د. عبدالله الأشعل*
هاتان مقولتان مترابطتان، ولكن صارتا منفصلتين. فهناك من يحب الفلسطينيين ولا يكره الإسرائيليين، وهناك العكس رغم أن جميع العرب كانوا مجمعين على كراهية إسرائيل، ولكن لا يحب الفلسطينيين بالضرورة. لذلك، سأعالج هذين الأمرين في جزأين متتاليين.
أولاً: لماذا اكره إسرائيل؟
لا شك أن كراهيتي لإسرائيل وحبي للفلسطينيين له أسباب موضوعية وشخصية، ولا يمكن أن تكون التجارب الشخصية أساساً لمثل هذا الموقف. أما لماذا أكره إسرائيل، فذلك للأسباب التالية:
السبب الأول: أن إسرائيل هي تجسيد لمشروع إستعماري إستيطاني هدفه طرد الفلسطينيين من أرضهم وتدمير المنطقة؛ لذلك، إن الحياة في المنطقة لا تتسع لـ “السرطان” والجسد في مكان واحد. وفيما يتعلق بالمعادلات الفردية، إن السرطان غالباً ما ينتصر على الجسد. أما في علاقات الأمم، فإن الأمم لا تموت ولا تفنى، واليهود ليسوا أمة إنما طائفة دينية زعمت أنها أمة، ولذلك فإن الجسد العربي هو الذي يبقى ويفنى السرطان الصهيوني مهما طال الأمد.
السبب الثاني: خاص بمصر، لأنني أعتقد إعتقاداً جازماً أن هذا السرطان جاء خصيصاً لمصر ومن يشك في ذلك لا بد أن يدرس أحوالها ونظام الحكم فيها منذ زرع إسرائيل في المنطقة. من هنا، لا يمكن أن يكون هناك حل وسط بين مصر وإسرائيل، حيث أن الأولى قديمة جغرافياً وحضارياً، بينما الثانية مشروع عدواني إستعماري وكيل للإستعمار الغربي في المنطقة بعد زوال الإستعمار الأساس. لذلك، إنها ستلحق بالإستعمار في المنطقة علماً بأن الدول الإستعمارية لم تدعي يوماً أنها تحل محل الدول المستعمرة. على سبيل المثال، إحتلت بريطانيا مصر ثم ذهبت وظلت مصر، وإحتلتها تركيا لثمانية قرون وذهبت تركيا وظلت مصر، وإسرائيل قامت منذ سبعين عاماً وستذهب وتبقى فلسطين لأهلها. لا غرابة في ذلك، فالهكسوس مكثوا في مصر 150 عاماً وفي النهاية رحلوا، والصليبيون توافدوا على المنطقة طيلة 6 قرون ثم إضطروا للرحيل.
خير مثال على ذلك تذكير الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الغرب بالدولة العثمانية التي إحتلت البلقان وأذلت أوروبا، ما دفع ألمانيا للإعلان صراحة أن أنقرة الإسلامية لا يمكن قبولها ضمن الإتحاد الأوروبي. مؤخراً، إحتشدت المشاعر الصلبيية ضد الرئيس أردوغان، فإلتفت أوروبا كلها خلف أثينا تماماً كما إحتشدت العام 1821 مع الثورة اليونانية ضد الأتراك، إذ لا يمكن سلخ النزعة الصليبية من قلوب الغرب، كما لا يمكن إثناء الرئيس أردوغان عن أن يكون “خليفة” الدولة العثمانية. الحل هو البحث عن صيغة توفيقية لتبادل المصالح بين الطرفين، أما ما في القلوب سيظل إلى قيام الساعة.
السبب الثالث: دلست إسرائيل على العالم وأخفت حقيقة نواياها التي تريد الإستيلاء على كل فلسطين ولكن بالتدريج وحسب الظروف، وظهرت أجزاء المخطط الصهيوني على إنها أحداث منفصلة وهي على خلاف ذلك ولقد فصَّلنا في مقالات سابقة طبيعة المشروع الصهيوني ومحطاته وأدواته. لذلك، بدأت إسرائيل بمجموعة من المهاجرين الذين خافوا من الإضطهاد في بلادهم، وإنتهت العام 2017 إلى إنها تريد كل فلسطين.
من هنا، تعني كلمة السلام التسليم بالمشروع وتسليم فلسطين بهدوء ولا علاقة لها بمفهوم السلام العام؛ لذا، إن كل الأصوات التي تنادي بالتقارب مع إسرائيل سعياً إلى السلام هي أما مخدوعة أو جاهلة، فلو كانت إسرائيل تريد أن تقيم على أرض فلسطين حقاً يجب أن تقر أولاً بأنها ليس لها أي حق في الأرض، وأن الفلسطنيين هم الذين تكرموا بقبولهم بجوارهم، ثم تخلص النية مع الفلسطنيين على العيش المشترك على أرض فلسطين. ولكن مشروع إسرائيل كان واضحاً منذ البداية.
السبب الرابع: جلبت إسرائيل، منذ زرعها في المنطقة، معها الخراب والدمار لأن المشروع الصهيوني لا يعيش إلا على الجثث العربية ويتغذى بدمها ومن الخرافات والأساطير أن إسرائيل جاءت لكي تعمر المنطقة وتنهض بها وتشيع الديمقراطية في ربوعها. لقد ثبت أن إسرائيل هي التي تعادي الشعوب العربية وتشجع حكامها على قمعهم والإستبداد بهم ونهب ثرواتهم وإفقارهم حتى صارت السبب الأساسي في شقاء المنطقة ونزع هويتها العربية. لذلك، نرى بأن سجل إسرائيل، طوال 70 عاماً، حافل بالإعتداءات والمظالم والمذابح خاصة بعد أن أعلن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عن نظريته بصراحة وتتلخص في أن القوة المفرطة والخارقة هي أساس ثقة المواطنين في الدولة وأساس قمع الدول العربية لكي تقبل بإسرائيل على حساب الفلسطينيين، فلا يوجد شعب عربي سلم من عدوان إسرائيل وجرائمها.
فحتى مصر، التي يظن البعض أنها صارت حليفاً لإسرائيل، فإن الأخيرة تعتبرها أكبر أعدائها، ولا تثق بقيادتها رغم كل الدمار الذي ألحقته بها حيث تسعى إسرائيل لإبادة مصر. ولكن، تبقى مصر البداية والنهاية وبقية الدول العربية تفاصيل، وهي كالغنم الشاردة يأكل الذئب الإسرائيلي منها كما يشاء بعد أن تغير موقف مصر في “كامب ديفيد”.
السبب الخامس: إن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض وأن إدخال اليهود بينهم، بحجج مختلفة، كان حيلة وخديعة؛ لذلك، إما أن يتخلوا عن كل فلسطين أو أن يقبلوا العيش مع الفلسطينيين في فلسطين. فإذا ما آثروا الاستيلاء على كل فلسطين، فإنني أطالب أن تكون كل فلسطين لأهلها العرب.
لكل هذه الأسباب، لا بد من تنشيط البرنامج القومي للمقاومة الفكرية الثقافية لإسرائيل لأنها تعتمد على تزييف الحقائق، والاعلام العربي لنظم الحكم العربية، وفرض الأمر الواقع بالقوة، ومصادرة مستقبل هذه المنطقة؛ فمن لا يوافق على هذه النظرة، عليه أن يبين لنا ماذا قدمته إسرائيل من خير خلال سبعين عاماً.
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصور: سبوتنيك – عرب 48.
موضوع ذا صلة: هل يمكن أن تعترف دولة عربية بإسرائيل وفلسطين معاً؟