إعداد: مركز سيتا

في العاصمة الأردنية عمان، عقدت قمة ثلاثية جمعت بين كل من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني، عبد الله الثاني، ورئيس مجلس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، حيث ركزت على قضايا التعاون المختلفة بين الدول الثلاث خاصة المشاريع الاقتصادية والحيوية، كالربط الكهربائي ومشاريع الطاقة والمنطقة الإقتصادية المشتركة.

فخلال زيارته لواشنطن، أعلن الكاظمي منها عن مشروع “الشرق الجديد” الذي وصف بأنه مستقبل للمنطقة العربية مع الإتحاد الأوروبي مع تدفقات أكثر حرية لرؤوس الأموال والتكنولوجيا، بحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، وهو ما يتوافق مع مخرجات قمة عمان التي لم يتم الإعلان فيها صراحة عن نقاش المشروع بين القادة المجتمعين، ليخرج السؤال الأبرز: ما هو مشروع “الشرق الجديد”؟

على النسق الأوروبي

يختلف مشروع “الشرق الجديد” عن مشاريع سابقة طرحت لتحالفات دول منطقة الشرق الأوسط، فهو من المفترض أن يربط بين العراق بمصر إقتصادياً من خلال الأردن بحيث يكون نسخة مصغرة من الإتحاد الأوروبي.

بدأ المشروع كتفاهمات سياسية وإقتصادية بين مصر والعراق وإنضمت له الأردن لاحقاً، ويعتمد في مبدئه على العراق ككتلة نفطية ومصر ككتلة بشرية والأردن كحلقة وصل بين الكتلتين.

من خلاله، سيتم مد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق، وصولاً إلى ميناء العقبة في الأردن ليصل بعده إلى مصر، حيث ستحصل الأخيرتين على النفط بخصومات تصل حتى 16 دولاراً للبرميل، في مقابل إستيراد العراق للكهرباء من مصر والأردن، بدلاً من إيران. للعلم، يبلغ الناتج المحلي للدول الثلاث مجتمعين نحو 500 مليار دولار، في حين تصل الكثافة البشرية فيها إلى حدود الـ 150 مليون نسمة.

في هذا الصدد، قال القيادي في إئتلاف النصر العراقي، عقيل الرديني، إن المشروع “ليس وليد اليوم، وإنما طرح في زمن رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي”، مشيراً إلى أن “المشروع العملاق يقوم على أساس التفاهمات الإقتصادية والسياسية بين العراق ومصر، ودخلت الأردن مؤخراً على خط المشروع”، مضيفاً “حكومة الكاظمي لديها نية لإكمال هذا المشروع، خصوصاً أن الأردن ومصر تعتمدان السياسة المعتدلة”.

جذور الفكرة

يعود مشروع “الشرق الجديد” إلى العام 2014، حيث كان محوراً لدراسة أعدها البنك الدولي، لكن بخريطة جغرافية أوسع حيث إشتملت على دول الشرق الأوسط، سوريا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية بالإضافة إلى تركيا والعراق ومصر، في مساحة جغرافية إجمالية تصل حتى 2.4 مليون كم(2)، وخزان بشري يفوق ربع مليار إنسان.

في نصه القديم، يعتمد المشروع على طاقات المنطقة التجارية والإقتصادية والسياحية والخدماتية الكامنة، فضلاً عن قواسم تاريخية وثقافية مشتركة تجمع شعوبها، والتي من شأنها أن تجعلها منطقة اقتصادية ناجحة، حيث أشارت التوقعات إلى أن حجم التجارة في المنطقة سيجعل المشروع مربحاً في غضون نحو عشر سنوات، وسيسهم في إنعاش اقتصاد دول عدة في المنطقة، بما فيها العراق، كما أنه سيغير خريطتها ويقوي اقتصادات دولها ويساهم في تعزيز الإستقرار ودفع السلام خطوات للأمام.

تحولات إقليمية

يتزامن إطلاق المشاورات حول المشروع مع تحولات إقليمية كبرى أبرزها انطلاق خط القطار بين الخليج وإسرائيل، وتصاعد حدة التوتر بين واشنطن وطهران، ويقول المراقبون إن المشروع ربما يكون مرتبطاً بهذه التحولات.

في هذا الشأن، قال المحلل السياسي العراقي، مناف الموسوي، إن “العراق يحاول الآن العودة لدورة الطبيعي من خلال علاقات مبنية على احترام السيادة والمصالح المشتركة، وعدم الدخول في محاور، وهو يمتلك علاقات جيدة مع الخصماء في المنطقة، ما يمكنه من العودة كلاعب أساسي، كما أن مصر تمتلك مجموعة من الإمتيازات والعلاقات الجيدة التي تسمح لها اليوم بتقديم مشروع جديد لحلحلة أزمات المنطقة خاصة في سوريا”، مضيفاً أن “مشروع الشام الجديد (أو الشرق الجديد) اقتصادي ومبنى على أساس التعاون الموجود بالفعل بين الدول الثلاث، كما أن هذه المبادرة تحظى بدعم الإتحاد الأوروبي المعني بإنجاحها لتفادي مشكلات المنطقة خاصة قضية اللاجئين.”

ومع تغرت الظروف بشكل كبير في وقت حرج، يبدو أن العراقيين يعيشون في خضم تحول كبير أمام شارع غاضب من تفشي الفساد، وتدني الخدمات مع تفاقم التدخلات الخارجية في السياسة الداخلية، هذا من جانب. أما على الجانب الآخر، تسود مصر أجواء من الإنكفاء عن المحيط العربي، تغذى منذ سنوات طويلة على العزوف عن الإشتباك البناء والفاعل في القضايا العربية، حيث باتت القاهرة تكتفي بالتصريحات الروتينية مع تنازل غير مفهوم وغير ضروري عن الدور القيادي، لتتحول من قيادة المجموعة العربية إلى طرف يتأرجح بين المحاور المختلفة.

بالنسبة للأردن كان التوقيت عاملاً مهماً خاصة بعد إعلان اتفاق “إبراهام” الذي يفتح الباب لعلاقات طبيعية كاملة بين الإمارات وإسرائيل، وهو الإتفاق الذي تعاملت معه عمان بكثير من الحذر في محاولة لإمتصاص تفاعلاته، فلم تنهج نهج الترحيب المصري المتحمس أو موقفاً انفعالياً كالذي تبنته السلطة الفلسطينية، وربما لم يكن ثمة جديد بالنسبة للأردن، التي تتوقع عملياً وجود مثل هذه الخطوات، وتفكر في أثرها في العلاقات مع دول الخليج العربي، بالتوازي مع الأثر الذي يشكله انفتاح علاقات خليجية ـ إسرائيلية في القضايا الخلافية مع الجانب الإسرائيلي المتعلقة بإقامة دولة فلسطينية، وضرب مشروع الوطن البديل، الذي يستهدف ترحيل مشكلات إسرائيل إلى الأردن.

أخيراً، عند النظر إلى المبادرة وقراءتها بدقة، يمكن إستخلاص عدة أمور أبرزها فصل العراق عن إيران، خصوصاً لجهة الكهرباء، وبالتالي جره إلى المحور الغربي بشكل أو بآخر وهو ما سيفتج له الباب أمام المساعدات والدعم العربي.

أيضاً، يبدو بأن هناك عملية “جر” محورية لبغداد صوب الإسلام السُني العربي لا التركي، حيث يتوجس الكثيرون من تمدد أنقرة الإخواني، أي لجهة مكة والأزهر والتقارب معه وإبعاده عن التأثير الشيعي الإيراني رويداً رويداً، هذا من الناحية الدينية.

من الناحية السياسية، قد يكون الهدف أيضاً توصيل العراق إلى مرحلة يقبل فيها إلغاء حالة العداء مع إسرائيل، خصوصاً وأن هناك أصواتاً علت، في فترات سابقة، تدعو إلى ذلك إذ سبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية أن أصدرت بياناً تقر فيه بزيارة 3 وفود عراقية لها “ضمت شخصيات وزعماء محليين ذوي تأثير بالعراق، وأن هذه الشخصيات زارت متحف ياد فاشيم لتخليد ذكرى المحرقة، وإجتمعت ببعض الأكاديميين والمسؤولين الإسرائيليين.” ما يعزز هذه الفرضية إعلان الكاظمي عن هذه المبادرة من واشنطن على غرار إعلان الرئيس السيسي عن “صفقة القرن” من واشنطن أيضاً.

من الناحية الجغرافية، قد يكون هذا المشروع هو تطويع لدمشق وعزلها من أجل فرض الشروط عليها خصوصاً وأنها ستكوم محاصرة من جميع الجهات. فهي اليوم لن تقوم بأية توافقات مع الجانب التركي الذي يحتل قسماً من أراضيها، ولبنان “مقفل” بسبب الضغوطات الأمريكية عليه؛ بالتالي، إن حصار سوريا، ومعها روسيا، سيجعلها أكثر تقبلاً للشروط والإملاءات، بحسب وجه النظر الغربية.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: الحرة – العرب.

موضوع ذا صلة: رؤية عراقية لمبادرة “المشرق الجديد”