إريك زويسي*

غالباً ما تقارن الدنمارك بالسويد فيما يتعلق بالتعامل مع فيروس كورونا نظراً لأن هذين البلدين الإسكندنافيين يشتركان في العديد من النقاط، لكن كل واحد فيهما تبنى نهجاً مختلفاً تماماً في التعامل مع تحدي الفيروس. وفي حين اتبعت السويد نهجاً تحررياً (من خلال الحد من اللوائح التنظيمية) بهدف تطوير ما يسمى “مناعة القطيع”، لجأت الدنمارك إلى نهج مغاير بفرض تدابير التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة وما إلى ذلك.

كما ذكرت في تقرير نشر في 22 أبريل/نيسان بعنوان “لماذا ستواجه الولايات المتحدة فقراً مدقعاً”، تطرقت في جزء منه إلى هذين البلدين، فإن أداءهما الفعلي حتى الآن كالتالي: يقدر عدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا في الدنمارك 1329 (الحالات لكل مليون نسمة) بلغت ذروتها في السابع من شهر أبريل/نيسان. وفي السويد وصل عدد الإصابات إلى 1517 لتبلغ ذروتها في الثامن من شهر أبريل/نيسان. تعدّ هذه الإحصائيات معقولة مقارنة بكل من ألمانيا والمملكة المتحدة وتركيا وإيران، ولكّنها ليست جيدة بقدر كوريا الجنوبيّة، ولم تقترب حتى من الصين واليابان اللذان يعتبران الأفضل في التصدي للجائحة.

في الحادي عشر من مايو/أيار، نشرت تقريراً بعنوان “تراجع نسبة المصابين بكورونا في الولايات المتحدة من إجمالي الحصيلة العالمية”، وتحدثت في هذا التقرير أيضاً عن الدنمارك والسويد. فقد تغيّرت الإحصائيات في هذين البلدين اعتباراً من العاشر من أيار/ مايو، حيث بلغ عدد الإصابات في الدنمارك 1782 (+34%) بينما ارتفع عدد الإصابات في السويد ليصل إلى 2567 (+69%). ومع مرور المزيد من الوقت، بات جلياً أن سياسة الدنمارك أكثر فعالية في خفض عدد الحالات مقارنة بالسويد.

في حين لم تُجرِ السويد سوى 14704 اختباراً لكل مليون نسمة (وهي نسبة منخفضة جداً)، أجرت الدنمارك 53345 اختباراً لكل مليون نسمة (وهي نسبة عالية للغاية). وبينما تتبع السويد، التي ما فتئت تحدّ من اشتراكيتها وتزيد من تحررها، نهجاً تحررياً ملحوظاً في التعامل مع فيروس كوفيد-19، فإن الدانمارك، التي لا تزال اشتراكية، تتبع نهجاً اجتماعياً بشكل ملحوظ. وفي الواقع، يعدّ النهج الذي تبنّته الدنمارك أفضل بكثير من النهج الذي تبنّته السويد فيما يتعلق بالحفاظ على معدلات الإصابة بالفيروس منخفضة.

أما فيما يتعلق باقتصاديات هذين البلدين، فقد بلغ معدل البطالة في الدنمارك، في نهاية شهر مارس/آذار 2020، 4.1% بواقع 170 ألف عاطل عن العمل. وحتى 5 من مايو/أيار، بلغ عدد العاطلين عن العمل 180 ألف، لذلك لم تتأثر إنتاجية الدنمارك كثيراً حتى الآن بسبب فيروس كوفيد-19.

في المقابل، قالت وكالة “رويترز” في 14 أبريل/نيسان إن “نسبة البطالة في السويد يمكن أن تصل إلى عشرة بالمئة بحلول الصيف، وذلك وفقا لمجلس العمل”. وأفادت وكالة الأنباء نقلاً عن مجلس العمل بأن “نسبة البطالة في السويد قد تصل إلى 10% في الأشهر المقبلة في حال استمرت الموجة الحالية من تسريح العمال بسبب فيروس كورونا… بلغت نسبة البطالة 7.4% في شهر فبراير/شباط، ولكن العديد من الشركات أغلقت منذ ذلك الحين وسرحت العمال بسبب مشاكل في سلسلة التوريد واتباعاً للتدابير اللازمة لمنع انتشار الفيروس”. وفي 7 من مايو/أيار، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن “السويد تفادت إعلان حالة الإغلاق بسبب فيروس كورونا. ولكن اقتصادها يعاني على أية حال”.

فيما يتعلق بعدد الحالات المسجلة لكل مليون نسمة بحلول 17 يونيو/حزيران، بلغ عدد الإصابات في الدنمارك 2123 (+19%)، مقارنة بـ 5404 في السويد (+111%). وفي 28 يونيو/حزيران، وصل عدد الإصابات في الدنمارك إلى 2188 (+3% أخرى) مقارنة بـ 5450 في السويد (+1% أخرى). وخلال الفترة الانتقالية التي استمرت 11 يوماً، فرضت السويد بشكل أساسي نفس التدابير الوقائية التي كانت تتبناها الدنمارك والتي أثبتت فعاليتها.

بحلول 22 أبريل/نيسان، بينما بلغ معدل الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في الدنمارك 64 وفاة لكل مليون نسمة، فإن معدل الوفيات في السويد بلغ 175 وفاة لكل مليون نسمة، وارتفعت هذه الأرقام في 17 يونيو/حزيران إلى 103 في الدنمارك و499 في السويد. وقد سجلت الدنمارك ارتفاعاً بنسبة 61% بينما سجلت السويد ارتفاعاً بنسبة 185 بالمئة. لذلك، كان البلدان متباعدان على نحو مطرد على مستوى معدلات الوفيات أيضاً.

في حين بلغ معدل الوفيات في الدنمارك 104 في 28 يونيو/حزيران، وصل معدل الوفيات في السويد 523. انتقل عدد الوفيات في الدنمارك من 103 إلى 104 حالة وفاة، بينما ارتفع العدد في السويد من 499 إلى 523 وفاة. علاوة على ذلك، ارتفع معدل البطالة في السويد من ستة بالمئة في ديسمبر/كانون الأول 2019 إلى 9% في مايو/أيار 2020، بينما كان في حدود 3.7% بحلول فبراير/شباط 2020 في الدنمارك وارتفع إلى 5.4% في أبريل/نيسان 2020.

في الحقيقة، لقد انتهت تجربة السويد لنهج ما يُسمّى “بمناعة القطيع” لفشله، حتى أنه لم يُسفر عن نتائج اقتصادية أفضل. (في الواقع، تتجلى أكبر التأثيرات الاقتصادية لفيروس كوفيد-19 في تكاليف الرعاية الصحية الهائلة التي سيتحملها كل مريض، والتي لم تُجدول بعد، ولكن ما قد يعنيه هذا التأثير واضح بالفعل: إن الحفاظ على معدل الإصابات منخفضاً من شأنه أن يبقي تكاليف الرعاية الصحية في المستقبل منخفضة. في الأثناء، ستعاني الدول التي تبنّت نهج “مناعة القطيع” من تكاليف رعاية صحية أعلى بكثير.)

في 15 يونيو/حزيران، أعلنت شركة “داليا ريسيرش” الألمانية الدولية للاستقصاء عن نتائج الاستطلاع الذي شمل 124 ألف مشترك من 53 دولة في جميع أنحاء العالم، تحت عنوان “الناس في جميع أنحاء العالم يقيّمون استجابة حكومتهم لفيروس كوفيد-19″، التي أظهرت أن تصنيف الدنماركيين لإستجابة حكومتهم كان الثامن في القائمة، في حين احتلت السويد المرتبة 29.

صنفت الصين على أنها الأفضل وتصدرت القائمة، بينما كانت البرازيل في المرتبة الأخيرة، واحتلت الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة 48. لقد تبنت معظم البلدان التي كانت في المراتب الأولى نهجاً اشتراكياً في التعامل مع فيروس “كورونا”، فيما اتبعت معظم البلدان التي كانت تقييماتها سيئة النهج التحرري. ومع ذلك، لم تكن العلاقة المتبادلة بين هذا الترتيب والأيديولوجيا بنفس القوة التي كان عليها الارتباط بين الأيديولوجيا وبيانات الأداء التي تم الإبلاغ عنها دولياً.

فعلى سبيل المثال، احتلت البيرو التي يديرها التحرريون المرتبة 40 ولكن إحصائياتها كانت في الواقع أسوأ بكثير من ذلك، لأن السكان لا يثقون في الحكومة لدرجة أنهم كانوا يتجاهلون توصياتها. لذلك، لم تكن البيرو دولة تحررية فحسب، بل كانت فوضوية بعدد إصابات مروعة.

من ناحية أخرى، تبنت اليابان نهجاً اشتراكياً في الأساس وقد كانت معدلات الإصابة بفيروس “كورونا” من بين الأفضل في العالم، ولكن نظراً لأن اليابانيين توقعوا نهجًا أكثر اشتراكية، ظنوا أن أداء حكومتهم كان متراخياً لذلك احتلت المرتبة 49، حيث تتفوق عليها نظيرتها الأمريكية التحررية بدرجة فقط والتي يبدو أنها فشلت بشكل واضح. على نحو مماثل، بلغ عدد الإصابات بفيروس “كورونا” في هونغ كونغ بحلول 17 يوينو/حزيران 1121 حالة وأربع حالات وفاة، مقارنة بنيويورك التي سجلت 215686 إصابة و21645 حالة وفاة، علما بأن عدد سكان هونغ كونغ يعدّ أكبر بنسبة 89 بالمئة من سكان مدينة نيويورك.

لكن بسبب المظاهرات المناهضة للحكومة في هونغ كونغ وما إلى ذلك، احتلت هونغ كونغ استناداً إلى تصنيف مواطنيها لأداء حكومتهم في الاستجابة لفيروس “كورونا” المرتبة 44 من أصل 53. مع ذلك، من المرجح أن سكان مدينة نيويورك لا يعتقدون أن حكومتهم أسوأ من حكومة هونغ كونغ بـ 192 مرة من حيث عدد الحالات المسجلة، بل وربما أسوأ من حكومة هونغ كونغ بـ 5411 مرة من حيث عدد الوفيات، وربما سكان هونغ كونغ لا يصدقون ذلك أيضا، ولكن هذا صحيح).

بالنظر لتجربة فيروس “كورونا” التي يمر بها العالم، فإن أي شخص لا يزال تحررياً يعد ببساطة بعيداً كل البعد عما تثبته الأدلة، التي أصبحت الآن ساحقة. وجثث القتلى أكبر دليل على ذلك.

المصدر: مودرن ديبلوماسي.

ترجمة وتحرير: نون بوست.

مصدر الصور: Rupty – الكومبس.

موضوع ذا صلة: بعد “كورونا”.. هل ستغرق أوروبا في الفوضى؟