د. عبدالله الأشعل*
فى يوليو/تموز العام 2020، من المقرر أن ينعقد في واشنطن مؤتمر إقليمي، وربما دولي، للكشف عن الملامح النهائية لـ “صفقة القرن”، كما سماها الرئيسين، الأمريكي، دونالد ترامب، المصري، عبد الفتاح السيسي، والتي بدأ العمل من أجلها منذ سنوات في تهيئة الأوضاع لإتمامها.
أيضاً، نحن نعتقد أن الزيارة الوداعية للرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش الإبن، إلى إسرائيل في ربيع العام 2008، وقبيل محرقة غزة وإعلانه في الكنيست أن إسرائيل دولة يهودية خالصة، كانت تأكيداً لقمة العقبة، في العام 2003 وضمت رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل آرييل شارون والرئيس بوش والرئيس الفلسطيني محمود عباس – أبو مازن والملك الأردني عبد الله بن الحسين، والتي أفصح فيها شارون عن الدولة اليهودية لتأتي قمة شرم الشيخ، في أواخر يناير/كانون الثاني 2009، وتأكد فيها هذا المشروع.
كشف النقاب عن ملامح “صفقة القرن” بعد أن قام تنظيم “داعش” وأطراف أخرى في الخليج، بدورهم في قمع الثورات العربية التي كانت أكبر تهديد للصفقة. كذلك، سارعت إسرائيل، وبعض دول الخليج، إلى وضع مخطط دقيق لكل من مصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق ولبنان بحيث يتم إعلان الصفقة وقد تم تفريغ الأمتين العربية والإسلامية من هويتها، وشاع مصطلح “الإرهاب الإسلامي”، وهو كلمة السر التي اجتمع عليها حكام العرب والمسلمين لكي يقضوا على هذه الأمة، وهو ما تم تداوله في لقاء الرياض بين الرئيس ترامب، الذي ركز مهمته في إقامة “إسرائيل الكبرى”، وبين الحكام العرب والمسلمين، الذين أعانوه على ذلك تحت ستار توحيد الأمة ضد الإرهاب رغم أن كل الأطراف التي حضرت هذا اللقاء ساهمت في صناعة الإرهاب واستخدامه كأداة في سياساتها الخارجية، ولكنها “تدلِّس” على العالم بهذا التحالف العالمي لمكافحة الإرهاب.
الحق أن “صفقة القرن” هي العتبة الأخيرة لقيام “إسرائيل الكبرى”، ولكن هذا المخطط بدأ في العام 1997 بتدشين المشروع الصهيوني، وإستكمالاً للإتفاق السري بين بريطانيا وفرنسا في 19 مايو/أيار 1916، المعروف بإتفاق “سايكس – بيكو” وأهم آثاره التمهيد بـ “وعد بلفور”، في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917، الذي أقر بإلتزام بريطانيا بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وهي الذكرى التي أعلنت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، تيريزا ماي، أنها تعتز بها وبدور بلادها في المشروع الصهيوني.
لكن بريطانيا لم تتوقع أبداً أن الحكام الذين نصبتهم على العروش العربية سيتولون أخطر مراحل المهمة بل ويترحمون على ثيودور هرتزل وآرثر بلفور، ويكيلون اللعنات لصلاح الدين الأيوبي وطارق أبن زياد، الذين أصبحوا عند هؤلاء مصدراً للتطرف والإرهاب.
بالعودة إلى ملامح “صفقة القرن” التي سيكشف عنها مؤتمر واشنطن وأبرزها ستة، وهي:
أولاً، تطبيق المبادرة السعودية للسلام مع إسرائيل بطريقة عكسية أي الإعتراف بإسرائيل وخداع الشعوب العربية بأن هذا الإعتراف هو ثمن مراعاة إسرائيل لحقوق الفلسطينيين. وبالفعل بدأت إسرائيل، وفق هذ المخطط، بالتحدث عن قبولها لدولة فلسطينية لكن خارج فلسطين، وبذلك تتمكن من إحياء مطالبها بالمدينة المنورة وتصبح السعودية، مقر الأماكن المقدسة، موضع تساؤل من المسلمين خاصة إذا تضمنت الصفقة إعلان القدس عاصمة لإسرائيل وهدم المسجد الأقصى الذي كان الملك فيصل يتمنى أن يصلي فيه يوماً.
ثانياً، تصفية القضية الفلسطينية، وإطلاق الإستيطان في فلسطين، وضم المستوطنات إلى “إسرائيل الكبرى”، وطرد الجيوب العربية في هذا الكيان إلى مصر، كما أشارت المصادر الإسرائيلية، والأردن وبذلك يكون الرئيس أبو مازن هو أخر رمز فلسطيني قبل زوال فلسطين تماماً مثلما حدث في الأندلس.
ثالثاً، القضاء على قوى المقاومة ضد إسرائيل، كحماس وحزب الله، وتقليم أظافر إيران في اليمن وسوريا والعراق، وتقسيم ليبيا واليمن وسوريا والعراق ولبنان، وربما في مرحلة لاحقة مصر والسعودية.
رابعاً، إستخدام الحشد العسكري العربي والإسلامي لتقسيم العراق وسوريا وطرد إيران. لذلك، تحدث وزير لخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، عن “الحرب العالمية الثالثة” التي تبدأ بضرب إسرائيل لإيران وقتل أكبر عدد من العرب حتى لا يبقي إلا هي.
خامساً، إقامة دولة كردية وتنفيذ خريطة إسرائيل بفتح الحدود بين العراق وسوريا بحيث يختفي أسم العراق وسوريا، وتتحول إلى كيانات طائفية. كذلك، تقسيم سوريا أو التأكيد على التقسيم الفعلي، المنجز من قِبل الإسلاميين الذين أسهموا اسهاماً كبيراً في تدمير الهوية العربية والإسلامية تحت شعار دعم الثورة السورية بعد أن تم خلط الأوراق في سوريا والعراق وإنشاء المنظمات الإسلامية تحت شعار نصرة الإسلام والمسلمين. وقد يكون لتركيا موقفاً مختلفاً في مسألة الكرد، لكن المخطط هو إنشاء الدولة الكردية القومية لإضعاف إيران وتركيا وضمان التناحر داخل هذه الوحدات.
سادساً، القضاء على قوة مصر بعد نزع هويتها العربية والإسلامية، وتحملها جانباً من أعباء الصفقة، ثم إعلان دولة إسرائيل اليهودية الكبرى وسط الخرائب العربية.
تلك هي أهم الملامح التي استقرءناها من مجمل التصريحات من كل الأطراف، وندعو الله أن يخيب ظننا وأن يكون الحكام العرب والمسلمون في مقدمة المدافعين عن العروبة والإسلام ضد المشروع الصهيوني، ولكن لا أظن بعد إعلان حماس وحزب الله وإيران منظمات إرهابية، رغم أن الإرهاب الصهيوني هو الذى أدى إلى كل الفصول التي نهشت الجسد العربي.
أيضاً، أعتقد أن روسيا والصين والهند ستدعى إلى “وليمة” واشنطن، التي يتم فيها اقتسام الجسدين العربي والإسلامي، وكذلك الغنائم التي تسلمها الحكام العرب المنتصرون على أمتهم. في تلك اللحظة، لا بد أن نهنئ الرئيس ترامب وكل الراحلين في هذه القبيلة الذين تمكنوا من الجسد العربي بعد أن وثقت شعوب المنطقة في أن حكامها يستحيل أن يبيعوا عروبتهم وإسلامهم.
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصور: مركز جنيف للسياسات الأمنية – ميدل إيست أونلاين.
موضوع ذا صلة: لماذا أرفض “صفقة القرن”؟