د. عبدالله الأشعل*
الإعلام الصهيوني أوسع من الإعلام الإسرائيلي، فلقد مهد له ساسته الأرضية المناسبة للإنقضاض على المواطن العربي، حيث أفقده الحاكم وإعلامه عقله ليصبح من السائمات التي يسهل قيادها دون إرداك. وقد ساهم “مشايخ السلطان” في إستدعاء الدين كذباً لتأكيد صحة رسالة الحاكم، خاصة وأن المواطن فاته الكثير عمداً في تحصين العقل وإستخدامه الصحيح والغذاء الصحي اللازم له من الثقافة والعلوم بعد أن أصبح المثقف والعالم العربيين هدفاً لقمعه أو قتله أو سجنه أو تحقيره، فهو أخطر على الحاكم من كل أعداء الحاكم لأن المثقف يستطيع أن يوقظ المواطن ليدرك ما هو فيه.
تكمن مهمة المثقف في تزويد المواطن العربي بما يستعيد به عقله، فيميز بين النافع والضار، والمتشابهات والملتبسات. لقد بالغ الرئيس الراحل، أنور السادات، في تغييب عقل المواطن عن حقيقة إسرائيل، فأستصدر من برلمانه قانوناً خاصاً لقمع الفاهمين المنتقدين أسماه، فجوراً وبغياً، ” قانون العيب”. ولم لا، وهو قد نصَّب نفسه “كبير العائلة” المصرية، وظن أنه بتكوينه “الساذج” قد إبتكر الحل للمشروع الصهيوني، في حين أنه يعلم جيداً، بحكم نشأته الريفية، أن العيب في المجتمع أقوى من الحرام، فإلتبس على الناس، وزيَّن لهم سوء عمله، وهو خيانة عظمى لو كانوا يعلمون.
المهم هو أنني أجد يومياً في الإعلام الصهيوني، ومنصاته الكثيرة، أفكاراً توجه للمواطن العربي الذي يراهنون عليه، وقد كشف السفير الإسرائيلي في القاهرة منذ سنوات عن أن مهمته “بريئة” وهي إزالة الحواجز بين الشعبين المصري والإسرائيلي، وذلك لإقناع المواطن المصري بأن الصورة السلبية لديه عن إسرائيل لا مبرر لها. ولتصوير تربص الإعلام الصهيوني بالمواطن نسوق قصيدتين لأمير الشعراء أحمد شوقي؛ القصيدة الأولى:
يمامة كانت بأعلى الشجرة
نائمة في عشها مستترة
فأقبل الصياد ذات يوم
فخرجت من عشها الحمقاء
والحمق داء ليس له دواء.
هنا، نجد بأنه صور المواطن على أنه يمامة، والصياد الإسرائيلي يعتمد على حماقتها.
أما في القصيدة الثانية، يقول:
خرج الثعلب يوماً في شعار الواعظينا
فمشى في الأرض يهدي ويسب الماكرينا
فرد عليه الديك العربي: الحمد لله إله العالمينا
بلغ الثعلب عني عن جدودي الصالحينا
من ذوي التيجان ممن سكنوا البطن اللعينا
مخطيء من ظن يوما أن للثعلب دينا
إن مهمة الحملة القومية للمقاومة الفكرية للمشروع الصهيوني هي حماية المواطن من “مكره”؛ فهي لا تملك وقف المؤامرة، ولكنها تحاول تحصين المواطن حتى لا يسقط ضحية المؤامرة والتضليل الإعلامي. للأسف الشديد، كانت تلك مهمة الإعلام العربي في تحصين المناعة العقلية والعربية لدى المواطن، ولكن بات “إعلام الحاكم” الذي يهدر طاقته العقلية لإستمرار حكم الحاكم، فإستغلت إسرائيل ذلك في حملتها الراهنة.
إن المواطن العربي هو رهان مشروعنا، ورهان المشروع الصهيوني ونخصص هذا المقال لرصد ثلاثة من أكاذيب الإعلام في إسرائيل؛ الكذبة الأولى، أن العرب يكرهون الفلسطنيين وأنهم عندما إستفاقوا أصبحوا يحبون إسرائيل لأن خبرة 70 عاما أظهرت للمواطن العربي أن بلده يتدهور في كل المجالات بينما تتقدم إسرائيل، وهي تتمتع بنظام ديمقراطي يتمناه كل عربي لبلاده. الصحيح أن حب إسرائيل حديث ولفئة مستفيدة من دول الخليج مرتبطة بالحاكم وإرضاءاً له، أما الفلسطينيون فهم أصحاب الأرض وهم جزء من الأمة العربية التي تنتمي إليها الشعوب العربية جميعاً، وأن سبب تخلَّف العرب والإستبداد بهم هو إسرائيل التي قادت الجهود الرسمية في قمع الثورات العربية.
الكذبة الثانية، الزعم بأن أتفاقي “أوسلو” و”كامب ديفيد” كانا كارثة، لأن الأول جلب الرئيس الراحل، ياسر عرفات، إلى فلسطين وهو لم يكن يحلم بها. أما الثانية، فقد أعادت شبه جزيرة سيناء لمصر فيما تعتبر من “المقدسات” عند اليهود. الصحيح أن “أوسلو” إن كان قد جاء بالرئيس عرفات فذلك لقتله؛ وإن كانت سيناء قد عادت إلى مصر، فبقيود إسرائيلية وتحت عيونها إلى أجل غير مسمى. هذان الإتفاقان ليسا كارثة على إسرائيل، ولكنهما من أهم محطات المشروع الصهيوني، فيما الكارثة الحقيقية تقع على كل من مصر وفلسطين والعرب.
الكذبة الثالثة، إن هدم البيوت في فلسطين على رؤوس أصحابها ليس بدعة، فهو يحدث في دول أوربية ضد العشوائيات التي سكنها الأقليات، وهو ما يحدث الآن في مصر. فلماذا تلومون إسرائيل بالذات؟ ولماذا يميز الإتحاد الأوروبي ضد إسرائيل ويستمر في ذلك؟
الحقيقة هي أن إسرائيل هي دليل للغرب كله في المنطقة، والصورة الحديثة بعد رحيل الإستعمار التقليدي، فلا يمكن للإتحاد الأوربي محاربة التمييز ضد إسرائيل والحكومات الأوربية التي لا تملك منع الجامعات ومنظمات المجتمع المدني من التضامن مع سكان الضفة الغربية ضد المستعمرين. أما عمليات هدم المنازل في إسرائيل، فهي تختلف تماماً عن مثيلاتها في أوروبا ومصر.
في أوروبا، فإنهم يهدمون العشوائيات وفق القانون العادل بقضاء مستقل، وفي مصر تقوم الحكومة بهدم الأبنية المخالفة، خاصة تلك المقامة على أراضٍ زراعية. ولكن في فلسطين، إن هدم البيوت مخطط لتفريغها البلاد من سكانها حتى يسكنها اليهود.
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصورة: العربي الجديد.
موضوع ذا صلة: لماذا أكره إسرائيل وأدعم الفلسطينيين؟(1/2)