العميد م. ناجي ملاعب*

دراسة من ثلاثة أقسام تبحث:

– مراحل إدارة وقوننة المكتشفات المتوقعة من المادة الهيدروكربونية على الساحل اللبناني ومعوقات التنفيذ.

– شرايين الغاز الطبيعي والمصالح الجيو – سياسية لدول المتوسط.

– الصراع الدولي والإقليمي على خطوط الغاز.

ثالثاً: الصراع الدولي والإقليمي على خطوط الغاز

1. أمن الطاقة الإيرانية مسألة أمن قومي

إن موضوع النزعة الإمبراطورية لإيران وسلوكها طريقاً محورياً في المنطقة (العراق، سوريا، لبنان) لم يعد بحاجة إلى شرح، فقد إستنفد بحثاً وتحليلاً هذا على الصعيد السياسي، وأمن الطاقة الإيرانية في تلك البلدان مسألة أمن قومي.

وعلى صعيد الجغرافيا، فبعد قطع موسكو الطريق على الطموحات الإيرانية شمالاً نحو بحر قزوين، وإحباط الولايات المتحدة والسعودية لخطوطها التي تنقل الغاز نحو الهند وباكستان، لم يعد أمامها سوى شواطئ سوريا ولبنان على المتوسط كمنفذ لإنتاجها من الغاز نحو أوروبا، هذا بالإضافة إلى الكشوفات الجديدة من الغاز في أراضي سوريا، لبنان، غزة مضافاً لها موارد العراق مما سيحولها، في حال هيمنة محور الممانعة، إلى صاحبة ثاني أكبر احتياطي عالمي بعد روسيا؛ بالتالي، إلى لاعب عالمي جديد وكبير في سوق الغاز ينافس روسيا وقطر على صعيد التصدير.

لذلك، فإن إيران تعد أهم الأسباب الجيو – سياسية في الأزمة السورية وتعقيدها عبر مشروعها المسمى خط الغاز الإسلامي. مع تطويرها المستمر لقدراتها لإستخراج احتياطاتها من حقل جنوب فارس (14 تريليون متر مكعب) الذي تشترك فيه مع قطر، تسعى إيران إلى توسيع دائرة زبائنها لكسر الحصار الغربي المتزايد عليها وزيادة مواردها الإقتصادية حيث يمثل مشروع خط الغاز الإسلامي أحد أكبر مشروعاتها الإستراتيجية لتصدير الغاز إلى العراق وسوريا ولبنان، ومن ثم ليمتد مستقبلاً إلى أوروبا كما تخطط له طهران.

في العام 2009، عقدت إيران مفاوضات أولية مع كل من العراق وسوريا لمناقشة المشروع، وفي العام 2011 توصلت الدول الثلاثة الى إتفاق لتنفيذ للمشروع بتكلفة 10 مليار دولار، ولاحقاً في العام 2013 توصلت جميع الأطراف لاتفاق نهائي. من المتوقع أن يبلغ طول خط الغاز الإسلامي الممتد حتى سوريا والجنوب اللبناني تقريباً 2000 كلم. سينطلق خط الغاز من عسلوية المُطلة على الخليج وصولاً إلى الحدود العراقية، ليتم ضخ الغاز إلى العراق عن طريق خطين فرعيين:
– “خط عيلام” الذي سيغذي بغداد والمنصورية والصدر، و”خط خرمشهر” الذي سيغذي البصرة، ومن المتوقع أن يبلغ حجم الغاز المصدر إلى العراق عن طريق الخطين 40 – 45 مليون متر مكعب يومياً. ثم سيتفرع خط الغاز العراقي، الذي سيبلغ طوله 500 كلم من داخل الأراضي العراقية، ليغذي دمشق بطاقة 25 – 30 مليون متر مكعب يومياً عبر خط يبلغ طوله 600 – 700 كلم، كما أن الخط سيتفرع من داخل الأراضي السورية ليغذي الجنوب اللبناني بطاقة 5 – 7 مليون متر مكعب يومياً.

ستكون طاقة ضخ خط الغاز الإسلامي كلياً حوالي 110 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، و40 بليون متر مكعب سنوياً، ومن المتوقع أن تدر صادرات الغاز من هذا الخط 3.7 مليار دولار سنوياً إلى الخزانة الإيرانية، أما في المستقبل البعيد فإن طهران تخطط لمد خط الغاز إلى قبرص فاليونان ثم إيطاليا من لبنان عبر المتوسط ليبلغ طول الخط 4900 كلم.

إذاً، مشروع خط الغاز الإسلامي لا يجعل من بقاء النظام السوري (حتى لو تمت “التضحية” بالرئيس بشار الأسد والقادة العسكريين) خياراً بل ضرورة حتمية بالنسبة للجمهورية الإسلامية لتأمين مشروعها الإستراتيجي، ليس فقط من أجل استمرار المشروع في سوريا بل لضمان أيضاً استمرار دور حزب الله السياسي والأمني في لبنان على المدى البعيد لمد الخط إلى أوروبا مستقبلاً؛ لذا، فإن أمن إيران الإقتصادي المهدد بشكل متزايد يجعل من أمن الطاقة في سوريا لدى صناع القرار الإيرانيين تعد مسألة أمن قومي.

وقد كتبت “ديلي صباح” أن “دبلوماسية الطاقة في إيران، بحاجة إلى مراجعة. إذا فشلت إيران في التوصل إلى إتفاق مع أنقرة وتجديد العقد، فإنها ستخسر السوق التركية. الولايات المتحدة، من غير ذلك، غير راضية عن أن تركيا تستورد موارد الطاقة من إيران وتحاول زيادة حصتها في السوق المحلية.”

اليوم، إيران لديها العراق أيضا كواحد من أكبر المشترين. فبفضله بالذات، زادت شركة الغاز الوطنية الإيرانية (NIGC) من صادرات الغاز بنسبة 26% في العام الإيراني الماضي (المنتهي في 19 مارس/أيار). وفي الوقت نفسه، يمكن للعقوبات الأمريكية أن تحرم إيران من العراق، ما يجعل تركيا شريكاً لا غنى عنه للحياة. من هنا، تضغط واشنطن على بغداد لتزويد نفسها بالكهرباء والغاز، بتضييق الإطار الزمني للإعفاءات من العقوبات. هذا الوضع، سوف يجبر طهران على أن تكون أكثر امتثالاً للعملاء الآخرين.

اليوم، تمتلك إيران العديد من الخطط لإمدادات الغاز إلى باكستان والصين، ولكن لا توجد بنية تحتية لذلك، إذ تم تعليق مشاريع خطوط أنابيب الغاز ومحطات تسييل الغاز الطبيعي بسبب العقوبات. لذلك، تظل تركيا ممراً استراتيجياً ضيقاً إلى حد بعيد أمام الغاز الإيراني إلى العالم الخارجي.(1)

خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول، والذي ينقل الغاز الأذري إلى أوروبا عبر تركيا

2. رهان قطر على خط الغاز العربي

سوق الغاز المسال التي تسيطر عليه قطر عرضة لدخول العديد من المنافسين، لذا فرِهان الدوحة اليوم على إيصال غازها بالأنابيب، التي تعتبر أقل تكلفة من عمليات إسالة الغاز ونقله، وهي بهذه العملية تستهدف السوق الأوروبية الأضعف اعتماداً على الغاز القطري.

تحاول قطر من خلال هذا المشروع الهرب من إيران لتجدها أمامها، حيث تصدر غازها المسال إلى الأسواق العالمية عبر ناقلات الغاز البحرية التي تعبر من مضيق هرمز. ومع التذبذب المستمر للعلاقات الإيرانية – الغربية والتهديدات الإيرانية المتكررة بإغلاق المضيق، تسعى الحكومة القطرية الى إيجاد وسيلة أكثر استقراراً لنقل صادراتها إلى الأسواق الأوروبية وذلك عبر خط الغاز العربي الذي ينطلق من مصر ويمر عبر الأردن وينتهي في سوريا، حيث يغذي الخط مدينة طرابلس اللبنانية عبر فرع من حمص. أيضاً، تخطط قطر لخط يتفادى العراق ويمر عبر السعودية ثم يتم دمجه بالخط العربي في الأردن وينتهي في حلب بسوريا ليتم مد الخط إلى كلس التركية ومنها إلى أوروبا.

هذا التنافس الإيراني – القطري في مجال الغاز لا يقتصر فقط على الوصول إلى الأسواق الأوروبية، ومحاولة قطر تفادي تمرير صادراتها عبر مناطق نفوذ إيرانية، بل تبرز خطورته في كون مصدر الغاز للبلدين واحد وهو ما ينذر بإمكانية اندلاع صراع مستقبلي بين البلدين أسوة بما حصل بين العراق والكويت.

بالنسبة للدوحة فإن الثورة السورية فرصة مناسبة للإطاحة بمشروع منافستها إيران في سوريا، لتلعب دوراً، أو لتعزز دورها، شبه إحتكاري في تصدير الغاز إلى أوروبا، وذلك من خلال دعم صعود حكومة سورية موالية للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين في مرحلة ما بعد الرئيس الأسد، “الإخوان المسلمون”، حيث يصبح المجال مفتوحاً بالنسبة لقطر لترسيخ دورها وقوتها التنافسية في سوق الغاز العالمية أمام منافسيها، وتركيا الحليفة لتكون الممر الوحيد للطاقة من الشرق الأوسط إلى أوروبا.

3. الولايات المتحدة

في إطار استراتيجيتها للسيطرة على تجارة الغاز، قامت الولايات المتحدة، بالتعاون مع شركائها في حلف الناتو، بوضع إستراتيجية جيو – سياسية لتحرير جمهوريات الفراغ السوفيتي من الهيمنة الروسية، وذلك عبر مد خط “نابوكو” العابر للقارات لنقل الغاز من أواسط آسيا إلى أوروبا يتفادى المرور في روسيا. وخاضت صراعاً في هذا الإقليم على ثلاث جبهات.

جبهة الإقتصاد والتجارة بهدف السيطرة على ثروات بحر قزوين، لنقل النفط والغاز إلى أوروبا، فقد مولت الولايات المتحدة إنشاء خط أنابيب جديد لنقل الطاقة لا يمر بالأراضي الروسية. يبدأ هذا الخط من باكو، أذربيجان، مروراً بتبليسي، جورجيا، ليصب في ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط. وقد بدأ هذا الخط بالعمل في العام 2006.

“نابوكو” هو خط عابر للقارات لنقل الغاز من أواسط آسيا إلى أوروبا ويتفادى المرور في روسيا ويكسر إحتكارها لموارد جمهوريات الفراغ السوفيتي وطرق إمدادها، الأمر الذي سيقلص بدوره اعتماد الإتحاد الأوروبي على إمدادات الغاز الروسية، فهو يعتمد أساساً على تصدير الغاز الطبيعي من المزود تركمانستان، التي تملك رابع أكبر احتياطي غاز في العالم، عبر تمرير خط أنابيب عبر حوض قزوين يحمل غاز تركمانستان إلى أذربيجان دون المرور على الأراضي الروسية، ومنها إلى أرضروم التركية، ثم سيمر ثلثا خط الأنابيب عبر أراضي أنقرة ومن ثم يعبر بلغاريا ورومانيا ثم المجر إلى منتهاه في محطة تجميع ضخمة في مدينة بومغارتن أندر مارش، النمسا، حيث يصل طول الأنبوب إلى 2050 ميلاً، أو 3300 كلم.

كما تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتوسيع شبكة الأنابيب هذه لتتمكن أيضاً من نقل النفط والغاز من ميناء “أكتاو” في كازاخستان، من خلال خط يمر تحت بحر قزوين؛ الأمر الذي يستلزم قانونياً موافقة روسيا وإيران على المشروع. في الوقت نفسه، عندما يتم النظر إلى الموضوع كلعبة جيو – سياسية، يصبح من الواضح أن عمليات الشراء القادمة للغاز الطبيعي المسال القطري من ألمانيا هي نتيجة لسياسة واشنطن في مجال الطاقة، والتي دعت قطر في الواقع إلى السوق الأوروبية وبذلك وعدت أمريكا لتوفير مصالح الطاقة القطرية في السوق الأوروبية مقابل الإستثمار في البنية التحتية الأمريكية. وكما نعلم في بداية العام 2019، وعدت الدوحة بإستثمار ما يصل إلى 20 مليار دولار في قطاع النفط والغاز الأمريكي.

يتضح ذلك أيضاً من خلال تزامن سياسات الطاقة بين واشنطن والدوحة عبر إنسحاب الدوحة من منظمة أوبك، التي تعتبرها السلطات الأمريكية جزءاً من “مؤامرة كارتل” التي تلحق الضرر بالإقتصاد الأمريكي، حيث يتمثل الموقف الرسمي للدوحة في أن الإنسحاب من المنظمة يرجع إلى خططها في التركيز على تطوير إنتاج الغاز الطبيعي المسال، والذي تتمتع فيه قطر بمزايا تنافسية واضحة.

وفي المقابل، لا يمكن للغاز الطبيعي المسال الأمريكي أن يكون جذاباً تجارياً للمشترين الأوروبيين إلا إذا تم إعتماد تسعير الإغراق، الذي طبق بشكل خاص على بولندا. ومع ذلك، يبدو الإغراق في السوق الأوروبية بأكملها غير عملي من الناحية الإقتصادية، خاصه وأن موردي الغاز الطبيعي المسال الأمريكي هم شركات خاصة، وليسوا دائماً على استعداد للمشاركة في اللعبة الجيو – سياسية ويفضلون بيع منتجاتهم بالسوق المحلية بشكل حيوي. وإدراكاً منها للمشاكل التجارية المتمثلة في زيادة حصة الغاز الطبيعي المسال في السوق الأوروبية، ستواصل الولايات المتحدة دعم قطر للتأثير على الإمدادات الروسية من الغاز للسوق الأوروبية.(2)

4. ألمانيا ومعوقات خط غاز “السيل الشمالي – 2”

تشارك في المشروع عدة شركات غربية كبرى، مثل “غازبروم” و”شيل” و”أو.إم.في” و”إنجي” و”أونيبر” و”وينترشال”، في حين تعارضه عدد من الدول، إلى جانب الولايات المتحدة، مثل أوكرانيا وبولونيا ودول منطقة البلطيق. ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة المشروع حوالي 10 مليارات يورو (11.4 مليار دولار)، على أن يساهم في ضخ 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق.

يبلغ طول أنابيب مشروع “السيل الشمالي – 2” 2200 كلم، ومن المقرر أن يكتمل المشروع بنهاية العام الجاري (2020)، إلا أنه لم يتم إنجاز سوى 400 كلم من الأنابيب حتى الآن. فلقد سبق وأعلنت روسيا عن المشروع العام 2015، بعد ضمها لشبه جزيرة القرم، بهدف تقليص حصة الصادرات الأوكرانية من الغاز الطبيعي إلى أوروبا.

إلى ذلك، تتدخل الولايات المتحدة في سياسات القارة الأوروبية الخاصة بالغاز الطبيعي، سعياً لزيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال، والإستفادة من الخلافات التجارية في الأسواق الدولية، والوقوف في وجه التقارب الروسي الأوروبي. وتعبر العاصمة الألمانية – برلين عن القلق إزاء تلميح واشنطن بإستعدادها فرض عقوبات ثانية على المشروع. فلقد وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، العام الماضي (2019) خلال مشاركته في قمة الناتو، إتفاقية ألمانيا مع روسيا بشأن الغاز الطبيعي بـ “غير اللائقة”، وإدعى حينها أن ألمانيا تسدد مبالغ مرتفعة لروسيا مقابل الغاز الطبيعي؛ ولذلك، فإنها تعتبر أسيرة لروسيا.

هذا وقد وافق مجلس النواب الأمريكي، أواخر 2017، على قرار فرض عقوبات على عدد من الشركات والأشخاص المشاركين في المشروع. مؤخراً، وجه السفير الأميركي في برلين، ريتشارد غرينيل، رسالة إلى الشركات المشاركة في المشروع، محذراً إياها من العقوبات الأميركية.

في المقابل، أكد وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، على ضرورة ألا تتدخل الولايات المتحدة في السياسات الأوروبية بخصوص الطاقة. وقال رئيس مركز روبرت بوش للدراسات حول أوروبا الشرقية وروسيا وآسيا الوسطى، ستيفان مايستر، في لقاء له مع وكالة “الأناضول” أن قرار العقوبات الأميركية سيؤثر سلبًا بشكل مباشر على الشركات المشاركة في المشروع، ما سيسفر عن إنجاز شركة “غاز بروم” للمشروع بمفردها، مضيفاً أن قرار العقوبات في حال صدوره، سيدفع بالشركات الألمانية أيضاً للتخلي عن المشروع، إلا أن هذا الأمر لن يقف أمام إنجاز مشروع “السيل الشمالي – 2″، الأمر الذي سيحقق الفائدة لسوق الأعمال الألماني في المستقبل. وإستطرد قائلاً “وفي الوقت ذاته، إن إتمام المشروع معناه بأن ألمانيا ستصبح مركزاً مهماً للطاقة على الرغم من العقوبات الأمريكية، ما سيجعل العلاقات الألمانية – الأميركية تشهد مزيداً من التراجع.”(3)

5. أوروبا

تعيش أوروبا المتعطشة للطاقة حالة إنقسام حيال “حرب الغاز الباردة” بين روسيا وأمريكا؛ ففي حين تقف القوى التقليدية في أوروبا، بريطانيا وفرنسا، مع حليفها الأمريكي بغية منع روسيا من التحكم في إمداد كامل أوروبا بالجزء الأكبر من طاقتها وتحاول تحرير تلك التجارة من السيطرة الروسية إضافة إلى دعمها تحرر الجمهوريات السوفيتية السابقة من الهيمنة الروسية، تغرد ألمانيا خارج السرب الأوروبي كون مصالحها تنسجم وخطوط الغاز الروسية التي ستحول أراضي المحيط الجرماني (النمسا – ألمانيا- التشيك – سويسرا) إلى مركز تجمع لخطي غاز السيل الشمالي والجنوبي الروسيين تنطلق منه خطوط لإمداد باقي أوروبا مما يمنح برلين فرصة أكبر للسيطرة على القرار الأوروبي. كما أن التعاون على أساس الإقتصاد مع روسيا، قد يشكل فرصة لألمانيا للتنصل من ثقل تنوء به وهو ثقل أوروبا المتخمة بالديون والتابعة للولايات المتحدة.

لذلك، هيأت ألمانيا نفسها لتكون طرفاً وشريكاً لهذا المشروع، إن من حيث التأسيس أو من حيث مآل الأنبوب الشمالي أو من حيث مخازن السيل الجنوبي التي تقع في المحيط الجرماني وتحديداً النمسا. هذا الطموح الألماني لبناء شراكة اقتصادية استراتيجية مع موسكو، قد يفسر الهدوء النسبي الذي يحكم تعاطي ألمانيا مع الملف السوري قياساً بمواقف بريطانيا وفرنسا الحاسمة باتجاه الإطاحة بالنظام وعدم صلاحيته سياسياً للإستمرار، ودعم الجهد العسكري لفصائل المعارضة المسلحة في حين تتقارب وجهة النظر الألمانية منذ البداية مع الروسية حول ضرورة الحل السياسي وإمكانية فتح قنوات للحوار مع النظام.

روسيا – أوروبا

تصدر موسكو الغاز للسوق الاوروبية من خلال أربع أنظمة خطوط أنابيب رئيسية موضحة بالخريطة رقم (2) وهي كالتالي :

الخريطة رقم (2) توضح خطوط الأنابيب الممتدة من روسيا إلى أوروبا

– الخط الأول يمر عبر أوكرانيا إلى دول الإتحاد، وكان يعتبر خط إمداد رئيسي، وتوقف العمل به بعد الأزمة بين موسكو وكييف.

– الخط الثاني يمتد من روسيا عبر بيلاروس وبولندا إلى دول الإتحاد.

– الخط الثالث “السيل الشمالي – 1″، ويمتد من روسيا عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا مباشرة، وهذا الخط مهم إستراتيجيا لروسيا بسبب قدرته على نقل لديه القدرة على نقل 55 مليار متر مكعب سنوياً أي 37% من صادرات موسكو إلى دول الإتحاد. الهدف من هذا المشروع هو تجاوز دول العبور لا سيما دول أوروبا الشرقية، وبذلك ستخسر بعض الدول رسوم عبور الأنابيب السنوية، وستصل صادرات الغاز مباشرة إلى الدول الغربية.

– الخط الرابع هو “السيل التركي”. سابقاً، عملت موسكو على تنفيذ مشروع “السيل الجنوبي” عبر البحر الأسود وبلغاريا إلى دول الاتحاد الأوروبي، لكن في العام 2014 رفضت المفوضية الأوروبية المشروع وهددت بإتخاذ إجراءات قانونية ضد بلغاريا إذا وافقت عليه ما دفع موسكو للإتفاق مع أنقرة على مد خط “السيل التركي” من أراضيها عبر البحر الأسود مروراً بتركيا ومن ثم إلى دول الإتحاد .

إضافة إلى “السيل التركي”، يربط خط أنابيب “التيار الأزرق” بين موسكو وأنقرة بقدرة سنوية تقدر بـ 16 مليار متر مكعب.(4) وعند البحث في سياسة أمن موسكو الطاقوي، لا يمكن أن نغفل الدور الذي تلعبه شركة “غاز بروم”، وهي ثاني أكبر شركة في مجال الطاقة في العالم بعد شركة “إكسون موبيل” الامريكية، التي تعد أداة بيد الحكومة الروسي إذ أنها تحتكر، من خلالها على شبكات الأنابيب، الغاز المتجهة إلى أوروبا.

من هنا، لدى شركة “غاز بروم” دور كبير في السياسة الخارجية الروسية لما لها من تأثير كبير على سوق الطاقة الدولي، فهي المتحكمة بأكبر احتياطي للغاز في العالم، وهي أيضاً التي تستخرج وتنتج وتصدر إلى كافة الأسواق الدولية، كما تتميز بميزة كونها المنتج والممول في ذات الوقت، وتمتلك بنية تحتية ضخمة للنقل(5)، فقد إستطاعت الشركة عقد صفقات ضخمة في إستثمار إحتياطات تركمانستان وأوزباكستان، وتصدير هذه الإحتياطات عبر الشركة ومن الأراضي الروسية إلى الأسواق الدولية. وقد عقدت الشركة العديد من الإستثمارات مع كل دول الخليج ومصر وليبيا والجزائر. ومن خلال عملها في مراكز إنتاج الدول الأخرى، فإنها تستطيع إحداث نوع من التأثير على الإنتاج.

*خبير أمني وإستراتيجي وباحث أول في مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري “إينغما” – لبنان.

المراجع:

1. أوراسيا ديلي – RT. تاريخ النشر: 1/9/2020.
2. فاجي دافتيان، مدير معهد أمن الطاقة في أرمينيا وأستاذ مساعد في العلوم السياسية في الجامعة الروسية الأرمنية (السلافية). خاص وكالة “رياليست”. تاريخ النشر: 18/12/2019.
3. موقع عرب 48 / الأناضول. تاريخ النشر: 25/1/2019.
4. بدوي عمر، إنعكاسات جيوسياسية لصفقة الغاز الروسية – الصينية، 2014. مركز أخبار الجزيرة. آخر دخول: 2/9/2020.
5. مركز الأناضول لدراسات الشرق الأدنى. فبراير/شباط 2020. على الرابط التالي:
https://bit.ly/36HW5lA

مصدر الصور: الحرة – الكاتب.

موضوع ذا صلة: الأمن القومي في مستقبل لبنان (3/3)