د. عبدالله الأشعل*
في 1 يوليو/تموز 2020، عقدت في طهران قمة إفتراضية ضمت روسيا وتركيا. وقد تأملت طويلاً في كلمات الرؤساء الثلاثة حول الأزمة السورية، فكلهم مجمع على مكافحة الإرهاب وإستقلال سوريا ووحدة أراضيها ورفع العناء عن الشعب السوري والحل السياسي للأزمة ووضع دستور يبدأ من يحل السلام في دمشق.
لكن هذه العناوين العامة التي توحد مواقف الدول الثلاثة، تخفي تحتها التناقض الفادح بين هذه المواقف خاصة في مسألة مكافحة الإرهاب. والسؤال هنا: ما هي الجماعات الإرهابية عند هذه الدول الثلاثة؟ وماذا تريد كل منها من سوريا؟
أولاً: بالنسبة إلى تركيا، تشخص الإرهاب بالكرد، المتواجدين في تركيا وسوريا والعراق وإيران، وبالذات حزب العمال الكردستاني، الذي يقوم أعمالاً مسلحة ضدها منذ أكثر من ربع قرن. هنا، يقترب الموقف التركي من الإيراني في نقطة أساسية وهي منع قيام دولة كردية وتجمع الكرد الموجودين ضمن الدول الأربع. لكن إيران تقتصر على قمع أكرادها دون أن تنسق موقفها بما يخص الغارات التركية على شمال العراق، وهي تطارد عناصر حزب العمال في مناطق الجبال الكردية، إذ أنها لم تؤيد الموقف العراقي الناقد للغارات بإعتبارها “عدواناً” على سيادته، وإن كان صوت الإحتجاج العراقي “خافتاً” بسبب الإتفاقية المشتركة مع أنقرة التي تتضمن مسألة “عدم إضرار أحدهما بالآخر من أراضيه”.
ثانياً: بالنسبة إلى روسيا، تعتبر موسكو الجماعات الإسلامية، المتواجدة في سوريا، إرهاباً. فقد سبق أن ناهضت هذه الجماعات الإتحاد السوفيتي، في أفغانستان ومن ثم الشيشان. لكن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قضى عليها وأعاد دمج الشيشان ضمن الإتحاد الروسي. لذلك، يطارد الرئيس بوتين هذه الجماعات في كل مكان من هذا العالم، ويتحالف مع كل من يطاردها. في هذا المجال، تقترب إيران من روسيا في عملية التوصيف تلك لأن هذه الجماعات تعادي الشيعة وتكفرهم، حيث تدرك إيران أن تنظيم “داعش” نشأ خصيصاً لمحاربتها، إلى جانب أهداف أخرى. تعتبر هذه المسألة نقطة أساسية في توحيد الموقفين الإيراني والروسي، في سوريا، وبعد ذلك تتوزع أهداف الدولتين.
في المقابل، تعتبر هذه الجماعات الإسلامية ذاتها، التي تعتبرها كل من إيران وروسيا إرهابية، قاعدة التأييد لتركيا، التي تدعمها. هنا، تلتقي أنقرة مع الرياض في هذه النقطة مع فارق أساسي وهو أن السعودية تدعم هذه الجماعات لأسباب سياسية غامضة رغم أنها تعاديهم في مناطق أخرى؛ ورغم أنها إستخدمتهم مع واشنطن، فهي تحاربها ثأراً منها لسابق دورها الذي شجعته في كل من أفغانستان والشيشان.
ثالثاً: بالنسبة إلى إيران، تشترك طهران مع موسكو في كون الإرهاب يرمز إلى الجماعات الإسلامية السنية. لكن مقاومة هذه الجماعات في سوريا تختلف عن روسيا في أهدافها إذ أن كليهما يدعم الحكومة السورية لأسباب مختلفة؛ فروسيا تدعم سوريا نكاية بالولايات المتحدة وطمعاً في قواعد بحرية على المتوسط، وهو المنطلق نفسه الذي يقف خلف مساندة المشير خليفة حفتر في ليبيا.
هنا، من المهم التذكير بأن روسيا لا تستريح لتمدد النفوذ الإيراني في سوريا، كما أنها لا تشاطرها العداء لإسرائيل ودعم المقاومة ضدها، ولكن روسيا لا تمانع التحالف الإيراني – السوري الموجه ضد واشنطن، وهذا هدف مشترك لروسيا وإيران في مناهضة الوجود الأمريكي بالمنطقة.
ختاماً، إذا كانت هذه الدول الثلاثة تختلف اختلافاً جذرياً في تحديد الإرهاب ومصدره، فإنها تتفق على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. فماذا فعلت هذه الدول لتحقيق هذا الهدف. وكيف تتقارب في تحقيق هدف التسوية السياسية ما دامت تختلف في التحالف مع أطراف متضادة في سوريا؟
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصورة: صحيفة العرب.
موضوع ذا صلة: سباعي: سوريا تقف على خط وسط