وصل وفد من طالبان إلى طهران وقد يكون ذلك مقدمة لتطورات إيجابية في عملية السلام الأفغانية، خاصة الآن بعد أن أصبحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالسلطة، ومع تضاءل الأمل بمحادثات الدوحة الصاخبة. في هذا الشأن، أعلن المتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، وصول وفد طالبان السياسي برئاسة الملا عبد الغني برادر بعد ترتيبات سابقة وبدعوة من الجهاز الدبلوماسي الإيراني.
بحسب خطيب زاده، إن الوفد السياسي لطالبان سيلتقي خلال إقامته في طهران “بمسؤولينا بمن فيهم وزير الخارجية والممثل الخاص لإيران في أفغانستان وسيبحثون ويناقشون عملية السلام في أفغانستان والقضايا ذات الصلة. مهما كان، فإن الوضع يختلف عما كان عليه قبل بضعة أشهر عندما كان دونالد ترامب يسعى بتفاؤل من أجل السلام في أفغانستان آملاً الفوز في الانتخابات الرئاسية. الآن رحل الرئيس ترامب ووصل فريق الرئيس بايدن إلى السلطة الذي يعتزم على ما يبدو إعادة النظر في الاتفاقات مع أفغانستان، وقطر التي كانت تستضيف أغلب المحادثات التي ابتكرتها أميركا من أجل قضية السلام في أفغانستان. الآن، أصبح همها الوحيد الصلح بين إيران ودول المنطقة؛ وعليه، من المتوقع ألا تفوت إيران فرصة لعب دور محوري في إحلال السلام لجارتها الشرقية خاصة أنها أظهرت في الأشهر الأخيرة أنها تخلت عن العداوات السابقة لطالبان ولم تتخذ أي قرار بناء عليها.”
لم يمض شهر أو شهرين على حضور فريق من المكتب السياسي لطالبان إلى السفارة الإيرانية في قطر الذي أثار ضجة، حيث علق وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، على هذه الزيارة قائلاً “لدينا محادثات جدية مع طالبان. أنا شخصياً التقيت الملا بردار في طهران. مثل بعض المسؤولين الدوليين الآخرين الذين التقوا بوفد طالبان إما في الدوحة أو في عواصمهم.”
وفي وقت سابق، أجرى المبعوث الإيراني الخاص إلى أفغانستان، محمد إبراهيم طاهريان، محادثات مع وزير الخارجية الأفغاني والمبعوثين الروسي والألماني إلى أفغانستان، وذلك أثناء مناقشته التطورات الأخيرة فيها وعملية السلام وتحقيق الاستقرار الدائم من خلال الحلول الدبلوماسية. تُظهر كل هذه المحادثات والمشاورات أن إيران تحاول المساعدة في إحلال السلام في جارتها الشرقية. وعلى الرغم من تغيير الحكومة في الولايات المتحدة، فإن المبادرة بيد طهران ولديها قوة أكبر من أي وقت مضى للتأثير على هذا الأمر المهم.
وفي هذا السياق، رأى الخبير في شؤون أفغانستان، بير محمد ملازهي، في حديث مع صحيفة “جيهان صنعت”، أنه “للحصول على تحليل مفصل في هذا الصدد، يجب الانتباه إلى التطورات التي حدثت في الولايات المتحدة. خسر ترامب الانتخابات؛ ومع تولي بايدن منصبه، ظهر فريق جديد في الولايات المتحدة ذكر سابقاً أنه يريد مراجعة الاتفاقية الموقعة بين الرئيس ترامب وطالبان”، مشيراً إلى أنه “يبدو أن هذا وضع طالبان في موقف يعتقدون فيه أن سياسة الرئيس بايدن تستند إلى اتفاق ذي شقين بشأن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان وتقاسم طالبان السلطة فيها لمنع الجماعات الإسلامية المتطرفة من إيجاد قواعد وهو يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة.”
وأضاف ملازهي “أثيرت شكوك في صفوف طالبان بأنه عندما تقول الولايات المتحدة إنه يجب مراجعة المعاهدة، فهذا يعني أن مصطلح الإمارة الإسلامية الذي قبِله الرئيس ترامب لم يُقبل وتحول إلى الحكومة المركزية في أفغانستان. وهذا هو سبب شعورهم بأن المبادرة الأميركية ستتوقف في عهد بايدن وأنهم بحاجة إلى مواكبة المبادرة الإقليمية التي اقترحتها إيران.”
وفي شرحه لمبادرة إيران، يقول ملازهي إن “وزير خارجية إيران قال في وقت سابق إن الدول المجاورة لأفغانستان، بالإضافة إلى الدول التي لها نفوذ فيها ولكنها ليست جارة لها مثل السعودية والإمارات وتركيا، يجب أن تتعاون وتبادر إلى استبدال المبادرة الأميركية وإنهاء الحرب في هذا البلد بإيجاد تفاهم بين طالبان والحكومة الأفغانية.”
أيضاً، أكد الخبير المعني بالقضايا الإقليمية أنه “على هذا الأساس يمكن أن تكون إيران أكثر نشاطاً في هذا المجال من أي وقت مضى”، مضيفاً أن “اجتماعات السيد طاهريان مع روسيا والألمان، كمبعوث خاص لوزارة الخارجية الإيرانية، مهمة في هذا الصدد وتُظهر أن إيران تريد أن تكون أكثر فاعلية في عملية السلام الأفغانية. طالبان تبدو أيضاً وكأنها ترحب بهذا النهج وتريد حل المشكلات التي من المرجح أن تطرأ عليها في إدارة بايدن.”
وردا على سؤال حول ما إذا كانت إيران ستنجح في التقريب بين دول مثل السعودية والإمارات وتركيا بشأن قضية السلام الأفغانية، قال الخبير “على أي حال إذا تمكنت إيران من جلب دول مثل السعودية وباكستان وتركيا معها فأنها تزيد من فرص استخدام المبادرة الإقليمية للمساعدة في إحلال السلام في أفغانستان. من الطبيعي أن تكون هناك منافسة لا يمكن إنكارها في هذه المنطقة مما يجعل هذا الأمر صعبًا. على أي حال، هناك تنافس بين إيران والسعودية أو بين الهند وباكستان وتركيا. على الرغم من كل هذه القضايا وإذا نظرنا إلى القضايا بشكل أكثر واقعية، يمكن تقليل هذه الخصومات ويمكن أن تساعد مبادرة إقليمية عملية السلام الأفغانية.”
وناقش ملازهي أيضاً كيف يمكن لإيران أن تبرر تغيير نهجها تجاه طالبان الأمر الذي جعل الرأي العام حساساً، وهل كان هذا التغيير في المظهر صحيحاً أم لا، وقال “لاحظنا أن إيران من الدول التي لديها أرضية مشتركة مع أفغانستان بحوالي ألف كلم. لذا، فإن أي تغيير في أفغانستان يكون له تأثير على إيران. إذا كان هناك سلام فهذا في مصلحة إيران، وإذا كانت هناك حرب فقد يدخل فيضانها إيران ويصبح مشكلة أمنية. وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها”، مضيفاً أن “قضية المخدرات هي قضية مهمة تدفع ثمنها إيران كل عام وليس من السهل حلها لذلك إذا نظرنا إليها من هذه الزاوية يتضح أن إيران لا ينبغي أن تكون سلبية في قضية أفغانستان بالطبع في وقت ما كانت سلبية وكان ذلك على حساب إيران.”
وتابع خبير الشؤون الإقليمية بالقول “كان استثمار إيران في السابق يعتمد على الجماعات الجهادية وليس له علاقة بطالبان وهو ما أعتقد أنه خطأ. ومع، فإن طالبان جزءاً من واقع أفغانستان التي تحظى بتأييد شعبي بين قبائل البشتون. فعلى الجبهة العسكرية أكثر من 50% من الأراضي الأفغانية في المناطق الريفية والبدو تحت سيطرة طالبان. مع وضع هذه القضايا في الاعتبار يمكننا أن نستنتج أن الاقتراب من طالبان هو الخط الصحيح وأننا بحاجة إلى العمل مع طالبان للتأثير على عملية التفاوض.”
من خلال ما سبق، يبدو أن هناك فرصة لإيران للعب دور محوري في عملية السلام الأفغانية كما أن تغيير الحكومة في الولايات المتحدة واستعداد قطر للوساطة بين المنطقة وإيران يزيد أيضاً من فرصها في تحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، يبقى أن نرى إلى أين ستذهب المحادثات وما إذا كان بإمكان دول المنطقة، كما يقول ملازهي، أن يتم النظر إلى القضية بشكل واقعي وتقليل الخصومات التي تضر بالسلام.
المصدر: جاده إيران.
مصدر الصور: الحرة – العربي الجدديد.
موضوع ذا صلة: أفغانستان: ساحة صراع القوى العالمية