عبدالرحمن النجار**

قال جيمس تراوب، في مقال على موقع مجلة “فورين بوليسي”، إنه في الأسبوع الماضي وجهت الشرطة الهندية تهماً بالتحريض على الفتنة، من بين جرائم أخرى، ضد بعض أكثر الصحافيين تقديراً في البلاد، من بينهم فينود خوسيه، محرر “ذا كارافان”، أهم مجلة إخبارية هندية، وراجديب سارديساي، مذيع معروف على قناة “الهند اليوم”، لأنهم نقلوا أخباراً غير مرحب بها حول قمع الحكومة احتجاجات المزارعين ضد السياسات الزراعية لرئيس الوزراء، نارندرا مودي.

تسعى سلطات الشرطة في الولايات التي يسيطر عليها حزب “بهاراتيا جاناتا”، بزعامة مودي، إلى سجن كبار الصحافيين في الهند. في العام 2020، يشير تراوب، اتهم سيدهارث فاراداراجان المحرر المؤسس لموقع “ذا واير” الخدمة الإخبارية عبر الإنترنت الأكثر احتراماً في الهند، بـ “نشر الذعر” بسبب نشره عن حضور رئيس الوزراء الهندوسي المتشدد فعالية دينية في انتهاك للإغلاق الوطني. لم يبدِ مودي أي اعتبار لحرية الصحافة أكثر من الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، لكنه يتمتع بقدر أكبر من سيطرة الأخير على حكومات الولايات الرئيسية والقضاء.

ديمقراطية الهند في تراجع

تصنف مؤسسة “فريدوم هاوس” البلاد الآن في المرتبة 83، في ذيل الدول “الحرة”، مع ملاحظة أن “خروج الهند عن الأعراف الديمقراطية.. قد يطمس التمييز القائم على القيم بين بكين ونيودلهي”. تصنف مراسلون بلا حدود الهند في المرتبة 142 في مجال حرية الصحافة، ثلاث مراتب بعد ميانمار.

سارع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى التنديد بالانقلاب العسكري في ميانمار والمعاملة الروسية الوحشية لزعيم المعارضة أليكسي نافالني مثلما فعل أسلافه، باستثناء الرئيس ترامب، الرئيس الوحيد في التاريخ الأمريكي الذي أظهر الازدراء الصارخ للديمقراطية. لكن تراجع الهند سيشكل مشكلة حقيقية لبايدن. ويتساءل تراوب “كيف ستتعامل إدارة مكرسة لاستعادة الديمقراطية في الداخل والخارج مع ديمقراطية غير ليبرالية تمثل قوة صاعدة في آسيا وثقل موازن حاسم للصين؟”

واجه الرؤساء الأمريكيون هذه المشكلة منذ أن تعهد الرئيس الأسبق، جيمي كارتر، بجعل حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية “مبدأ أساسياً لسياستنا الخارجية”. أعفى كارتر شاه إيران من النقد لأنه عد طهران حليفاً لا غنى عنه، وتهاونت حملة الرئيس رونالد ريغان من أجل الديمقراطية مع الديكتاتوريات المعادية للشيوعية في أمريكا اللاتينية وشرق آسيا، بينما أغمض الرئيس جورج دبليو بوش عندما نكث الرئيس المصري القوي، حسني مبارك، وعده بإجراء انتخابات حرة ونزيهة العام 2005.

يبدو الرئيس بايدن أكثر جدية من أي من هؤلاء الأسلاف، ويمكن القول إنه أكثر إلحاحاً. يشير تراوب إلى مقال سابق كتبه، أكد فيه أن الرئيس وفريقه ملتزمون بعدم الترويج للديمقراطية في البلدان التي تغيب فيها، لكنهم سيدافعون عنها حيثما تتعرض للهجوم، بما في ذلك داخل أمريكا. المشكلة التي يواجهها هي مشكلة لم يكن يتخيلها أي من أسلافه.

أوضح الرئيس بايدن أنه يعتزم عقد قمة عن الديمقراطية في وقت لاحق من هذا العام، إذ سيدعو القادة إلى العمل معاً لمحاربة الفساد والإستبداد وحماية حقوق الإنسان. ليس من الواضح ما إذا كانت الديمقراطيات غير الليبرالية مثل المجر وبولندا والبرازيل، الفاسدة والاستبدادية والمنكرة للحقوق، ستُدعى لمعالجة إخفاقاتها.

الهند أداة رئيسية في مواجهة الصين

من بين هذه الدول، تتمتع الهند بوضع جيو – سياسي خاص بها. تعد الهند خامس أكبر اقتصاد في العالم وهي بمثابة حصن ضد الصين، التي تعدها إدارة الرئيس بايدن أخطر خصم لأمريكا. ولأن الصين تسعى بشكل متزايد إلى تصدير نموذجها للرأسمالية الاستبدادية التي تديرها الدولة، فهي تشكل أيضاً تهديداً فريداً للديمقراطية. تبنت إدارة بايدن فرضية منطقة “المحيطين الهندي والهادئ” من إدارة الرئيس ترامب مع وجود الهند في جوهرها.

اقترح كيرت كامبل، أحد خصوم الصين في أمريكا الذي عينه بايدن “منسقاً لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ” في مجلس الأمن القومي مؤخراً، إقامة نظام جديد من التحالفات التي تربط جنوب وشرق آسيا وآسيا وأوروبا، بالإضافة إلى دمج الهند وكوريا الجنوبية، وأستراليا في مجموعة الدول السبعة لتشكيل مجموعة “دي – 10″، الديمقراطيات العشرة الكبرى.

باختصار، تبدو الهند وكأنها جزء من الحل أكثر من كونها مشكلة. وخلافاً لإيران العام 1977 ومصر العام 2005 يضيف تراوب، فإن الهند ليست دولة استبدادية تقريباً. البلاد لديها انتخابات حرة وأسواق حرة. بيد أن إلقاء القبض على الصحافيين لانتقادهم الحكومة يظل صادماً بما يكفي لإثارة الغضب. سيكون لدى البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية، ووزارة التجارة، والممثل التجاري سبب وجيه للرد إذا اقترح أحد المسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية بياناً رسمياً يحمل مودي المسؤولية عن تشجيع العنف ضد المسلمين، أو إخضاع القضاء، أو اعتقال المراسلين. لماذا يستفز بايدن مودي إذا كان سيجلس بجانبه في مجموعة الديمقراطيات العشرة الكبرى؟

ومع ذلك، فإن الديمقراطية في خطر في الهند. يكشف تراوب عن أنه يتابع الشأن الهندي منذ 45 عاماً، منذ حالة الطوارئ، ومن المروع بالنسبة له أن بلداً اعتبره دائماً ديمقراطياً وعلمانياً، أصبح الآن خاضعاً للنظام الهندوسي القومي المصمم على إخضاع كل من الصحافة والقضاء والمواطنين العاديين. تعهدت حكومات الولايات التي يقودها حزب “بهاراتيا جاناتا” بإلغاء جوازات سفر المتظاهرين أو حرمانهم من الوظائف الحكومية.

يتساءل تراوب “ماذا ستقول واشنطن إذا حوكم كبار الصحافيين بتهم ملفقة، مثل التحريض على الفتنة أو جريمة أقل؟ ماذا لو ثبتت إدانتهم وحُكم عليهم بالسجن، حتى لو كان ذلك لفترة كافية لجعلهم يفكرون مرتين قبل الإبلاغ عن الحقائق غير السارة في المستقبل؟ ماذا لو شدد مودي الخناق الذي فرضه على ولاية كشمير المتنازع عليها؟ حينها، هل ما زالت الهند ستحصل على مقعد على طاولة القمة من أجل الديمقراطية؟”

اعترف مسؤول بارز في إدارة بايدن، أصر على عدم الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بالتحدث حول هذه القضية، قائلاً “هذه هي أصعب الأسئلة، ويتابع “إن المعالجة الجادة لقضية انعدام العدالة في أمريكا سيمنحنا الزخم في التحدث إلى الأصدقاء والحلفاء، بما في ذلك إجراء محادثات صعبة مع دول مثل الهند. لكن هذا لن يقضي على التوتر الذي نعرف أنه موجود بين الجغرافيا السياسية والقيم.”

وأضاف الكاتب، إن الهند بحاجة إلى رئيس أمريكي مستعد لتحدي التراجع الديمقراطي. ومع ذلك، فإن فرضية مشروع بايدن للتجديد الديمقراطي هي أن الولايات المتحدة والعالم الديمقراطي بحاجة إليه أيضاً. وهذا هو سبب اختلاف وضع بايدن عن وضع كارتر أو ريغان أو بوش. الهند ليست على وشك السير في طريق الصين، لكنها بالتأكيد يمكن أن تسير في طريق تركيا، الدولة التي تشهد انتخابات تنافسية لكن الأعراف الديمقراطية تتآكل بسرعة فيها ويحكمها شعبوي يحمل مشاعر قومية شديدة. ويتساءل “كيف يمكن القول بأن الديمقراطية مناسبة ليس فقط للدول الغنية ولكن للفقيرة أيضاً؟”

ويختتم الكاتب مقاله قائلاً “لقد تمتعت الولايات المتحدة بنجاح متواضع على مر السنين في تعزيز الديمقراطية. قد يكون الحفاظ عليها أمراً صعباً”.

*العنوان الأساسي: “فورين بوليسي: كيف سيتعامل بايدن مع تراجع الديمقراطية في الهند؟”

**مهتم بالشأن السياسي المصري والدولي.

المصدر: ساسه بوست.

مصدر الصور: عربي بوست.

موضوع ذا صلة: لماذا يعتبر الصراع الصيني – الهندي أخطر الصراعات الإقليمية؟*