عبد العزيز بدر القطان*

إن الإعلان العالمي والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وإلى حد كبير، هي نتاج للأنظمة الليبرالية؛ وعند تبنيها، كانت الدول المستعمِرة والإمبريالية الغربية تشكل أكثرية الدول في المجتمع الدولي.

وبذلك، إقتصرت على خدمة مصالح الطبقة البرجوازية ودعم سلطاتها عن طريق حماية الملكية الفردية، دون الإهتمام بحقوق الطبقات الفقيرة التي كانت شريكاً أساسياً في الثورة على الإستبداد والقضاء على إمتيازات الأشراف والأعيان والإقطاعيين.

ومع أن تطوير حقوق الإنسان في بعض البلدان الغنية إرتبط بنمو ثرواتها الذي حصل عن طريق نهب ثروات الشعوب وإفقارها، فإن ما يمكن الجزم حوله هو أن الإرتقاء أو التطور الإنساني، وإن بدأ في بداياته فكراً أو رؤية تتفاعل في مجتمع معين قبل أن يتحول إلى حركة قوية هزت أركان المجتمعات في ذلك الوقت، لكنه لم يبقَ منعزلاً أو مغلقاً أو متجمداً في مكانه.

إن كل المعارك النضالية الطويلة التي خاضها الإنسان منذ القديم هي منْ أدت إلى تحقيق المكاسب التي تتمتع بها بعض الشعوب في حقل الحقوق والحريات، والتي تمكنت شعوبها من الإرتقاء إلى المراكز التي تشغلها الآن في إحترامها لسيادة القانون وتمثيل الإرادة الشعبية وصيانة الحقوق والحريات التي أصبحت اليوم من السمات البارزة والمميزة لدى الأنظمة الديمقراطية.

بالتالي، إن الوصول إلى الإنسانية لا يمكن أن ينتج عن مسير معزول، وإن الأمم والدول في العالم الحديث لم تعد قادرة على العيش مكتفية بـ “ترتيل” تراث الأجداد وتعداد المآثر وتكرار المقولات التاريخية عرفوها قديماً دون القيان بعمل حقيقي، فالحق الأساسي لكل إنسان أصبح هو الحق بالوصول إلى مجمل المكتسبات المجتمعة منذ فجر البشرية، إذ لا يمكن للحرية إلا أن تكون نتيجة تكوين جماعي ينهل من تجارب العالم مع مراعاة منطق العصر وعالمية الأفكار التي تبلورت، ولا تزال، في قواعد حقوقية طبقاً لمقدرة الشعوب التي تمثلها لا سيما وأن التطور العلمي والتكنولوجي العالمي أصبح مهيمناً على حياة الأمم والشعوب، بحيث أن آثاره قد وحدت مصائر هذه الشعوب.

من هنا، إن تلك الآراء التي تخرج من بعض المتعصبين لمعتقداتهم وأفكارهم القديمة والتي ينادون فيها بحقوق ومواثيق ذات خصوصية مبنية على أفكار قديمة لم تجد لها مكاناً على مسرح الحياة العملي، ولم تُلمس لها آثاراً واقعية في حياة شعوبها، وإنما هي آراء خيالية مستحيلة، فحقوق الإنسان ومحتواها ومضمونها أصبحت قضية عالمية بحتة.

وإذا كانت بعض الخصوصيات المحلية تعيق تطبيق بعض هذه الحقوق، فإن ذلك لا يسوغ إعتبار هذه الخصوصية ميزة أبدية يجب التمسك بها، بل يجب التغلب عليها وإعتبارها عائق للتقدم والسعي إلى إزالة ما يتعارض أو ينقض مفاهيم حقوق الإنسان وما حققته من مكاسب على الصعيد العالمي، أو فيما توصلت إليه الجهود العالمية من توضيح وتعميق ومقررات في سبيل حماية هذه الحقوق وضمانها، وفي التجارب الرائدة لشعوب العالم في مجال حماية حقوق الإنسان.

*مستشار قانوني – الكويت.

مصدر الصورة: الحرة.

موضوع ذا صلة: مشاريع حقوق الإنسان العربية والإسلامية