د. عبدالله الأشعل*

صاحب هذه “الخرافة” هو الكاتب المصري المعروف المرحوم محمد حسنين هيكل، فيلسوف الإستبداد في مصر، والتي قدمها تبريراً لغياب حرية المواطن. فقد زعم الأستاذ هيكل أن حرية مصر تعلو على حرية المواطن وكأنه يفترض أن هناك تناقضاً بين الحريتين. هو بذلك يريد أن يتفرغ الحاكم لحرية البلاد؛ وفي سبيل ذلك، يمارس الإستبداد والدكتاتورية بينما الصحيح أن الوطن الحر لا يسكنه عبيد، والمواطن الحر هو من يبني ويضمن الوطن الحر.

كانت نتيجة هذه الخرافة المزيد من استعباد المواطن وتوحش الإستبداد والعصف بكرامة المواطن رغم الزعم بأن “الزعيم” إنما بُعث ليسترد كرامة المواطن وحريته من المستعمر، الذي كان أكثر رحمة بالوطن والمواطن من “الزعيم الخالد”. أيضاً، كانت النتيجة مزيداً من إهدار كرامة مصر بهزيمة جيشها والتنكيل بجنوده وضباطه في أرضهم ودفنهم أحياء، وتفاخر إسرائيل به وتسجيله وإذاعته في كل ذكرى لمأساه 1967؛ فصارت سيناء محتلة وهزم الجيش ومارست إسرائيل كل صنوف الإبادة، ومرغت في الأرض كرامة مصر وجيشها.

في المقابل، لم تشفع حرب تحرير سيناء، العام 1973، في إزالة آثار المأساة بل فتحت الباب لمأساة أكبر وهي إهدار نتائج 1973 العسكرية في صفقة سياسية قصيرة النظر، أي “كامب ديفيد” العام 1979. فلو كان الزعيم قد تنبه، بعد مأساة 1967، إلى أن حرية المواطن هي الأساس لما تعثرت مصر وباتت تعاني، حتى الآن، من التدهور والتراجع بسبب إهدار كرامة المواطن؛ فإهدار كرامته، يطيل في عمر النطام المستبد الذي يفرط بكرامة الوطن ويستلغه ما دام قد سلَّم بهدر كرامة أبنائه. ما يترتب على ذلك، هو إستخفاف العالم بالمواطن المصري ما دام ممتهناً في بلده، ولا يسمع سوى الشعارات والتصريحات الجوفاء. إن خرافة هيكل، رغم قدمها، تعتبر متجددة إذ ترتب عليها حرمان الوطن والمواطن من حريته، في حين أن مصدر الحرمان بين الإثنين مختلف؛ فحرمان الوطن من حريته يعود إلى الأجنبي، أما حرمان المواطن من حريته فسببه الحاكم. ويزداد الأمر سوءً إذا ما استقوى هذا الحاكم على قهر مواطنيه بالأجنبي، الذي يقهره يضطره إلى التفريط بحقوق الوطن مقابل اطلاقه يده لقهر المواطن ومصادرة حريته حتى يخلص له الوطن ومقدراته فيصبح هو صاحب الكلمة العليا وتصبح المؤسسات فارغة من كل مضمون ويبدأ الجميع بـ “التسبيح بمجد الحاكم”.

المثال الصارخ على ذلك هو سلوك الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، خلال إتفاق “كامب ديفيد” على أنه “القائد الأعلى”. في المقابل، تحفظ رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل، مناحيم بيغن، وقرر الرجوع إلى المؤسسات. ذلك هو الحصاد المر لخرافة هيكل الذي كسب دنياه وخسر آخرته، وكسب لنفسه وأخسر وطنه، وهذا هو مناط الحكم على أية خرافة.

في الختام، لقد إجتهد هيكل في تبرير الإستبداد والحكم العسكري، فقدَّم أربعة مبررات: المبرر الأول، الحكم العسكري لازم ما دام الصراع مع إسرائيل قائماً. المبرر الثاني: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. المبرر الثالث: لكل نظام عسكري شرعية، ولم يكن الشعب يوماً مصدراً لهذه الشرعية. المبرر الرابع: الشعب ليس مهيئاً للديموقراطية، وديموقراطية العصر الملكي كانت “ديموقراطية الباشوات” وليس الشعب.

*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.

مصدر الصورة: صحيفة المدن.

موضوع ذا صلةأزمة التأريخ في مصر: الثورات نموذجاً