د. أحمد أديب أحمد*
إن قضية الجوع قضية عالمية، فهناك مشكلة أمنية غذائية حادة عالمياً، إذ إن أكثر من 820 مليون شخص ليس لديهم طعام كافٍ، أي بمعدل 1/9. ومن بين هؤلاء، هناك 113 مليون شخص يتحملون الجوع الشديد مما يشكل تهديداً مباشراً على حياتهم وسبل عيشهم.
لذلك، يعتبر الأمن الغذائي من أولويات أية سياسة حكومية لأنها ترتبط بإستمرار الحياة الإنسانية، وخاصة في ظل الصراع ما بين الطلب والعرض على الغذاء، حيث يتجاوز الطلب عرض الموارد الغذائية المتاحة بفجوة كبيرة جداً.
أساليب للتطويع
هناك خطة عالمية جهنمية لتحديد الحياة على كوكب الأرض من خلال تصفية أكبر عدد ممكن من البشر بإستخدام عدة أساليب ومنها الإرهاب، كما رأينا في سوريا وليبيا، والإحتلالات المباشرة، كما في فلسطين المحتلة والعراق واليمن، والجوع، كما نرى في دول إفريقيا، واستغلال وباء “كورونا”، كما نرى في معظم دول العالم، بالإضافة إلى العديد من الخطط التي لا زالت في طور التنفيذ.
أيضاً، إن العمل جار اقتصادياً على إفقار الكثير من الدول، ومنع الغذاء والدواء والموارد اللازمة للحياة من الوصول اليها، من خلال فرض قيود على التصدير؛ ولو استمر الأمر على هذه الحال، سنشهد تغيرات كبيرة جداً على كوكب الأرض، وحالات موت هائلة، ودول تتصدر قيادة العالم، ودول تكون بمقام العبودية لها. فهل نعود إلى عصر الرق والعبودية؟
لا أحد يدري إلى أين تتجه الأمور، لكن بالتأكيد هناك خطر كبير على الحياة الإنسانية، ومن المتوقع حدوث تراجع اقتصادي على المستوى العالمي، ومن المرجح أن ينسحب ذلك على الإقتصادات النامية. وفي هذا السياق، يمكن للتراجع الإقتصادي أن يزيد من تفاقم مشكلة الأمن الغذائي، حيث إنه يحد من قدرة الأفراد للوصول إلى المواد الغذائية بطرق مختلفة، من بينها إنخفاض الدخول أو ارتفاع معدلات انعدام الأمن الوظيفي.
حرب الوجود
لا شك بأن الحروب التقليدية لا غنى عنها، فهي أداة من أدوات الصراع، مهمتها التصفية المباشرة للدول والحكومات المعاندة للسياسيات الصهيونية العالمية. وقد يكون الأمن الغذائي هو عنوان هذه المرحلة، فالصراع على مصادر الغذاء كان قائماً في السابق لكنه أخذ أشكالاً متعددة، حيث كان شكله السابق يتمثل بالتبعية للدول الرأسمالية الصناعية، التي تستورد المواد الغذائية والزراعية بأقل الأثمان وتعيد تصديرها مصنعة لنفس الدول بأعلى الأثمان، وهو ما يسمى بـ “الإرتهان الإقتصادي”.
لكن الأمور فاقت الحد المسموح به إنسانياً، وبات الموضوع يتعلق بالوجود، أي حرب الوجود، في ظل ندرة الموارد المتاحة، والإنسان يَقتل سواء جاع أو شبع. من هنا، بتنا نرى مؤشرات الإرهاب والجريمة كيف تصاعدت في الآونة الأخيرة، وبالتأكيد لن تتوقف الأمور ضمن حدود الدولة الواحدة، فما قامت به الدول الغربية في حربها على سوريا من محاولة لفتح الحدود وعدم القدرة على ضبطها، يعني أن الحرب تنتقل من الداخل إلى الحدود إلى الخارج، ليس عبر الدول، بل عبر ميليشيات وتنظيمات إرهابية متعددة الانتماءات، مسيرة بإيديولوجيات دينية وسياسية، ومرتهنة للغذاء والحياة؛ فالمشهد القادم يحمل هذه الصورة القاتمة للعالم، خاصة في الشرق الأوسط.
مقومات الإستقرار
يجب العمل على تثبيت المقومات الخاصة بتأمين أمن غذائي مستقل في سوريا، ويمكننا أن نلخصها في عدة بنود أساسية:
1. البيئة السياسية المستقرة، أي التي تتصف بالسلام والأمن والاستقرار وانعدام الصراعات الداخلية، وانعدام وجود الإرهاب والفساد.
2. البيئة الإجتماعية المستقرة، التي تعمل على تعزيز حماية حقوق الإنسان، وخاصة الحق في التنمية؛ أي نصيب الفرد من عوامل التنمية (بنى تحتية جيدة- خدمات- تعليم- صحة- سكن جيد….)، وكذلك العمل على تحسين مستوى التنمية الريفية.
3. البيئة الإقتصادية المستقرة، والتي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
– قسم يتعلق بالعلاقات الدولية من خلال تنظيم الإتفاقيات والسياسات المتعلقة بالتجارة في السلع الغذائية والزراعية بشكل خاص.
– قسم يتعلق بالمواطنين، حيث يجب مواجهة الفقر ورفع المستوى المعيشي للمواطن والقضاء على الطبقية (أي تحقيق المساواة).
– قسم يتعلق بالخطط الحكومية، ويتمثل بتأمين الإستقرار في عدد السكان، وتأمين البيئة النظيفة والمتوازنة من خلال مكافحة التلوث البيئي. كذلك، الإستثمار في مجالات تنمية الموارد البشرية والبحوث والبنية الأساسية، وهو ما ينعكس مباشرة على دخل المواطنين ومستوى وعيهم بالدرجة الأولى، وتأمين مستلزمات الحياة ببساطة بالدرجة الثانية.
أيضاً، يجب على الخطط الحكومية توجيه استثمارات القطاعين الخاص والعام لإنتاج الأغذية الأساسية من جهة وتعزيز الموارد البشرية، هذا من جهة. من جهة ثانية، يجب أن تكون فاعلة في عملية الإنتاج، كما أنه من المهم وضع أنظمة دقيقة لإدارة الثروة الغذائية والزراعية والسمكية والحرجية.
خطوات ضرورية
يجب أن نكون على أهبة الاستعداد لمواجهة الصراع على الغذاء والخلل في الأمن الغذائي؛ بالتالي، مواجهة الجوع الذي نتخوف من حدوثه في سوريا وذلك من خلال وضع خطة حكومية تكتيكية إستراتيجية تقوم على ما يلي:
1. تزويد صغار المزارعين والرعاة بالبذور والأدوات والأعلاف وغيرها من المدخلات الزراعية وكذلك دعم الصحة الحيوانية والدواجن، حتى يتمكنوا من الإستمرار في توليد الدخل وإنتاج الغذاء لأسرهم ومجتمعاتهم المحلية.
2. دعم القوة الشرائية للناس بتقديم مبالغ مالية (غير مشروطة أو النقد مقابل العمل)، حتى تتمكن الأسر الفقيرة من تلبية الإحتياجات المنزلية الحرجة دون اللجوء إلى بيع أثاث منازلها (وهو ما سميناه “حماية إجتماعية”).
3. العمل على زيادة صلابة ومرونة الأنظمة الغذائية من خلال دعم إنتاج الغذاء وتأمين البدائل المختلفة منه.
4. تعزيز إدارة الأسواق وبناء فائض منها لمنع الاضطرابات في حركة العرض والطلب.
5. يجب ألا تتوقف النشاطات المرتبطة بالإنتاج والتخزين والتوزيع والمعالجة والتعبئة والتغليف والتجزئة والتسويق فيما يتعلق بالأغذية.
6. إستثمار الأيادي العاملة (خاصة أهالي الشهداء والجرحى والمسرحين من الخدمة العسكرية) من خلال العمل تشغيلهم في مصانع إنتاجية، وفي القطاع الزراعي بشكل خاص.
7. إقامة برامج طوارئ لزيادة المخزون، ومساعدات غذائية للفئات الأكثر احتياجاً، بالإضافة إلى خفض الرسوم على واردات الغذاء.
8. مكافحة الفساد الداخلي بكافة أشكاله، خاصة في الأسواق، ومكافحة “تجار الأزمة” الذين يخلقون أزمات سعرية وإحتكارية للمواد الغذائية.
9. ترشيد الإستيراد بشكل يُلزم الموردين استيراد المواد الأساسية فقط، دون استيراد المواد الكمالية، والمراقبة الحكومية الكاملة على هذه المستوردات نوعاً وسعراً وكماً بما يخدم الخطة الحكومية لإنقاذ البلاد من أية مجاعة مرتقبة.
*أستاذ الإقتصاد في جامعة تشرين – سوريا.
مصدر الصور: فرانس 24 – العرب.