لم تقف جائحة “كورونا” التي تعصف بالعالم، في طريق تنفيذ المخطط الأمريكي – الإسرائيلي على منطقة الشرق الأوسط على الرغم من الأخطار المحدقة بالجميع دون إستثناء، بمن فيهم الولايات المتحدة وإسرائيل، رغم أن حدة الصراع قد هدأت قليلاً مع بداية الجائحة، لكنها ما لبثت أن تصاعدت تباعاً.
نشطت مؤخراً القوات الأمريكية في نقل العتاد العسكري من العراق إلى سوريا، عبر معبر الوليد. فبالرغم من أن شعار حملة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الإنتخابية هو سحب القوات العسكرية من مناطق الصراع التي تتواجد فيها، إلا أن أياً من هذا لم يحدث لا بل على العكس زاد التموضع الأمريكي في أكثر من المتوقع.
مخطط قديم – جديد
مع بروز إتفاق كان من الممكن أن يكون ناجعاً بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية، في العاصمة القطرية – الدوحة، إلا أن الإتفاق فشل إلى حد ما حيث كان أبرز سيناريوهاته تخفيض واشنطن لعديد قواتها هناك، لكن هذا لم يحدث.
وإذا ما ربطنا مع ما يحصل في العراق لا سيما ما بعد إغتيال الفريق قاسم سليماني ورفاقه، يمكن التأكيد بأن لا إنسحاب امريكي على الرغم من الإتفاقية الأمنية المشاركة التي تم التصويت عليها في البرلمان. فما أن إستشعرت واشنطن الخطر حتى بدأت بتحريك ملفات قديمة كانت بحكم المنسية، أبرزها الإجتماع بزعماء عشائر الأنبار ودعم قاعدة عين الأسد بمنظومات صاروخية متطورة، ما يؤكد وضوح النوايا الأمريكية.
أما فيما يخض الإعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، فلقد تركزت على الشريط الحدودي ما بين العراق وسوريا، لتتطور لاحقاً وتستهدف مواقع الحشد الشعبي ضمن العراق، ومواقع إيرانية ولبنانية، أي حزب الله في سوريا، حيث جاء هذا الأمر في سياق تخريب أية جهود لتأمين المنطقة خاصة من الناحية الإقتصادية. وإذا ما عدنا قليلاً بالزمن إلى الوراء خصوصاً مع إفتتاح معبر القائم – البوكمال الحدودي الذي كاد أن يحقق إنفراجاً لعدد من الدول من بينها إيران ولبنان، يمكن ملاحظة أن إسرائيل قد كثفت من هجماتها، ما وضع الطريق التجاري في خطر؛ بالتالي، العامل الاقتصادي هنا، قد يكون غير ذي قيمة في ضوء تلك المستجدات.
تجديد الإستثمار
يبقى الملف الأخطر من كل ذلك، عودة تنظيم “داعش” الإرهابي إلى تجديد نشاطه، بعد أن أعلن التحالف الدولي بقيادة واشنطن قضائه عليه، حيث كانت البداية في إعادة تفعيل حساباته على مواقع التواصل الإجتماعي، ثم العمل الميداني إذ تركز هجومه الأول على البادية السورية، وسط البلاد، مستهدفاً حقول الغاز في المنطقة، كحقلي الشاعر والتيم، الأمر الذي دفع سلاحا الجو السوري والروسي إلى التدخل وتعطيل الهجوم، ليلي ذلك إستهدافات متفرقة في أرياف الرقة ودير الزور ناهيك عن إرتكاب مجازر بحق المدنيين.
بعد أن تم الإعلان عن إنتهاء التنظيم، من قوى التحالف نفسها، خلال المعركة الأخيرة الفاصلة في منطقة الباغوز ودحر آخر معاقل التنظيم على يد قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، يبقى السؤال المحوري: من أين جاء هؤلاء؟
قامت قوات قسد، المدعومة أمريكياً، بإعتقال الكثير من عناصر التنظيم فيما تمركزت عائلاتهم في مخيم الهيل والركبان، الواقعان تحت سيطرة واشنطن و”قسد”، لكن العصيان الذي حدث بسجن الصناعة المركزي، في مناطق سيطرة قسد في الحسكة، كان مقدمة لإعادة إحياءهم من جديد، فلقد تواترت معلومات كثيرة عن قيام واشنطن بنقل قيادات منهم إلى العراق، وتحديداً إلى قاعدتها في أربيل، وما هي إلا مسألة وقت حتى صد الحشد الشعبي هجوماً للتنظيم قرب مدينة صلاح الدين، ما يعني أن الهدف الأمريكي إبقائها كحاجة للعراق من أجل حمايتها من هجمات “داعش”، الذي يختفي ويظهر بحسب المصلحة الأمريكية.
لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فلقد وصل إلى مناطق سيطرة “قسد” وفد فرنسي للتباحث حول عناصر التنظيم من حملة الجنسية الفرنسية، إذ أن باريس لا ترغب في عودتهم إليها بأي شكل من الأشكال إنما الإستثمار فيهم، بحسب الحاجة.
جاء هذا كله وسط صمت تركي مريب حيث لم تعلق أنقرة على كل ما وقع من أحداث ما يدل على أن الجميع موافق على إعادة زخم المعارك إلى المربع الأول، رغم عدم وضوح النتائج، لكن يبدو بأن مصلحة جميع الأطراف تتطلب ذلك.
ترابط الملفات
وبالإنتقال إلى سوريا، لم تتوقف الإدارة الأمريكية عند موضوع “داعش”، فهي تريد قطع الطريق الإقتصادي الذي قد تستفيد منه إيران؛ فتحريك ملف الجنوب السوري مجدداً، يستدعي الوقوف عنده خصوصاً بعد تكرر الهجمات الإرهابية رغم أن المنطقة تخضع لتسوية مبرمة تم فيها سحب السلاح الثقيل من التنظيمات الإرهابية والإبقاء على الخفيف منه فقط، فكان الهجوم الأخير على إحدى المخفر ناحية مزيريب والذي خلف وراءه تسعة شهداء من عناصر المخفر. ليس هذا فحسب، بل عاد مشهد قتلهم أمام العامة والتمثيل بجثثهم مجدداً من أجل دب الرعب لدى الأهالي وهو ما يؤشر إلى تصاعد الخطر في المنطقة وبالتالي إشتعال الجنوب السوري، الذي يعتبر منطقة مهمة إقتصادياً للبلاد لا سيما لجهة الخليج حيث يمر فيه الطريق الذي يربط طهران بدمشق بعمان؛ بالتالي، إن قطع هذا الأمر يتماهى مع ما جاء على ذكره جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي على سوريا، وقرار واشنطن تفعيل “قانون سيزر” مطلع يونيو/حزيران المقبل (2020).
هذا الملف يعتبر إمتداداً لخطة إعادة إطلاق تنظيم “داعش” وفتح عدة جبهات معاً وفي وقت واحد، وليس آخرها الغارة الإسرائيلية الأخيرة، على مواقع عسكرية بريف حلب الشرقي، حيث قامت الطائرات الحربية بإستخدام أجواء قاعدة “التنف”، التي تسيطر عليها القوات الأمريكية على المثلث السوري العراقي الأردني، بعد يومين من أحداث درعا ما يعتبر رسالة متعددة الأهداف وتصب فيما ورد أعلاه.
أخيراً، إن إعادة خلط الأوراق في الشرق والجنوب السوري، وأيضاً في العراق، يبين أن واشنطن تنوي البقاء بقوة في البلدين لتكون اللاعب الرئيس في أية مفاوضات سياسية مقبلة، لا شريكاً فيها فحسب، إذ لأن الوضع الميداني مقبل دائماً على الإنفجار في أية لحظة خاصة بعد وصول مسؤول إيراني، أمير علي حاجي زادة، مؤخراً إلى سوريا والعراق.
والسؤال: هل تنجح واشنطن بإنجاح مخططها أم سيلقى مقاومة؟ الجواب ستحدده التطورات المرحلية الحالية والمقبلة على حد سواء.
*المدير التنفيذي في مركز سيتا.
مصدر الصور: أخبار الآن – RFI.
موضوع ذا صلة: بكر: لا رغبة حقيقية للقوى الكبرى إنهاء الإرهاب في الشرق الأوسط