إسلام عبد المجيد عيد*
مقدمة
أعلن غير بيدرسون، المبعوث الأممي الخاص بسوريا، عن موعد جديد لعقد جولة جديدة للجنة الدستورية في سوريا، بين الحكومة السورية والمعارضة، حيث أبلغ مجلس الأمن أنه يجهز لجولة جديدة من المرجح ان تكون في نهاية أغسطس/آب 2020. والسؤال هنا: كيف ستسير الأمور خاصة مع الضغوطات الأخيرة من الجانب الروسي حيث أنه يعد الداعم الرئيسي لفكرة اللجنة الدستورية كحل سياسي للأزمة السورية بما يتوافق مع مصالحه كأحد أبرز الأقطاب الدولية والفاعل الرئيسي فيها؟
من دون شك، يجب الأخذ بعين الإعتبار الإعلان الامريكي الأخير على لسان كيلي كرافت، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، عن اتخاذ إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، “تدابير حاسمة”، أو ما يعرف بـ “قانون قيصر”، لمنع الرئيس السوري، بشار الأسد، من الحصول على إنتصار عسكري، ولإعادة النظام وحلفائه إلى العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة حيث تعد اللجنة الدستورية أحد أضلاعها الأبرز.(1)
مع هذا الإعلان والضغوطات المستمرة، تعود إلى الواجهة تساؤلات عديدة عن الإمكانية المحتملة لعودة نشاط اللجنة مرة أخرى بعد حوالي شهر من التوقف، إضافة إلى مدى إمكانية أن تثمر أعمال اللجنة عن تفاهمات بين الطرفين خاصة بعد فشل الجولات السابقة؟
نشأة اللجنة الدستورية السورية وموقف الأطراف الفاعلة منها
يرجع إقتراح إنشاء لجنة دستورية سورية إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي تم تبنيه في ديسمبر/ أيلول 2015، حيث مثّل هذا القرار إطاراً ملموساً لتشكيل اللجنة، لكن تم تأجيل البت بها إلى ما بعد محادثات “جنيف”، وإستمر التأجيل حتى تم التوصل لإتفاق تقريبي في “سوتشي” – روسيا، يناير/ كانون الثاني 2018، بعد اتفاق ثلاثي بين كل من روسيا وتركيا وإيران حيث أعلن انطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، تأسيس اللجنة في سبتمبر/ أيلول 2019.(2)
تضم اللجنة الدستورية 150 عضواً، خمسون منهم تختارهم دمشق، وخمسون تختارهم المعارضة، وخمسون يختارهم المبعوث الخاص للأمم المتحدة بهدف الأخذ بآراء واعتبارات ممثلي المجتمع المدني. في المقابل، هي لا تضم ممثلين عن الإدارة الذاتية الكردية في الشمال والذي إعتبر إقصاء غير عادل.(3)
موقف الأطراف الدولية
– موقف أعضاء “أستانا” (روسيا – تركيا – إيران): كان موقف الحلفاء الثلاثة مؤيداً لإعلان الأمين العام للأمم المتحدة لكونه، منذ البداية، نتاجاً للمؤتمرات التي عقدتها الأطراف الثلاثة في أستانا وختاماً في سوتشي.
– موقف “المجموعة الدولية المصغرة” (الولايات المتحدة – بريطانيا – فرنسا – ألمانيا – مصر – الأردن – السعودية): كان موقفها مؤيداً أيضاً(4) لأن ذلك قد يقلل من سطوة الجانب الروسي للتحكم بموازيين الساحة السورية خاصة وأنها الأكثر تواجداً على الأرض من الناحية العسكرية بالإضافة إلى الإنتصارات التي حققها الروس وحلفائهم، حيث لم يعد أمام الولايات المتحدة وحلفائها سوى اللجوء إلى الحل السياسي.
موقف الأطراف المحلية
– موقف المعارضة السورية: إنقسم موقف المعارضة السورية بين مؤيد ومعارض، ولكن في النهاية انتهوا إلى ضرورة الإمتثال للضغوط، لا سيما من الحليف التركي، والنظر بعين الواقعية السياسية، والمناداة بضرورة المشاركة في اللجنة الدستورية حيث أعدوه “واجباً وطنياً”، لإنهاء مأساة الشعب السوري التي طالت إلى تسع سنوات ولا تزال، وخصوصاً أن موقفهم متراجع بعد الخسائر الأخيرة التي تعرضوا لها.
– موقف النظام السوري: أيد النظام أيضاً هذا الإعلان وخصوصاً بعد الموافقة التي أبداها حلفاؤه، روسيا وإيران، ما وضع النظام تحت ضغط للموافقة المبدئية على مشروع اللجنة الدستورية.
اللجنة الدستورية وإستمرار النفوذ الروسي
كانت روسيا تطمح إلى فرض وجهة نظرها بما يخص هيكل وأهداف اللجنة الدستورية؛ ورغم ذلك، إضطرت لتقديم تنازلات نتيجة الضغوطات التي مارستها المجموعة المصغرة للحد من نفوذها. لكن هذا لم يعنِ رضوخ موسكو للضغوطات، المتمثلة بدعوة النظام لتقديم تنازلات، مما يساعد على مرونة عمل اللجنة بما يتوافق مع مصالح ومطامع باقي القوى الفاعلة في الأزمة لأن الروس يمتلكون قدرة هائلة على المناورة وقيادة المفاوضات.(5)
طوال سنوات الأزمة، لم يفقد الروس زمام المبادرة، حيث شكل الإهتمام الروسي أحد الأسباب التي أعطت الإصلاح الدستوري زخماً. في الواقع، كان العمل على وضع دستور جديد محور النقاشات التي دارت بين الولايات المتحدة وروسيا، في مارس/ آذار 2015. وبعد شهرين من ذلك التاريخ، قدمت موسكو المسودة الأولى من الدستور التي تم رفضها بشكل قاطع من قبل جميع أطراف المعارضة السورية. وفي يناير/ كانون الثاني 2017، قوبلت المسودة الثانية برد مماثل. ومع ذلك، هذا لم يثن الروس عن الدعوة لعقد مؤتمر مصالحة وطنية فيها، وتحديداً في “سوتشي” مايو/أيار 2017.
ومع نهاية العام، تحقق غرض موسكو من مفاوضات الحل السياسي التي تركزت على مسألة الإصلاح الدستوري، وهو ما تم ذكره في مذكرة دانانغ المشتركة بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والأميركي، دونالد ترامب.
بالنسبة إلى موسكو، هي ترى أن الإصلاح الدستوري هو أنسب الحلول التي تتماشى مع مصالحها ومصالح النظام، وترى أيضاً أنه أنسب الحلول لضمان تأمين إنتصارها العسكري عوضاً عن اللجوء إلى الحلين الآخرين، من ضمن الحلول الثلاثة التي نص عليها قرار مجلس الأمن رقم 2254 وهما حكومة انتقالية وانتخابات حرة نزيهة.(6) لقد تحقق بالفعل ما أرادته موسكو بحصر المفاوضات ضمن إطار الإصلاح الدستوري بما يضمن تحقيق مصالحها واستئثارها بالنفوذ والتأثير الأكبر على الساحة السورية.
عراقيل تعيق عمل اللجنة الدستورية السورية
رغم اتفاق الأطراف، بقيت هناك نقاط كانت بمثابة عوائق من الطرفين تجاه عمل اللجنة وأبرزها المعارضة السورية، المتمثلة بهيئة التفاوض العليا، التي رفضت أن تكون مرجعية اللجنة مؤتمر “سوتشي”، وأن يترأس النظام اللجنة. كما طالبت بأن تكون مرجعية اللجنة مستندة على القرار الدولي 2254 وتحت مظلة الأمم المتحدة في جنيف.
وعلى الرغم من أن المعارضة وجدت منذ البداية في اللجنة الدستورية، خاصة، والحل السياسي، عامة، مخرجاً لمأزقها، بعد خسارتها لجزء كبير من الأراضي التي كانت تسيطر عليها حيث أصبحت تمتلك المعارضة فقط 9% من إجمالي الأراضي السورية، إلا أننا نرى تلكؤاً كبيراً من جانب حليفها الأكبر، أي تركيا، رغبتها في تحقيق أكبر المكاسب السياسية من خلال تواجدها بشمال شرق سوريا وعدن إعترافها بوجود الإرهابيين في إدلب مما يعيق تطبيق الإتفاق الروسي – التركي في جنوب طريق “أم 4″الدولي.(7)
قد يكون لهذا التلكؤ سبباً آخراً. فكما ذكرنا، إن موقف المعارضة الحالي ضعيف جداً وأية مفاوضات قد تكون ذات حدين؛ إما تهمش الجانب الأضعف على الأرض وهو المعارضة، أو إستعمال ذلك كـ “ملجأ” تحتمي خلفه المعارضة وحلفاؤها بعد خسارتهم الكبيرة على الأرض.
في حين وضع النظام السوري وحلفاؤه العراقيل في طريق تشكيل اللجنة، تارة برفضه القواعد الإجرائية ونسبة التصويت، وتارة أخرى الإعتراض على أسماء موجودة في قائمة المجتمع المدني التي شكلتها الأمم المتحدة.
وإذا لاحظنا ما حدث في الإجتماعين السابقين نوفمبر/تشرين الثاني 2019، نرى بأن وفد النظام إمتنع مجدداً عن مناقشة القضايا الجوهرية وركز محور المحادثات على محاربة “الإرهاب”. أيضاً، رفضت دمشق مناقشة أي مسألة مرتبطة بالإشراف على الجيش، معتبرةً هذا الأمر “خطاً أحمر”، على الرغم من أن السلطة المدنية على القوات العسكرية هي قضية دستورية أساسية في البلدان في جميع أنحاء العالم.
لعل ذلك يقودنا إلى استنتاج هام وهو أن هدف النظام واضح ويتمثل في تأجيل اللجنة لفترة كافية إلى حين قيام الرئيس الأسد بإجراء الإنتخابات الرئاسية لعام 2021 بموجب الدستور الحالي والفوز بها. في نفس السياق، يبدو أن موسكو، حليف النظام، لا تزال تنظر إلى الإصلاح الدستوري كإطار عمل مرن لإطلاق عملية دبلوماسية دولية وإسكات النقاد في الغرب مع الحفاظ على نهجها السياسي والحد من نطاق ما قد يتضمنه “التغيير” في سوريا آخر المطاف، لكن ذلك لم يمنعها هي الأخرى من المماطلة لبعض الوقت املاً في تحقيق إنتصار عسكري في إدلب قبل بدء اللجنة الدستورية في عملها حتى يتسنى لحليفها، الرئيس الأسد بالتحديد، قدر كبير من التحكم في زمام الأمور فيما يخص عمل اللجنة.
على غرار ذلك، سيواجه اللجنة عاملاً آخراً من المحتمل أن يعطل عملها ويتمثل في امتلاك طرفي النزاع، أي النظام والمعارضة، قدرة تعطيل عملية التصويت بنسبة تصل إلى 25%، بالإضافة إلى أن تحصيل أحد الطرفين على ما نسبته 75% لتمرير المقترح الذي يريدانه أمر صعب المنال في ظل التعارض الشديد بين وجهات النظر.
مصير مشروع اللجنة الدستورية
بعد أن مُنيت جولات اللجنة الدستورية السابقة بالفشل وخاصة في اجتماعي شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بدأت الشكوك تتزايد حول إمكانية أن تمثل اللجنة حلاً فعليا للأزمة بسبب تلكؤ ومماطلة طرفي النزاع الشديدة التي يبديانها، ما زاد الأمور سوء في وقت أثرت فيه جائحة “كورونا” على مسارها وجعلت مصير عملها مجهولاً.
أيضاً، ما زاد الأمور تعقيداً هو رفض النظام السوري إجراء جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية عبر تقنية الفيديو، مع صعوبة اللقاء الفيزيائي في الوقت الحالي بسبب الإجراءات المتخذة من قبل دول العالم للتصدي لفيروس كورونا”. الذي جعل امكانية اللقاء عن بعد تبدو صعبة المنال هو تأكيد مبعوث الأمم المتحدة لسوريا، خلال اجتماعه مع أعضاء المجتمع المدني في اللجنة الدستورية، عدم عقد جولة عبر تقنية الفيديو. ولقد علل بيدرسون ذلك، حسب مصادر المجتمع المدني، بأن الدول الضامنة، خاصة روسيا وتركيا، رفضتا عقد جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية عن بُعد، وطلبتا اللقاء الفيزيائي.(8)
ولكن رغم ذلك، مثلت الأحداث الأخيرة بارقة أمل لعودة العمل باللجنة خاصة بعد التهديدات الأمريكية الأخيرة للنظام السوري بفرض عقوبات شديدة عليه، حسب ما جاء على لسان السفيرة كرافت التي أشارت إلى أن فرض عقوبات، بموجب قانون “قيصر”، لحماية المدنيين، مضيفة أن “هدفنا هو حرمان نظام الأسد من الإيرادات والدعم الذي استخدمه لإرتكاب فظائع واسعة النطاق وانتهاكات لحقوق الإنسان تحول دون التوصل لحل سياسي وتقلل بشدة من احتمالات السلام.”(9)
سبق العقوبات بأيام قليلة إعلان بيدرسون دعوة الأطراف لجولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية، مرجحاً أن يكون اللقاء في شهر أغسطس/آب 2020، محذراً من مجاعة قد تحدث في سوريا إذا استمر الحال كما هو عليه.
خاتمة
من خلال ما سبق، يمكن تسجيل الكثير من الملاحظات. ما يمكن إستنتاجه هو أن مسار الإصلاح السياسي المتمثل في اللجنة الدستورية لا يمكن أن يتم الا بتوافق الأطراف الفاعلة، خاصة موسكو صاحبة اليد الطولى في الساحة السورية والذي جاء مقترح اللجنة من الأساس بناء على توصيات مؤتمر “سوتشي”. أما الخاسر الأكبر من عملية الإصلاح الدستوري قد يكون نظام الأسد، لا سيما لجهة تقييد سلطاته، حيث جاءت في وقت كان النظام يحقق فيه انتصارات عسكرية كبيرة على حساب المعارضة ويعد العدة لدخول إدلب.
أيضاً، تضمن عملية الاصلاح الدستوري وعودة اللجنة للعمل مرة أخرى المصالح التركية وأن يكون النظام السياسي المقبل في سوريا ضعيفاً وهشاً ويسمح بمشاركة عدد كبير من الفاعلين الدوليين في السلطة خاصة مع مطامعها التوسعية وتواجدها الحالي بالشمال السوري.
كذلك الأمر، مع اقتراب الإنتخابات الأمريكية، يحاول الرئيس ترامب الخروج من الأجواء المشحونة التي عصفت بأمريكا الفترة الماضية بتخفيف الضغط عليه من خلال التركيز على المشاكل الخارجية وتحقيق إنجاز ما، ومنها الأزمة السورية، ويظهر ذلك بتوقيع عقوبات على النظام لإرغامه للعودة إلى لحل السياسي.
أما إذا تعثر عمل اللجنة مرة اخرى، فسيؤدي ذلك إلى استمرار الحل العسكري وهو ما قد يفتح الباب لمحاولات القوى الفاعلة في الأزمة بفرض مصالحهم ميدانياً على حساب السوريين، وهذا سيؤدي إلى حالة من عدم الإستقرار في المنطقة.
ختاماً، إن المفاوضات المحتملة القادمة داخل اللجنة الدستورية ومخرجاتها لن تخرج عما تراه توافقات القوى الفاعلة في الأزمة، دولية كانت أو اقليمية، بسبب ضعف مواقف أطراف النزاع في الداخل السوري.
*كاتب مصري.
المراجع:
(1) واشنطن تحذّر دمشق: إما السلام أو الفوضى. 16/6/2020. مصراوي. على الرابط التالي:
https://bit.ly/2CBNLHh
(2) بسنت محمد. 24/9/2019. الأمم المتحدة: اللجنة الدستورية الجديدة تضم 150 عضواً. دايلي نيوز – مصر. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3htGLLx
(3) اللجنة الدستورية السورية.. الهيكل والمهام والخلافات. 23/9/2019. سكاي نيوز عربية. على الرابك التالي:
https://bit.ly/3hpupnp
(4) اللجنة الدستورية السورية … مراحل التطور ومواقف الفاعلين وتحديات ما بعد التشكيل. 27/9/2019. نداء سوريا. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3hpf1Yd
(5) مسار اللجنة الدستورية السورية. 5/12/2019. جسور للدراسات. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3hvYBO1
(6) تشارلز ثيبوت. 27/5/2020. اللجنة الدستورية السورية لا تتعلق بالدستور. معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. على الرابط التالي:
https://bit.ly/39l7M0x
(7) د. نواف إبراهيم. 21/4/2020. كورونا سيعيد تقسيم العالم وسوريا مركز ثقل توازناته الجديدة. سبوتنيك. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3ht75Wa
(8) لا اجتماعات للجنة الدستورية السورية عبر الفيديو.. اللقاء الفيزيائي رهن إجراءات “كورونا”.11/5/2020. عنب بلدي. على الرابط التالي:
https://bit.ly/32JWzW4
(9) أمريكا تفرض عقوبات على سوريا لدفعها للعودة لمفاوضات الأمم المتحدة. 16/6/2020. أموال الغد. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3fPdb2E
مصدر الصور: العرب – البوابة – الديار.
موضوع ذا صلة: هل ستكون إدلب معركة الجيش السوري الأخيرة؟!