تعريب وتعليق: مركز سيتا
في مقال له بصحيفة “الغارديان”، يقول جوردن براون، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، إن الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، لن يتمكن من النهوض ببلاده من دون مساعدة بقية دول العالم له، حيث يجب عليه أولاً ترميم العلاقات الداخلية ضمن “أمريكا المنقسمة”، في حين أن المهمة الثانية تكمن في “إنهاء الإنعزالية الأمريكية” بحيث عليه أن يظهر للأمريكيين “أنهم بحاجة إلى العالم، والإظهار للعالم أننا ما زلنا بحاجة إلى أمريكا.”
ويشير جوردن إلى تهديدات ثلاثة متداخلة تكمن في وباء “كورونا” والإنهيار الإقتصادي والكارثة المناخية، حيث يرى بأن الأمر سيتطلب ما بين 10 إلى 20 عاماً لترميم آثارها لا إلى الـ 100 يوم الأولى من الرئاسة. لذا، سيشهد اليوم الأول تنفيذ بايدن لـ “خططه بطرح التطعيم الشامل وإعادة تشغيل الإقتصاد الأمريكي المتعثر من خلال فرض أكبر حافز مالي في التاريخ عبر الكونغرس.”
وفي نصحية للرئيس، يرى براون بأن عليه أن يصبح “عالمياً”، حيث سيتكشف أن هذه التهديدات الثلاث لن تنتهي إلا بالتعاون مع الدول الأخرى، وهو أمر “لم يرفضه القوميون الإقتصاديون في كلا الحزبين السياسيين الرئيسيين بالولايات المتحدة فحسب، بل إزدروه.” وفي مراجعة تاريخية بسيطة، يرى أن الولايات المتحدة تصرفت بشكل متعدد – متعاون بعد أن بات العالم أحادي القطب، معطياً مثلاً على التحالف الدولي ضد العراق العام 1990. ولكن في الفترة الأخيرة، باتت تتصرف بشكل أحادي. لذا، إن الخروج من “القومية الشعبوية العدوانية” التي سادت سنوات حكم الرئيس دونالد ترامب لن يكون سهلاً، خصوصاً أن في عالم اليوم العديد من مراكز القوى المتنافسة. فبعد قرنين ونصف القرن من إعلان الاستقلال، تحتاج الولايات المتحدة إلى “إعلان للإعتماد المتبادل” أكثر تواضعاً.
من هنا، يتوقع براون أن يكرر الرئيس الجديد تصريحات حملته أن “السياسة الخارجية الأمريكية يجب أن تحدد الآن من خلال أولوياتها المحلية”، حيث سيتخلى عن بناء الجدران وفرض التعريفات وكراهية الأجانب، التي سادت سنوات حكم الرئيس ترامب، من أجل إحياء سياسة “التحالفات أولاً” ومن ثم “أمريكا أولاً”، خصوصاً وأنه بات يعرف أن “تحصين الولايات المتحدة لن يكون كافياً لحماية مواطنيها طالما أن البلدان الفقيرة لا تستطيع تحمل تكاليف اللقاحات ويستمر الفيروس في التحور وربما إعادة إصابة أولئك الذين تم تحصينهم مسبقاً”، حيث يجب على كل من الولايات المتحدة وأوروبا قيادة إتحاد دول “مجموعة العشرين” وتغطية النقص في الأموال اللازمة لتطعيم العالم بأسره.
ومن خلال الأزمات الإقتصادية تحديداً والتي تضرب واشنطن، يسرد بروان تجربته عندما كان يتولى رئاسة الوزراء حيث يقول “إذا وافقت الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا على تنسيق محفزاتها المالية، فإن التأثير المضاعف، التداعيات غير المباشرة من زيادة التجارة والإستهلاك، سيكون فعالاً مرتين في تحقيق النمو كما لو أن كل كتلة تعمل من تلقاء نفسها”، مقدراً أن “يصل العائد من التعاون المتزايد إلى إستحداث أكثر من 20 مليون وظيفة نحن بحاجة ماسة لها، وقد يكون هذا الزخم أكبر بكثير إذا قدم الرئيس بايدن، على عكس الرئيس ترامب، مساعدات طارئة لأفريقيا والعالم النامي، وهو ما قد يعد خطة مارشال للقرن الـ 21 تشمل تخفيف الديون، وإنشاء 1.2 تريليون دولار من الأموال الدولية الجديدة من خلال ما يسمى بحقوق السحب الخاصة، والمطابقة بين الأموال المخصصة للصحة والتعليم والحد من الفقر، وذلك خلال من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.”
وفيما يخص التغير المناخي، يرى بروان ضروة أن يقوم الرئيس بايدن، الذي سينضم إلى “إتفاقية باريس المناخ” مجدداً، أن يعلن عن حضوره لمؤتمر المناخ في غلاسكو، ديسمبر/كانون الأول 2021. فلقد قال بالفعل أن عشرينيات القرن الـ 21 قد تكون “فرصتنا الأخيرة” لتجنب الإحترار العالمي الكارثي، كما ستكون مبادراته في مجال الطاقة المحلية موضع ترحيب، لكنها ليست كافية، حيث يعد الإنتقال إلى اقتصاد خالٍ من الكربون هو أكبر مسعى دولي حالياً، إذ يجب على كل من الولايات المتحدة وأوروبا الآن قيادة وإقناع جميع البلدان، الغنية والفقيرة، بتنفيذ “صفقة خضراء عالمية” جديدة والإتفاق على أهداف خفض الكربون، لعام 2030.
أما عن إخفاقات الرئيس ترامب، فيرى براون فيها “فرصة تاريخية” للرئيس الجديد، حيث سيصمم على الوقوف في بوجه كل من “الليبرالية” الصينية و”الإنتهازية الروسية”، وسيعمل بسرعة لتأمين إتفاق جديد مع إيران لا يقيد فيه طموحاتها النووية فحسب، بل يتناول أيضاً رعايتها لـ “الإرهاب”.
وعن الموضوع إستعمال الأسلحة النووية، يعتقد براون أن بايدن قد يكون أول رئيس، في العصر النووي، يعلن وينفذ سياسة “عدم الإستخدام الأول” للأسلحة النووية. أيضاً ومن خلال التفاوض حول حظر عالمي لكل من التجارب النووية وعمليات تخصيب اليورانيوم، يمكن أن تكون رئاسته إيذاناً بعقد “نزع السلاح”، ما من شأنه أن يوقف الخطوات التاريخية لتخلي السعودية والإمارات ومصر وتركيا عن أي تطلعات نووية مستقبلية، وزيادة عزل كوريا الشمالية، وتقليص دور الأسلحة النووية في طريق إزالتها نهاية المطاف.
ويختم براون بالإشارة خطاب تنصيب الرئيس الراحل فرانكلين روزفلت، قبل ما يقرب من 90 عاماً، حيث كان هناك دعوة قوية إلى “العمل والعمل الآن” وهو ما ينطبق، بنفس القوة، على هذه المرحلة المحفوفة بالمخاطر، وهو ما يعرفه الرئيس جيداً. إن مهمته ليست أقل من “صنع الأمل وقافية التاريخ”، كما قال الشاعر الأيرلندي شيموس هيني.
المصدر: الغارديان.
مصدر الصور: الحرة – إندبندنت عربية.
موضوع ذا صلة: كيف يمكن لبايدن تحديث عقيدة أوباما؟