الاهتمام الصيني بدول وساحل شرق المتوسط
إهتمام كبير بسوريا
إن موقعها الجيو – سياسي والوجود المتزايد للصين في الشرق الأوسط، وضع سوريا كهدف استراتيجي لمجال نفوذ بكين، كما أن زيادة التوترات مع الولايات المتحدة، بسبب الصراع الاقتصادي واتهامها بالتسبب بوباء فيروس “كورونا”، عززت هذا الإهتمام.
من هنا، يعد وصول الصين إلى ميناءي طرطوس واللاذقية السوريين، المطلين على البحر الأبيض المتوسط، فرصة جذابة لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات والتي تهدف إلى ربط أوراسيا بجمهورية الصين الشعبية. وبذلك، سيكتمل موطئ قدم بكين في بيرايوس اليونانية والموانئ الإسرائيلية، مثل حيفا وأسدود، وهذا الربط يبرز مكانة سوريا في “طريق الحرير” القديم – المتجدد، وفقاً للرؤية الصينية.
لقد كانت سوريا حريصة دائماً على الترويج لنفسها كجزء من مبادرة “حزام واحد.. طريق واحد”،إذ يسلط المسؤولون السوريون الضوء على الروابط الجغرافية لسوريا بكل من أوروبا وإفريقيا، وهي النقطة التي ترددها الصين كذلك.
لذا، أعيد ادراج سوريا ضمن عدد كبير من خطوط السكك الحديدية التي تبنيها الصين في المنطقة، في وقت طلبه فيه الرئيس السوري، بشار الأسد، مساعدة بكين في عملية إعادة الإعمار وترميم الأضرار الناجمة عن الحرب المستمرة، منذ العام 2011، إذ رحب بإستثمارات صينية أكبر قائلاً “الآن، مع تحرير معظم المناطق، بدأنا مناقشات مع عدد من الشركات الصينية التي لديها خبرة في إعادة الإعمار”، وتابع “من المعروف جيداً أن إعادة بناء الدول التي دمرتها الحرب، جزئياً أو كلياً، مربحة للغاية ولها عوائد عالية على الاستثمار”.
أيضاً، سعى العديد من المسؤولين السوريين إلى تأكيد المزايا التنافسية للصين في بلادهم، والمصالح التي يمكن أن تحققها بأخذ زمام المبادرة في مشاريع إعادة الإعمار، إذ قالت د. بثينة شعبان، المستشارة الإعلامية للرئيس السوري، إن “طريق الحرير لا يكون طريق حرير إذا لم يمر بسوريا والعراق وإيران”.
في المقابل، للصين مصلحة في الاستثمار بعملية إعادة الاعمار تلك، التي قدرت تكاليفها مت بين 300 إلى 400 مليار دولار، حيث ذكر مجلس الأعمال السوري – الصيني أن “الشركات السورية والأجنبية ستشارك (في إعادة إعمار سوريا)، وستحصل الشركات الصينية على أكبر حصة”.
في نفس السياق، أوضح السفير الصيني في دمشق، تشي تشيان جين، إهتمام بلاده بسوريا عندما أكد، العام 2018، نية بلاده لعب دور أكبر في النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وخلال زيارة أداها إلى مستشفى في العاصمة السورية، قال السفير جين “أعتقد أن الوقت قد حان لتركيز كل الجهود على التنمية وإعادة إعمار سوريا.”
وضمن رسالة مكتوبة في أغسطس/آب 2019، ركز السفير جين، من بين أمور أخرى، على أهمية تطوير السكك الحديدية والموانئ السورية، حيث نُشرت الرسالة بعد شهر من تعهّد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، على إقراض كل من سوريا واليمن ولبنان والأردن مبلغاً يصل إلى حدود الـ 20 مليار دولار لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية.
إن تعاون البلدين ليس بجديد، فلقد وقفت الصين بجانب سوريا في مجلس الأمن، ولم تتردد في إستخدام حق النقض – الفيتو مرات عدة، مع روسيا، في حين يساند الرئيس الأسد بكين في القضاء على الإرهاب في إقليم شينجيانغ خصوصاً بعد مشاركة الكثير من الإيغور في الحرب السورية، هذا من جانب. من جانب آخر، تتمتع الدولتان بعلاقات تجارية قوية، حيث وقعت كل من بكين ودمشق مذكرات تفاهم مختلفة في عدة مجالات، كما أن لاستثمارات الصين في ايران (وصول “طريق الحرير” إلى منطقة خورمشهر) وأيضا الاستثمارات في العراق بمثابة مخطط ومؤشر لتطلعاتها إلى سوريا.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2018، خطت سكة حديدية بين إيران والعراق وسوريا خطوات كبيرة نحو التنفيذ كجزء من إعادة إعمار الشرق الأوسط التي تمولها الصين وإيران وربطها في نهاية المطاف بميناء اللاذقية السوري، كمحور على البحر الأبيض المتوسط، كما قال أيضاً وزير الطرق والتنمية العمرانية الإيراني حينها، عباس أحمد أخوندي، إن “نظام السكك الحديدية في إيران مرتبط بخطوط سكك حديدية في آسيا الوسطى والصين وروسيا، وإذا تم بناء خط سكة حديد الشلامجة – البصرة بطول 32 كلم، يمكن للعراق نقل البضائع والركاب إلى روسيا والصين والعكس.” هذا الخط، سيشكل المرحلة الأولى إذ أنه ومن المقرر أن تكون المرحلة الثانية عبارة عن سكة حديد بطول 1545 كلم وطريق سريع إلى الميناء السوري.
من هنا، تعد المشاركة الإقليمية بين كل من إيران والعراق وسوريا على “طريق الحرير” الجديد الأوسع نطاقاً مهمة بشكل لا يصدق، خاصة وأن العراق سبق وان وقع مذكرة تفاهم، سبتمبر/أيلول 2019، للانضمام إلى مبادرة “الحزام والطريق” في إطار برنامج جديد للبنية التحتية مقابل النفط. تتضمن هذه الخطة إعادة بناء الصين للمنطقة التي مزقتها الحرب في إطار برنامج متعدد المراحل للبنية التحتية الصلبة (السكك الحديدية والطرق ومشاريع الطاقة والمياه) والبنية التحتية غير المادية (المستشفيات والمدارس والمراكز الثقافية).
وبالمثل، أعلنت الصين عزمها على جلب برامج إعادة الإعمار الحقيقية إلى سوريا، كما أن استراتيجية البحار الأربعة التي أعلن عنها الرئيس الأسد لأول مرة العام 2004 (وتم تخريبها ضمن ما سمي بـ “الربيع العربي”) عادت أخيراً إلى العمل، حيث وقعت 7 دول، بحلول العام 2010، واستلزم ربط جميع أنظمة المياه الرئيسية الأربعة (البحر الأبيض المتوسط / بحر قزوين / البحر الأسود / الخليج العربي – الفارسي) معاً عبر ممرات السكك الحديدية والبنية التحتية كدافع للتعاون المربح للجانبين والإقليم.
ففي العام 2009، قال الرئيس الأسد إنه “بمجرد أن نربط هذه البحار الأربعة، أصبحنا نقطة التقاطع التي لا مفر منها للعالم بأسره في الاستثمار والنقل وغير ذلك”.
ووسط اهتمامها المتزايد بسوريا، عززت الصين تركيزها على منع تفشي فيروس “كورونا” في البلاد، في حين استخدمت “دبلوماسية كوفيد – 19” لتعزيز علاقاتها في أماكن أخرى في المنطقة، ولا سيما الخليج.
التوترات الصينية – الأميركية المتزايدة ستدفع بكين أكثر نحو الاستثمار في سوريا
حالياً، للصين ثلاثة موانئ فعلية على البحر المتوسط، في حيفا وعسقلان في فلسطين المحتلة (إسرائيل) وبيرايوس في أثينا. هنا، يجب الإشارة إلى أمر مهم جداً وهو الضغوط الأمريكية التي تتعرض إسرائيل لمنع بكين من إستعمال مرفأ حيفا. فلقد سبق ورفضت إسرائيل عقداً بقيمة 1.5 مليار دولار عرضته الصين لبناء محطة للطاقة وذلك بعد تحذير الولايات المتحدة لها، وتحذير حلفاءها الآخرين في الشرق الأوسط من قبول الاستثمارات الصينية، فإن هذه المخاطر الواضحة على العلاقات الاستراتيجية للصين مع إسرائيل، وهو ما جعل بكين تفتش عن الدول غير المنحازة للولايات المتحدة للإستثمار فيها، وأبرزها سوريا.
لذلك، تبحث الصين عن الاستثمار في موانئ في مدينتي اللاذقية وطرطوس السوريين، وهي ستتطلع أكثر نحو دمشق إذا فقدت نفوذها في ميناء حيفا. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2018، قدمت الصين 800 مولد للطاقة الكهربائية لميناء اللاذقية، وهو ما يدل على استعدادها للاستثمار هناك. فعلى الرغم من إعلان روسيا وضعها خطة لاستثمار 500 مليون دولار في ميناء طرطوس السوري، الا أنه يمكن القول بأن هذه الخطة قد لا تعيق مشاركة بكين نظراً لتحالفهما الوثيق.
رغبة للاستثمار في لبنان
للصين المصلحة الاكبر في استثمار مرافئ لبنان وخاصة بيروت، ليس طمعاً بعوائده المادية المباشرة بل استكمالاً لمشروع “طريق الحرير” وتأمين إطلالة لها على ساحل البحر المتوسط، فـ “عيون” الصين لم ترفع منذ أعوام عن الموانئ البحرية اللبنانية.
فمنذ العام 2017، بدأت الصين إرسال وفود إلى لبنان لاستطلاع آفاق التعاون في مرفأ طرابلس، بالتحديد، وتطوير البنى التحتية من أجل عملية إعادة إعمار سوريا. وبالرغم من تعطل المشاريع الكبيرة كتطوير المرفأ وبناء سكة الحديد الشمالية، فقد بلغت قيمة العقود الصينية الموقعة نحو 58 مليون دولار. من بعدها كان لافتاً ابداء الصين اهتمامها ببناء معمل سلعاتا للترابة الإسمنتية ومينائه البحري.
بالنسبة للصين، إن مشاركة لبنان في هذه العملية يجب أن تكون واضحة للجميع، فهو يتشارك الحدود الرئيسية مع سوريا ويستضيف 1.5 مليون لاجئ سوري وفيه ميناء حيوي على البحر المتوسط ما يجعله حجر الزاوية في التنمية بين الشرق والغرب؛ من خلال ربط هذه المنطقة التنموية الناشئة بإفريقيا حيث ظهرت مبادرة “الحزام والطريق” كقوة رائدة للتغيير، يجد لبنان نفسه من بين أكثر الركائز الاستراتيجية للمبادرة.
في هذا السياق، باعت شركة “تشينغداو هايشي”، للآليات الثقيلة، رافعات حاويات بطول 28 طابقاً لميناء طرابلس قادرة على رفع ونقل أكثر من 700 حاوية يومياً
أيضاً، أشارت شركة “شاينا هاربور إنجنيرينج” إلى وجود إمكانية لتوسيع ميناء طرابلس ليصبح قادراً على استيعاب السفن الكبيرة. وعلى عكس الموانئ السورية، سيمنح الميناء الصين حرية أكبر للعمل لأنها لن تضطر إلى تقاسم السيطرة مع روسيا، هذا وسيكون الميناء، إلى جانب الموانئ السورية، نقطة عبور بديلة للمرور في قناة السويس.
ومن أجل حيوية أكثر، يتم العمل على وضع تصاميم سكك حديدية تربط بين ميناء طرابلس بمصر عبر الأردن، ما يخلق مجالاً إيجابياً جديداً للازدهار يمكن له أن يغير بشكل كبير قواعد الشرق الأوسط وإفريقيا إلى الأبد.
ففي 17 يونيو/حزيران 2020، أعلنت السفارة الصينية عن عرض لتوسيع مشاريع مبادرة “الحزام والطريق” لتشمل لبنان، بحيث تضم سكك حديدية حديثة تربط المدن الساحلية في الشمال بطرابلس إلى الناقورة في الجنوب، عبر العاصمة بيروت.
أيضاً، كما عرضت شركة National Machinery IMP / EXP Corporation الصينية بناء ثلاث محطات طاقة جديدة تبلغ طاقة كل منها 700 ميغا/وات، وشبكة طاقة وطنية جديدة وتحديث الموانئ. وجاء في البيان الصحفي للسفارة “إن الجانب الصيني مستعد للقيام بتعاون عملي فاعل مع الجانب اللبناني على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة في إطار العمل المشترك لبناء الحزام والطريق… تواصل الشركات الصينية باهتمام متابعة فرص التعاون في البنية التحتية وغيرها من المجالات في لبنان.”
فيما يخص مرفأ بيروت، فهو يشكل واحداً من أصل 87 ميناء بأحجام ومزايا مختلفة منتشرة على ضفاف المتوسط. وقد زادت أهميته بشكل كبير “في ظل جذب المنطقة أنظار الصناعة البحرية من جديد، لا سيما في ضوء التطورات والاكتشافات النفطية في المتوسط، بحسب بيان “مؤتمر شرق المتوسط البحري” الذي عقد في لبنان. فالمرفأ يقع على طرق التجارة الرئيسية في العالم التي يمر بها نحو ثلث التجارة العالمية، وهي تعتبر نقطة التقاء بين العديد من المضائق والممرات والموانئ المحورية ذات البنية التحتية الحديثة.
أما بعد حدوث الإنفجار فيه، يبدو أنه قد أدخل لبنان مرغماً في حلقة من الصراع الجيو – سياس، لكنه في نفس الوقت قد يشكل “فرصة رئيسية” للصينيين كي يدخلوا من خلال عقد BOT لاعادة إعماره، خصوصاً وأن هذا النوع من العقود لن يحمل الخزينة اللبنانية أية أعباء مادية وسيساهم بانجاز الاعمال بسرعة قياسية نظراً لخبرة الشركات الصينية وطريقة عملها الاحترافية في المشاريع المماثلة خصوصاً وأن الاحداث، برأي بعض المراقبين، أعادت فرض مرفأ بيروت بصفته ميناء “لا بديل عنه” والممر التجاري الاوسع على هذا الساحل وصولاً إلى سوريا وتركيا.
في ختام هذه الفقرة، يمكن الإشارة إلى أن هذا الطموح الصيني للإستثمار في مرافئ لبنان يعني ربط لبنان بـ “طريق الحرير” وعملية “الإتجاه شرقاً”، لكنه يصطدم مع “خشية (بعض) المسؤولين اللبنانيين من تعزيز وضع إيران في لبنان وخوض صراع جديد مع أميركا. وقد تحل هذه العقبة بعد عودة اميركا للاتفاق النووي وبلورة تفاهم بين اميركا وايران.”
فلسطين المحتلة ضمن الأجندة
منحت دولة الاحتلال الاسرائيلي، في الأعوام الأخيرة، امتيازين كبيرين لشركات صينية، منها شركة شنغهاي للموانئ، حق العمل في بناء أكبر موانئ شاطئ البحر الأبيض المتوسط وأبرزها حيفا وأسدود، وهو ما يعزز الوجود الصيني المتصاعد في شرقي البحر الأبيض التوسط ويُسهم بتقوية التجارة بين الصين وأوروبا.
بالنسبة إلى العلاقات الثنائية، تشير العديد من المعلومات إلى أن حجم الاستثمارات الصينية في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية بلغ 40% من الحجم الكلي من رأس المال الاستثماري الخارجي، ولعل من أبرز محطات هذه العلاقة زيارة بنيامين نتنياهو للصين، مارس/آذار 2017، والتي قام خلالها بتوقيع اتفاقيات بلغت قيمتها 25 مليار دولار، ناهيك عن أنها باتت عضواً بالبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية – AIIB، وهو الذي يعد واحداً من الأعمدة الأساسية لمبادرة “الحزام والطريق”، على الرغم من عدم رضى الولايات المتحدة.
بالنسبة إلى ميناء حيفا، فإنه يتمتع بأهمية إستراتيجية كبيرة جداً لكونه يقع بالقرب من قناة السويس ويتسع لتخزين كميات كبيرة من البضائع، إلى جانب أنه يعتبر أحد بوابات الشرق إلى أوروبا، حيث بدا يحتل أهمية اقتصادية كبيرة، أوروبياً وعربياً، وفرصاً للاستثمار فيه؛ بعد 4 أيام على إعلان التطبيع مع الامارات، وقعت شركة “موانئ دبي” عقداً للاستثمار في ميناء حيفا وتطويره.
ولكونه مرسى للأسطول الأمريكي السادس وللغواصات الإسرائيلية، اعتبرت واشنطن أن التنازل عن السيطرة عليه لصالح كيان أجنبي، أي الصين، ينطوي على مخاطر كبيرة كونه قد يُحدث ثغرة يمكن من خلالها مراقبته تكنولوجياً، وجع معلومات عن نشاط سلاح البحرية الإسرائيلية وأنشطته المشتركة مع سفن أمريكية.
في هذا الشان، قالت صحيفة “هآرتس”، 1 فبراير/شباط 2021، إن تل أبيب رفضت اقتراحاً أمريكياً يقضي بإجراء فحص أمني شامل في ميناء حيفا، على خلفية تخوفات واشنطن من ضلوع شركات صينية في اختراق البنية الأمنية للميناء خلال أعمال توسيع وُكِلت إليها منذ عام الاقتراح الأميركي شمل، بحسب الصحيفة، تنفيذ فحص أمني لمنشآت المرفأ بقيادة فريق من حرس السواحل الأميركي.
في هذا الخصوص، هددت بتوقف سفن الأسطول الأميركي عن الرسو في ميناء حيفا، بسبب الأعمال الصينية فيه. وبحسب الصحيفة، فإن خلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة في هذه الناحية لا تزال تخيم على العلاقات بين المؤسستين الأمنيتين، بعد أن طرح مسؤولون أميركيون مراراً تحفظاتهم على “اتساع التأثير الصيني في إسرائيل”، محذرين من أن هذا التأثير يشكل خطراً على مصالح استراتجية أمريكية في الشرق الأوسط.
في نفس السياق، نقلت الصحيفة عن نائب رئيس المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، بلايز ميشتال، قوله إن الولايات المتحدة ما زالت قلقة من الوجود الصيني في الميناء، والخلاف مع إسرائيل بهذا الخصوص لم يُحل بعد.
كما إعتبر التقرير أن “الصين تستثمر في شركات إسرائيلية وتقتني تكنولوجيا إسرائيلية؛ من أجل رفع مكانتها العسكرية والصناعية وزيادة تأثيرها. واستثمارات الصين في بناء ميناء جديد بحيفا، من شأنه أن يردع سفن الأسطول الأميركي عن زيارة آمنة للميناء”، مضيفاً “إذا لم تعمل إسرائيل على تقييد توغل واستغلال الصين لاقتصادها، فإنها قد تجد نفسها تخضع لتأثير صيني ومنعزلة عن شركائها الغربيين”، حيث أوصى بأن تتبنى إسرائيل استراتيجية لتقييم المخاطر الصينية، تشمل تدقيقاً في استخدام صيني غير مناسب للتكنولوجيا الإسرائيلية وجهداً استخباراتياً لتقفي توغل صيني في الأكاديمية الإسرائيلية، وزيادة المراقبة على الصادرات، ومساعدة أمريكية من أجل الحماية من التوغل الصيني، من خلال رفع مستوى التعاون الاستخباراتي.
في هذا الصدد أيضاً، سبق وأن أعرب وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، مايو/أيار 2020، عن انزعاج واشنطن من “تغلغل” الصين في الاقتصاد الإسرائيلي، واصفاً بكين بأنها “خطر على المواطنين الإسرائيليين”. وهذه كانت المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول أميركي رفيع المستوى علناً ضد الاستثمارات الصينية في إسرائيل التي قدرتها صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، يوليو/تموز 2019، بنحو 15 مليار دولار أميركي.
في ختام هذه الفقرة، تجدر الإشارة إلى كتاب صدر حديثاً عن مؤسسة “راند” الأمريكية تحت عنوان: “الاستثمار الصيني في التكنولوجيا والبنية التحتية الإسرائيلية”، ذكر أن إسرائيل تسعى لربط اقتصادها بالصين من أجل فتح أسواقاً جديدة للتصدير والإستثمار بعيداً عن الولايات المتحدة وأوروبا؛ بدورها، تهدف الصين إلى الإفادة من التكنولوجيات الناشئة، كما استغلال موقعها الجغرافي لأغراض مبادرة “الحزام والطريق” خصوصاً ميناءي حيفا وأسدود… لذلك، تقوم الصين بتنفيذ 4 مشاريع رئيسية كبرى في البنية التحتية في إسرائيل بقيمة 4 مليار دولار، منها توسيع ميناء أسدود وبناء محطة جديدة بميناء حيفا؛ مع حقوق تشغيل لمدة 25 عاماً، وبناء وتشغيل خط سكة حديد في تل أبيب وحفر أنفاق الكرمل. أيضاً، هنالك مقترح لبناء خط سكة حديد يربط ما بين إيلات والبحر الأبيض المتوسط بكلفة 2 مليار دولار.
بهذا، تحاول إسرائيل تعزيز علاقاتها بالصين، رغم المعارضة الأمريكية الشديدة، وتسعى إلى تحويلها تدريجياً إلى شراكة إستراتيجية، بينما نرى تردد بعضاً من الدول العربية، إرضاء لرغبات وضغوط واشنطن، في الإنخراط بالمشروع الصيني علماً أن مصالحها الحيوية تقتضي ذلك.
مصدر الصور: سبوتنيك – النهار – جامعة كولومبيا.
موضوع ذا صلة: التواجد الصيني في موانئ المتوسط.. بين الإستثمار والصراع (1/2)
رياض عيد
كاتب وباحث في العلاقات الدولية في “مركز سيتا” – لبنان