د. حمدي مالك*
تعمل “كتائب حزب الله” العراقية بإجتهاد ودقة نحو بسط هيمنة جديدة في أوساط ميليشيات “المقاومة” المدعومة من إيران في العراق. وتصور الجماعة نفسها على أنها فصيل “المقاومة الحقيقية”، لغرض إلزام الجماعات الأخرى المدعومة من إيران على إتباعها.
وبغية تحقيق هذا الهدف، تعمل “كتائب حزب الله” على جبهتين، حيث بدأت تكثف من أنشطتها غير العسكرية، وإعتمدت بشكل كبير على منظماتها الشبابية التي تطورت في العقد الماضي. وتقوم تلك المنظمات بالترويج للنسخة الأكثر تطرفاً من الإيديولوجيا الإسلامية الشيعية المعادية للولايات المتحدة التي يروجها “محور المقاومة”، كما تعمل هذه المنظمات على القضاء على الآراء المعارضة في المجتمع العراقي. ويتم عمل ذلك بالتنسيق مع الجبهة العسكرية للتنظيم، حيث تمكنت “كتائب حزب الله” من شن هجمات ضد المصالح الأمريكية بعد إغتيال اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
وبعدما تحدثت عن تفاصيل تتعلق بالجناح العسكري لـ “كتائب حزب الله” في مقالي الذي حمل عنوان “التهديد المتنامي لوكيل إيران المختار في العراق”، والمقال الذي كتبه مايكل نايتس: مستقبل “كتائب حزب الله” ووكلاء إيران الآخرين في العراق: هل يعودون إلى الظل؟، لا بد من مراقبة الأنشطة غير العسكرية المتنامية للمجموعة.
الجماعات العاملة بلباس مدني التابعة لـ “كتائب حزب الله”
إن معظم الجماعات العاملة بلباس مدني التابعة لـ “كتائب حزب الله” وأنشطتها العدائية عبر الإنترنت هي تحت قيادة منظمة تحمل إسم “ربع الله” ظهرت إلى العلن للمرة الأولى بعد فترة قصيرة من 31 أغسطس/آب 2020. ففي ذلك اليوم، أضرمت مجموعة غاضبة النيران بمكاتب قناة “دجلة” الفضائية العراقية بسبب بثها أغانٍ ليلة عاشوراء، وهي الذكرى الشيعية الأبرز لإحياء استشهاد الإمام الحسين. وفي 4 سبتمبر/أيلول، نشرت “ربع الله” رسالتها الأولى على قناة “تلغرام” طلبت فيها من قناة “يو.تي.في” الإعتذار بسبب “إهانتها المرجعية وعلماء دين آخرين”، مهددة بإحراق مكاتب القناة بالكامل. وبعد يومين، نشرت الجماعة فيديو لعناصرها يضرمون النيران في مكتب قناة “دجلة” الفضائية، مقرة فعلياً بمسؤوليتها عن الحادثة.
وتزعم “ربع الله” أنها جماعة مستقلة لكن كافة المؤشرات تدل على أنها من صنع “كتائب حزب الله”. على سبيل المثال، كانت الجماعات التابعة لـ “كتائب حزب الله” الكيانات الوحيدة التي هنأت “تجمع شباب الشريعة” التابع لـ “كتائب حزب الله” بإحتفاله بتأسيسه، 4 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث كانت “ربع الله” من بين الجماعات المهنئة.
الجماعات الحديثة التأسيس
منذ تأسيسها، بدأت تكسب جماعة “ربع الله” زخماً شيئاً فشيئاً. فمنذ مطلع سبتمبر/أيلول، أعلنت بعض الجماعات الأخرى التابعة لـ “ربع الله” عن وجودها، وثمة جماعاتين رئيسيتين تعملان حالياً في فلك هذه الجماعة. وتوفر جماعة “جبهة أبو جداحة” (أبو ولاعة)، علاوة على جماعة “ربع الله”، العدد الأكبر من العناصر البشرية لتنفيذ أنشطة بلطجية بلباس مدني على طراز إحراق مكاتب قناة “الدجلة” الفضائية. أما الجماعة الأخرى، “فريق فاطميون”، فهي مسؤولة أساساً عن شن هجمات على الحسابات التي تعارض توسع إيران في المنطقة على وسائل التواصل الإجتماعي والتبليغ عن إنتهاكات سياسات شركات التواصل الإجتماعي من أجل تعليق وحذف الحسابات المعارضة. علاوة على ذلك، يعمل “فريق فاطميون” الإلكتروني على إسترجاع الحسابات المعلقة التابعة لـ “محور المقاومة”. كما نفذت فريق “فاطميون الميداني”، الفرع الميداني لـ “فريق فاطميون”، المزيد من الأنشطة العنيفة على الأرض.
وتعمل كافة هذه الجماعات تحت قيادة “ربع الله” وتطلق على نفسها إسم قوات الردع. فضلاً عن ذلك، ثمة بعض الجماعات الأخرى التابعة الموكلة بقرصنة المواقع الإلكترونية والحسابات الشخصية، وحتى محاولة الإستحواذ على تفاصيل البطاقات الإئتمانية للأشخاص الذي يعتبرون أعداء “محور المقاومة”. ومن بين هذه الجماعات “فريق كوثريون الإلكتروني” ومجموعة القراصنة “نيو سايبر”. وتركز جماعات أخرى على إحراق متاجر الكحول والملاهي الليلية ومبان أخرى، من بينها جماعتا “أهل المعروف” و”فرقة أحباب الله” اللتان تتوليان مكافحة السلوكيات التي تعتبر “غير إسلامية”.
ولا تزال عملية هيكلة هذه الجماعات الشبابية مستمرة، فـ “المجاميع الخاصة” كانت “المجاميع الخاصة لربع الله”، لغاية 17 أكتور/تشرين الأول، حين أعلنت أنها مستقلة. غير أن إعلان الإستقلالية لا يعني بالضرورة أن هذه الجماعات منفصلة حقاً. ولتعقيد هذه العلاقات بشكل أكبر، يمكن أن تحمل جماعة واحدة عدة أسماء في بعض الأحيان. وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني، إختلفت “المجاميع الخاصة” مع “ربع الله” على إثر هجوم الأخير على مركز مساج في العاصمة ولحد الآن موقفها من القوات الردع غير واضح.
ورغم أن “كتائب حزب الله” هي من أنشأت وتدير الجماعات باللباس المدني هذه، يمكن لهذه الفروع إستقطاب أفراد من جماعات “مقاومة” عراقية أخرى من خارج “كتائب حزب الله” أيضاً مثل “عصائب أهل الحق”. قامت “كتائب حزب الله” بتنفيذ هذه الإستراتيجية على مستويات مختلفة، حيث تشكل إحدى الطرق التي تستخدمها لبسط نفوذه في داخل فصائل “المقاومة” الأخرى. بهذه الطريقة، تقيم “كتائب حزب الله” روابط وثيقة مع أفراد من جماعات “مقاومة” أخرى، لتبسط بذلك تدريجياً نفوذها في أوساطها. ومن الشائع رؤية أحد أفراد “منظمة بدر” أو إئتلاف “دولة القانون”، التابع لنوري المالكي، مضطلعاً بشكل غير رسمي بدور أحد أفراد “كتائب حزب الله”. وتقوم “كتائب حزب الله” بتطبيق تلك الإستراتيجية على الجماعات غير المدنية الجديدة المنضوية تحت رايته أيضاً.
“جمعية كشافة الإمام الحسين”
لم تبدأ أنشطة “كتائب حزب الله” البلطجية مع إنشاء جماعة “ربع الله”، حيث تولت “كتائب حزب الله” تنفيذ عدد من تلك الأعمال التي كان لها صدى سياسي كبير قبل إعلان جماعة “ربع الله” عن وجودها. وفي يونيو/حزيران 2019، قاد القيادي في “كتائب حزب الله”، أبو طالب السعيدي، مجموعة من أعضاء فصيله وأفراد من جماعات “مقاومة” أخرى لإقتحام السفارة البحرينية في بغداد إحتجاجاً على ورشة “السلام من أجل الإزدهار” المنعقدة في البحرين للترويج لخطة السلام الإسرائيلي – الفلسطيني التي أطلقتها إدارة الرئيس دونالد ترامب.
ويعتبر السعيدي، الذي يرأس حركات شباب “كتائب حزب الله”، شخصية متطرفة بشكل خاص حيث صرح في العام 2018، في إشارة إلى الإنتفاضة البحرينية الشيعية، بأن “نظام آل خليفة إلى زوال.. ذلك لم يأتي فقط (بسبب) التظاهر السلمي.. لكن العبوات (الناسفة) وقتل المرتزقة من آل خليفة وذلك الجيش البربري.. نقول لإخواننا في البحرين ومقاومة البحرين، إننا معكم في آخر طلقة من الإطلاقات التي نمتلكها.”
لقد كان السعيدي شخصية مؤثرة في تطوير وتنفيذ إستراتيجية “كتائب حزب الله” للشباب التي تم وضعها قبل 11 عاماً. ولسنوات طويلة، كان السعيدي المفوض العام لجمعية كشافة الإمام الحسين، وعمل على توسع دور الجمعية بشكل كبير. ففي العام 2011، وقعت الجمعية مذكرة إتفاق مع جمعية “كشافة الإمام المهدي”، التابعة لـ “حزب الله” اللبناني. وبحلول العام 2015، وصلت مجموعة من المدربين المتمرسين في “كشافة الإمام المهدي” إلى مدينة كربلاء العراقية لتدريب 90 من أفراد “جمعية كشافة الإمام الحسين” على مهارات القيادة لمدة 12 يوماً.
وحينما بدأت “كتائب حزب الله” في العام 2020، العمل على خطة لتنظيم أنشطتها العنيفة غير المسلحة بشكل أفضل بغية السيطرة على شوارع العراق عقب الإحتجاجات المعادية لإيران إلى حد كبير، التي إنطلقت في أكتور/تشرين الأول 2019، لجأت الجماعة إلى إمكانياتها في “جمعية كشافة الإمام الحسين”. وخلال فترة قصيرة، تمكنت “ربع الله” من تهديد الأصوات المعارضة وحاولت إسكات بعضها. على سبيل المثال، أحرقت مكتب “الحزب الديمقراطي الكردستاني” في بغداد بعدما إنتقد هوشيار زيباري، الشخصية البارزة في الحزب، “قوات الحشد الشعبي”. فضلاً عن ذلك، هددت هذه الجماعات قنوات تلفزيونية مختلفة على غرار “الحرة” و”فرانس 24″ و”دويتشه فيله”، وأضرمت النار في بعض متاجر الكحول والملاهي الليلية، وألغت عدداً من الحسابات على وسائل التواصل الإجتماعي وقامت بقرصنة مواقع إلكترونية، كما هددت علناً وصراحة قوات الأمن التي حاولت منع أنشطتها غير القانونية.
مع ذلك، تتصور “كتائب حزب الله” وأبو طالب السعيدي دوراً أكبر حتى لمنظمة الشباب، وهو ما يتجلى في تأسيس “تجمع شباب الشريعة” المذكور آنفاً، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني. وأعلن قادة التجمع أن المنظمة الجديدة ستعمل على نشر الإسلام السياسي، مستهدفة الطلاب بشكل خاص. ويقوم التجمع بذلك من خلال التصريح بأنه سيوفر فرصاً جامعية داخل العراق وخارجه لأفراده. ورغم أن التجمع يعرف نفسه على أنه كيان مستقل، تشكل “جمعية كشافة الإمام الحسين” ركيزة هذه المنظمة الجديدة. ويتولى عدد من قادة الجمعية السابقين الآن مناصب مهمة في “تجمع شباب الشريعة” وفي شعبتها الجديدة “جهاد البناء”، القائم منذ عقود في لبنان بإعتباره مؤسسة. يذكر أن هذا البرنامج عبارة عن مؤسسة إنمائية تساعد على تحسين الخدمات البلدية وتوفير المساعدة الإنسانية للفقراء. وتندرج “جمعية كشافة الإمام الحسين” أيضاً ضمن منظمة “تجمع شباب الشريعة” المنشأة حديثاً، ومن المتوقع أن تنظم الأخيرة الأنشطة الشبابية لـ “كتائب حزب الله” بشكل أفضل وتعمل على تعزيز نفوذ “كتائب حزب الله” في العراق.
“المقاومة” المهيمنة
أثبتت أساليب “كتائب حزب الله” فعاليتها في توسيع نفوذها في المجالات الإجتماعية والثقافية في العراق. عسكرياً، إكتسبت الجماعة اليد العليا، وهو ما وضعها في موقف قد تتطلع إليه جماعات المقاومة الأخرى. ومن خلال خطابها وأفعالها المتطرفة، العسكرية وغير العسكرية، تمكنت الجماعة من خلق إطار مثالي جماعي لجماعات “المقاومة”، بحيث صورت نفسها على أنها مثال “المقاومة الحقيقية”. وتطالب “كتائب حزب الله” بإستمرار الجماعات الأخرى بالإلتزام بهذا الإطار المثالي، فتهاجم وتستجوب علناً الأشخاص الذين يخطئون في تطبيق إيديولوجيتها، ويتم التشكيك في ولائهم لـ “المقاومة”. وفى هذا الإطار، إنتقدت قناة “ترى نيوز”، التابعة لـ “كتائب حزب الله”، فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، في مارس/آذار 2020، بسبب رد فعله “الخجول” على إغتيال سليماني والمهندس، وتساءلت عما إذا كان سبب رد فعله هو “الخوف أم الخيانة”. وفي أبريل/نيسان، عندما إتفقت كتل “المقاومة” السياسية في البرلمان على ترشيح مصطفى الكاظمي لرئاسة الوزراء، أتهمتها “كتائب حزب الله” بـ “خيانة تاريخ العراق”.
تستمد “كتائب حزب الله” شرعيته موقفها المتطرف هذا من آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، الذي يتبنى خطاباً متطرفاً للغاية. فخطاب خامنئي يجعل من الصعب على مجموعات “المقاومة” الأخرى أو أعضائها إنتهاك القواعد الراديكالية المماثلة لـ “كتائب حزب الله”. وبما أن جميع الميليشيات المدعومة من إيران تستفيد من هذا النمط من الممارسة، فهم قد لا يرون سبباً لإنتهاك تلك القواعد بأي حال من الأحوال. ونتيجة لذلك، يقوم البعض بتسهيل أو المشاركة في الإجراءات التي تتخذها “كتائب حزب الله”، بينما يتواطأ البعض الآخر في تنفيذ الإستراتيجية. من خلال هذه الأساليب، بدأت “كتائب حزب الله” بإنشاء نظام يمكنه من السيطرة على مجموعات “المقاومة” الأخرى في العراق.
*مساهم في موقع “المونيتور” وقناة “بي.بي.سي” باللغة الفارسية.
المصدر: مهعد واشنطن لسيسات الشرق الأدنى.
مصدر الصور: الحرة – إيلاف.
موضوع ذا صلة: “ربع الله”.. إستنساخ تجربة الباسيج الإيراني في العراق