د. شاهر إسماعيل الشاهر*

 

لم تخرج سورية من دائرة الاهتمام الأوروبي قبل الاتحاد الأوروبي وبعده، وشكلت على مدار التاريخ جسراً يسمح للتبادل الثقافي والحضاري وحتى الاقتصادي، وبالتالي السياسي بين أوروبا والمنطقة العربية ولا سيما المشرق منها(1).

لقد واجه التفاعل السوري- الأوروبي العديد من العراقيل والمعضلات، وقد سعت هذه العوامل غير المواتية إلى إعادة تأطير العلاقات السورية – الأوروبية، في سنوات ما قبل الأزمة السورية عن طريق الأساليب النوعية الآتية(2):
1. تقييم المفاهيم الأساسية الخاصة بمفردات معادلة العلاقات السورية – الأوروبية.
2. استخدام وتوظيف بنود العلاقات السورية – الأوروبية كمحفزات لجهة إدارة الصراع العربي – الإسرائيلي بمكوناته كافة.
3. استخدام مشاكل المنطقة كسيناريوهات يلعب فيها الطرف الأوروبي دور “الطرف الثالث” الذي يسعى لتصعيد الخلافات مع دمشق، وتمثل الأزمة اللبنانية أحد أبرز هذه السيناريوهات.
4. إدماج السياسات الأوروبية ضمن السياسات الأمريكية، المندمجة بالأساس ضمن السياسات الإسرائيلية، الأمر الذي أدى بالأطراف الأوروبية إلى السير في ركب التوجهات المجحفة في حق دمشق.

 

الأزمة السورية بين التسوية والحل

 

شكلت الأزمة السورية حالة استقطاب وتنافس إقليمي ودولي غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة. حيث أظهرت الأزمة تشكيل معسكرين أو محورين يتألف الأول محلياً من المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، ويدعمهم إقليمياً كل من تركيا ودول الخليج العربي، ومن ورائهم جميعاً يقف دولياً الغرب بجناحيه الأمريكي والأوروبي. أما المعسكر الأخر فيشمل محلياً النظام الوطني في سوريا، ويدعمه إقليمياً كلٍ من إيران وحزب الله في لبنان، ومن ورائهم جميعاً يقف دولياً كل من روسيا والصين.

ومن أبرز التقلّبات التي خضعت لها مسارات الأزمة السياسية السورية في إطار إيجاد حل سياسي للأزمة، هو اختلاف النظرة الخارجية لمضمون الحل الذي كان يأتي غالباً حسب مصالحها، سواء كانت معلنةً أو مذكورة بشكل ضمني؛ الأمر الذي انعكس على أمد الأزمة، ومقدرة حلها نظراً لعدّة أسباب(3).

ومن الواضح أن السياسات الدولية – الإقليمية في سورية لا يمكنها إنتاج أكثر من “تسوية” في أفضل الاحتمالات، لكنها لا تستطيع إنتاج حل سياسي، لأن مفهوم “التسوية” مختلف كلياً عن مفهوم الحل السياسي في مسائل كثيرة، من أبرزها(4):

أولاً: تقوم “التسوية” على تثبيت واقعة الانقسام المجتمعي والتعبير عنها في نظام محاصصة سياسية، بوصفها تسوية بين مكوّنات مجتمعية ما قبل وطنية، وتطرد مفاهيم مثل: المجال العام (5)، الغالبية والأقلية السياسيتين، الدولة والشعب، المواطنة والعدالة والمساواة، أي المفاهيم التي ينبني عليها الحل السياسي(6).

ثانياً: “التسوية” هي عملية تنضيد لعلاقات القوة بين الطوائف والمذاهب والإثنيات، وفق ظروف اللحظة التاريخية التي فرضتها، وهذا يؤسس لشروط انفجار أزمات وحروب، تبقى مطروحة على الدوام، بمجرد تغيّر الظروف التي أنتجت “التسوية” المذكورة. بينما الحل السياسي يذهب باتجاه وضع سورية على سكة الاصلاح السلمي الديموقراطي، لأنه قائم على علاقات سياسية ومدنية بين مواطنين أحرار، ينظّمها القانون العام، الذي يتوافق السوريون على وضعه، إما بواسطة جمعية تأسيسية أو بواسطة برلمان منتخب.

ثالثاً: تتصل “التسوية” بموازين القوى الإقليمية والدولية وبمصالح الدول المشاركة فعلياً بصناعتها، عن طريق انجدال القوى الطائفية والإثنية والجهوية المحلية على حبال القوى الخارجية، بعد تفتيت المجال الوطني واغتيال فكرتي العمومية والمواطنة، فتغدو سورية مع هذا الانجدال بين قوى ما دون وطنية داخلياً ومصالح خارجية عمياء، ساحة نفوذ في أوقات السلم، وساحة تفريغ صراعات في أوقات التوتر والحروب، متحولة بذلك إلى وضعية الوطن – الساحة. فيما يتجه الحل السياسي إلى تحييد سورية عن تجاذبات الخارج باستناده إلى المصلحة الوطنية النافية للمصالح الجزئية.

رابعاً: تجهد قوى الأمر الواقع (قوى الحرب) إلى إجهاض الحلول السياسية، وإلى التمسك بتسويات تُبقي نفوذهم حتى في أوقات السلم الفاصلة بين حربين، وتسمح بهروبهم من العدالة والمساءلة القانونية. فالعدالة من المداخل المهمة لأي حل سياسي قابل للاستمرار وتوليد الحياة بدل تعميم الموت.

خامساً: إن أي “تسوية” تُطبخ دولياً وإقليمياً ليصار إلى فرضها على السوريين، وتؤدي إلى نظام محاصصة، في حيّز جيو-سياسي يقع بين تجربتي محاصصة فاشلتين (التجربة اللبنانية والتجربة العراقية)، يصبح معها المشرق العربي في حالة سيلان مذهبي وطائفي وإثني، وتصبح حدود الهويّات هي حدود “الأوطان” الحقيقية.

سادساً: الحل السياسي المبني على المسألة الوطنية، يفتح أمام السوريين إمكانات التقدم على كل المستويات، ويضعهم على مسار البحث عن دور إقليمي – اقتصادي لسورية، وإعادة بنائها عمرانياً وسوسيولوجياً، ووصلها بالبشرية العاقلة والمتمدنة، في حين تُبقي “التسوية”، بين المذاهب والإثنيات والطوائف، السوريين مجرد رعايا مذهبيين لهذه الجهة الإقليمية أو تلك، أي تحوّلهم إلى طوائف للإيجار ومتناحرة في ما بينها تناحراً عدمياً.

الرؤى الأوروبية للحل السياسي

بدأت التغيرات على موقف الدول الأوروبية من الصراع في سورية تحديداً منذ سبتمبر 2015، ويمكن القول أن مواقف تلك الدول لم تكن على وتيرة واحدة، وتباينات فيما بينها على مدار سنوات الصراع، لكنها وبنهاية العام المذكور بدأت تتغير نحو الطرح الداعي إلى قبول بقاء القيادة الحالية لا سيما رأس الهرم في منصبه خلال المرحلة الانتقالية بعد أن كانت رافضة لأي دور سياسي له في مستقبل سورية؛ وهناك مجموعة من الأسباب التي تفسر هذا التغيير؛ بعضها يتعلق بالتدخل الروسي وقبول أوروبا على استحياء بهذا التدخل من قبيل دفعها لحل سياسي يحمل الأطراف المتصارعة على قبوله(7)، والبعض الآخر يتعلّق بالضغوط التي تتعرض لها الدول الأوروبية نتيجة لهجرة السوريين إلى أراضيها عبر تركيا، وهي الهجرة التي جعلت أوروبا طرفاً أصيلاً في مسألة البحث عن حلول تمكن اللاجئين من العودة لبلادهم، وهو ما انعكس في النصوص التي اشتملت عليها مبادرات الحل بدءاً من القرار 2254، ومروراً بمبادرات المبعوث الأممي دي ميستورا والتي أقرت “بتمكين السوريين من العودة لبلدهم بأمان”، والبعض الثالث يتعلق بضغط الأوضاع الإنسانية المتدهورة للشعب السوري والتي دفعت العديد من الحكومات لتغيير قناعاتها بطبيعة الحل المراد ليشمل الرئيس الأسد مقابل تقليص صلاحياته أو نزعها لصالح حكومة أو هيئة انتقالية.

دعت الأسباب السابقة الدول الأوروبية إلى التوافق على رؤية موحّدة تجاه مستجدات الصراع السوري؛ وأولى التغيرات في المواقف بدأ من ألمانيا صاحبة أكبر قوة اقتصادية في أوروبا، وأكثر الدول تعرّضاً لموجات هائلة من اللاجئين السوريين(8)؛ حيث أبدت برلين قبولاً بفكرة إشراك الرئيس الأسد في أيّة مفاوضات من شأنها إنهاء النزاع بعدما كانت رافضة رفضاً تاماً لفكرة بقاؤه. أيضاً وبنهاية جولة مفاوضات “جنيف 3” هيمن القلق على مصير الهدنة الهشة القائمة بين طرفي الصراع على مباحثات القمة الألمانية – الأمريكية في مدينة هانوفر في 24 ابريل/نيسان 2016، حيث شهدت تصريحات المستشارة الألمانية انجيلا ميركل تحولاً واضحاً بشأن المناطق الآمنة في سورية، فمن المعروف أن ألمانيا وتركيا كانتا من أكثر الدول الداعمة لمطلب إقامة مناطق آمنة في شمال سورية، بينما توقف هذا الطرح على رفض أمريكي واضح، إلا أن الجديد في الموقف الألماني كان آنذاك تصريح ميركل بأنها “لا تؤيد إقامة مناطق آمنة تقليدية في سورية تحميها قوات أجنبية”، لكنها تعتقد أن محادثات السلام “قد تنتج اتفاقاً على مناطق يمكن أن يشعر فيها السوريون الفارون من الحرب بأنهم في مأمن من القصف”.

وبخصوص رؤية بعض الدول الأوربية فإننا نورد مثلاً الرؤى البريطانية التي تتوافق مع فكرة بقاء القيادة الحالية لأجل قصير حتى تسفر المفاوضات عن تشكيل حكومة انتقالية، كما خففت فرنسا من حدة موقفها من الدولة السورية على وقع اعتداءات شارل إبدو(9) ، وجنوحها للتقارب مع روسيا بشأن دعم موقف الأخيرة من الضربات للمسلحين الإرهابيين، كما أنها اتفقت ورؤية الولايات المتحدة باعتبار أنّ مصير القيادة الحالية سيكون قابلاً للتفاوض بعد إبرام اتفاق لتطبيق الانتقال السياسي. ويمكن تلخيص أولويات فرنسا في الاستجابة للأزمة السورية، بما يلي(10):
1. وقف الأعمال العدائية في جميع أنحاء البلاد عدا العمليات التي تستهدف الإرهاب.
2. توصيل المساعدات الإنسانية بدون انقطاع وبدون قيود إلى مستحقيها.
3. دعم جهود الأمم المتحدة في سبيل عملية الانتقال السياسي.

مما سبق يتضح تماهي الموقف الأوروبي إلى حد ما مع الموقف الروسي الذى يؤجل هذه الخطوة لصالح مواجهة الإرهاب وتقويضه، ولكنها تمايزت عنه في رفضها أن يكون الرئيس الأسد جزءاً من الحل على المدى الطويل.

وسواء أكانت المبادرات السياسية والمؤتمرات والقرارات الأممية بشأن كيفية حل الصراع في سورية أمريكية أو أوربية أو غيرها إلا أنّها تبقى نصوص غير قابلة للتنفيذ لتعارض ملفات القوى الإقليمية حتى هذه اللحظة فيما يتعلق بهذا الصراع، فعلى الرغم من التحوّل في الموقف الدولي الذي يتقدمه حالة التوافق الأمريكية – الروسية، وحالة التقبل الأوروبي لوجود القيادة الحالية ضمن المرحلة الانتقالية القادمة، أي أن هناك إعادة صياغة للمواقف الدولية تجاه النزاع في سورية، بينما لا تزال المواقف الإقليمية متعارضة إلى حد كبير، خاصة تلك الداعمة للمسلحين والتي تعد من أكبر الرابحين من تطور مسار الصراع وتفاعلات القائمين عليه.

الأهداف الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي في سوريا

كان المكتب الإعلامي للسكرتارية العامة لمجلس الاتحاد الأوروبي في بروكسل قد أصدر الاستراتيجية التي أقرتها السكرتارية بخصوص سوريا، والتي تم استخلاصها مما انتهت إليه أعمالها في مايو/ايار وأكتوبر/تشرين الاول وديسمبر/كانون الاول من العام 2016 من خلاصات في سبيل وضع وتحديد استراتيجية للاتحاد في سوريا.

الإصدار الذي جاء في صفحات ثلاث احتوى على 6 بنود رئيسة أطلق عليها “الأهداف الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي في سوريا”، وجاءت في سياق طويل تضمّن التأكيد على الجانب “الإنساني” الذي افتُتِح الإصدار بالتركيز عليه، منطلقاً من واقع وجود 13.5 مليون سوري بحاجة للمساعدة الإنسانية داخل البلاد منهم 6.3 مليون مهجّر في الداخل و1.5 مليون يعيشون تحت ظروف الحصار، فضلاً عن 5 ملايين لاجئ في دول الجوار وغيرها، وتلا ذلك صياغات خطابية مطوّلة تساوي بشكل كامل بين الدولة السورية وأعداء شعبها حول نبذ العنف وفك الحصار عن أي محاصَر وإدانة انتهاكات حقوق الانسان، بلا ذكر جاد لأي دور سلبي فاعل في بداية الحرب وتداعياتها سوى الدولة السورية وحلفائها، وهو ما لا يثير العجب، إذ يُعَد الاتحاد في صدارة الفاعلين بخصوص غض الطرف عن إغراق أراضي سوريا بالمقاتلين الأجانب الذين توجهوا إليها من أراضيه، والضغط السياسي والدبلوماسي على الدولة هناك والذي بدأ برفضه لمجرد مبدأ الحل السياسي في أوائل الحرب (ومن ثم إصراره على خيار إسقاط الدولة)، وصولاً إلى تلك الاستراتيجية الموضوعة علناً التي أكدت على حتمية الحل السياسي واستحالة الحل العسكري.

البنود الستة الرئيسة(11)

1. إنهاء الحرب بانتقال “حقيقي” للسلطة في إطار قرار الأمم المتحدة ومجلس الأمن رقم 2254 وبالتفاوض بين أطراف الصراع برعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، وبمشاركة الأطراف الفاعلة دولياً واقليمياً. ويتضمن البند التأكيد على أنه لا يوجد حل عسكري للصراع في سوريا، وأن الاتحاد يلتزم بوحدة وسيادة الدولة السورية وسلامة أراضيها، مع أهمية الدفع في اتجاه حل سياسي قائم على قرار الأمم المتحدة 2254 مضافاً إليه بيان جنيف 2012 باعتبارهما الكفيلين وحدهما بهزيمة داعش والفصائل المصنفة إرهابية من قِبل الأمم المتحدة. يغفل البند بطبيعة الحال الفصائل الإرهابية فعلياً وسياسياً وفكرياً والمتوحدة مع تلك المصنفة إرهابياً إلى حد التطابق وبشكل عضوي وبنيوي، ولكنها لم يتم تصنيفها من الأمم المتحدة أو سواها كإرهابية، وهي كيانات تتلقى حتى الآن السلاح من أمريكا وحلفائها بشكل معلن وترتكز في محافظة إدلب منفذة إرهابها تجاه محيطها الجغرافي والسكاني تحت أنظار العالم أجمع، وطلبت منها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أن تتوحد جميعاً في ائتلاف تحت قيادة حددتها الأخيرة، إذا ما أرادت استمرار صرف الرواتب والسلاح لها.

2. تطوير انتقال سياسي جاد وشامل للسلطة في سوريا في إطار قرار مجلس الأمن رقم 2254 وبيان جنيف ويتحقق من خلال دعم وتقوية المعارضة السياسية السورية. ويؤكد البند على دعم الاتحاد الكامل للمعارضة السورية، بتعبير مرسل فضفاض للوهلة الأولى، ثم يحدد ما تُسمى بـ “الهيئة العليا للمفاوضات” على وجه الخصوص كمدعوم مثالي سيساعده الاتحاد على تطوير رؤاه بخصوص المرحلة الانتقالية بعد أن ساعده بالفعل، وفق تعبير الإصدار، على تحسين مواقفه التفاوضية ومواقف المعارضة السورية المتفاوضة عموماً، مثنياً على إقامة الهيئة للجنة استشارية نسائية لها، والمنحى التقدمي الذي تسلكه الأولى بإجراء كهذا إلى جانب مشاركتها الكاملة والفعالة في المفاوضات، مع التأكيد على أن العملية السياسية لمستقبل سوريا يجب أن تضم كل مكوّنات المجتمع السوري المتنوعة.

3. إنقاذ حياة السوريين بتحديد الاحتياجات الإنسانية للمجموعات والشرائح الأضعف والأكثر تأثراً بالأوضاع في كل ربوع سوريا، بشكل يراعي التوقيت والفاعلية والكفاية والمبدأية. ويتضمن البند توصيف الاتحاد لنفسه كأكبر الممولين للمساعدات والإغاثات الإنسانية داخل سوريا، مشدداً على نيته في استكمال ما سماه “الدبلوماسية الإنسانية” المكثفة التي يتبعها هناك بالإضافة لإيجاد طرق تكفل تحسين المبادئ الإنسانية، وتمكين ممثلي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية من الوصول إلى كافة الأراضي السورية والعمل بأمان وإتمام أعمال كاملة غير منقوصة. ولم يشر الإصدار إلى العشرات من النماذج لمدن وبلدات وقرى سورية – لا يتناول الإعلام الغربي ولا العربي شأنها – تغص بالمدنيين ويحاصرها الإرهابيون لأشهر وسنوات، مانعين أي جهة كانت من الوصول إليها لتقديم الغذاء والعلاج على اعتبار أن من بداخلها “نظاميون” أي مؤيدون للدولة السورية، وأبرز تلك النماذج بلدتا كفريا والفوعة اللتان استلزم إدخال المساعدات إليهما أشهراً طويلة من محاولات إقناع الفصائل الإرهابية بذلك.

4. تطوير الديموقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي عن طريق دعم منظمات المجتمع المدني السورية. ويذهب البند إلى أن منظمات المجتمع المدني لابد أن يكون لها دور بارز ورئيس في فترة ما بعد الصراع في سوريا، باعتبارها إحدى قاطرات المصالحة الوطنية المأمولة داخل المجتمع هناك، وأن مجلس الاتحاد الأوروبي قد أقر زيادة المخصصات والجهود من أجل إقامة حرية التعبير في سوريا من خلال دعم “إعلام حر ومستقل”! ومن المعروف استخدام الاتحاد الأوروبي بالذات للعديد من منظمات المجتمع المدني الممولة منه مباشرة في تحقيق سياساته، بدورها ليس فقط كـقوة ناعمة له، ولكن كمنفذة لأهداف سياسية وإعلامية وثقافية يضعها هو ويطلِق عليها بوضوح صفة “أجندة”، وينفق عليها مبالغ ضخمة سنوياً بشكل ينفي عنها أي استقلالية، سواء كانت تلك المنظمات ذات طابع إعلامي أو غيره، ولا يُفهم كيف سيكون الإعلام المذكور في الإصدار مستقلاً، في حين أنه سيتشكل وينطلق ويعمل بفعل الاتحاد الأوروبي وفق قول الإصدار.

5. ضمان المساءلة القانونية بخصوص جرائم الحرب مع وضع رؤية للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية. ويتضمن البند التأكيد على ملاحقة الاتحاد الأوروبي لكل من استخدم أسلحة محرمة دولياً خلال فترة الحرب أو انتهك حقوق الإنسان وصولاً لعرض المتهمين على محكمة العدل الدولية، مشجعاً تشكيل لجنة استقصاء في هذا الإطار لجمع المعلومات وتحديد المسؤولين عن أفعال كتلك، وتوفير كافة الإمكانات لتلك اللجنة، مديناً استخدام كل من داعش، والدولة السورية على حد زعمه، للأسلحة الكيميائية، بالإضافة إلى دعم الاتحاد لأي جهود نحو المصالحة الوطنية ولمبدأ العدالة الانتقالية الذي لم يحدده تفصيلياً. قد يلتقى هذا الملمح مع الدعوات المتكررة للدولة السورية للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى العمل على المزيد من الاستقصاء والبحث الميداني المدقق بخصوص استخدام الأسلحة الكيميائية، التي صرحت إحدى هيئات الأمم المتحدة منذ أكثر من عامين بأن داعش قد استخدمتها، في ظل حملة إعلامية عالمية شُنت وقتها لإلصاق الاتهام بذلك للدولة السورية.

6. دعم إعادة تشكيل الشعب والمجتمع في سوريا. ويتضمن البند أن الاتحاد الأوروبي سيستكمل دعمه لجهود تطوير التعليم وخلق الوظائف، ودعم هيئات الحكم المحلي في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة (أي الفصائل الإرهابية)، وإقامة عمل مشترك مع الحكومة الانتقالية السورية بهذا الشأن وبشأن منع انهيار مؤسسات الدولة السورية، وشدد البند على أن الاتحاد الأوروبي لن يعمل في “الإجراءات المبكرة والأوليّة” المؤسِسة للوضع الاجتماعي والديموغرافي. نرى أن البند السابق يحفل بالتناقضات التي قد يشير وجودها إلى رغبة الاتحاد الأوروبي في الموازنة بين وجود دولة سورية “واحدة” ومتماسكة ومن ثم تضمن عدم اجتياح داعش والنصرة – الطرفين الإرهابيين الوحيدين في سوريا بمنطق الاتحاد – للبلاد من ناحية، ومن ناحية أخرى بقاء وجود الفصائل الإرهابية التي يدعمها الاتحاد وسيطرة ولو نسبية لها على ما احتلته من أراض سورية.

*أستاذ القانون والعلاقات الدولية في جامعتي دمشق والفرات – مدير المركز الوطني للبحوث والدراسات بدمشق

مصدر الصور: الحدث نيوز – Euobserver – القدس العربي – European Union External Action

المراجع:

1.زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة: فاروق بيضون وكمال دسوقي، بيروت: دار الآفاق الجديدة، ط7، 1982، ص45-47.
2. شاهر إسماعيل الشاهر، السياسة الخارجية السورية (2000-2010) عقد التحديات الكبرى، دمشق: دار العرَاب، عام 2011.
3. عبدالحليم المحجوب، “معادلات متشابكة: المسألة السورية والمحاور الإقليمية والدولية المحتملة”، مجلة السياسة الدولية، العدد 190، أكتوبر 2012، ص90.
4. منير الخطيب، “عن الفرق بين التسوية والحل السياسي في سورية”، صحيفة الحياة، تاريخ 5/10/2016.
5. المجال العام مصطلح يطلق على مجال النقاش والتداول العام الذي يحقق التواصل الاجتماعي بين الجماعات المختلفة والآراء المختلفة. ويضم المجال العام مجالات فرعية للنقاش والحوار، تبدأ من الصالونات الفكرية وتتدرج عبر الجمعيات الأهلية والمنتديات والمؤتمرات العامة وصولاً إلى النقاشات التى تدور في أروقة النقابات المهنية وجماعات الضغط والحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية
6. شاهر إسماعيل الشاهر، الدولة في التحليل السياسي المقارن، دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب، 2015، ص 138-139.
7. عبدالحليم المحجوب، “معادلات متشابكة: المسألة السورية والمحاور الإقليمية والدولية المحتملة”، مرجع سابق، ص 93.
8. جريدة الأيام نت، “واشنطن تقدم 20 مليون دولار لمساعدة أوروبا على مواجهة أزمة اللاجئين”، العدد: 9850، تاريخ 28 مارس 2016، على الرابط:
http://www.alayam.com/online/international/568506/News.html
9. الهجوم على صحيفة شارلي إبدو هو هجوم وقع باقتحام ملثمين إثنين مقر الصحيفة الساخرة شارلي إبدو في باريس في 7 يناير 2015. أدى هذا الهجوم إلى مقتل 12 شخصاً وإصابة 11 آخرين.
10. إبراهيم قيسون، “سياسة الاتحاد الأوربي تجاه القضية السورية… الثوابت والمتغيرات”، مرصد طوران، تاريخ 27/9/2016، على الرابط التالي:
http://www.torancenter.org/
11. محمود عبد الحكيم، “قراءة في استراتيجية الاتحاد الأوروبي تجاه سوريا”، موقع البديل، تاريخ 5/4/ 2017، على الرابط التالي:
https://elbadil.com