منذ 15 أبريل، يدور القتال في جميع أنحاء السودان – وقد دخل الصراع بين الجنرالين، الذي تزايد في الأشهر الأخيرة، إلى مرحلة مفتوحة، ويقاتل قائد القوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقائد قوة الرد السريع (تشكيل عسكري يعمل في البلاد بالتوازي مع الجيش) محمد حمدان دقلو (حميدتي)، للموارد الاقتصادية والسياسية.
أسباب الصراع
كان الصراع نتيجة للوضع السياسي غير المستقر في البلاد، وفي عام 2019، ترك الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي كان يشغله منذ عام 1993، منصب الرئاسة، ليتحقق بعدها توازن دقيق في السودان بين ممثلي الجيش والمجتمع المدني، لكن في عام 2021، نفذ الجيش بقيادة البرهان انقلاباً وغيّر تركيبة مجلس السيادة الانتقالي، الذي كان في السابق السلطة الأساسية في الدولة، وفي الوقت نفسه، تم تعيين البرهان رئيساً، وخصمه الحالي حميدتي نائباً له.
وبدأت الاشتباكات بعد عدم تمكن الطرفين من الاتفاق على توقيت دمج قوات الرد السريع في القوات المسلحة، في الواقع، أصبحت قوات الرد السريع جيشاً مستقلاً، وأصبح حميدتي أحد أكثر القادة نفوذاً في السودان، ثم اشتد الصراع تدريجياً، وفي أوائل أبريل/نيسان 2023 كانت هناك مخاوف بشأن المزيد من التصعيد، وتمت تبرئتهم في 15 أبريل/نيسان.
وعلى الرغم من اتفاق الأطراف المتحاربة على الهدنة الأولى في 24 أبريل/نيسان، إلا أنه لا يزال هناك خطر من أن يتحول الصراع بين النخب إلى حرب أهلية شاملة، وهذا التهديد حقيقي بشكل خاص بالنظر إلى أن الوضع في هذا البلد كان يتسم دائماً بمستوى عالٍ من التدخل الخارجي، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح السودان، إلى جانب عدد من الدول العربية الأخرى، ساحة للتنافس بين تحالفين في الشرق الأوسط: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من ناحية، وقطر وتركيا من ناحية أخرى.
وسعى كل منهما إلى كسب الخرطوم إلى جانبه من خلال الإعانات المالية، واستخدمتها حكومة البشير لتمويل دعم المنتجات الأساسية وبالتالي الحفاظ على الاستقرار السياسي. لكن في المقابل، طرحت دول الشرق الأوسط مطالب لإعادة تشكيل ميزان القوى الداخلي، ودعت الإمارات والسعودية إلى إزاحة القوى الإسلامية التي كان البشير مقرباً منها من السلطة، وعلى العكس من ذلك، دعمت قطر وتركيا الحركات ذات التوجه الديني، وبعد أن بدأ البشير في التقرب من قطر وتركيا، خفضت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بشكل كبير مساعدتهما المالية للنظام.
وبعد الإطاحة بالبشير عام 2019، بدأت عملية انتقال سياسي معقدة، اعتمدت فيها الرياض وأبو ظبي على الجيش. وفي غضون عشرة أيام من الاستيلاء على السلطة، وعدت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بتقديم مساعدات بقيمة 3 مليار دولار للسودان، وكانت المؤسسة العسكرية حليفاً مفهوماً، لأن الحركات المدنية قادرة على إعادة الإسلاميين إلى السلطة.
وبعد سلسلة من الاشتباكات العنيفة بين المتظاهرين والقوات المسلحة، تنازل الجيش وسمح للقوات المدنية بالاستيلاء على السلطة، ولكن ليس لفترة طويلة – في عام 2021، نفذ البرهان انقلاباً عسكرياً وأطاح بالقادة المدنيين من السلطة، بالإضافة إلى ذلك، دعمته ممالك الشرق الأوسط فعلياً في هذه العملية.
موقف اللاعبين الخارجيين
في الوقت نفسه، بدأ الاتجاه العام في العلاقات الدولية في الشرق الأوسط يتغير: بدأ اللاعبون الرئيسيون في الانتقال من المواجهة إلى المصالحة، وانتهت المواجهة بين قطر وجيرانها رسمياً، ففي يناير/كانون الثاني 2021، تم التوقيع على اتفاق في مدينة العلا السعودية، أعلن بموجبه الطرفان فعلياً عن تسوية للخلافات.
كما أن دولة الإمارات ومملكة البحرين، اللتين شاركتا في حصار قطر من 2017 إلى 2021، أعلنتا عن خطط لإعادة العلاقات الدبلوماسية معها، على هذه الخلفية، بدأت قطر في دعم الحركات الإسلامية السودانية بشكل أقل نشاطاً وعملت بشكل أكبر على حل النزاع في إقليم دارفور (منذ عام 2003، أصبحت هذه المنطقة موقعاً للمواجهة بين الحكومة المركزية وجماعات الجنجويد العربية المسلحة الموالية للحكومة، والجماعات المتمردة من السكان السود المحليين.
وحاولت تركيا أيضاً أن تلعب دوراً معيناً في السودان، وسعت بالتعاون مع قطر إلى تقديم المساعدة للحركات ذات التوجه الإسلامي، فقد نظرت أنقرة إلى السودان باعتباره رصيداً جيو – سياسياً مهماً – وفي عام 2017، وقعت تركيا اتفاقية إيجار مدتها 99 عاماً مع تركيا في جزيرة سواكن السودانية، والتي كانت تسمى تاريخياً نافذة إفريقيا، وفي الوقت نفسه، وسط شائعات حول احتمال بناء قاعدة بحرية تركية، قام الرئيس رجب طيب أردوغان بزيارة هذه الجزيرة.
وعلى غرار قطر، تصالحت تركيا مع ممالك الشرق الأوسط حيث زار أردوغان الرياض، وبعد ذلك قام ولي عهد المملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان، بزيارة إلى أنقرة، وفي عام 2022، وافقت الإمارات على إيداع 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي لدعم العملة الوطنية التركية، وبعد عام فعلت السعودية الشيء نفسه.
ونتيجة لذلك، بحلول عام 2023، انخفض مستوى التوترات الإقليمية حول السودان بشكل ملحوظ، ولعل هذا هو السبب الذي دفع معظم اللاعبين الإقليميين إلى اتباع نهج الانتظار والترقب، بالإضافة إلى ذلك، تتمتع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بعلاقات جيدة منذ فترة طويلة مع كلا الجنرالات، حيث قاد البرهان وحميدتي القوات السودانية التي شاركت في الحرب في اليمن إلى جانب الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط منذ عام 2015، وأعلنت المملكة العربية السعودية صراحة التزامها بالحوار، وبادرت، بالتعاون مع مصر، إلى عقد جلسة طارئة لجامعة الدول العربية في اليوم التالي لاندلاع الأعمال العسكرية في السودان.
كما أن قطر لا تسعى لاختيار جانب معين، ولها اتصالات مع كلا الجنرالين – وهذا ما يتضح من حقيقة ظهور كل من البرهان وحميدتي على قناة الجزيرة التلفزيونية القطرية في اليوم الأول للأزمة، وفي الوقت نفسه، يعتبر قائد القوات المسلحة السودانية، الذي لديه بعض العلاقات مع الإسلاميين، أقرب قليلاً إلى قطر، ويتجلى ذلك على وجه الخصوص في حقيقة أنه قبل شهر واحد فقط من الأزمة، تحديداً في 6 مارس/ آذار 2023، التقى البرهان مع أمير قطر ووزير دفاع هذا البلد لمناقشة التعاون العسكري.
أما بالنسبة للإمارات، على العكس من ذلك، يظل حميدتي لاعباً أكثر قبولاً، وقد عمل تاريخياً بشكل وثيق مع أبو ظبي، وشاركت قوات حميدتي في الصراع في ليبيا، حيث دعمت الجنرال حفتر الموالي للإمارات، ويعتقد بحسب وسائل إعلام عديدة، أن حميدتي سيطر أيضاً على تعدين الذهب في السودان، ثم قام ببيعه عبر دولة الإمارات، أكبر مركز تجاري لهذا المعدن في العالم.
لكن لا الإمارات ولا قطر ولا السعودية ولا مصر مهتمة حالياً بتصعيد الأزمة السودانية، وهذا ما يفسر هدوء أو على الأقل تأجيل أي تجدد للصراع المحتمل، خاصة وأن الخرطوم تحتل موقعاً جيو – سياسياً مهماً في أفريقيا والبحر الأحمر، حيث تمر عبر طرق التجارة المهمة لجميع ممالك الشرق الأوسط.
لذلك، يمكننا أن نتوقع أن تلعب الدول العربية، باستخدام علاقاتها المتراكمة، دور الوسيط في السودان، وليس المحرض على الصراع وهذا واضح جداً خاصة في ظل الصراع الفلسطيني – “الإسرائيلي”، كما كان يمكن أن يحدث في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
مصدر الصورة: أرشيف سيتا
إقرأ أيضاً: ماذا يحدث في السودان.. انقلاب على السلطة أم حرب أهلية؟
عبد العزيز بدر القطان
كاتب وباحث – الكويت