في ديسمبر/كانون الأول 2019، جنت السعودية نحو 25 مليار دولار بعد تنفيذها واحدة من أكبر عمليات الخصخصة، عبر طرح حصة من شركة “أرامكو” للبيع، والتي تعد واحدة من أكبر الشركات المنتجة للنفط في العالم.

هذه الخطوة أتت في ظل توجه اقتصادي جديد، أبرم العام 2016، ويتبنى برنامجاً إصلاحياً اقتصادياً في ضوء “رؤية 2030″، ويهدف لتخفيض الاعتماد على النفط وزيادة الايرادات غير النفطية لدى المملكة.

وفي منتصف شهر مارس/آذار 2021، وافق مجلس الوزراء السعودي على اعتماد نظام الخصخصة، الذي يستهدف إتاحة الفرصة للقطاع الخاص في المساهمة بنحو 16 قطاعاً حكومياً، وبحسب تصريحات وزير المالية، محمد الجدعان، فإن هذه الخطوة سببها الرغبة في زيادة حصة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 40% إلى 65%.

والجدير بالذكر، أن أزمة انهيار أسعار النفط في السوق العالمية، أحدثت أزمة مالية كبيرة في الدول المصدرة للنفط، وعلى رأسها السعودية، حيث شهدت الميزانية السعودية عجزاً غير مسبوق بعد أعوام من الفائض بمبالغ كبيرة، فبلغ عجز الميزانية 14.8% من الناتج المحلي الإجمالي العام 2015، و12.8% العام 2016، كما اعتمدت الحكومة السعودية سياسة توسعية في الاعتماد على الدين العام.

ولم تتوقف تطورات السياسة المالية السعودية الجديدة عند حد زيادة عجز الميزانية والإعتماد على المديونية العامة، بل شهدت فرض أنواع جديدة من الضرائب، مثل الضرائب الانتقائية والضريبة على القيمة المضافة، وكذلك زيادة العديد من الرسوم على الوافدين.

القطاعات المرشحة للخصخصة

أشار مسؤولون سعوديون إلى بعض المؤسسات الحكومية التي ستطالها الخصخصة، مثل المطارات، والنوادي الرياضية، ومطاحن الدقيق، والتعليم، والصحة، وتحلية المياه. الملاحظ أن بعض هذه الأنشطة يتعامل معها القطاع الخاص في السعودية، مثل التعليم والصحة.

لكن المبهم في تخلي الحكومة السعودية عن الخدمات في هذه القطاعات المهمة هو التالي: هل ستتنازل الحكومة عن خدمات التعليم والصحة والمطارات بشكل كامل، أم أنه سيكون هناك خروج مرحلي، مع الإبقاء على حصة معتبرة، وكيانات لا تمسها الخصخصة لاعتبارات اجتماعية، واعتبارات تخص الأمن القومي؟

استراتيجية التنمية: ضرورة ملحة

من أكبر السلبيات التي مرت بها الممارسات الاقتصادية السعودية على مدار عقود، أنها لم تستهدف تحقيق تنمية تغير من تصنيفها في المؤشرات الدولية، فلا يزال الاقتصاد السعودي يصنف على أنه اقتصاد نامٍ، والثروات الطائلة من عائدات النفط لم تغير من واقع الاقتصاد ليصبح في مصاف الدول الصاعدة أو المتقدمة.

إن الهدف المعلن من عملية الخصخصة في السعودية، والتي ستطال نحو 16 قطاعاً، هو تقليص الاعتماد على النفط وزيادة الإيرادات غير النفطية، وقد يتحقق ذلك عبر أنشطة تقليدية تكون قيمتها المضافة ضعيفة. والحقيقة أن السعودية تحتاج لأن تمتلك استراتيجية تنموية، تحقق هذه النقلة المرجوة، لتكون ضمن الدول الصاعدة أو المتقدمة، وهو ما لن يتم إلا عبر أنشطة إنتاجية تحقق قيمة مضافة عالية، وتراعي خصوصية قلة الموارد البشرية في المملكة.

لا بد إذاً من وجود استراتيجية للتنمية أثناء تنفيذ برنامج الخصخصة السعودية، تركز على أن تكون مساهمة القطاع الخاص إضافة تغطي جوانب العجز، وألا تكون استثمارات الأخير مجرد استثمارات قطيع. إن دور الدولة في إطار الممارسة الصحيحة للخصخصة، ليس مجرد رفع يدها عن النشاط الإنتاجي أو الخدماتي للتخفيف من أعباء مالية معينة أو لتظهر الميزانية بأقل عجز ممكن، المطلوب هو أن تمارس الدولة ما يسمى بالتخطيط التأشيري، بمعنى أن تستهدف السعودية من خلال الخصخصة تقديم مزايا وحوافز معينة للقطاع الخاص، بما يشجعه على الإقدام على الأنشطة التي تحتاجها خطة التنمية هناك، والتي تساعد على تقليل الواردات مثلاً وزيادة الصادرات، أو التي تستهدف تصنيع خطوط الإنتاج، أو التي تساعد على وجود مشروعات صديقة للبيئة.

ومن المهم أن تعمل السعودية على تأهيل القطاع الخاص المحلي لتزيد من كفاءته، بحيث لا يكون نشاطه في الخصخصة، مجرد مضاربة، من خلال إعادة بيع ما اشتراه من مشروعات أو خدمات سواء لمشترين محليين أو أجانب.

أيضا، للبورصة السعودية دور مهم في عملية الخصخصة المرتقبة ينبغي أن تقوم به، فالأموال المحلية تمثل قاعدة صلبة للاستحواذ على المشروعات المطروحة، ولاستمرار الحائزين على تلك المشروعات التي يتم خصخصتها كمستثمرين، لذلك عليها الحرص على تنمية هذه المشروعات لا مضاربتها، لتكون إضافة للاقتصاد القومي.

لقد كانت البورصات في الدول العربية التي طبقت برامج الخصخصة، مجرد مصيدة لتلك المشروعات وممهدة لوقوعها في يد المستثمرين الأجانب عبر عمليات مضاربة أو عبر وجود سماسرة كبار لصالح المستثمرين الأجانب، وخير دليل على ذلك ما حدث في مصر في شركات الأسمنت والاتصالات.

دروس التجربة العربية

أقدمت العديد من الدول العربية على خصخصة العديد من الأنشطة الاقتصادية والخدماتية، كمصر وتونس وغيرهما، لكن لوحظ أن التجربة أسفرت عن مجرد نقل بالملكية، وتخلص الحكومة من بعض الأعباء، ولم تحدث طفرة نوعية في طبيعة الخدمة كما لم يطور القطاع الخاص من أداء الخدمات، بما يمثل قيمة مضافة للناتج المحلي الإجمالي.

وسواءاً كان من يدير المؤسسة التي تم خصخصتها قطاع خاص محلي أو أجنبي أو قطاع خاص يجمع بين المحلي والأجنبي، فالجميع اعتمد على استيراد التكنولوجيا، وعدم توطينها أو تطويرها أو انتاجها، بما يبشرنا بنتائج غير مرضية عن هذه التجارب.

كذلك، فإن الدرس الآخر المستفاد من تجارب الخصخصة العربية، هو أن الأجانب الذين أتوا لشراء المؤسسات والشركات المحلية، لم يستهدفوا التصدير، بل كانوا يستهدفون بالدرجة الأولى السوق المحلية، ويحاولون إزاحة الشركات المحلية الأخرى، حتى ولو كانت مملوكة من القطاع الخاص، وفي كثير من الأحيان، مارس الأجانب الإحتكار كما حدث في سوق المنظفات والاسمنت في مصر مثلاً بعد دخولهم لمجال الخصخصة في الدول العربية.

أضافة الى ذلك، ثمة درس مهم يتعلق بالتمويل، فبرامج الخصخصة وحسب وصفة صندوق النقد الدولي، تروج ليكون دخول الأجانب للخصخصة في الدول المختلفة، كطريقة لاستجلاب رؤوس أموال تضخ أموالاً جديدة في شرايين الاقتصاد القومي. لكن من الملاحظ أن هذه الشركات، تأتي بحصة من رؤوس أموالها، ثم تعتمد على الاقتراض من الجهاز المصرفي المحلي، وهو ما يتنافى مع إدعاء جلب أموال جديدة. والأدهى، أن هذه الشركات تظل تحول أرباحها للخارج كل عام، حتى تحقق تحويل كامل رؤوس أموالها خلال أعوام، ثم استنزاف الموارد القليلة للدول، وتحويلها للخارج عبر بوابة الأرباح.

في الختام، الخصخصة مجرد وسيلة وأداة اقتصادية، إن أُحسن استخدامها ستكون نتائجها إيجابية، وإن حدث العكس ستكون نتائجها وخيمة. لذلك ينبغي أن تحظى التجربة في السعودية، بمشاركة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص على مستوى التخطيط والتأهيل والتنفيذ.

ولا بد أن تتمتع التجربة بعمليات مراقبة دقيقة، تستهدف المصلحة العامة للدولة والأفراد، بحيث لا يلجأ من تؤول لهم المشروعات إلى عمليات تسعير غير حقيقية لتحقيق أرباح مبالغ فيها أو تقديم خدمات لا تستوفي شروط الصحة والسلامة أو ممارسة الاحتكار.

المصدر: البيت الخليجي للدراسات والنشر.

مصدر الصور: الوطن – العربي الجديد.

موضوع ذا صلة: الخصخصة في السعودية: آمال ومحاذير

عبدالحافظ الصاوي

خبير اقتصادي