عبد العزيز بدر القطان*

مما لا شك فيه، إن المفهوم المعاصر لحقوق الإنسان هو نتاج تراث مشترك للإنسانية ساهمت فيه مختلف الشعوب وحضاراتها بتكوينه، حيث أكدت العقائد الإنسانية وإيديولوجياتها الكبرى على أبعاد متكاملة من المفهوم المعاصر لحقوق الإنسان.

لقد إستغرقت هذه الأفكار والمبادئ المتعلقة بهذه الحقوق وقتاً طويلاً قبل أن تنتقل من إطارها الفكري المجرد إلى الواقع الذي يحدث الآن على المسرح العالمي من حياة الشعوب تبعاً لإرتقائها في سلم الحضارة ومدى إستعدادها لتطبيق هذه الحقوق التي واجهت بعض الشعوب مشكلات كبيرة عند تطبيقها، خاصة وأن هناك من هو بعيد كلياً عن هذه الحقوق وتطبيقها عملياً.

تكمن أبرز الأسباب في مشكلات تطبيق هذه المبادئ وإختبارها عملياً بأنها صيغت لفئة معينة من الناس وليس لكل الشعب، خاصة وأن تطور الديمقراطية في الغرب كان بطيئاً. فلقد بقيت فرنسا، التي تعتبر أم الديمقراطية، تمنع حق الإضراب حتى قبل 100 عام، أما الإعتراف بالحقوق السياسية للمرأة، فقد تم بعد الحرب العالمية الثانية، وأعقبه الإعتراف بحق الإضراب وحق العمال في التأمينات الإجتماعية، خاصة التأمين ضد البطالة، ثم حرية الصحافة وممارسة حرية الرأي والعقيدة.

بعد الحرب العالمية الثانية وتشكيل منظمة الأمم المتحدة وإقرار “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، إعتبر الأخير نقطة زمنية فاصلة بين مرحلتين؛ المرحلة الأولى، قبل الحرب حين كانت الحقوق تحظى بأقل قدر من إهتمام المجتمع الدولي الذي كان فيه القانون الدولي معنياً فقط بتنظيم العلاقات بين الدول دون توفير حماية الأفراد، وحينما كانت علاقة الحكومات بمواطنيها تعتبر شأن داخلي بعيد عن سلطة القانون الدولي. أما المرحلة الثانية، فهي بعد الحرب وإقرار الإعلان حيث باتت حقوق الإنسان مجال إهتمام مشترك في الإطار الإنساني.

من هنا، إن إعلان الحقوق ما تلاه من وثائق، إستند على أمرين؛ الأمر الأول، التحرر من الخوف. والأمر الثاني، التحرر من العوز والفاقة، حيث أن إحترام أهداف إعلان الحقوق المدنية والسياسية هو أمر ضروري لضمان التحرر من الخوف، وإحترام إعلان الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية هو أمر ضروري لتحقيق التحرر من العوز والفاقة.

إذاً، إن المساعي المتجددة لتطوير الحقوق بدأت بإعطاء أهمية خاصة لبعض الحقوق الجديدة مثل الحق في بيئة نظيفة، وحق المعرفة من باب أن ذلك مؤشر للتنمية والديمقراطية والعدالة وما شابه ذلك.

في المقابل، هناك عقبات كثيرة لآلية التطبيق العملي. فعلى الرغم من الإجماع الدولي حول المبادئ والوثائق وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما إنبثق عنه من إتفاقيات ومعاهدات دولية، فإن لا ينفي وجود تفاوت بين الدول حول مفهوم ومعايير حقوق الإنسان، حيث لا تزال وجهة نظر الغرب تفرض سلطانها في تعريف الحقوق وإستغلالها لمصلحتها بحيث يبقى التناقض الحقيقي بالرغم من الإجماع الدولي، كما أشرت حول تلك التشريعات والوثائق، بين الخصوصية الغربية لقواعد حقوق الإنسان من ناحية، والطابع العالمي للفكرة ذاتها، من ناحية أخرى.

وإذا كانت الإنتهاكات الفظيعة التي تجري حول العالم هي أحد أوجه العملة التي تكشف عن حجم الهوة بين المبادئ والواقع بالنسبة لهذه الحقوق، فإن الوجه الآخر الذي لا يقل سوءاً هو توظيف تلك المبادئ لأغراض ومصالح سياسية وإقتصادية بعيدة كل البعد عن حقوق الإنسان؛ بالتالي، تكون جهود الأمم المتحدة قد تفاوتت في الواقع بين الوعي في الحقوق وبين الإعتراف بها وحمايتها.

أيضاً، من المعلوم أن الغرب هو من وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصاغ تشريعاته، لكن هذا الغرب نفسه كان أول من تملص من النظرة العامة لحقوق الإنسان، إذ لم تكن نظرته سوى نظرة تمييزية معبرة عن سياسة السيطرة خلال فترة الإستعمار وما بعدها، وخير مثال على ذلك تواجد القواعد العسكرية في دول العالم الثالث إلى يومنا هذا.

أخيراً، إن مواقف الغرب المتميزة ضمن مجلس الأمن الدولي وغيره من الهيئات ما هي إلا تطبيق لمعايير مختلفة تناسب مع مصالحه، وهي التي تجلت في الكثير من المواقف خاصة ما بعد حرب الخليج في تسعينيات القرن الماضي، وإنفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم يتحالف معها، بدون تردد، كل دول الغرب الذي يتمسك بحقوق الإنسان في بلدانه.

*كاتب ومفكر – الكويت.

مصدر الصورة: الحرة.

موضوع ذا صلة: حقوق الإنسان في القرن العشرين.. الآفاق والتناقضات