إيمان ملوك

تستمر الجهود الأممية مستمرة للتوصل إلى أفضل اتفاق ممكن وتشكيل حكومة جديدة في ليبيا. فقد شهد الملف الليبي مؤخراً تحولات متسارعة من خلال سلسلة من الاتفاقات تم التوصل لها، بدءاً من اتفاق ملتقى الحوار السياسي في تونس، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 حول إجراء انتخابات عامة في 24 دسمبر/كانون الأول 2021. هذا الاتفاق سبقه اتفاق على وقف إطلاق النار بين الطرفين الأساسيين اللذين يتنازعان على السلطة في البلاد والمتمثلان في القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني، المعترف بها، والقوات الموالية للمشير خليفة حفتر. بعدها أعلنت الأمم المتحدة عن اختراق جديد في المفاوضات من خلال اتفاق الأطراف الليبية على آلية اختيار السلطة التنفيذية الجديدة التي ستحضر للانتخابات العامة المقررة نهاية العام الجاري. فضلاً عن اتفاق مدينة الغردقة المصرية حول إجراء استفتاء على الدستور قبل موعد الانتخابات المقررة.

حالياً، يطبق في ليبيا، المنقسمة بين سلطتين متنافستين، إعلان دستوري مؤقت أقرّ العام 2011، ومن المفترض أن تضع محادثات الغردقة الأسس القانونية لتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة.

ليبيا، الغارقة في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي العام 2011، تعد منذ سنوات ساحة للصراع وتصفية الحسابات بين أطراف الأزمة الخليجية. فقد انعكست أصداء هذه الأزمة على الملف الليبي، كما يرى مراقبون أن بعض هذه الأطراف لعبت دوراً في الأزمة الليبية سواء بشكل مباشر عبر دعم أطراف فاعلة في الأزمة أو غير مباشر عبر شن حرب بالوكالة. فهل خلطت المصالحة الخليجية أوراق هذه القوى؟

تفاؤل بالمصالحة الخليجية؟

في تحليل سابق نشرته صحيفة “بوابة الوسط” الليبية تحت عنوان” الليبيون يترقبون صدى المصالحة الخليجية على الأزمة السياسية والفاعلين المحليين”، ذكر أن “الأيام المقبلة ستحمل مدى تأثير تصالح قطر مع جيرانها على الأزمة الليبية، خصوصاً أن الدوحة لها علاقة مميزة مع تركيا، التي لعبت دوراً مباشراً لصالح حكومة الوفاق، إذ أرسلت أنقرة قوات وطائرات دون طيار إلى ليبيا وأغرقتها بالمرتزقة وأشرفت على تدريبات عسكرية لقوات الوفاق، ما زاد من تفاقم الصراع، في ظل دعم الإمارات قوات القيادة العامة.”

في تحليل نشرته جريدة “فاينانشيال تايمز”، نقلاً عن مركز “بوركينغز” الأميركي، قال إن علاقات الدوحة مع أنقرة تعززت بسبب الخلاف الخليجي، معتبراً أن تعاون البلدين العسكري القوي يوفر الإجابة على مجموعة من المخاوف الأمنية التي ستستمر بعد التوصل إلى حل للأزمة الخليجية، وهو ما سينعكس على الأزمة الليبية.

سعيد الصديقي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس المغربية، يرى أن هناك سلسلة من الأحداث التي أثرت في بعضها البعض، حيث “أن المصالحة الخليجية والتقارب بين كل من قطر ومصر والإمارات والسعودية سيؤدي تلقائياً إلى تخفيف التوتر بين الدول المقاطعة لقطر مع تركيا وأن هذه المصالحة سيكون لها تأثير على العلاقات الخليجية والمصرية مع تركيا ما يؤثر إيجابا على الملف الليبي.”

غير أن المحلل السياسي يرى أن المصالحة الخليجية في حد ذاتها نتيجة للتحول السياسي الكبير الذي شهدته أمريكا خلال الأشهر القليلة الماضية، كما قال “ظهور مؤشرات كبيرة على قدوم جو بايدن إلى البيت الأبيض، سرع في عملية المصالحة الخليجية، التحول في أمريكا أثر على الوضع في الخليج وهو بدوره سيؤثر دون شك على الملف الليبي أيضاً.”

حسابات تركيا في ليبيا

بعد عام زاخر بالتوترات السياسية والاقتصادية، أبانت تركيا منذ مطلع هذا العام (2021) عن توجه جديد في سياستها الخارجية يعتمد على الحوار بدلاً من سياسة المواجهة. وظهر ذلك جلياً في العديد من الملفات، منها دعوات إلى محادثات جديدة مع الولايات المتحدة وتأكيدات على الرغبة بـ “فتح صفحة جديدة” مع أوروبا بالتزامن مع استئناف المفاوضات مع اليونان. فهل للملف الليبي نصيب من هذا التوجه الجديد؟

يرى الصديقي أن النهج الجديد الذي أبانت عنه تركيا ورهانها على الحوار بدل المواجهة ليس نهجاً “جديداً” عليها فقد “جاء بعد أن حققت تركيا توازناً عسكرياً بين حفتر وحلفائه وبين الحكومة المعترف بها دوليا وحلفائها آنذاك ومن ثم بدأ الحوار ولكن الظروف الحالية تشجع تركيا على هذا النهج ولأن الوضع في ليبيا يعد مأزقاً عسكرياً ولا يصب في مصلحة تركيا، فقد تساهم في حلحلة الوضع.”

كما يؤكد المحلل السياسي على أن التحول الذي حدث في الخليج وتأثيره الإيجابي على العلاقات الخارجية التركية والعلاقات المصرية – التركية أثر “ايجاباً” على الملف الليبي وأوجد ظروفاً مناسبة لإنجاح الحوار بين الفرقاء الليبيين، لكن هذه الأحداث كلها سواء في الخليج أو النهج التركي مرتبط إلى حد كبير بالتحول السياسي في أمريكا، وقال “يمكن أن نضيف بين قوسين أنه لا يمكن التوصل إلى حل للملف الليبي، إذا لم تتوافق الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة هناك، مع ترقب موقف الإدارة الأمريكية الجديدة.”

ترقب سيد البيت الأبيض

الأنظار تتجه الآن صوب الرئيس بايدن وموقف إدارته من الأزمة الليبية. في سياق متصل أوصى معهد “كاتو” الأميركي إدارة الرئيس، بضرورة “رفض الآراء الداعية إلى إعادة الانخراط في مستنقع ليبيا”، حتى تتجنب تكرار سياسة سابقة، باراك أوباما، داعيا إياه للضغط على الدول الأخرى، خصوصاً تركيا، لممارسة ضبط النفس في البلاد.

من جهته يتوقع الصديقي أن الرئيس بايدن سيغير من بعض ملامح السياسة الخارجية الأمريكية مع بعض القوى وعلى رأسها روسيا، فـ “الحضور الروسي في شمال إفريقيا وبالذات في ليبيا يشكل مصدر إزعاج كبير للإدارة الأمريكية ولا يهدد مصالح أمريكا فقط وإنما مصالح حلفائها الأوروبيين أيضاً؛ وبالتالي، فإن بايدن وإدارته سيسعيان إلى إضعاف هذا الوجود الروسي في ليبيا ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بحل الملف الليبي عبر الحوار وكذا الضغط على حلفاء أمريكا في الخليج ليساهموا في الحل السلمي في ليبيا.”

الدور الأوروبي

بعد مرور عام على “قمة برلين” حول الأزمة الليبية، قدم وزير الخارجية الألماني هايكو ماس ملخصاً إيجابياً لمساعي السلام لأجل ليبيا، مؤكدا أنها أسهمت في بدء عملية سلام داخلية حقيقية. وقال ماس في تصريح سابق لوكالة الأنباء الألمانية إنه صحيح أن القمة لم تجلب سلاماً سريعاً، إلا أنها أحدثت تحولاً. بحسب تقدير وزير الخارجية الألماني، فقد كانت “قمة برلين” بمثابة دفعة لإحداث أوجه تقدم بين أطراف النزاع؛ وعلى الرغم من أنه لم يتم بعد التنفيذ الكامل لحظر الأسلحة المتفق عليه في ذلك الوقت، لا يزال هناك توريد لمعدات عسكرية إلى ليبيا.

في مقال نشرته صحيفة” فرانكفورته ألغيمانيه” الألمانية تعليقاً على “مؤتمر برلين” حول الأزمة الليبية ودور أوروبا في ترسيخ عملية السلام في ليبيا تحت عنوان “لعنة نجاحه”، أشاد المقال بجهود ماس بمؤتمر برلين حول ليبيا، لكن اعتبر أن هذا النجاح يثير أيضاً التساؤل حول كيفية مواكبة أوروبا للعملية. وقال ممثل الشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بصراحة “من الواضح أن حظر الأسلحة يجب السيطرة عليه من مستوى عال. وإذا كنا نريد الحفاظ على الهدنة، فيجب على أحد ما السهر على تحقيقها.”

المصدر: دي دبليو.

مصدر الصور: سوريا برس – قناة الغد.

موضوع ذا صلة: ليبيا ما بعد إتفاق جنيف.. هل تنعم بسلام سياسي؟