قلنا أن إسرائيل تجسيد للمشروع الصهيوني وتستر وراء العوامل الإنسانية حتى يستجدي الفلسطينيين أن يقبلوهم لاجئيين، ثم أسفروا عن المخطط فزعموا أنهم يحررون فلسطين من الاحتلال البريطاني، ومن أهلها العرب فقدموا في المرحلة الثانية أساطير استحقاق واحتكار فلسطين من التوراة المزورة والتاريخ المشبوه. ولو ناقشنا هذين المبررين، لأنكشف المستور فيما ظنوه عبقرية لهم واستغفالاً للشعوب العربية.
فإذا قالت توراتهم أن الرب اختصهم بفلسطين وأنهم لا يعترفون بالطابع الإنساني لسكانها ولذلك وضعوا مخططات إبادتهم، قلنا أن الله الواحد الأحد ليس بظالم للعبيد، ولا يمكن أن يخصص أرضاً معينة لفئة من عباده ويسلطهم على غيرهم، ويعتبر جرائمهم واجباً توراتياً. من الواضح أن التوراة التي تقول بذلك، إما مزورة أو مفبركة، وهذا ما أخبرنا به القرآن الكريم.
أما التاريخ وأسطورة أن اليهود كانوا في فلسطين ومن حقهم أن يستردوها بالقوة، فهذا مردود عليه لأننا إذا طبقنا هذه القاعدة لتغيرت خرائط العالم فتعود الامبراطوريات إلى سابق عهدها، ويعود المسلمون إلى الأندلس – التي قضوا فيها 8 قرون أنشأوا فيها حضارة إسلامية زاهرة – علماً بأن مدة وجود اليهود كانت قصيرة جداً إذا قورنت بوجود الفلسطينيين. وإذا كان داود وسليمان ملوكاً، فقد كانا أنبياء أيضاً ولا يمكن أن تقر التوراة الصهاينة على استخدامهم الدين لتبرير جرائمهم في حق خلق الله الآخرين.
فلقد استخدمت الحركة الصهيونية التدليس والكذب لتقيم إسرائيل – ثم إسرائيل الكبرى – على جثث الفلسطينيين، وتم تلبيس إسرائيل على العالم كله بأنها تريد السلام، فحصلت على “قرار التقسيم” كأول مرحلة، ثم عضوية الأمم المتحدة، ثم رفعت شعار السلام مع العرب وهي تستعد للحرب معهم؛ ولذلك، فإنه في كل الحالات، كانت إسرائيل هي التي اعتدت على العرب واغتالت الشخصيات العربية وأصرت على ابادة الشعب الفلسطيني، ثم زوّرت التاريخ والجغرافيا والدين. ليس صحيحاً أن اليهود ينتمون إلى الحضارة الغربية وأن إسرائيل تعتبر امتداداً لها، وإنما الصحيح أن إسرائيل “وكيل” الاستعمار الغربي بكل وحشيته، وزادات عليه أنها استعمار عنصري إحلالي وأنها قامت على الإرهاب.
اعتمد المشروع الصهيوني على عوامل نجاحه، وحقق أهدافه. ولا بد من البحث هنا عن عوامل النجاح للمشروع العربي وبحث التحديات التى تعترضه.
أول عوامل نجاح المشروع الصهيوني هو الاستعانة ببريطانيا ثم أمريكا؛ أما المشروع العربي فهو مشروع تحرري يعتمد على أحرار العالم دون قوة محدودة.
ثانى عوامل من عوامل نجاح المشروع الصهيوني أنه تبنى مجموعة من الأكاذيب حتى يخدع يهود العالم وبعض العرب؛ ولذلك فإن المشروع العربي بحاجة إلى كشف الزيف واستعادة العقل العربي والمجاهرة بالحق.
إقرأ أيضاً: إسرائيل والقانون الدولي
ثالث هذه العوامل هو نجاح المشروع الصهيوني في اسكات الغرب على أكاذيبه وضمان تأييده المطلق له، وكذلك هذه الصفقة التي توصّل لها المشروع لكي يسيطر الغرب على الحكام العرب مقابل تنازلهم عن استقلال بلادهم والشراكة مع الحكام، واستغلال الثروات القومية، والقضاء على استقلال القرار العربي، ومن ناحية أخرى يبدو أنه تم الاتفاق – ضمن هذه الصفقة – على تستّر الغرب على فساد الحكام واطلاقه يد الحكّام لقهر الشعوب مع اطلاق حرية جمعيات حقوق الإنسان في أن تصدح بالمسلسل الخاص بحقوق الإنسان العالمية، وهو في الواقع اتفاق بين إسرائيل والغرب والحكّام العرب لصالح إسرائيل وقهر الشعوب العربية والقبول باليأس بحكمها وسياستهم، التي تناهض المصالح الوطنية؛ ولذلك، فإن المشروع العربي بحاجة إلى تفتيت هذه العقد الثلاثة، فلا بد من استقلال الحكام العرب عن الغرب، ولا بد من حاضنة شعبية وطنية لهؤلاء الحكام في أية صورة ما دامت الديمقراطية تسبب حساسية هؤلاء الحكّام، بالاضافة إلى ضرورة احتضان الشعوب والحكّام العرب للمشروع العربي، وهذا العامل هو من أكبر التحديات لهذا المشروع، كما أن تغير النظام الدولي هو نجاح الصين وروسيا في اسقاط النظام الدولى القديم الذي فرضه الغرب. أما النظام الجديد، فلن يستفيد منه العرب ما دام الحكّام “منبطحين” تحت الهيمنة الغربية، وربطوا مصالحهم الشخصية والأسرية والشللية بالغرب وبإسرائيل.
لذلك، إن كشف أكاذيب المشروع الصهيوني لا يتحقق إلا باستقلال الدول العربية عن الغرب، الذي يحتضن إسرائيل ويعتبرها وكيله الحصري في المنطقة. كما أن هؤلاء الحكّام يجب أن يتركوا الشعوب تنفس عن نفسها بالافصاح عن الحقيقة في موضوع إسرائيل، وأن تعمل جاهدة على تقيد أنشطة الموساد في المنطقة العربية.
مصدر الصورة: معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى
د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر