اعداد: يارا انبيعة
في إطار ما أسمته المملكة السعودية بأنه أكبر تحول في تاريخها لإعادة هيكلة الاقتصاد والتأقلم مع تراجع أسعار النفط، بدأت الرياض، في بداية شهر اغسطس/آب 2017، بخصخصة 10 قطاعات عبر تشكيل لجان للإشراف للقطاعات المستهدفة بالخصخصة، حيث استندت على الوثيقة الرسمية التي أصدرتها الحكومة السعودية في عام 2016 والتي شرحت بأن التحول الاقتصادي سيركز على محورين أساسيين؛ الأول، نشاط صندوق الاستثمارات العامة السيادي. والثاني، برنامج والخصخصة. حيث يأتي ذلك في إطار “رؤية المملكة 2030” الرامية إلى تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط.
مبررات الخصخصة
يركز برنامج الخصخصة السعودي، والذي يعد أحد البرامج الرئيسية التي تعول عليه الحكومة لبلوغ أهدافها، على تعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات، حيث وتهدف الى التقليل من تكلفتها عبر المنافسة بين شركات القطاع الخاص في ضمان تأمين الخدمات بمستوى أعلى من الكفاءة من حيث التكلفة والجودة، إلى جانب تسهيل الحصول عليها.
وتتطلع الرياض بأن تساهم الخصخصة الى جذب الاستثمار غير الحكومي وخاصة الاستثمارات الأجنبية المباشرة ودعم ميزان المدفوعات، إضافة إلى الهدف الرئيسي المتمثل بتحرير الأصول المملوكة للدولة، والذي سيعود على الحكومة بإيرادات سنوية. كما إلى رفع الاستثمار الأجنبي المباشر المتدفق إلى البلاد بنسبة 133% ليصل الى حدود 18.7 مليار دولار بحلول عام 2020، مقارنة بنحو 8 مليارات دولار في عام 2015.
كما تستهدف “رؤية 2030” الى زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 43.5 مليار دولار في عام 2015 إلى نحو تريليون ريال سنويا (267 مليار دولار)، حيث شكلت الإيرادات غير النفطية 38% من إيرادات الدولة في العام 2016، مقابل 62% للإيرادات النفطية وهي أقل من المعدلات التي اعتادت السعودية عليها لسنوات طويلة، حين كانت العوائد النفطية تشكل قرابة 90% من إيرادات الدولة. يأتي ذلك بعد ان سجلت الموازنة السعودية عجزاً قيمته 79 مليار دولار في العام 2016، اضافة الى قلة حجم العملات الأجنبية لديها بنسبة 38%.
من هنا، يقول الدكتور ناصر الطيار، عن قرار مجلس الوزراء الذي صدر بإعتماد تخصيص 20 قطاعاً حكومياَ، انه يمثل “خطوة صحيحة ومهمة في طريق اصلاح الاقتصاد الوطني ورفع معدلاته، وتخفيف العبء الاقتصادي على الحكومة وتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين.”
الى ذلك، يشير الكاتب نواف العنزي الى ان هدف الخصخصة يكمن في “ابتكار أساليب حديثة لمساعدة كل مواطن في الحصول على الخدمات بطرق ميسرة”، حيث انها “حققت نجاحات متميزة في كثير من الدول بما فيها بعض الدول الصغيرة كنيوزلندا وتشيلي، وخلصت هذه الدول من الترهل الإداري وأساليبه غير المجدية وزيادة عدد الموظفين غير المبرر نتيجة هياكل إدارية غير مجدية، والتوسع في النفقات بطرق غير مشروعة، وأصبح دور الدولة بعد عملية التخصيص التركيز في قطاعات هامة ورئيسية كالأمن الداخلي والقضاء والدفاع عن الوطن، وتطوير منظوماته وفي عملية التخصيص المتدرجة يحدث تطور في طبيعة الخدمات المقدمة، والقضاء على نواحي القصور والتأخير في إنجاز الخدمات، وينعم كل مواطن بالمزيد من الجودة المعيشية في كل جوانب الحياة.”
قطاعات المشمولة
تحدث وزير النقل السعودي، نبيل العامودي، عن خطط وزارة النقل لخصخصة المطارات والموانئ، وعن مشاريع السكك الحديدية خلال السنوات المقبلة. وقال العامودي “إن مفهوم الخصخصة يأتي لتقليل التكاليف التشغيلية والرأسمالية على الحكومة وفصل التشريع وبقائه مع الحكومة، وفصل عملية البناء والتشغيل لمنحها إلى القطاع الخاص عند طريق نماذج متعددة منها ppp وBOT موضحا أن المطارات سبقت في مراحل خصخصتها لأنها القطاع الأكثر تقدما وجاهزية.”
ومن المتوقع البدء في خصخصة بعض الأصول هذا العام في 4 قطاعات هي الرياضة والكهرباء والمياه وصوامع الحبوب، وهذه بالتحديد، تضمنت شروطاً معينة للتقدم بطلب ادارة هذه القطاع الحيوي ابرزها أن يكون مقدم العرض كياناً فردياً ويكون مملوكاً بالأغلبية لسعوديين، او أن يكون تحالفاً وألا يزيد عن 5 شركات، ويجب أن تكون أغلبيته من السعوديين، على أن يكون للمتقدمين صلة بنشاط الطحن، اضافة الى انه سيكون على مقدمي العطاءات المحتملين إظهار أداء مالي قوي في الـ 3 سنوات الأخيرة على الأقل.
وكان العديد من الشركات الدولية قد أبدت اهتمامها بالتقدم بعروض لشراء أصول المؤسسة العامة للحبوب، من بينها شركة Archer Daniels Midland بالشراكة مع شركة “المراعي”.
إضافة الى ذلك، يسعى ولي العهد الامير محمد بن سلمان الى الانفتاح على الغرب اقتصادياً من خلال استقطاب كبرى الشركات من المصارف والاسهم والخدمات، بعد التزام المملكة بعقود تزيد عن 460 مليار دولار مع اميركا تنفذها خلال الأعوام التسعة القادمة.
ويترقب المستثمرون إقليمياً وعالمياً، تفاصيل مشاريع الحكومة السعودية التي سيتم تخصيصها ضمن برامج “رؤية 2030″، حيث تعتزم المملكة جمع نحو 200 مليار دولار عبر بيع حصص في مؤسسات حكومية ضمن 16 قطاعاً، دون أن يشمل هذا الرقم طرح لشركة “أرامكو”.
تقارير صندوق النقد الدولي
بناء على دراسة أعدها صندوق النقد الدولي، تاريخ 30 يونيو/حزيران 2016، يشير فيها الى ابرز النقاط المستخلصة من الخصخصة، وهي:
- ان بيع حصص الحكومة في الشركات يمكن أن يؤدي إلى تعبئة تمويل كبير لعجز المالية العامة، ولكنه أيضا يأتي على حساب تدفقات الإيرادات المستقبلية الضائعة في حالة الشركات التي تحقق أرباحاً. وينطوي الاقتراض من مصادر محلية ودولية أيضاً على مفاضلات بين المخاطر والتكلفة.
- ينبغي أن تعلن الحكومة عن استراتيجية متوسطة الأجل واضحة لضبط أوضاع المالية العامة ودعم الإصلاحات، وهي من شأنها طمأنة المستثمرين إلى أن الحكومة ستواصل العمل على تخفيض عجز المالية العامة. وبالمثل، فإن وضع استراتيجية متوسطة الأجل للدين سوف يمنح المستثمرين مبادئ توجيهية واضحة بشأن خطط إصدارات الحكومة، وتمكينهم من التخطيط على نحو أفضل للمستقبل.
وفي دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي، 2017، يشير التقرير الى أن الاقتصاد السعودي لهذا العام توقف عن النمو بنسة تصل إلى 0% بسبب انخفاض عائدات النفط، إذ أشارت البيانات الأخيرة إلى نسبة تصل إلى 0.1% في النصف الأول من 2017، بعد ما كانت 0.4%.
محاذير الخصخصة
تكمن بعض المحاذير في النقاط التالية:
- هذه الخصخصة تتم عادة عبر شركات خاصة التي تكون ممراً للشركات الأجنبية التي لاتهتم بمعدلات نمو الدولة المستضيفة.
- زيادة تدخل المؤسسات المالية الخارجية وبخاصة صندوق وبنك النقد الدوليين والشركات العابرة وبخاصة المصارف إلى التدخل في الشؤون السياسية الدخلية للدول بما يحقق مصالح هذه المؤسسات.
- احتمالية انهيار اقتصاد الدول المستضيفة في حال قررت هذه الدول الانسحاب او ربط مصيرها بمصير الدول الأم لهذه الشركات.
- عدم وجود دستور وقانون ينظم ويراقب عملية الخصخصة في السعودية.
- كبر تحديات الخصخصة ضعف القوة الشرائية وضعف السيولة عند القطاع الخاص والبنوك، وارتفاع المخاطر بنظر المستثمر الأجنبي هذه الأيام لارتفاع المخاوف الاقتصادية دولياً.
- سوء تقدير القيمة الفعلية للشركات المنوي خصخصتها، وابرز مثال على ذلك التقدير القيمي لشركة “ارامكو” الذي قدر بـ 2 ترليون دولار، فيما يشير موقع “بلومبيرغ” بأن القيمة الفعلية لا تتخطّى نصف هذا الرقم أو ربما خمسه. وهذا يعني بأن السعودية لن تربح سوى جزء صغير من الـ 100 مليار دولار التي توقعت أن تحصل عليها من بيع 5% من اصول الشركة في اكتتاب عام يطرح في العام 2018. وهو ما كرره ايضاً خبراء من شركة “وود ماكينزي” المحدودة اذ اشاروا الى ان التقييم التقريبي للشركة لا يتعدى الـ 400 مليار دولار.
- هل ستكون الخصخصة هي بيع للاصول المالية للقطاعات، او انها اعادة هيكلة اكثر منها خصخصة لاسيما وان اغلب القطاعات المنوي خصخصتها تعتبر، في كثير من الدول الكبرى، مرافق حيوية ترتبط بالأمن القومي للدولة كقطاعات النقل والغذاء، او انها تلزيم على طريقة الـ BOT؟
مصدر الصور: الاقتصادية – الشرق الأوسط