د. عبدالله الأشعل*
عندما أعلنت كل من الإمارات والبحرين إعترافهما بإسرائيل، لم تتنكرا لفلسطين. بل على العكس، أكدتا أن الإعتراف بإسرائيل يدعم حقوق الشعب الفلسطيني، كما أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وهو يبارك هذه الخطوة، أكد هذا المعنى وزاد عليه أن هذه الخطوة تخدم السلام والإستقرار في المنطقة.
ربما ظنت الإمارات والبحرين أن إعترافهما بإسرائيل يماثل إعتراف مصر بها، حيث بقيت القاهرة على دعمها للحقوق الفلسطينية بالرغم من إعترافها هذا؛ فتصورتا أنه يمكن الإعتراف بإسرائيل وفلسطين في نفس الوقت. ومما لا شك فيه أنهما يعيان بأن المبادرة العربية للسلام ربطت ما بين الإعتراف العربي الشامل بإسرائيل وبين تعزيز الحقوق الفلسطينية، بل جعلت الإعتراف والتطبيع شرطاً أساسياً كي تعترف إسرائيل بالحقوق الفلسطينية. وما دامت الدول التي إعترفت بإسرائيل، مثل البحرين والإمارات وربما دول أخرى في الأيام القادمة، لم تربط إعترافها بشرط إعتراف إسرائيل بالحقوق الفلسطينية وأن يكون هذا الإعتراف “مكافأة” لها كي تحترم هذه الحقوق، لا سيما حقوق الفلسطينيين والمسجد الأقصى.
لكن “فك الإشتباك” والإلتباس في هذه الحالة لا تخدمه المواقف العصبية إذ أنه من حق الفلسطينيين أن يغضبوا، ولكن الغضب الذي ترتب عليه سحب السفير الفلسطيني من الإمارات والبحرين إحتجاجاً على موقف البلدين من إسرائيل كان مجرد موقف رمزي. ولكي نفهم أبعاد الموضوع ونهمس به أيضاً في آذان أحبتنا في الخليج، علينا أن نقدم الملاحظات التالية:
أولاً، إن إعتراف مصر بإسرائيل قابله إسترداد سيناء، على الرغم من أن ثمن الإعتراف المصري بإسرائيل كان يجب أن يكون ضبط إسرائيل لسلوكها في المنطقة وأن تكون مصر قيداً عليها، وأن تحترم إسرائيل قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالإنسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة، ومساعدة الفلسطينيين على إقامة دولتهم المستقلة، على 4 يونيو/حزيران 1967، وهي الصيغة التي توافق عليها العرب والفلسطينيون رغم تحفظي عليها. أيضاً، تعتبر مصر دولة كبيرة تعمل لها إسرائيل حساباً لها ولجيشها ألف حساب، وهذا يؤدي إلى مبالغة إسرائيل في المشاعر العدائية تجاه مصر وتدميرها. هذا الأمر، يجب أن يدفع مصر إلى عدم التخلي عن “الغنم الشاردة” في “الحظيرة” العربية.
ثانياً، لم تتمكن “مصر الكبيرة” من الجمع بين فلسطين وإسرائيل في نفس الوقت، وإنما إهتز موقفها وإقترب من إسرائيل، وهذا هو الهدف الأساسي من صفقة “كامب ديفيد”، وبسببها نعزوا كل الإنهيارات الحاصلة اليوم في الأمة وكل الإنتصارات لعدوها. فكيف بدولة صغيرة، كالإمارات أو البحرين، أن تفعل ما فشلت مصر فيه خاصة وأن الدولتين تدركان جيداً المعادلة التي وضعتها إسرائيل؟
ثالثاً، إن المعادلة التي وضعتها إسرائيل هي أن القدس عاصمتها وأن كل فلسطين لها، والموت هو حصة الشعب الفلسطيني وهذا يتناقض مع فكرة حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الأمم المتحدة لأن العرب يدركون جيداً أنها قدمت ثلاث نظريات متتالية؛ النظرية الأولى، هي “الأرض مقابل السلام”، والنظرية الثانية هي “السلام مقابل الإزدهار”، أما النظرية الثالثة والأخيرة فهي “السلام فقط لليهود” دون غيرهم، وأما الفلسطينيون فيتم لهم “سلام المقابر”. لقد إستبدلت إسرائيل وصف الأراضي المحتلة بوصف فاقع واضح هو “الأراضي المستردة”، وكان ذلك واضحاً في تعليق مندوب الوكالة اليهودية آبا ايبان، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني العام 1947، على قرار التقسيم الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة في نفس اليوم، أي القرار رقم 181، حيث قال بأنه ليس شهادة ميلاد لإسرائيل وإنما إعتراف من المجتمع الدولي بأن اليهود كانوا في فلسطين منذ آلاف السنين وعادوا إليها.هذا القرار عندهم يشكل أول تجسيد لحلمهم الذي كان معلقاً ونزل إلى الأرض بفضل جهادهم وصبرهم.
رابعاً، معنى ذلك أن إعتراف الإمارات والبحرين، وكذلك إعتراف مصر والأردن، بإسرائيل كان يصح قبل أن تغير أطماعها. فبعد أن كانت تريد إقتسام فلسطين مع أهلها، أخذتها الأماني بعيداً وقررت أن فلسطين كلها لها، وليذهب أهل فلسطين إلى الجحيم.
والسؤال هنا: هل يدرك ذلك قادة هذه الدول الأربعة، ومن يقع في الخطأ بعدهم، هذه الحقيقة بحيث صار إعترافهم رسالة لإسرائيل بالمضي في إستكمال مشروع إغتصاب كل فلسطين؟ كيف يكون هذا الإعتراف دعماً لحقوق لم تعد تعترف بها إسرائيل؟ كيف يسهم هذا الإعتراف في إقرار السلام والأمن في المنطقة؟ هل الدافع الأساسي لدى دول الخليج هي التضحية بالمسجد الأقصى؟ والإستعانة بإسرائيل ضد إيران التي يمكن أن تعقد صفقة مع الأطراف الرئيسية في المعادلة وتقتسم الخليج معهم؟
لقد كان يتعين على كل من مصر والأردن أن تحافظا على إعترافهما بإسرائيل خصوصاً وأن الأخيرة ليس لها حدود رسمية، وإنما تنتظر أن تلتهم كل فلسطين، كما أنها دائماً ما تعلن بأن حدودها هي تلك التي تضمن لها أمنها. معنى ذلك أن إسرائيل “أخطبوط” لا يمكن أن يحدد حدوده الإقليمية، وما فعلته مع مصر والأردن منذ عقود ليس إلا تدليساً وتعمية، فهي قدمت للعالم غير الذي تضمره.
لقد آن الأوان كي يعرف العالم كله أن الحياة في المنطقة لا يمكن إقتسامها بين فلسطين وإسرائيل، فلا يمكن التعايش بين الجسد العربي و”السرطان” الصهيوني. فهل يدرك قادة هذه الدول هذه الحقائق؟!
بقيت كلمة أخيرة وهي معرفة الفرق ما بين إعتراف دولة عربية بإسرائيل وبين إعتراف دولة غير عربية بإسرائيل. إن الدولة العربية هي جزء من الجسد والأمة العربية، وعليها إلتزام إسلامي للمسجد الأقصى، ثم أنها هي التي سعت كي يلتزم العالم بمطالبها في فلسطين. إن التفريط بالمسجد الأقصى يعد خطيئة دينية ومأساة قومية، إذ لا يجوز لها الإعتراف بإسرائيل بلا مقابل للفلسطينيين لأن إعترافها هذا سيكون ثمنه إعداماً لتلك الحقوق ودعماً مجانياً لإسرائيل مهما كانت المزايا الذاتية التي تحصل عليها حكومة الدولة العربية، وهذا هو المجال التي تظهر فيه المسافة الفاصلة بين حسابات الحكام ومصالح أوطانهم وأخص بالذكر هنا مصر، التي لا تزال وفية لـ “كامب ديفيد” رغم أنها تسبب إنتحاراً لها وفناء للأمة.
فإذا كانت فلسطين بعيدة عن دول الخليج، فإن فلسطين بالنسبة لمصر هي الفناء الخلفي الحساس. ونذكر الجميع بأن أعظم إنتصارات الجيش المصري ضد الصليبيين والتتار، في القرن الثالث عشر الميلادي كانت، في فلسطين التي تعد بوابة الأمن القومي المصري بحيث لا يجوز تسليمها للعدو الذي أعلن منذ البداية أنه يستهدف مصر.
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصور: قناة 23 – ميدل إيست أونلاين.
موضوع ذا صلة: مخاطر إسرائيل على مصر بعد إختراقها للعرب