أساسيات المقاربة

السبب المباشر لكتابة هذا المقال هو أن بعض الأئمة يرددون أن الإنسان خليفة الله في الأرض. وقد سبق لنا أن أوضحنا أن هذا القول خلل في العقيدة، لأنه يتناقض مع الكليات الاساسية في القرآن الكريم. ولكن أحد علماء الأزهر المشهورين، خطب الجمعة الأولى هذا العام (2022) وأكد هذه المقولة، بل ونسبها إلى إحدى الأحاديث النبوية الشريفة. ولقد تدبرت الأمر ثانية وقررت أن أوضح الحقيقة في هذا الموضوع، فبدأت بنشر بوست صغير على صفحتي، ووجدت ردود الفعل تنم عن جهل به بل أن بعضهم علّق بأنه يرى ما يراه هذا العالِم وأنه يختلف معي، و”اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية”، فعجبت كيف أن العقيدة أصبحت رأياً ومطلوب الحرية في التعبير عن هذا الرأي.

الخلافة السياسية هي أن يخلو منصب الحاكم إما بالعزل أو الوفاه أو الاستقالة، وأن يحل محله شخص آخر من بني آدم؛ ولذلك، فإن الخلف لا يمكن أن يجتمع مع السلف تماماً، كما أن المورث لا يجتمع مع الوارث. فالوارث لا يستحق الوراثه إلا بموت المورّث.

وإذا ما نظرنا إلى فكرة الخلافة في القرآن الكريم، وجدنا أن القرآن قد استخدم كل مفردات الخلافة مثل الخلافة والخليفة والاستخلاف وخلائف، وذلك بمعانٍ مختلفة؛ فعندما وردت كلمة الخليفة في سورة البقرة، أخبر الله سبحانه وتعالى الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة ولكنهم استكثروا على الإنسان، وهم – في تقديرهم – أفضل منه والأحق بالخلافة، ولكن الله أظهر لهم أن عِلم الإنسان الذي علمه الله هو الفيصل فيمن يستحق الخلافة. فعلّم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء أن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا فقال لآدم أنبئهم بأسمائهم. ومعنى ذلك أن العلم اللدني الذي علمه لآدم هو المعيار الحاسم في استحقاقه للخلافه ثم أمر الملائكة أن تسجد له، ومعلوم أن السجود لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، ففهم الملائكة أن الله سبحانه وتعالى فضّل آدم لأنه خلقه من تراب ونفخ فيه من روحه وكرّمه ومهّد له كل شيء، رغم أن صفات الإنسان – في القرآن الكريم – كلها سلبية، وأعظم مظاهر السلبية هي الكفر بمن خلقه.

ومعنى الخلافة في هذا المقام، هو أن الله سبحانه قد اختص آدم بأعمار الأرض بعد أن نزل من الجنّة بسبب خطيئته الأولى، وأصبح الانسان يجمع بين الشيطانية والملائكيه؛ فإن غلّب الشيطانية، أغضب الله وكان مصيره النار، وأن غلّب الملائكيه صار من عبّاد الرحمن. ولكنه في كل الأحوال لا يغادر الوحدانية والإيمان بالله الواحد الأحد، وبعد ذلك يحاسب على أفعاله بطريقة عادلة.

مصدر الصورة: الجزيرة مباشر.

د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق – مصر