حوار: سمر رضوان
يعد عام 2018 عاماً غنياً بالإنجازات العسكرية في سوريا. فبعد انتهاء مؤتمر “سوتشي”، في يناير/كانون الثاني 2018، تم الإعلان عن تشكيل لجنة سورية لإعادة النظر بالدستور السوري، كما قام الجيش بعملية عسكرية في دمشق تم على إثرها تحريرها من الفصائل “الجهادية”.
تلا ذلك اتفاقية حمص، التي وقعت بجهود فريق المصالحة الروسي حيث تضمنت خروج كافة المسلحين من حمص إلى إدلب، وإعادة المؤسسات الحكومية والخدمية إليها، إضافةً إلى فتح طريق حمص – حماة، الذي أعطى الجيش السوري الفرصة للقيام بالعمليات العسكرية وتحرير جزء كبير من حماة.
حول آخر التطورات السياسية والعسكرية في الشمال السوري والتوقعات بالخطوات المقبلة على الصعيدين السياسي والعسكري بين الأطراف المنخرطة في هذا الملف، سأل مركز “سيتا” الدكتور محمود الأفندي، الأمين العام لحركة الدبلوماسية الشعبية السوري، عن هذا الموضوع.
حتمية الحل العسكري
بعد التقدم الكبير للجيش، أصبحت حتمية الحل العسكري في حلب مؤكدة خاصةً وأن حلب تشكل عاصمةً للصناعة ورئةً اقتصاديةً لسوريا، وهذا الأمر بدا واضحاً في ظل وجود مطار حلب الدولي تحت مرمى الفصائل “الجهادية”، وعدم وجود طريق يصل إلى حلب سوى الطريق الترابي بينها وبين حماة، والذي يعاني من ضعف التأهيل وعدم جاهزيته لمرور سيارات الشحن تحديداً.
بعد استقراء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ويقينه بأن الحكومة السورية ستبدأ عملياتها العسكرية في حلب سارع “مهرولاً” إلى سوتشي، في سبتمبر/أيلول 2018، حيث قابل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وتم الإتفاق على تأسيس منطقة عازلة على طريقي “إم -4 وإم -5″، بعمق 25 كلم × 30 كلم يتم فيها نزع السلاح المتوسط والثقيل، وأن يبدأ تسيرر دوريات روسية – تركية مشتركة في المنطقة بعد شهر ونصف من الإتفاق، على أن يتم في نهاية العام 2018 فتح طرق النقل الدولية بما فيها طريقي “إم -4 وإم -5″، ومطار حلب الدولي.
عرقلة التحرير
ادعت تركيا بأن المسلحين الموجودين في هذه المنطقة هم قوات المعارضة المعتدلة، ولكن في الواقع هم من عناصر “هيئة تحرير الشام” و”جبهة النصرة”. ورغم تذكير الرئيس بوتين لنظيره التركي، خلال لقاءاتها الخمسة على مدى عام وثلاثة أشهر، بهذه الإتفاقية إلا أن الموقف التركي كان يصب دائماً في خانة التسويف والتأجيل، الأمر الذي أدى إلى نفاذ صبر روسيا والبدء عملية عسكرية، نهاية العام 2019 وبداية العام 2020، حيث بدأت معركة تحرير طريق حلب – دمشق، “إم -5″، وسرعان ما قام الأتراك بمحاولة لعرقلة عملية تحريره إذ ورموا بقواتهم على منطقة سراقب فقتل 6 منهم بعد تجاوزهم مسافة 30 كلم عن نقطة المراقبة التركية مخترقين بذلك المجال الذي تم الإتفاق عليه في اتفاقية “آستانا”، مايو/أيار 2017، حيث أوضحت روسيا عبر الأقمار الصناعية أن لديها ملفات التصوير التي تثبت خرق الجنود للحيز بالدليل القاطع.
خرق متعمد
وفي خرق جديد لإتفاقية “أستانا”، قتل 46 جندياً تركياً بعدما زُج بهم في منطقة البارة، بنهاية شهر فبراير/شباط 2019، فإستشاط الرئيس أردوغان غضباً معلناً حربه على الحكومة السورية، وبدأ “يتسول” الدعم على عتبات المجتمع الدولي من خلال تفعيل اتفاقيات الناتو والأمم المتحدة ومجلس الأمن، وبدأ عمليته العسكرية في بداية مارس/آذار (2020)، وقد وصل به الأمر إلى استغلال وجود اللاجئين السوريين على حدود الإتحاد الأوروبي، وخاصة على الحدود مع اليونان، ليقوم الأوروبيين بالضغط على الرئيس الروسي لإجباره على التنازل عن بعض القرارات.
وبعد إخفاقه بتجييش الرأي العام العالمي وإصطدام صرخاته إلى المجتمع الدولي بعرض الحائط التي لم يعد إليه منها سوى صدى الفشل، سارع إلى موسكو بعد أربعة أيام من إعلان بدء الحرب ليصل مقابلاً الرئيس بوتين، في 5 فبراير/شباط 2020، وليقدم طلباته بالنسبة لمنطقة “إم -4″، لأن الجيش السوري كان قد فرض سيطرته على منطقة “إم -5″، وفعلاً تم توقيع اتفاقية “إم -4” وتتضمن هدنة سورية – تركية لمدة 5 أيام على أن يتم فتح طريق حلب – اللاذقية بعد شهر.
وكعادتها، لجأت تركيا إلى سياستها المزدوجة، بعد توقيع اتفاقية “إم -4”. وفي ظل رفضها الضمني غير المعلن للإتفاقية، قامت بالإيعاز عن طريق أجهزتها الإستخباراتية، التي تلعب دور صلة الوصل مع الفصائل التي نفذت تفجير جسرين في مدينة محمبل وجسر الشغور التي تقع تحت سيطرة “لواء تركستان”، لإرسال المقاتلين وعائلاتهم إلى الداخل السوري للإستيطان فيها، منذ 3 سنوات وأكثر.
رسائل شويغو
هذه الأحداث، إستدعت وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، للقيام بزيارة “تنبيهية” إلى دمشق، بصحبته رئيس المخابرات العسكرية، وذلك للفت النظر حول الغاية التركية من التفجيرات الأخيرة، وعدم التحرك العسكري السوري، موضحين أن تركيا ستلجأ لممارسات عدة تهدف إلى زيادة وتيرة التصعيد، ومؤكدين على جدية روسيا بالضغط الدبلوماسي القوي على الرئيس أردوغان لإجباره على تنفيذ الإتفاقية وفتح الطريق بشكل كامل، وهو الأمر الذي نأمله على المستوى القريب من أجل عودة الروح إلى الإقتصاد، وهو ما نأمله أيضاً بالنسبة إلى إدلب؛ فإتفاقية وقف إطلاق النار مؤقتة لكي يتم خلالها التفاوض بين الحكومة السورية والقوات المرابطة فيها من أجل الوصول إلى تحرير المدينة سلمياً، وإعادة المؤسسات الحكومية والخدمية إليها من جديد، وهذا الأمر يتطلب فتح المجال للسياسة والدبلوماسية لتأخذ دورها في هذا الوقت.
بالنسبة إلى روسيا، فهي لم تألو جهداً للتأكيد على محور اتفاقية “أستانا” ونتائج مؤتمر “سوتشي” الموقَّع من قبل الدول الثلاثة، روسيا وإيران وتركيا، والتي تفيد بسلامة الأراضي السورية والتأكيد على سيادتها على كامل أراضيها.
مصدر الصورة: العربية.
موضوع ذا صلة: الشاهر: لـ “سوتشي” ثلاث زوايا… وشعور تركي بـ “الخذلان”