إعداد: مركز سيتا
أعلن القائد العام للقوات المسلحة الليبية، المشير خليفة حفتر، استجابة القوات المسلحة لتفويض الشعب وإلغاء “إتفاق الصخيرات”، وذلك خلال كلمته التي جاءت على إثر مطالبات شعبية داعمة له، حيث دعته للخروج والمطالبة بإسقاط الإتفاق السياسي مع المجلس الرئاسي، بينما فوض عدداً من النواب والفعاليات السياسية الجيش لإدارة شؤون البلاد.
كل ذلك، أثار الجدل بشأن توقيت هذه الخطوة وأسبابها خصوصاً بعد فشل حملته العسكرية على طرابلس.
خطة ذكية
دعا المشير حفتر الشعب للخروج وإسقاط المجلس الرئاسي واختيار الجهة التي يرونها مناسبة لقيادة المرحلة على أن تكون القوات المسلحة الضامن لها، وذلك على خلفية إرتكاب المجلس الرئاسي جرائم ترتقي إلى الخيانة بعد أن جلب المحتل التركي والمرتزقة السوريين إلى البلاد، بحسب مصادره. هذا الأمر، دفع بالشعب للخروج بالمئات ضمن مسيرات في عدة مدن ليبية، مثل بنغازي والمرج وإجدابيا، من أجل تفويض اللواء حفتر وللتعبير عن سخطهم إزاء حكومة “الوفاق”، التي يرأسها فائز السراج، مؤكدين على ضرورة الوقوف إلى جانب الجيش الوطني الليبي في هذه المعركة.
وفي هذا السياق، قال عضو مجلس النواب سعيد امغيب “نبارك ما جاء في كلمة القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر”، معلناً تفويضه الكامل للقيادة العامة للجيش لتولي قيادة البلاد وإعادة الأمور إلى نصابها بعد الفشل الذريع للإتفاق السياسي وكل الأجسام السياسية الحالية.
مبادرة غير مباشرة
مما لا شك فيه أن هناك تغييراً في المشهد السياسي الليبي بعد إعلان المشير حفتر إنسحابه من “إتفاق الصخيرات”، الذي تتمسك فيه حكومة الوفاق، حيث يرى بعض المراقبين بأن هذه الخطوة لها وجهتها ومبرراتها من أجل العودة إلى الحوار والتفاوض وبحث سبل من شأنها حلحلة الإنسداد السياسي دون إجابة تذكر من قبل حكومة الوفاق.
ويرى الخبير السياسي الجزائري، توفيق قويدر شيشي، أن الغرب لم يتفهم طبيعة الإعلان الذي أصدره القائد العام للقوات المسلحة فجاء توصيفه للإعلان بالإنفرادي تحيزاً وتجاهلاً للقاعدة الشعبية وامتلاكه لنحو 90% من إجمالي الأراضي الليبية. كما أن هناك مبررات لهذا القرار المنطقي فهناك تناقض في موقف السراج الذي يدعو لحل سياسي فيما يتجاهل دعوات المشير حفتر التي تكررت خلال برلين وروسيا من قبل، مضيفاً “أن الشرعية الشعبية هي الآن مفتاح الحل أمام حفتر خاصة وأنه قد يجبر الجميع على تدارك مواقفهم فالأزمة ليبية – ليبية والجميع عليه ألا يتدخل مثل هذا التدخل السافر والمنحاز لطرف على حساب الآخر.”
من هنا، يرى الكثير من المراقبين أن الرفض الدولي لقرار المشير حفتر “غير مبرر” خصوصاً وأن الشرعية الدولية التي منحوها لحكومة الوفاق أججت الصراع بدلاً من أن تكون الحل لا سيما لجهة التدخل التركي وإرسال المرتزقة من سوريا، حيث أشار أحمد المسماري، الناطق بإسم الجيش الوطني الليبي، إلى إستقدام نحو 17 ألف إرهابياً علناً، مع تأكيده على النوايا الغربية الطامعة في ثروات الطبيعية في البلاد، حيث تشكل ليبيا “المفتاح” الأساس للقارة السمراء.
إنسحاب عبثي
قال المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني إن المشير حفتر إنقلب على الهيئات السياسية التي دعمته وعينته، ودعا المجلس الأعلى للدولة في ليبيا إلى ضرورة القضاء على المشروع العسكري الذي يقوده، في حين رفض مجلس النواب الليبي – طرابلس الإعلان عن إسقاط “إتفاق الصخيرات” السياسي، واصفاً ذلك بأنه عبث بمصير البلاد. كما طالب المجلس، المجتمع الدولي والبعثة الأممية، بإتخاذ إجراءات ضد الجرائم التي ارتكبها المشير حفتر وطالت الأبرياء وهددت السلم المجتمعي للبلاد.
إلى ذلك، أعلنت حكومة الوفاق الوطني رفضها الهدنة التي عرضها المشير حفتر خلال شهر رمضان، معتبرة أن هذا الأمر يحتاج إلى رعاية وضمانات دولية.
إنقلاب على الإنقلاب؟
وجه وزراء خارجية كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكبير دبلوماسيي الإتحاد الأوروبي دعوة مشتركة إلى هدنة إنسانية في ليبيا، مشددين على ضرورة إستئناف محادثات السلام، داعين جميع الأطراف إلى الإستلهام من روح شهر رمضان المبارك في سبيل وقف حقيقي لإطلاق النار.
وكانت الأمم المتحدة، ومعها عدة دول غربية وعربية، قد دعت طرفي النزاع إلى وقف فوري للأعمال القتالية لمواجهة خطر تفشي وباء “كورونا” في البلاد، لكن أياً من هذه الدعوات لم تلق استجابة مع استمرار التصعيد العسكري، حيث اعتبرت القائمة بأعمال مبعوث الأمم المتحدة الخاص، ستيفاني ويليامز، أن ليبيا تتحول إلى “حقل تجارب لكل أنواع الأسلحة الجديدة” مع إرسال مؤيدي طرفي الحرب أسلحة ومقاتلين إلى هناك في انتهاك للحظر، مشيرة إلى أن “أسلحة واردة من الخارج أججت موجة القتال الجديدة”.
فعلى الرغم من لقاءات عدد من زعماء الدول، برلين في يناير/كانون الثاني 2020، لإرساء أسس ما كانوا يأملون في أنه فرصة جديدة لعملية السلام، إلا أن ذلك لم يتحقق بسبب تعنت الأطراف على مواصلة القتال، حيث أعلن الإتحاد الأوروبي خشيته من أن يؤدي الصراع إلى تفاقم الإضطرابات في المنطقة، ويزيد من تدفق المهاجرين من الشرق الأوسط وإفريقيا.
من هنا، رفضت الأمم المتحدة والقوى الدولية الكبرى إعلان المشير حفتر إسقاط “إتفاق الصخيرات” وحصوله على “تفويض شعبي” يسمح له بقيادة ليبيا، وهي الخطوة التي اعتبرتها حكومة الوفاق بمثابة “إنقلاب جديد”، حيث قال ستيفان دوجاريك، المتحدث بإسم الأمين العام للأمم المتحدة، إن الإتفاق هو الإطار الدولي الوحيد للإعتراف بالوضع الليبي، في إشارة إلى أن حكومة الوفاق الوطني هي الحكومة المعترف بها دولياً، وأن أي تغيير سياسي يجب أن يكون عبر الوسائل الديمقراطية لا العسكرية.
بدورها، أكدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني وليامز، أن الاتفاق السياسي الليبي والمؤسسات المنبثقة عنه هما الإطار الوحيد المعترف به دولياً، وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، في حين وصف متحدث بإسم المفوضية الأوروبية قرار المشير حفتر بأنه تصرف آحادي الجانب وغير مقبول، كما ندد البرلمان الأوروبي بدوره.
إلى ذلك، أكدت إيطاليا أنها تدعم الشرعية المعترف بها دولياً، وأن أي قرار يخص مستقبل ليبيا يجب أن يتخذ بشكل توافقي، أما فرنسا فقد أكدت أن الصراع في ليبيا لا يمكن حله من خلال قرارات منفردة بل عبر حوار تدعمه الأمم المتحدة.
أما واشنطن فقد أعربت عن أسفها من الإعلان، إذ أكدت السفارة الأميركية لدى طرابلس أن التغييرات في الهيكل السياسي الليبي لا يمكن فرضها من خلال إعلان ىحادي الجانب، لكنها في المقابل رحبت بأية فرصة لإشراك المشير حفتر وجميع الأطراف في حوار جاد بشأن كيفية حلحلة الأزمة وإحراز تقدم في البلاد.
من جهتها، أعلنت موسكو على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، إنها لا تدعم تصريحات المشير حفتر مشيرة بأن الشعب الليبي وحده هو الذي يقرر كيف يعيش. على المقلب التركي، قال المتحدث بإسم حزب “العدالة والتنمية”، عمر جليك، إن المشير حفتر سعى للقيام بمحاولة إنقلابية، مؤكداً أن بلاده مستمرة في دعم الحكومة الشرعية في ليبيا، وهي حكومة الوفاق المعترف بها دولياً.
مصرياً، أكد المتحدث بإسم وزارة الخارجية تمسُك بلاده بالحل السياسي، وبمبدأ البحث عن تسوية سياسية للصراع رغم وجود خلافات بين الأطراف الليبية حول كيفية تنفيذ ذلك.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: الجزيرة – إيلاف.
موضوع ذا صلة: إياناريلي: السياسات الأوروبية رهن بالأميركية.. وإيطاليا فقدت دورها في ليبيا