تعتبر ثنائية “الصراع والتحالف” وضعاً سائداً في العلاقات الدولية على مر العقود، إذ تختلف العلاقات بين الدول باختلاف التوازنات والمستجدات الدولية، ولكن يتم قياس العلاقات وفق مجموعة من المؤشرات على رأسها حجم التعاون الاقتصادي والسياسي، ومدى تحقيقه للمصلحة المشتركة، بالإضافة إلى قياس القضايا الخلافية والسياسيات الهجومية ومدى تأثيرها على المصلحة القومية والأمن والبقاء.
لهذا، عند الحديث عن علاقة بين دولتين كبيرتين، فإن التحليل يتوجه مباشرة نحو قياس المصالح المشتركة، وقيمة الأرباح المكتسبة من هذه العلاقة، سواء كانت سلمية كالتعاون أو شراكة وتحالف، أو علاقات صراعية تكون في ظاهرها متأزمة ولكنها في حقيقية الأمر تحقق مكاسب مشتركة للطرفين.
هذه الفكرة تنطبق على كل من روسيا والصين؛ فإن مبدأ “المصلحة القومية” يغلب على توجه الدولتين، ويتجسد التعاون بين الدولتين في مختلف الابعاد الاقتصادية، والتجارية، والدبلوماسية وحتى العسكرية، وقد اتسمت في المرحلة الاخيرة بالتوافق، والانسجام في وجهات النظر والرؤى، خاصة في القضايا الاستراتيجية.
في هذه الدراسة، سنتناول مختلف مجالات التعاون الروسي الصيني، بالإضافة إلى مجالات التنافس والخلاف وتأثير هذه العلاقات على التوازنات في النظام الدولي.
مقدمة
اتسمت العلاقات الروسية – الصينية على مر السنين بالغموض والتعقيد؛ فعلى الرغم من تصنيفهم دائماً ضمن قطب واحد، انطلاقا من الإيديولوجية الشيوعية المشتركة في فترة الاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى نظام الحكم الشمولي المتطابق في كثير من النقاط وصولاً إلى التقارب الجغرافي والخوف العالمي من احتمالية تشكيلهم لقطب واحد مضاد للقطب الغربي، لكنها شهدت تاريخاً من التقلبات بين التحالف والتنافس وحتى النزاعات المحدودة.
ولكن بالنظر إلى تداخل المجال الحيوي الخاص بكل منهما، فقد عمل الجانبان على ضمان أمن واستقرار مساحات التقاطع، وتجنب نمو بؤر للتوتر العرقي أو الديني؛ ومن الناحية الاقتصادية، تشير الاحصائيات إلى وجود علاقات وتعاون اقتصادي كبير بين الطرفين مما يجعلنا نطرح الإشكالية التالية: ماهي طبيعة العلاقات الصينية – الروسية؟ هل هي تحالف سياسي وعسكري أم هي منافسة على الهيمنة الاقليمية والعالمية؟
بالرجوع الى تاريخ علاقات كل من الصين وروسيا، يمكن الإشارة بأنه لا يمكن اختزالها في فترة زمنية محددة، فهي عميقة وممتدة إلى ما قبل تأسيس جمهورية الصين الشعبية. ولكن مع إعلان تأسيس الجمهورية، كان الاتحاد السوفياتي أول دولة تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، وانحازت هذه الأخيرة إلى جانب الاتحاد السوفيتي بقيادة جوزيف ستالين باعتباره “الأخ الأكبر” من حيث الدبلوماسية والتنمية الاقتصادية وتصميم النظام، وتم عقد الكثير من الاتفاقيات في تلك الفترة بين الطرفين.
ولكن بعد أن تولى نيكيتا خروتشوف زمام الأمور، أدت التحولات السياسية في الاتحاد السوفياتي إلى حدوث خلافات بين البلدين، حيث تخلي الاتحاد السوفيتي عن موافقته على توفير التكنولوجيا النووية للصين. وبدورها، انتقدت بكين الرئيس خروتشوف واصفة علاقتها مع الغرب بـ “طاعة وعبودية مفرطة”، وهذا ما ساهم في تدهور العلاقات، إذ إستمرت العلاقات على نفس المنوال إلى ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أخذة في التقلّب ما بين الخلاف والتعاون.
1. مجالات التعاون الروسي – الصيني
كانت اتفاقية شنغهاي للتعاون، بين الصين وكازخستان وروسيا وطاجكستان، هي نقطة البداية للتعاون الصيني – الروسي، حيث قدمت للعلاقة بعداً مختلفاً ومزيداً من الاتفاق والتفاهم ونبذ الصراع على رأسها الخلافات حول الحدود، وهذه المنظمة الدولية الأوراسية لها بعد سياسي واقتصادي وأمني.
أ. التعاون الاقتصادي
حقق هذا التعاون للبلدين مكاسب استراتيجية في مجالات عدة، لا سيما في مجالي البنية التحتية والاقتصاد الرقمي؛ ومجال البنى التحتية، بدأت الشراكة بين البلدين بمشروع بناء أول جسر بينهما بطول 500 كلم، ليحل محل الطرق الصينية – الروسية القديمة، وهذا الجسر يربط بين بالجوفيشينسك في روسيا ومدينة هيهي في الصين، ولقد تقرر تدشين المشروع في منتصف العام 2021.
أيضاً، خصص الصندوق الروسي للاستثمارات مبالغ هائلة يتم تخصيصها لمشروعات البنية التحتية الضخمة والتي تتم في كثير من الاحيان بالتعاون مع شركات صينية.
أما في مجال الطاقة، يقول الباحث في معهد دراسات الشرق الأقصى التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فاسيلي كاشين، إن موسكو تعتمد على الاقتصاد الصناعي الصيني الهائل في صادراتها من النفط والغاز، مما يجعلها تتفادى القواعد البيئية في الاتحاد الأوروبي التي تعقد من صادراتها من الطاقة.
أما في المجال الأهم أي التكنولوجي، فقد عملت روسيا على تطوير قدراتها الرقمية؛ وبما أن الصين رائدة في هذا المجال، فهي الشريك الامثل وخاصة في إطار “طريق الحرير” الرقمي، إذ يمثل هذا التقارب كبحاً وتقليلاً للهيمنة الغربية.
بـ. التعاون العسكري
يشكل التهديد الغربي عاملاً مشتركاً لكل من الصين وروسيا، مما يرجح احتمالية التعاون والتحالف العسكري لصد الولايات المتحدة الامريكية، وردع هيمنتها على النظام الدولي عند الحديث عن مؤشرات هذا التعاون.
ففي مجال بيع الاسلحة والتجارة العسكرية خصوصاً خلال عهد الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين، إعتمد الكرملين على تصدير الأسلحة الروسية للصين كأساس ثابت في سياسة تصدير السلاح. ووفقاً للتقديرات المتوافرة، كانت مشتريات الصين من السلاح الروسي تراوح بين 1 – 2 مليار سنوياً، من العام 1992 وحتى العام 1999.
وفي الفترة الأخيرة، وافقت روسيا – العام 2015 – على بيع الصين 24 طائرة مقاتلة و4 أنظمة صواريخ أرض- جو “إس.400” مقابل حوالي 7 مليارات دولار، هذا بالإضافة إلى المناورات العسكرية والتدريبات المشتركة، حيث كانت الصين قد أجرت خلال العام الماضي – 2021 – 5 مناورات عسكرية مع روسيا، التي أجرت صفقات أسلحة ضخمة مع جارتها الجنوبية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، أجرت كلاً من الصين وروسيا مناوراتهما البحرية السنوية العاشرة، المعروفة بإسم “التفاعل البحري”، مع السفينة المضادة للغواصات التابعة لأسطول المحيط الهادئ الروسي الأدميرال بانتيليف، حسبما أفادت وكالة “سبوتنيك” الإخبارية الروسية، فيما أرسلت البحرية الصينية عدة مدمرات وغواصة تعمل بالديزل.
وأشارت “سبوتنيك” إلى أن البحريتين الروسية والصينية تتدربان معاً على تعزيز “القدرات القتالية” في حالة “التهديدات المنقولة بحراً”، فيما أجرى البلدان تدريبات عسكرية على مدى 5 أيام في منطقة نائية بوسط الصين، أغسطس/آب، شارك فيها أكثر من 10 آلاف جندي.
للتذكير، تنص عليه معاهدة التعاون وحسن الجوار المشتركة أنه “في حال وجود تهديد أو عدوان، يقبل الطرفان على الاتصال ببعضهما البعض بأسرع وقت ممكن، ويتم إجراء مشاورات لإزالة هذا التهديد أو العدوان”؛ بالتالي، يعتبر الحلف العسكري احتمالاً كبيراً في حالة وجود عدوان على الاقليم أو حتى على أحد الاطراف.
ومن خلال المنطق الحالي للأمور، يمكن القول بأنه ليس من مصلحة البلدين – حالياً على الأقل – إعلان تحالف عسكري، حيث لا توجد أية نية أو تصريحات تدل على رغبة صينية أو روسية في إنشاء تحالف عسكري حقيقي، وهذا قد يكون تجنباً لرد فعل أمريكي غير متوقع، ولأن التحالف العسكري أيضاً سيمثل تحد مباشر لواشنطن ونوع من إعلان الرغبة بالصدام مع الغرب، هذا بالاضافة إلى توجه روسيا العسكري الواضح، على عكس الصين التي تبعث للعالم الخارجي صورة سلمية بعيدة عن العسكرة؛ بالتالي، إن نقطة الالقتاء في مجال التحالف العسكري تبدو ضعيفة حالياً.
جـ. التعاون السياسي
في هذا الخصوص، يمكن القول بأن هناك قدرة لدى الطرفين على تجاوز خلافات أساسية ومهمة بينهما، وخاصة النزاع الحدودي، ما يدل على وجود تقارب سياسي مهم بين الدولتين، بالاضافة إلى التصريحات المتقاربة في عديد القضايا الدولية والزيارات الرسمية المتبادلة، وكلها مؤشرات على علاقات مستقرة سياسياً.
في هذا السياق، تعتبر مقولة “صين واحدة” بالاضافة إلى الاعتراف بوحدة الأراضي الروسية موحدة، أهم نقطة في التعاون الروسي – الصيني سياسياً؛ بالنسبة لموسكو، فهي تدعم سياسة الصين وموقفها من وحدة أراضيها وتعترف بمبدأ الصين الكبرى الواحدة، وأن حكومة بكين هي الحكومة الشرعية التي تمثّل كامل الصين. في المقابل، تقوم الصين بدعم روسيا فيما يخص وحدة الأراضي الروسية وسيادتها.
من هنا، صف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مستوى التعاون الروسي – الصيني بالقول “الآن، وصلت العلاقات الثنائية إلى أعلى مستوى في التاريخ، وهي ذات طبيعة شراكة استراتيجية شاملة. ويمكن القول إنَّها تعتبر نموذجاً للتعاون الفعّال بين الدول في القرن الـ 21. بالطبع، لا يحلو ذلك للجميع، ويحاول بعض الشركاء الغربيين علانيةً دقّ إسفين بين موسكو وبكين.”
2. التنافس الروسي – الصيني وتداعياته على النظام الدولي
يعتبر التنافس في العلاقات الدولية شكل من أشكال التفاعل بين الوحدات السياسية في المجتمع الدولي. وينشأ التنافس نتيجة تضارب المصالح و/أو الرؤى و/أو الأهداف بين الأطراف، مما يؤدي إلى رغبة كل طرف في البروز على الساحة الدولية وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، لكن دونما اللجوء إلى الصدام العسكري المباشر.
إن العلاقات الصينية الروسية – كغيرها من العلاقات الدولية – يتخللها طابع المنافسة؛ فعلى الرغم من وجود الكثير من نقاط الالتقاء ووجود تعاون في مختلف المجالات، إلا أن المصلحة الوطنية لكل دولة تحدد كل شيء.
فالصين – منذ صعودها الإقتصادي الكبير الذي شكل طفرة في التوازنات الدولية – تعمل على تعظيم مكاسبها الخاصة التي تخدم الداخل الصيني قبل كل شيء، حيث يعتبر الحفاظ على الجبهة الداخلية من الاضطرابات والازمات وكذا ضمان الشرعية للحزب الحاكم، أولوية لدى بكين. بدورها، تعتبر روسيا من الدول الجادة فيما يخص المصلحة الوطنية، وتوجهها البرغماتي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أكبر دليل، حيث تخلت روسيا عن البعد الإيديولوجي فقط لأنه لم يعد يخدم مصلحة الدولة ولم يعد يحقق أهدافها الأساسية.
انطلاقاً من قواعد العلاقات الدولية الثابتة، لا يمكن لأية شراكة اقتصادية أو سياسة أن تحقق الأمن القومي للدولة وتحمي مصالحها السيادية؛ لهذا، تعمل كل من روسيا والصين بشكل منفصل أمنياً على الرغم من التعاون الاقتصادي.
أيضاً، توجد الكثير من الملفات الخلافية بين كل من موسكو وبكين، ولكن لم يتم إخراجها أبداً إلى العلن، فلطالما تميزت العلاقة بين الطرفين بالهدوء والصمت حتى في فترات الصدام، حيث تشير المصادر أنهما خاضا حرباً حدودية “غير معلنة” استمرت 7 أشهر – العام 1969 – موقعة مئات القتلى، كما سبق وأن دعمت موسكو كلاً من الهند وفيتنام في حربيهما مع الصين (1962 – 1979)، فيما تعاونت الأخيرة مع الولايات المتحدة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي ضد الاتحاد السوفييتي.
بالإضافة إلى الخلافات في بحر الصين الجنوبي حيث تعمل روسيا – بصمت – على زيادة حضورها في المنطقة من خلال دعم الفيتنام والفلبين على الرغم من تشديد الرئيس بوتين سابقاً على التضامن مع بكين ونفيه في الوقت ذاته أي دور لبلاده في المشهد، وصف تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية التدخل الروسي بأن محاولة “لإحراج الصين” التي تحاول التشبث بجميع شركائها. أيضاً، تم النظر لسياسات روسيا هذه على أنها رد على نشاط الصين في مساحات نفوذ تقليدي لروسيا، ولا سيما وسط آسيا والقوقاز وأوكرانيا وبيلاروسيا، في إطار مبادرة “الحزام والطريق”.
منطقياً، لا يمكن الحديث عن المنافسة الصينية – الروسية دون التطرق إلى القارة الإفريقية، حيث يحمل التنافس فبها طابع اقتصادياً بخلفية سياسية. فإفريقيا مهمّة جداً بالنسبة لروسيا نظراً لغنى ثرواتها المعدنية والنفطية، فهي تعدّ مجالاً آخر لإيجاد مصادر الطاقة في العالم، ويرى العديد من الباحثين في الشؤون الإفريقية أن القارة السمراء ستصبح بديلاً طاقوياً لمنطقة الشرق الأوسط.
يأتي إقبال روسيا على إفريقيا في عدّة مجالات، وقد صرح بذلك الرئيس بوتين، 31 ديسمبر/كانون الأول 2015، حيث قال إن “روسيا الاتحادية تطور سياستها وتجارتها واقتصادها وتقنياتها العسكرية ومجال التربية ومجال الأمن الإنساني مع دول أمريكا اللاتينية، وإفريقيا، والمنظمات الإقليمية لهذه الدول”.
أما مجالات التعاون والمصالح بين روسيا والدول الإفريقية فهي متعددة، منها مجال الطاقة والصناعة النفطية بما فيها قطاع التسليح، حيث تمثل روسيا مصدراً أساسياً لتسليح العديد من الدول في إفريقيا، وخاصة تعاونها مع مصر والجزائر.
أيضاً، تمتلك روسيا منافساً شرساً في القارة وهي الصين التي قال الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت عنها بأنه “العملاق النائم قبل مئة عام: إنّ العالم سيهتز عندما تستيقظ الصين!”. من هنا، يمكن القول بأن النظام السياسي الصيني يؤمن بأن التكامل في العالم يكون بغزو الصين للأسواق العالمية، وهذا الغزو لن يكتمل إلا بالسيطرة على إفريقيا بطريقة تختلف عن الهيمنة الأمريكية، حيث بحثت العديد من الدول الإفريقية عن النموذج البديل، ووجدت أن الإنموذج الصيني جذاب وواضح لها.
من خلال متابعة سياساتها، نرى بأن الهدف من الولوج الصيني إلى إفريقيا هدفه تحقيق غاية واحدة تتمثّل في الاستحواذ على موارد الطاقة، كآبار النفط والغاز واليورانيوم، والمعادن النفسية، مثل الذهب والماس… إلخ؛ فالصين تحصل على نسبته 9% من نفط إفريقيا جنوب الصحراء بينما يتجه 30% منه إلى أوروبا. من هنا، تسعى بكين إلى الاستفادة من حصص أعلى وأكثر من نفط القارة.
أيضاً، من بين الإستراتيجيات الصينية الأساسية في إفريقيا أنها تحترم سيادة الدول، ولا تقبل التدخلات في شؤونها الداخلية، فهي لا ترغب في إزعاج القادة الأفارقة بطموحاتها في القارة. وهذا الشأن، يقول سفير سيراليون في الصين “إن الصينيين يأتون وينجزون العمل المطلوب تماماً، من دون أن يعقدوا اجتماعات حول تقويم الآثار البيئية، وحقوق الإنسان، والحكم السيئ والرشيد. ولا أقول إن هذا الأمر صائب، لكن الاستثمار الصيني ناجح؛ لأن الصينيين لا يضعون معايير صارمة”، وهذا ما جعلها نموذجاً جذاباً ومقبولاً كبديل للولايات المتحدة التي ارهقت بسياستها الدول الإفريقية الضعيفة.
بالعودة إلى صلب الموضوع، إنه على الرغم من المصالح المتضاربة بين روسيا والصين في إفريقيا، وأيضا صعوبة تنازل أي طرف عن المكاسب الكبيرة المحتملة فيها اقتصادياً وسياسياً، يمكننا النظر لهذه المنافسة بطريقة إيجابية حيث من الممكن أن تشكل استثمارات البلدين مظهراً لزيادة دعم العلاقات بين الطرفين بما يحقّق المصلحة والمنفعة المتبادلة، أي تحقيق المصلحة المشتركة دون الوصول إلى حالة صدام أو خلاف عميق.
وفي الحقيقة، إن العلاقة المتقلبة بين الصين وروسيا – ما بين تحالف اقتصادي وسياسي وتنافس على مناطق النفوذ – ستقودنا إلى احتمالية حدوث تغييرات في الموازين الدولية، فكلاهما يمتلكان القدرة على احداث تغيير في قوانين اللعبة الدولية وذلك في إطار سياستهم الخارجية المختلفة عن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، فكلا الدولتين تعملان على خلق إنموذج جديد منافس لواشنطن ضمن مختلف مناطق العالم، من الشرق الأوسط إلى إفريقيا.
وإنطلاقاً من مبادئ برغماتية تضمن مكاسب متكافئة لكل من يؤسس شراكات اقتصادية معهم، تعمل كل من بكين وموسكو على استقطاب الأنظمة التي تبحث عن احترام الخصوصية السياسية والمجتمعية وتحقيق مكاسب اقتصادية بطريقة أسر؛، فالدول النامية تعاني مشكلة كبيرة مع الولايات المتحدة وسياستها المشروطة التي تؤثر في كثير من الحالات على النظام السياسي الذي يحمل خصوصية مجتمعية وتاريخية مختلفة لا تتطابق في كثير من الأحيان مع الأسس الليبرالية الديمقراطية التي تسعى الولايات المتحدة لفرضها على كل شركائها.
خاتمة
كل ما تم تناوله سابقاً لا ينفي ضرورة دراسة احتمالات حدوث خلافات بين روسيا والصين؛ فعلى مر التاريخ، لم يتقبل النظام الدولي تعدد الأقطاب بل كان نظام الثنائية القطبية هو الغالب والطفرة الوحيدة كانت بهيمنة الولايات المتحدة كقطب واحد على العالم. ولكن منذ بروز الصين كقطب قوي في المجتمع الدولي، تصاعدت التحليلات حول طبيعة علاقتها مع الولايات المتحدة، وعن مسار المنافسة الشرسة بين الطرفين التي وصفها البعض بالصراع، كما تم وصف الصين في كثير من الأحيان بالمنافس الجديد “البديل” للاتحاد السوفياتي، في وقت لم يتم فيه الحديث عن المنافسة بين الصين وروسيا على الرغم من أن الأخيرة تعتبر دولة قوية وتمتلك مناطق نفوذ متداخلة مع بكين.
يمكن أن نرجع هذا التجاهل أو التقصير في التحليل إلى تشابه سياسات الدولتين على الأقل في المستوى الدولي فكلاهما يطمحان إلى انشاء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب؛ بالتالي، إن المنافسة على الهيمنة الأحادية لا تستهوي روسيا ولا حتى الصين، بل الهدف الحالي يكمن في تأسيس نظام دولي متعدد الأطراف تشارك فيه كل الدول في صناعة القرار الدولي، بالإضافة إلى وضع القوانين العامة دون احتكار أو هيمنة طرف واحد على موازين القوة الدولية.
المراجع:
1. ريني كاستانيدا. مجالات تطور العلاقات الاقتصادية الصينية – الروسية ومستقبلها. مركز تريندز للبحوث والاستشارات. 3 سبتمبر/أيلول 2020.
2. علي حسين باكير. العلاقات الاستراتيجية الصينية – الروسية. مجلة الدفاع الوطني اللبناني. العدد 56. أبريل/ نيسان 2006.
3. فريدة روطان. التنافس الروسي الصيني على القارة الإفريقية. مجلة رؤية تركية. العدد 2. 2018.
4. محمد عابد. معارك صامتة بين روسيا والصين رغم “التحالف الاستراتيجي”. موقع عربي 21. 16 يوليو/تموز 2020.
5. عبد الله العقرباوي. التقارب الصيني – الروسي في مواجهة أميركا.. هل يتطور إلى تحالف؟ الجزيرة. 27 مارس/آذار 2021.
6. رغم تاريخ من “انعدام الثقة”.. الصين وروسيا تعمقان تحالفهما غير الرسمي. جريدة الحرة. 4 ديسمبر/كانون الأول 2021.
7. سلام العبيدي. شراكة “الظهر إلى الظهر” بين روسيا والصين. الميادين نت. 15 ديسمبر/كانون الأول 2021.
مصدر الصور: East Asia Forum.
موضوع ذا صلة: لماذا لا يمكن لروسيا والصين الاتحاد ضد أمريكا؟
طالبة ماجستير علاقات دولية تخصص دراسات أمنية وإستراتيجية – الجزائر.