عبد العزيز بدر القطان*

قضى الكثير من العلماء جلّ وقتهم في العصر الحديث بدراسة تطور حياة الإنسان القديم في جميع المراحل التي مر بها، عبر ربطهم للحقائق المعروفة عن الشعوب القديمة مع تلك للشعوب الحديثة.

إكتشاف ماضٍ سحيق

درس العلماء الظواهر البشرية، من نظم وأفكار وعادات، ما جعلهم يكتشفون ماضٍ بعيد لطالما إعتقد الناس أنه في طي النسيان. وقد أدت تلك الدراسات للتوصل إلى معرفة الكثير من المؤسسات الحقوقية والثقافية التي عاشت عليها تلك الشعوب، من خلال تجميع الحقائق من مختلف بقاع الأرض وربطها معاً، الأمر الذي أدى إلى معرفة الكثير عن الحياة البدائية ونظم حياتها وتتبع مراحل تطورها.

فالمجتمعات الموغلة في القدم وأشكال المدنية الأولى التي أشارت إليها كثير من الدراسات، لم تعرف أي تمييز واضح بين العالم الطبيعي وعالم الإنسان والشؤون الإنسانية؛ فالآلهة والأرواح الخارقة للطبيعة، توجه القوى والسلطات التي تحكم كل شيء في الكون، آلهة روما على سبيل المثال، بما في ذلك الإنسان وتسيير شؤونه على الأرض، وهو ما يأتي تفصيلياً في كتاب فكرة القانون للكاتب دينيس لويس.

المسؤوليتين الفردية والجماعية

دلت الكثير من الدراسات على أن المسؤولية الفردية لم تكن معروفة لدى كثير من شعوب العالم القديم خاصة تلك التي كانت خاصة بالطقوس. فالذي يجمع بين تلك الشعوب هو المسؤولية الجماعية، كالعشيرة أو القبيلة أو العائلة التي كانت هي المسؤولة عن أفرادها، ودعموا هذه المسؤولية بقانون خاص بهم كما في حالات الزواج والملكية وتنصيب الزعيم بـ “الوراثة”. وفي هذا الشأن، قال ألفرد راسل ولاس “لقد عشت مع جماعة الهمج في أميركا الجنوبية وفي الشرق ولم أجد بينهم قانوناً ولا محاكم سوى الرأي العام الذي يعبر عنه أهل القرية تعبيراً حراً، فكل إنسان يحترم حقوق زملائه ويندر الإعتداء على هذه الحقوق، والناس في مثل هذه الجماعات متساوون تقريباً.”

أخيراً، إن الجماعات الفطرية تتمتع بحرية نسبية من قيود القانون، أولاً لأنها محكومة بعادات تكمن في صرامتها وإستحالة الخروج عنها كأي قانون. ثانياً، لأن جرائم العنف تعتبر مسائل خاصة لأن الثأر كان هو القانون المتاح في تلك الحقب، وهذا ما جاء عليه روسو بالقول، في وصفه للحياة الهمجية وحالة الفطرة، بأنها “حالة تسودها البساطة والبهاء والسعادة، فالهمجي يعيش كما يهوى في غابته الحلوة، ويلبي نداء غرائزه، ويشبع شهواته الساذجة بأعظم جانب من الخير الذي يرجع إلى إستقلاله المطلق.”

ولإستكمال هذا الطرح، سنبحث لاحقاً مسألة كيف قضت أبحاث الإنتربولوجيا على الصورة الفلسفية الشاعرية، وفرقت بين المجتمع الفطري للإنسان ورفعت الحالة المدنية.

*كاتب ومفكر – الكويت.

مصدر الصورة: الحرة.

موضوع ذا صلة: الإنسان ليس موضوعاً بل هو ذات إدراكٍ تام