بعد نحو أسبوعين على “حرب الخطابات” ضد روسيا الصادرة عن الولايات المتحدة، وجهت فيها القيادة العسكرية في أفريقيا – أفريكوم اتهامات إلى موسكو بدعم مئات من مرتزقة “فاغنر” على الأراضي الليبية، وهي المرتزقة التي تفيد عدد من التقارير بإنتشارها في سوريا وشرق أوكرانيا بالإضافة إلى مناطق النزاعات الساخنة، منها جمهورية أفريقيا الوسطى. بعد هذه الإتهامات، قال السفير الأميركي في ليبيا أن حكومة بلاده تعتزم استخدام كل دعمها للمساعدة على فرض تهدئة للأزمة الليبية.
قائد قوات أفريكوم، الجنرال ستيفن تاونسند، كان قد حذر قبل أيام من أن روسيا تسعى إلى قلب الموازين في ليبيا عبر مجموعات المرتزقة، من بينهم “فاغنر”. يأتي ذلك بعد حديث صحف تركية عن إقلاع ثمان طائرات حربية روسية من طراز “ميغ – 29″ و”إس يو – 24” من سوريا بإتجاه ليبيا لدعم القوات الموالية للمشير خليفة حفتر. المؤكد أيضاً، أنه ليس فقط سرب من الطائرات الحربية الرهيبة انتقلت إلى ليبيا قادمة من سوريا بعد نهاية الحرب الدولية والإقليمية على أراضيها لصالح الجيش السوري والقوى الدولية والإقليمية الداعمة له، لكن من الممكن أن نشهد حرباً مستعرة في ليبيا أشد ضراوة من معارك حفتر – السراج الساخنة التي إنتهت بخسارة قوات المشير “العروبي” لآخر معاقلها بعد سلسلة من الهزائم.
بعد الإنتكاسات التي منيت بها القوى الدولية والإقليمية في سوريا واتضاح عدم جدوى نقل هذه الحرب إلى اليمن والتورط في “أرض جهنم”، تبقى منطقة جنوب الحوض المتوسط أهم مناطق التأثير في المنطقة الإقليمية ككل وضمن الموازين الدولية أيضاً. فليبيا، وإلى جانب موقعها الجيو – سياسي والإستراتيجي وتأثيرها في قارتين آسيا قبل أفريقيا، هنالك احتياطات هائلة من النفط هي التي تحرك روسيا وتركيا والولايات المتحدة وحلفائها من العرب.
إن الحرب الدولية والإقليمية في ليبيا تحركها نزعتين؛ النزعة الأولى، المصالح الأجنبية في المنطقة، وتتعلق بصراع المصالح الغربية والروسية والصينية، فضلاً عن الآمال التوسعية من الجانب التركي لاستعادة الإرث القديم بما يُمكن أنقرة من توسع سلسل نحو باقي ما يسمى شمال أفريقيا حيث الإحتياطات النفطية الواعدة وسرعة قياسية في التطور الإقتصادي وفي البُنى التحتية، والأهم في هذه المعادلة الحضور القوي لتيارات سياسية تتقاسم نفس الولاء الأيديولوجي مع الحزب الحاكم في تركيا، تواجهها أحزاب علمانية معارضة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها باتت كـ “الدمى” الإستعراضية.
أما النزعة الثانية، فهي السياسية التي تثير مخاوف كل من مصر والإمارات والسعودية المتوجسة من التيار الإخواني المدعوم من قطر والذي أمست تركيا مركزه العضوي، فضلاً عن المغرب الذي يقف بدوره متوجساً في صمت متشبثاً بمخرجات مشاورات “الصخيرات”، التي ندعمها بكل قوة، أمام تزايد شعبية حزب “العدالة والتنمية” التي لم تستطع النيل منها جميع الحروب التي شنت عليه. يأتي ذلك في وقت يرفع فيه أنصار تركيا في المغرب هُتاف النصر على الطرف المناوئ في ليبيا؛ في نفس الوقت، فشلت جميع محاولات الإطاحة بتيار الإخوان في الجارة تونس، حيث حكمت الأحزاب العلمانية على نفسها بحرق آخر أوراقها السياسية بعد الحلقات “الفرجوية” التي انتهت بمهزلة جلسة المساءلة الأخيرة في البرلمان لرئيسه زعيم حركة النهضة ذات التوجه الإخواني، والتي خرج منها راشد الغنوشي مبتسما.
تخفي الإنقسامات السياسية البئيسة المأساوية في بلدين مغاربيين، التي خلفها الانتصار التركي خلف غطاء حكومة التوافق برئاسة فائز السراج، خلفها أزمات ستظهر، في المغرب خاصة، بعد فشل مطالب حكومة وحدة وطنية أو حكومة انقلابية على الإختيار الديمقراطي لنتائج الصناديق. ستظهر خلال الإنتخابات النيابية القريبة بالمملكة، أما في تونس فالميدان سيكون ساخناً تعقده تداعيات الجائحة على الإقتصاد، وإصرار أحزاب ما بات ينعت باليسار الإماراتي على هدم المسار الديمقراطي الذي سالت من أجله دماء زكية وزهقت في سبيله أرواح كثيرة.
يبقى الخيار الوحيد في ليبيا، لإنهاء الصراع، هو الجلوس على طاولة واحدة للحوار، وهو خيار صعب التحقق، لأن من صار يملك الأرض اليوم هو الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وهذا لن يرضي الجانب الروسي، فضلاً على أن الحضور الفرنسي هو بمثابة لعنة، كما ترى الولايات المتحدة في أفريقيا منطقة عسكرية مدججة بقواعدها المتأهبة لن تترك، إلى جانب حلفائها في الخليج زائد مصر، المجال خالياً لقيام “حكومة تركية” إلا إذا ضمنت مصالحها المهددة بقوة. هذه المصالح، طبعاً، مهددة من روسيا التي تسعى إلى أن تصير ملكاً للبترول على العالم، يقويه تهديد الصين العازمة كل العزم على بسط نفوذها الإقتصادي والتجاري في المنطقة بظل الإنقسام العربي بين داعم لكل من المشير حفتر والسيد السراج، في حرب بين الإخوة، تحولت إلى فتنة خطيرة لا يقبلها لا ضمير حي ولا دين حنيف.
والسؤال هنا: هل تكون المرحلة القادمة مرحلة حرب دولية تحت غطاء محاربة الإرهاب خاصة تنظيم “داعش” وما يتفرخ منه، كما حدث في سوريا، مع وجود تنظيمات إرهابية هائلة في الصحراء لدى فرنسا القدرة على تحريكها بإتجاه ليبيا، خاصة في شمال مالي، ومرتزقات من الأفارقة تمولها باريس وتدعمها قواعدها العسكرية المنتشرة كالفطر في الساحل الافريقي؟
طبعاً، إن التحالف المصالحي الأميركي – الإسرائيلي، سيكون لاعباً رئيساً لقلب كل معادلة تتعلق بالتقارب أو التصالح في ليبيا، ما دام المؤكد، أن هذا التوافق لن يكون في صالح القوى الإقتصادية العظمى في الغرب، بقدر ما سيكون نصراً لتركيا ودعماً لحضورها ميدانياً، ما يُنذر بصيف ساخن.
صحفي ومحلل سياسي عربي – المغرب.
مصدر الصور: تلفزيون المشرق – العربي الجديد.
موضوع ذا صلة: طرابلسي: تركيا تريد إقامة مستوطنات في ليبيا