على مدى أسبوع، أدلى الملايين من المواطنين الروس بأصواتهم على إستفتاء التعديلات الدستورية، التي تعتبر تشكل منعطفاً حيوياً في تاريخ البلاد، فهي وكما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “نحن نصوت من أجل البلاد التي نريد العيش فيها، والتي نريد أن نسلمها إلى أطفالنا”. يمثل هذا التعديل الدستوري، محاولة لتجسيد رؤية الرئيس بوتين لروسيا من خلال تحديد الأولويات التي رسخها خلال عشرين عاماً على وجوده في السلطة.
حول التعديلات الدستورية وأهميتها، ورؤية المواطنين الروس لها، إيجاباً وسلباً، سأل مركز “سيتا“ الدكتور عمرو الديب، رئيس مركز خبراء “رياليست” الروسي، عن هذه التعديلات.
نتائج الإستفتاء
كما هو معلوم أن نسبة المشاركة بلغت أكثر من 65%، ونسبة من قال “نعم” تفوق الـ 70%، ونسبة من قال “لا” بلغت حوالي 20%. أما مسألة نجاح إقرار التعديلات الدستورية، فإنه لا يحسب كنجاح لإدارة الرئيس بوتين، لكن إستطاع الكرملين أن يحشد الشعب الروسي للتصويت على هذه التعديلات.
هذه التعديلات، وفي مجملها، تستهدف الحالتين الإقتصادية والإجتماعية لقطاعات كثيرة داخل الدولة الروسية، وأهمها المتقاعدين والعاطلين عن العمل والأسر التي لديها أكثر من طفلين، بالإضافة إلى توفير دعم مادي من جانب الحكومة الروسية لها.
تمهيد للمستقبل
بالنسبة إلى المادة التي أثيرت الخلافات عليها فهي تتعلق بتصفير المدد الرئاسية، هو أمر “مختلف عليه”. من وجهة نظري الشخصية، أن الرئيس بوتين لا يريد الإستمرار في الحكم بصفة شخصية لفترات طويلة، حتى أنه لن يمكن من ذلك من الناحية الصحية، حيث يبلغ من العمر اليوم 67 عاماً. وإذا ما تحدثنا عن الوصول إلى العام 2030، سيكون قد بلغ من العمر 77 عاماً؛ بالتالي، سيكون الأمر صعباً من الناحية الصحية أن يستطيع إدارة البلاد.
لذلك، أعتقد أن التعديلات الأخرى كلها تصب في صالح الرئيس القادم للإتحاد الروسي، حيث سيكون ضمن سياق “البوتينية” أو “البوتينيز”، باللغة الروسية، أي أن الرئيس القادم لا يمكن له أن يخرج عن المبادئ التي وضعها الرئيس بوتين على مدى عشرين عاماً في الحكم، وهذا هو الأهم. لذلك، كان هناك زيادة في صلاحيات مجلس الدولة والبرلمان والأجهزة الإستشارية، كما سيكون هناك بعض الإستقلالية إلى حد ما بالنسبة لحكَّام الأقاليم، وما إلى ذلك. الأمور كلها تسير في هذا الإتجاه.
مواصفات الرئيس
المشكلة هي في أن الدول الغربية والإعلام الغربي يركز على هذه المادة بالذات وكأن التعديلات الدستورية كلها جاءت من أجلها فقط، وهذا أمر غير صحيح نهائياً. فالصحيح والمهم هو محاولة وجود حزمة من القوانين التي تجبر الدولة على تقديم مساعدات إجتماعية وإقتصادية للشعب، هذا من جهة. من جهة أخرى وهي الأهم، تحقيق إنتقال سلس للسلطة من إدارة الرئيس فلاديمير بوتين للرئيس القادم.
بالتفاصيل، أُضيفت المادة الثالثة هذه ضمن القراءة الثالثة للتعديلات الدستورية. من وجهة نظري، هذه المادة هي خيار لزيادة التأكيد كي يكون أمام الرئيس بوتين العديد من الخيارات، وأعتقد أنه لا يريد الإستمرار في الحكم إلى العام 2030 حتى، ولكن كل ما يريده هو وصول رئيس يعمل داخل المنظومة التي كوَّنها، والعمل على محاربة التدخلات الغربية بالقرب من الحدود الروسية. لذلك، تم إقرار التعديلات الدستورية التي تفرض على المرشح أن يكون قد عاش داخل الإتحاد الروسي لمدة 25 عاماً، ولا يحمل جنسية أخرى، وأن لا يكون لديه إقامة خارجية في أية دولة أجنبية.
إذاً، كل هذه التعديلات تصب في إتجاه المرحلة القادمة، وهذا هو الأهم بالنسبة لروسيا وشعبها. لذلك، معظمهم قال “نعم”، ومنهم من قال “لا”؛ بالتالي، كان هناك حرية الإختيار.
مصدر الصورة: The Telegraph.
موضوع ذا صلة: الإنتخابات المحلية الروسية: هل فشل بوتين داخلياً؟