مركز سيتا
تصاعدت حدة التوتر بين روسيا، من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وحلف الناتو من جهة أخرى – على نحو واسع جداً – بسبب الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا، حيث بدا موقف موسكو التصعيدي حاداً غلّفته تصريحات بعدم النية في غزو كييف على الرغم من اتهامات واشنطن وحلف شمال الأطلسي – الناتو لها بالترتيب والإعداد لهذه الخطوة.
تصعيد وتهدئة
اتجهت الولايات المتحدة والناتو إلى توسيع نطاق نفوذهما في منطقة البحر الأسود. في نفس السياق، حاولت أوكرانيا استغلال هذه المساعي لاستقطاب الدعم الغربي في الإقليم لمواجهة روسيا، في حين أن كلا الموقفين السابقين يتصادمان بسياسة روسيا التى لا تسمح بالمساس بمصالحها الإقليمية وخاصة من قبل منافسيها.
من هنا، يمكن القول بأن هناك أبعاداً كثيرة نتجت عن الأزمة الأوكرانية. فبعد التصعيد الكبير مؤخراً، كشف مسؤولون أمريكيون عن إمكانية اجراء محادثات قريبة، يناير/ كانون الثاني المقبل (2022)، بشأن تعزيز روسيا لقواتها قرب أوكرانيا بعد أن أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن أمله بعقد اجتماع في جنيف لهذا الخصوص.
يأتي ذلك بعد أن سبق ودعا الرئيس بوتين الغرب إلى تقديم ضمانات أمنية فورية من أجل نزع فتيل الأزمة، وأضاف قائلاً إن “الكرة في ملعبهم، وعليهم أن يقدموا لنا بعض الرد، وضمانات فورية”.
في المقابل، يقول مسؤولون أمنيون أوكرانيون إن أكثر من 100 ألف جندي روسي أُرسلوا إلى مناطق قريبة من حدود بلادهم، ما دفع بالولايات المتحدة إلى إطلاق تهديدها ضد الرئيس الروسي عبر فرض عقوبات اقتصادية جديدة على بلاده “لم يرَ مثيلاً لها” إذا تعرضت أوكرانيا للهجوم.
أيضاً، رفض كبار المسؤولين في البيت الأبيض الاستجابة لمطالب الرئيس بوتين الأساسية بأن يتخلى الناتو عن جميع الأنشطة العسكرية في أوروبا الشرقية وألا يقبل أوكرانيا – وجورجيا أيضاً – كعضو فيه، على الرغم من أن كلا الطرفين لم يشرع في ذلك.
تحركات مريبة
قال مصدر حكومي ألماني إن مسؤولين حكوميين بارزين من ألمانيا وروسيا اتفقا على عقد اجتماع مباشر الشهر المقبل، يناير/ كانون الثاني 2022، في محاولة لتخفيف حدة التوتر حول أوكرانيا، حيث أن ينس بلوتنر، مستشار السياسة الخارجية للمستشار الألماني أولاف شولتس، وديمتري كوجاك، المفاوض الروسي الخاص بملف أوكرانيا، قد اتفقا على الاجتماع بعد محادثة هاتفية مطولة بينهما.
بأتي ذلك بعد أن شهدت الأشهر القليلة الماضية عدة اتصالات هاتفية بين زعماء غربيين والرئيس بوتين لبحث الحشد العسكري الروسي قرب حدود كييف والمخاوف الناتجة عن وقوع غزو محتمل، وهو الأمر الذي أثار توتراً كبيراً بين موسكو والغرب.
تدويل الأزمة
قال المتحدّث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن روسيا مهتمة بالحصول على رد من الولايات المتحدة و”الناتو” على مقترحاتها بشأن الضمانات الأمنية في أسرع وقت ممكن لكنه لم يحدد موعداً بذاته، موضحاً أنه “لا توجد مواعيد نهائية ومحددة (للرد الأميركي والناتو). نحن مهتمون بذلك، ونتطلّع إلى ذلك في أسرع وقت ممكن”.
يذكر أنه في 17 من كانون الأول/ ديسمبر الحالي (2021)، وزعّت وزارة الخارجية الروسية مسوّدتي وثيقتين روسيّتين بشأن ضمانات أمنية قانونية طلبتها من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، حيث قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، إنه لن يكشف عن إجراءات روسيا “لكي لا يستفيد منها الطرف الآخر في حال رفضه للضمانات الأمنية” المقدمة ضمن المقترحات الروسية، مؤكداً على أن بلاده تفضّل السيناريو المتفائل، آملاً بأن “يقبل الشركاء بالبحث عن حلول”، وقال إن “الجانب الأميركي وضع شروطاً تتعلق بأوكرانيا لخفض التصعيد، لكنها غير مقبولة”.
وفي وقت سابق، أفيد بأن مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، أبلغ مساعد الرئيس الأميركي للأمن القومي، جيك سوليفان، أن موسكو مستعدة لبدء المفاوضات على الفور بشأن مسوّدة هذه الوثائق. وسيمثّل روسيا في المشاورات نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف. ليس هذا فقط، فقد دعا الرئيس الروسي – في وقت سابق – الناتو إلى بدء مفاوضات جوهرية بهدف تزويد روسيا بضمانات أمنية موثوقة وطويلة الأجل.
كما أوضحت بعض المصادر المطلعة أن “الضمانات القانونية الموثّقة هي بالضبط التي تحتاج إليها موسكو، لأن الزملاء الغربيين لم يفوا بالتزاماتهم الشفوية”. وفي هذا السياق، أعلنت موسكو عودة أكثر من 10 آلاف جندي روسي إلى قواعدهم بعد إجراء تدريبات استمرت شهراً في جنوب البلاد، وتحديداً بالقرب من الحدود الأوكرانية.
استعداد للحوار
أعلن مسؤول كبير في البيت الأبيض أن الولايات المتحدة مستعدة “لبدء حوار دبلوماسي” مع روسيا، وذلك في أول رد فعل على المؤتمر الصحفي السنوي للرئيس بوتين الذي أكد فيه رغبته في تجنب الصراع في أوكرانيا.
وأضاف المسؤول أن البيت الأبيض مستعد للتفاوض بشكل ثنائي أو متعدد من خلال “عدة قنوات”، اعتباراً من بداية يناير/ كانون الثاني المقبل (2022) بشروط، موضحاً أنه لم يتم تحديد موعد الاجتماع الأول ومكانه، وقبل ذلك كان الرئيس الروسي بوتين، قد أكد مجدداً رغبته في تجنب الصراع بأوكرانيا، داعياً الغرب إلى رد فوري على مطالبه بالحصول على ضمانات أمنية.
فخلال مؤتمره الصحفي، قال الرئيس بوتين إن “هذا ليس خيارنا المفضل. لا نرغب في حدوث ذلك”، في إشارة لاحتمال اندلاع حرب في أوكرانيا، مضيفاً أن روسيا تلقت رداً إيجابياً بصفة عامة بشأن المقترحات الأمنية التي قدمتها للولايات المتحدة هذا الشهر (ديسمبر/ كانون الأول 2021)، وأن المفاوضات ستبدأ في بداية السنة المقبلة (2022) بجنيف، وتابع الرئيس الروسي “آمل أن يمضي الوضع قُدماً على هذا النحو”.
جاءت هذه المواقف بعد أن ارتفعت حدة نبرة صوت الرئيس بوتين عندما أشار إلى قيام حلف شمال الأطلسي – بما وصفه – بخداع روسيا بموجات متتالية من التوسع منذ الحرب الباردة، وقال إن موسكو تحتاج إلى رد فوري بهذا الشأن.
ورقة الغاز
قالت أوكرانيا إن روسيا قطعت كل إمدادات الغاز عنها، في تصعيد كبير للخلافات بين البلدين، وقال وزير الطاقة الأوكراني، يوري برودان، إن “إمدادات الغاز إلى أوكرانيا قد انخفضت إلى الصفر.”
وكانت شركة الغاز الروسية العملاقة “غازبروم” قد قالت إن على أوكرانيا دفع ثمن إمدادات الغاز التي تحصل عليها مقدماً، وذلك عقب تخلّف كييف عن تسديد ديونها الهائلة للشركة، ولكنها أكدت أنها ستستمر في تزويد أوروبا بالغاز، وكانت “غازبروم” قد أكدت على التزامها بالموعد النهائي المقرر حتى تسدد أوكرانيا ديونها بعد فشل المحادثات التي جرت بوساطة أوروبية لحل الأزمة بين البلدين، وكانت الشركة قد قالت إنها ستقطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا في حال فشل كييف في سداد 1.95 مليار دولار.
أيضاً، أصدرت “غازبروم” بياناً قالت فيه “بحسب العقد المبرم بين الطرفين، قررت غازبروم أن تحول شركة نفط وغاز الأوكرانية إلى نظام الدفع مقدماً لإمدادات الغاز”. وبعد صدور البيان، أقامت الشركتان الروسية والأوكرانية دعاوى متقابلة ضد بعضهما لدى معهد التحكيم في العاصمة السويدية – ستوكهولم.
هذا الموقف الأوكراني وصفه رئيس الحكومة الروسية، دميتري ميدفيديف، الموقف بأنه “يوحي بالابتزاز.” من الجهة الأوروبية، اتسم الموقف بنوع من بالعدائية حيث صرحت ألمانيا بأن عقد الشراكة مع روسيا يعتبر “خطاً”، في إشارة للضغط على موسكو التي ألمحت عبر تصريحات الرئيس بوتين مؤخراً بأن أوروبا تقوم باستيراد الغاز الغاز الروسي وتقوم ببيعه إلى أوكرانيا، في حين أن ارتفاع أسعاره بدأت بالارتفاع وهو ما سبب مشكلة كبيرة لها، وعلى أوروبا حلها.
من هنا، يبدو بأن الأزمة الأوكرانية مغلفة بطابعين عسكري وسياسي إلا أن حقيقتها اقتصادية بحتة فمن المعروف أن الرئيس الأمريكي جو بايدن – ومنذ أن كان نائباً للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما – يتمتع بنفوذ كبير في أوكرانيا وصل إلى حد إنشاء أعمال خاصة لها صلة بمسألة الطاقة، إذ يرى العديد من المراقبين بأن العقبة التي تقف في طريق هذه المشاريع هي روسيا وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية وراء حشد الغرب لقواه ضدها.
لكن ومع التصعيد الروسي الأخير والكشف عن أحدث الأسلحة المتطورة لديها، أعادت موسكو نظر العديد من تلك الدول في موقفها حيت اختار العديد منها الوقوف على الحياد، وفي مقدمتها بريطانيا التي صرحت أنه في حال نشوب حرب فهي لن تتدخل. قد يبدو بأن هذا الموقف وما يشابهه هو ما دفع بالرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلنيسكي، لإعلانه استعداد بلاده الحوار مع روسيا في أقرب فرصة لحل هذه الأزمة.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: واشنطن بوست – بي.بي.سي.
موضوع ذا صلة: هل ما زال الاتحاد الأوروبي قادراً على تحمّل المواجهة مع روسيا؟