيث عاشوا جنباً إلى جنب مع مسلمي نلك المنطقة. من هنا، تنظر إسرائيل إلى هذا النمط من التعايش السلمي الإسلامي – اليهودي على أنه عامل معزر للثقة بإسرائيل، خاصةً أن “الصورة النمطية” لـ “اليهودي” في الذهن العربي والإسلامي هي صورة غير مرغوب بها، إضافة إلى المزاج العربي العام المعادي لإسرائيل بسبب احتلالها فلسطين.
بالتالي، تسعى كل من إسرائيل والولايات المتحدة إلى محاولة إيجاد تحالف إسرائيلي – أمريكي – إسلامي لمواجهة إيران، منذ قيام الثورة الإسلامية، إذ تصاعد الحديث عن ذلك بعد اندلاع الأزمة السورية وتعزز الحضور الإيراني – الروسي في سوريا حيث تكررت العبارة التالية “تركت الولايات المتحدة المنطقة للروس والإيرانيين”، على لسان العديد من المسؤولين الإسرائيليين وعلى مختلف المستويات.
لذلك، فإننا نميل للإعتقاد، خاصة في الظل التقارب الإسرائيلي – الخليجي، بأن إسرائيل ستحاول خلق تحالف إسرائيلي – أمريكي – إسلامي “سني” لمواجهة ما تم تصويره على أنه “مد فارسي شيعي”، وستكون دول آسيا الوسطى مصدراً للمقاتلين، لا سيما في ظل الأحوال المتردية التي تعيشها هذه الدول، كما أن “الولاء الديني والروحي” فيها هو أكثر ميلاً للسعودية منه لإيران حيث تؤكد التجارب إمكانية حصول ذلك. فمن استطاع استجلاب آلاف المرتزقة من آسيا الوسطى، قادر على إشعال تلك المنطقة بنيران الصراعات الإثنية والمذهبية.
معاهدة الوضع القانوني لبحر قزوين – “إتفاقية أكتاو”
بعد عشرين عاماً من المفاوضات الصعبة، وقعت روسيا وإيران وكازاخستان وآذربيجان وتركمانستان “اتفاقية أكتاو”، نسبة إلى مدينة أكتاو – Aktau الكازاخستانية التي استضافت قمة الدول المطلة على بحر قزوين بتاريخ 12 أغسطس/آب 2018، التي وصفها قادة الدول آنفة الذكر بـ “الوثيقة الإستراتيجية التي تمنع انتشار أي قوات في بحر قزوين، غير قوات الدول المتشاطئة معه.
من نافلة القول، تتلاقى العديد من المطامع والمصالح الجيو – سياسية والإقتصادية الأمريكية والأوروبية في بحر قزوين، كمواجهة الصين وروسيا وإيران من جهة، وتأمين ممر آمن للقوات الأمريكية العاملة في أفغانستان من جهة ثانية، إضافة إلى الثروات الباطنية الكثيرة من جهة ثالثة، وأخيراً إمدادات الطاقة إلى أوروبا.
بدأ الإهتمام الرسمي الأمريكي بمنطقة بحر قزوين، منذ 31 مارس/آذار 2008، في عهد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، حيث عينت واشنطن كليفلاند بويدن غراي -Clayland Boyden Gray منسقاً خاصاً لمسائل الطاقة في كل من وسط آسيا وبحر قزوين. بعدها، تعاقبت زيارات المسؤولين الأمريكيين إلى المنطقة، وكان آخرها زيارة مايك بومبيو، وزير الخارجية، في بداية شهر فبراير/شباط الجاري (2020).
في الواقع، يجمع الباحثون على غياب استراتيجية أمريكية أو أوروبية، خاصة ببحر قزوين تحديداً، إلا أنهم يتفقون جميعاً على أن هذه المنطقة ذات أهمية جيو – سياسية واقتصادية كبيرة. يعود سبب غياب هذه الإستراتيجية إلى أنها ستصطدم بكل من إيران وروسيا، الأمر الذي يتطلب البحث عن خاصرة أكثر هشاشة؛ في نظرنا، يعتبر اللعب على وتر الخلافات القومية والمذهبية في الإقليم البديل الأكثر نجاعة.
ختاماً، يمكننا تلخيص، مما عرضناه في الأعلى، في النتيجة الرئيسية التالية وهي أنه لا يمكن النظر إلى أحداث ماسانتشي على أنها أحداث عابرة وعفوية، بل إن هناك أصابع خفية غربية حركتها، لا سيما أن آسيا الوسطى تشكل منطقة ذات أهمية جيو – سياسية كبيرة لكل من أوروبا وإسرائيل والولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، تتشابك مصالح جميع القوى العظمى، روسيا والصين وأوروبا والولايات المتحدة، والعديد من القوى الإقليمية، كإيران وتركيا والسعودية وباكستان والهند وإسرائيل، في هذا الفضاء الحيوي الهام.
ما نتمناه هو أن لا تتحول هذه المنطقة إلى ساحة مواجهة بين هذه القوى، كما هو الحال في منطقة الشرق الأوسط، إذا أن شعوب هذه المنطقة ستكون الخاسر الأكبر.
المراجع
(1) أنظر:
https://bit.ly/3bI6PQW
(2) أنظر:
People groups in Kazakhstan, on:
https://bit.ly/3bHN8Zj
(3) أنظر:
Elisabeth Alle’s. June 2005. “The Chinese-speaking Muslims (Dungans) of Central Asia: A Case of Multiple Identities in a Changing Context”, Asian Ethnicity, Volume 6, Number 2.
(4) يان فان. 2016. “البنية الاجتماعية-المهنية للدونغان”. مشروع تخرج – جامعة سان بطرسبورغ الحكومية (باللغة الروسية).
(5) أنظر:
https://bit.ly/2SNoTk1
(6) أنظر:
OECD Report. 2018. “China’s Belt and Road Initiative in the Global Trade, Investment and Finance Landscape”.
(7) أنظر:
Zhu Yujie. 2017. “A shared destiny: Dungans and the new silk road”, in: China Story Yearbook.
(8) أنظر:
Bayazit Yunusbayev et al. 2015. “The Genetic Legacy of the Expansion of Turkic-Speaking Nomads across Eurasia”, PLOS Genetics, on https://bit.ly/39IYuuz
*خبير في مركز الأوضاع الاستراتيجية في موسكو
مصدر الصورة: العرب اليوم.
موضوع ذا صلة: بين كازاخستان ولبنان: ماذا صنع اللبَّان؟!