إعداد: مركز سيتا
من الواضح تماماً جنوح العديد من الدول، الكبرى تحديداً، إلى بدء الإعتماد على الحافلات الكهربائية بأنواعها، لا سيما السيارات، حيث تم عقد الإتفاقيات، مثل “إتفاقية باريس للمناخ”، التي من شأنها التخفيف من الإنبعاثات الكربونية المضرّة بالبيئة والتوجه، رويداً رويداً، نحو سياسة “خضراء” بعد تفاقم المشاكل التي يعاني منها العالم الصناعي اليوم، وأبرزها مشكلة الإحتباس الحراري الذي يتسبب بإرتفاع حرارة الأرض وذوبان الثلوج في المحيطات المتجمدة بنسب مرتفعة.
من هنا، بدأ التنافس يشتد بين مصنّعي السيارات في مختلف أنحاء العالم، وبات هذا القطاع مكاناً لضخ المليارات من الدولارات كونه سيشكل “المستقبل الجديد” لهذه الصناعة في وقت يضرب فيه فيروس “كورونا” مفاصل العديد من الشركات الضخمة حول العالم، والتي قد لا تتعافى قبل مضي سنوات عدة.
تشجيع رسمي
تلقى صناعة السيارات الكهربائية دعماً معلناً من الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس جو بايدن، الذي أكد خلال توقيع أمر تنفيذي يدعم فيه شراء المؤسسات الفيدرالية للمنتجات الأمريكية على أن “الحكومة الفيدرالية تمتلك أسطولاً ضخماً من المركبات، سنقوم باستبدالها بسيارات كهربائية نظيفة مصنعة هنا في الولايات المتحدة وبأيدٍ أمريكية”. يأتي التوجه نحو السيارات الكهربائية في إطار جهود حماية البيئة التي تمثل أحد أهم أهداف الحملة الانتخابية للرئيس بايدن، حيث تستهدف الإدارة الأمريكية الوصول بمحطات شحن السيارات الكهربائية إلى 500 ألف محطة، وتسريع الأبحاث الخاصة بالبطاريات وتطويرها.
يأتي ذلك في وقت لم تحظى فيه السيارات الكهربائية بشعبية كبيرة في الولايات المتحدة، حيث يرجع السبب إلى حد كبير إلى أن الحوافز الحكومية أقل سخاء، إذ تمثل السيارات التي تعمل بالبطاريات حوالي 2% فقط من مبيعات السيارات الجديدة في البلاد.
مبيعات مرتفعة
شهد العام 2020 نمو صناعة السيارات الكهربائية لتصل إلى 3.24 مليون سيارة مقابل 2.26 مليون سيارة في العام 2019، وفق بيانات موقع قاعدة المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية، حيث يعتبر أبرز الصنّاع الرئيسيين للسيارات الكهربائية هي شركة “تسلا” الأمريكية، التي انتجت العام 2020 حوالي 500 ألف سيارة، ثم شركة “نيو” – Nio الصينية، وشركة “جنرال موتورز” الأمريكية، وشركة “دلفي أوتوموتيف” البريطانية – الأمريكية، وشركة “كاندي تكنولوجيز” الصينية.
بالنسبة إلى معدلات البيع، فقد ازدادت المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية بسرعة كبيرة، حيث ارتفعت بنسبة 43% إلى أكثر من 3 ملايين سيارة، على الرغم من تراجع المبيعات الإجمالية للسيارات التقليدية بمقدار الخمس خلال جائحة “كورونا”، وفقا لصحيفة “الغارديان” البريطانية. وكانت “تسلا” الشركة الرائدة في مبيعات السيارات الكهربائية عالمياً، قد باعت نحو 500 ألف سيارة، تليها “فولكسفاغن”.
هذا وقد تضاعفت مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا، مما دفع دول الاتحاد الأوروبي إلى المرتبة الثانية بعد الصين في قائمة مبيعات السيارات الكهربائية.
بنوع من التفصيل، شكّلت ألمانيا، إلى حد بعيد، أكبر سوق للسيارات الهجينة في أوروبا خلال النصف الأول من العام 2020، حيث زادت المبيعات بنسبة 200%، فيما زادت مبيعات تلك السيارات في كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والرابطة الأوروبية للتجارة الحرة، ضمن النصف الأول من العام 2020، بنسبة 114%.
أرباح ضخمة
أعلنت شركة “تسلا” عن أول ربح للعام بأكمله، وهو إنجار 18 عاماً من الجهود المبذولة، حيث صرحت بأنها كسبت 721 مليون دولار العام 2020، بعد خسارة قدرها 862 مليون دولار العام 2019، على الرغم من أن وباء “كورونا” شكل عائقاً على المبيعات وعمليات الإنتاج في الولايات المتحدة.
ففي الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2020، حققت الشركة 270 مليون دولار، ارتفاعاً من 105 ملايين دولار في الفترة نفسها من العام 2019. ورغم هذا الارتفاع، خيبت أرباح الربع الأخير للشركة ظن المحللين، ما خفض سهمها بنحو 5%.
إلى ذلك، ساهم مصنع “تسلا” بمدينة شنغهاي – الصين، سوق السيارات الكهربائية والتقليدية الكبرى في العالم، في العلامة البارزة التي حققتها الشركة، التي سجلت إيرادات بلغت 10.7 مليارات دولار في الربع الأخير من العام 2020، بزيادة 45.5% عن الفترة نفسها من العام 2019. إذ ارتفعت إيراداتها للعام بأكمله إلى 31.5 مليار دولار مقارنة بـ 24.6 مليار دولار العام 2019.
فيما يخص “فولكسفاغن”، فقد أشارت الأرقام الرسمية للشركة إلى أنها قد باعت 231.6 ألف سيارة كهربائية تعمل بالبطاريات العام 2020 وهو ما يمثل زيادة قدرها 214% عن العام 2019، حيث قال الرئيس التنفيذي للشركة رالف براندستاتر: “نحن نسير على الطريق الصحيح لتحقيق هدفنا في أن نصبح الشركة الرائدة في السوق في مجال السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات”.
في نفس السياق، صرح الرئيس التنفيذي لشركة “بورش”، أوليفر بلوم، أنه وفي نهاية هذا العقد ستكون نسبة مبيعات السيارات الهجينة بحدود 80%، حيث توقعت الشركة، في بيان سابق لها، أن تكون نصف سياراتها التي ستبيعها، بحلول العام 2025، كهربائية حيث أنها سوف تستثمر حوالي 18.1 مليار دولار، خلال السنوات الخمس القادمة، في كهربة سياراتها.
في نفس السياق، قال محلل “بلومبرغ إنتليجنس”، مايكل دين، إن الجيل الأول من سيارات “مرسيدس” الكهربائية منخفضة السعر من المرجح أن يضغط على الربحية حتى تطوِّر الشركة أسس خاصة بالمركبات الكهربائية وتنخفض أسعار البطاريات أكثر. ومع ذلك، فإن دفع الشركة الكهربائية في السوق سيساعدها على تلبية قواعد الانبعاثات في أوروبا والصين.
تنافس شرس
لا شك أن هذه الأرباح، خصوصاً في ضوء ما سببته أزمة تفشي فيروس “كورونا” من ركود عالمي، شكلت حافزاً لدى مصنعي السيارات حول العالم من أجل التنافس على هذا “السوق الجديد”والسعي إلى تقديم الأفضل من أجل الإستحواذ على الحصة الأعلى منه سواء من خلال الإبتكار أو “التجسس الإقتصادي” على المنافس.
في سياق متصل، رفعت شركة “تسلا” دعوى قضائية ضد أحد مهندسيها، والتي تتهمه فيها بسرقة أحد برامجها المهمة، وتزعم الشركة في دعواها القضائية أن المهندس، أليكس خاتيلوف، سرق برنامجها “وارب درايف” الذي يستخدم في أنظمة الشراء وغيرها الأنظمة الأخرى في غضون 3 أيام من بدء عمله فيها، أواخر شهر يناير/كانون الثاني 2021، بحسب موقع “إليكتريك”.
لكن الشركة لم تذكر في دعواها ما إذا كانت تعتقد أن المهندس نسّق الأمر مع الآخرين بشأن سرقة البرامج الهامة، لكنها حذرت في الوقت ذاته من أنها “لم تكشف” جميع تصرفاته، وأنه ربما لا يزال يشارك ملفاتها، خاصة وأنه اضطر للعمل عن بُعد بسبب ظروف فيروس “كورونا” ما جعل من الصعب التحقق من حذف الملفات.
تعاون مشترك
في يناير/كانون الثاني 2021، قالت شركة “هيونداي موتورز”، في بيان صحفي، إنها “تلقت طلبات للتعاون المحتمل من شركات متنوعة لتطوير السيارات الكهربائية ذاتية القيادة، ولكن لم يتم اتخاذ أية قرارات لأن المناقشات لا تزال في مرحلة مبكرة”.
جاء تعليق الشركة الكورية بعد أن ذكر تقرير محلي، لصحيفة كوريا الاقتصادية اليومية، أن شركة “أبل” اقترحت الشراكة مع “هيونداي موتورز”، والأخيرة تراجع الشروط. وبحسب التقرير، فإن المقترحات تتضمن إنتاج السيارات الكهربائية وكذلك تطوير البطاريات، من المحتمل إطلاق السيارة بحلول العام 2027.
بالنسبة إلى “آبل”، فإن الشركة تنوي المضي قدماً نحو إنتاج سيارة كهربائية ذاتية القيادة العام 2024، ضمن مشروعها المعروف بإسم Project Titan، ومن أهداف المشروع تصميم بطارية جديدة بتكلفة قليلة وطاقة كبيرة تزيد من المسافة التي يمكن للسيارة قطعها. ويمثل صنع مركبة تحدياً للشركة وخاصة فيما يتعلق بسلسلة التوريد، وفهي تصنع مئات الملايين من المنتجات الإلكترونية كل عام بأجزاء من عدة دول، ولكنها لم تصنع سيارة أبدا.
إستثمارات خيالية
وفق التقديرات، إن استثمارات صناعة السيارات الكهربائية من المرشح أن تسجل 168 مليار دولار خلال العام 2021، على أن تصل إلى 203 مليارات دولار في العام 2022. وتتوقع وكالة “بلومبرج” أن يواصل الانفاق الاستثماري النمو حتى يبلغ 245 مليار دولار في العام 2023، لا سيما في أسواق الولايات المتحدة والصين وأوروبا.
كما رشحت الوكالة أن يشهد قطاع السيارات الكهربائية تسجيل استثمارات بقيمة 295 مليار دولار في العام 2024، على أن تصل إلى 357 مليار دولار بحلول العام 2025.
تحديات رئيسية
مع كل تلك المزايا العامة، لا تزال هذه الصناعة تعاني من بعض المشكلات التي قد تستمر لوقت غير قليل قبل التمكّن من حلها. وتكمن أبرز عيوب هذا النوع من المركبات في:
1. العوامل الطبيعية: يرى العديد من الخبراء والفنيين بأن الطقس، لا سيما البرودة، يشكل عاملاً سلبياً يؤثر بشكل كبير على أدائها.
2. عملية الشحن: يعتبر هذا العامل مؤثر أيضاً لجهة مدى توافر محططات الشحن والمدة التي سيستغرقها الشحن نفسه. إلا انه يمكن القول بأن هذا الموضوع بدأ يتجه نحو الحل خصوصاً أن العديد من الدول تنظر إلى زيادة المحطات (العمل على إيصالها لـ 500 ألف في الولايات المتحدة – 200 ألف في الإتحاد الأوروبي حالياً)، بالإضافة إلى العمل على نوع من البطاريات يمكن شحنه ضمن مدة زمنية تصل إلى 20 دقيقة كحد أقصى.
3. إصلاح الأعطال: أشارت بعض التقارير المتخصصة إلى أنه لن يكون بمقدور الأشخاص إصلاح المركبة حال تعرضها لعطل على الطرق مثلما يحدث في الكثير من الأحيان مع السيارات التقليدية.
4. قطع الغيار: تعتبر قطع غيار السيارات الكهربائية أعلى ثمناً من السيارات العادية، وهذا أمر طبيعي خصوصاً وأنها لا تزال مستجدة، نوعاً ما. هذا الأمر، يعد أسهل في بلدان العالم الثالث، التي قد تتجه إلى إدخال هذا النوع من المركبات بعد إعداد بنية تحتية متواضعة له، كون أغلب قطع الغيار التي يتم تبديلها هي مستعملة أو مقلّدة، ما يعني أن كلفة شرائها ستكون أقل بكثير مما هو عليه في الدول الأخرى، كالولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، التي تعتمد على قطع الغيار الأصلية.
5. طبيعة الطرقات: تعد الطرق الوعرة أحد أهم الصعوبات التي قد يواجهها هذا النوع من السيارات حيث لكونها دقيقة الإستعمال، إلى حد كبير، من تلك العادية إذ تحتاج إلى الكثير من الدراية. على سبيل المثال، قد لا يستطيع السائق قيادتها بطريقة “أوف روود”، إي على الطرقات غير المسفلتة. غير أن بعض الشركات التي تنتج سيارات ذات دفع رباعي كبيرة، مثل “بورش” و”مرسيدس”، لا يتوقع أن يغيب عنها هذا الأمر إذ انها حتماً ستعمل عليه بشكل جدي.
6. السير لمسافات طويلة: لا تستطيع أغلب السيارات الكهربائية المتواجدة حالياً في الأسواق قطع مسافات طويلة دون شحن السيارة، بحيث يصل المعدل الوسطي إلى 160 كلم. أيضاً، إن هذا الأمر سيؤثر حتماً على البطارية نظراً لكونها ستتعرض للشحن بصورة مستمرة وبشكل كبير.
7. وزن السيارة: تشير بعض التقارير إلى أن السيارات الكهربائية تعد أثقل وزناً من مثيلاتها العادية، وهو ما يؤدي إلى فقدان الشحن بشكل اسرع خصوصاً إذا ما كانت تستخدم لنقل عدد من الأشخاص (عائلة كبيرة أو موظفين)
ختاماً، يبدو أن القرن الجديد متجه نحو بيئة أكثر نظافة، خصوصاً بعد أن لوّث الخام الكوكب الأزرق بشكل واسع، ما أدى إلى إرتفاع حرارة الأرض وزيادة نسب التلوث وبالتالي زيادة الأمراض.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: الحرة.
موضوع ذا صلة: آفاق واسعة للتعاون بين الصين والشرق الأوسط في الطاقة المتجددة