مركز سيتا

على خلفية نشر القوات التركية لعشرات الدبابات على الحدود اليونانية وسط توترات بخصوص الحدود البحرية شرق المتوسط بين البلدين، أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أن المجلس الأوروبي، المقرر عقده نهاية سبتمبر/أيلول الجاري (2020)، سيخصص لدرس هذه المسألة، في المقام الأول، لا سيما فرضية توقيع عقوبات على أنقرة.

إحراج الناتو؟!

على الرغم من دعوة حلف شمال الأطلسي – الناتو كل من تركيا واليونان إلى مفاوضات من شأنها تقليص إحتمالات المواجهة بين البلدين والتي لم يمضِ عليها سوى أيام قليلة، قامت أنقرة بخطوة تصعيدية من شأنها نسف كل محاولات التهدئة مع اليونان، فضلاً عن كسر هيبة الناتو الذي لم يرد في ميثاقه أية مادة حول إقتتال الدول الأعضاء فيما بينهم، ما يعني أن الحلف سيأخذ الخطوة التركية على محمل الجد وسيتم البحث في حكمها من ضمن سياق الميثاق، كسحب العضوية من أية دولة تخالف الميثاق العام.

أيضاً، لم تدخر تركيا أي جهد في هذه المسألة بل جاهرت بالقول إن اليونان غير قادرة على مواجهتها لا في المفاوضات ولا ضمن أية مواجهة عسكرية محتملة، يأتي ذلك في وقت يبدو فيه أن أنقرة بدأت تتمدد بقوة، وبخاصة في وجه الدول الأوروبية.

تصعيد خطير

فتح الخلاف التركي – اليوناني باب الصراع على مستويات عالية؛ ظاهرياً، يظهر الخلاف واضحاً بين أنقرة وأثينا، إلا أن لفرنسا أضرار لا تقل خطورة عن شريكتها، أي اليونان. بالتالي، هي معنية ايضاً في هذا الملف وهو ما تؤكده عملية توسيع القوات الفرنسية لوجودها العسكري في شرقي المتوسط، نهاية أغسطس/آب 2020، ما يعني أن أية مغامرة تركية ستقابل برد فرنسي محتم.

لكن يبدو بأن ما أعلنه الوزير لودريان، من دون تحديد ماهية ونوع العقوبات التي قد تفرض، لن تثني تركيا عن الإستمرار بمشروعها هذا، في وقت تتضرر فيه باريس كثيراً من حضورها على سواحل بعض الدول الأفريقية، كليبيا، وشرقي المتوسط.

وعلى نحو تقريبي، يبدو بأن أنقرة إستطاعت إخراج باريس من الملف الليبي، كما لم يمضِ وقت كثير على فتح تركيا لحدودها أمام مئات الآلاف من المهاجرين إلى أوروبا، وهو ما يشكل الملف الأخطر لدول الإتحاد، مع ملاحظة أمر مهم جداً وهو السكوت الأمريكي حيال كل ما يجري ما قد يعطي إشارة بنية واشنطن الضغط على دول الإتحاد وإضعاف نفوذها في منطقة شرق المتوسط من البوابة التركية.

عقوبات.. ولكن!

إن فرض عقوبات أوروبية على تركيا لن يغير من واقع الأمر شيء؛ على العكس، ستمضي أنقرة بخططها وتوسعها دونما إكتراث لما يريده الغرب، وهو ما يتضح جلياً في الملفين السوري والليبي حيث لم يستطع أحد كف يدها عنهما. إن الصمت الدولي حيال تصرفات أنقرة قد أكسبها تحالفات جديدة وقوة لم تكن تملكها في أوقاتٍ سابقة.

من هنا، إن كسرها أو عصيانها لمقترح الناتو، والآن التلويح بحرب على اليونان، لن يؤثر على سلوك أنقرة على الرغم من التلويح بعقوبات في وقت يعاني فيه إقتصادها من أزمة كبيرة. فلقد أنهكتها الحرب السورية إقتصادياً، بينما عومتها الأزمة الليبية إلى حد ما؛ بالتالي، يبدو أن العقوبات الإقتصادية إجراء غير مفيد، خاصة وأن حزب “العدالة والتنمية” الحاكم منفتح على دول شرق آسيا، كما تعي أوروبا بأن أنقرة تشكل “الجسر” بالنسبة إلى إمدادات الغاز وهو ما أعطاها ورقة قوة إضافية تستطيع التلويح بها على أبواب الشتاء.

أخيراً، لا شك بأن هذا الملف معقد لكنه ليس مستحيلاً؛ فاليونان دولة ضعيفة مقارنة بتركيا، لكن من المؤكد أنها ضمنت دول حلف الناتو إلى جانبها في أي تصعيد عسكري محتمل، فيما يبدو بأن التحشيد العسكري التركي على الحدود هو رسالة إلى الغرب الأوروبي ككل بعدم التدخل في هذا الملف. وإلى أن يتم يعقد المجلس الأوروبي، الذي يضم رؤساء دول وحكومات الإتحاد، واجتماعه، يومي 24 – 25 سبتمبر/أيلول الجاري (2020)، سيبقى الوضع متقلباً في المنطقة بعد شهر من التصعيد، الذي بدأ في 10 أغسطس/آب الماضي.

مصدر الصورة: ميدل إيست أونلاين.

موضوع ذا صلة: الإتفاقية البحرية المصرية – اليونانية.. عرقلة لمخططات أنقرة؟!