د. عبدالله الأشعل*

تنسق واشنطن مع لندن الآن لمواجهة الصين في “موقعة” هونغ كونغ وربما تايوان أيضاً، في وقت لا يزال فيه الجدل حول “الحرب البيولوجية”، بين بكين وواشنطن، مستعراً على خلفية أزمة “كورونا”، التي دفعت واشنطن إلى فرض موجه ثانية من العقوبات على بكين.

إن الأسباب الكامنة وراء كل هذه الموجات من العداء الصيني – الغربي يرجع إلى قرون ماضية كانت الصين ترزح فيها تحت نير الإستعمارين البريطاني والياباني. رغم أن الصراع الأمريكى – الياباني، قبل قبل الحرب العالمية الثانية، دفع بواشنطن إلى إعلان عدم الإعتراف بضم اليابان لإقليم منشوريا، العام 1931. فقد سلمت واشنطن بأنه لا بد من التعايش مع النظام الشيوعي، في موسكو، بعد فشل محاولاتها قمع الثورة البلشفية، التي اندلعت العام 1917، ربما للتفرغ إلى مواجهة اليابان، التي كانت قوتها بارعة فى ذلك الوقت وباتت بحريتها تهدد الأسطول الأمريكي فى المحيط الهادئ.

وبينما واشنطن تراقب تقدم القوة الصينية بهدوء صوب العالمية، فجرت المظاهرات المنددة بقبضة الصين على هونغ كونغ إنتهاكاً للإتفاقية الصينية – البريطانية، العام 1985 للجلاء عنها. في ذلك الوقت، كانت الإتفاقية تحقق مصالح الأطراف الثلاثة؛ فالصين تعتبر هونغ كونغ مدينة حرة ونافذتها على العالم الخارجي، وهونغ كونغ نفسها مستفيدة من أبعاد هيمنة الصين ونظامها الشيوعي الصارم عليها، وأما إنجلترا فقد ضمنت بهذه الإتفاقية الوفاء للسكان بوعودها في حمايتهم من بطش السلطات الصينية بهم.

في حينها، أيدت واشنطن هذه الإتفاقية لكن الصين كانت تزحف بقواها التجارية والمصلحية الناعمة، ضمن منطقتها وفي إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتقف لحماية باكستان من تغول القوة الهندية؛ فشكلت هذه القوة الصينية التي تحالفت مع إيران وكوريا الشمالية وروسيا هاجساً للولايات المتحدة. فلقد أصبحت بكين كـ “الشبح” أمام واشنطن؛ ولذلك، عندما قمعت الصين مظاهرات هونغ كونغ، كانت بذلك تنتهك اتفاقية العام 1985 وفهمت لندن وواشنطن أن ضمها إلى السيادة الصينية سوف يشجعها على تحقيق نظريتها “صين واحدة – One China”، فتقوم بضم تايوان أيضاً علماً بأن استقلال الأخيرة كان يشكل ورقة ضغط أمريكية دائمة على الصين.

من هنا، ترى بكين أنه لا يجوز أن تدخل إلى مرحلة الدولة العظمى دون أن تستكمل هيمنتها على كامل الأراضي الصينية، فهي لم تعد بحاجة إلى هونغ كونغ كنافذة؛ لذلك، عبرت بعض المجلات الأمريكية صراحة عن هذه المخاوف وساعدت واشنطن إلى إثارة قضية مسلمي الإيغور وقضية التيبت. أيضاً، سارع وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى التنسيق مع بريطانيا، بالتحديد، حيث إرتفع منسوب الغضب الصيني بعدما جمدت لندن اتفاقية لتسليم المطلوبين بينها وبين هونغ كونغ.

بالتالي، من المرجح أن ضم هونغ كونغ إلى السيادة الصينية لن يتم فجأة أو بشكل فج، أما بالنسبة إلى ضم تايوان، فيبدو أن الوقت غير مناسب حيث من الممكن وقوع صدامات بين الصين والولايات المتحدة. لكننا نظن أن هذه المسألة موجودة ضمن جدول أعمال الصين المستقبلي، حيث تعتقد بأن كلاً من هونغ كونغ وتايوان يشكلان جزءاً من أراضيها وأن إتفاقيتها مع لندن، حول هونغ كونغ، يذكرها بالمعاهدات الإستعمارية التي لم تصمد أمام رغبتها وقدرتها على تأمين هيمنتها ومواجهة العواقب، خاصة وأن الصين لديها تاريخ مرير مع الغرب.

ختاماً، إن إقدام الصين على مثل هذه الخطوة قد يكون سببها، بحسب تقديرها، إنحسار القوة الأمريكية، وأن واشنطن لن تجازف بالمواجهة العسكرية من أجل تايوان خاصة وأن عقوباتها الإقتصادية قابلتها الصين بمثيلاتها، إضافة إلى أنها لا تؤثر بشكل جوهري على الإقتصاد الداخلي خصوصاً بعد تعافي الصين من أزمة “كورونا” ونتائجها بينما لا تزال الولايات المتحدة تتخبط في تبعاتها وآثارها الداخلية والدولية.

*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.

مصدر الصورة: روسيا اليوم.

موضوع ذا صلة: مظاهرات هونغ كونغ: محاولات أمريكية – بريطانية لإستهداف الصين؟