تشهد عملية تشكيل الحكومة في لبنان تصاعداً في حدة التجاذب بين الفرقاء السياسيين، خاصة بين تيار المستقبل والتيار العوني (متمثلاً في رئيس الجمهورية ميشيل عون والتيار الوطني الحر)، وذلك على ضوء الخلاف حول عدد أعضاء الحكومة، ومحاولة التيار العوني انتزاع الثُلث المُعطِّل (الثُلث + 1 من أعضاء الحكومة الجديدة)، ورغبته في تسمية الوزراء المسيحيين، إضافة إلى الحصول على وزارة العدل، وهو الأمر الذي يرفضه رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي كُلٍّف بتشكيل الحكومة، منذ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ويرغب في رئاسة حكومة تتوافق مع شروط المجتمع الدولي (من بينها تشكيل حكومة اختصاصيين تنال الرضاء الشعبي).

وقد طرح رئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل نبيه بري مبادرة جديدة لحلحلة الأزمة بين العونيين والحريري، تقوم على تشكيل حكومة من 24 وزيراً، لا تتضمن الثُلث المُعطِّل لأية جبهة، وتوقعت اتجاهات عديدة أن يكون اختيار الوزراء على النحو التالي: 5 وزراء مسلمين سنّة يختارهم الحريري، و5 وزراء شيعة يختارهم الثنائي الشيعي، و8 وزراء يسميهم رئيس الجمهورية بمن فيهم ممثل حزب الطاشناق، ووزيرين درزيين واحد يختاره الحزب التقدمي الاشتراكي (حزب وليد جنبلاط) والثاني الحزب الديمقراطي اللبناني (حزب طلال أرسلان)، ووزيرين لتيار المردة، ووزير للحزب القومي، ووزير يسميه البطريرك بشارة بطرس الراعي.

ووفق تلك الصيغة، ستختار قوى “8 آذار” 17 وزيراً، بينما تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي سيختاروا 6 وزراء، ووزير محايد يتبع البطريرك الراعي، وبالرغم من ذلك لا زالت هناك العديد من التفاصيل قيد الدرس، وهى أسماء الوزراء، وتوزيع الحقائب الوزارية، وخلفية الوزراء المشاركين وحجمهم وفق كل خلفية (تكنوقراط – سياسيين- حزبيين) مما قد يسفر عن تجاذب جديد بين الفرقاء السياسيين.

ضغوط متبادلة

تستنفر القوى السياسية، سواء تلك المشاركة في عملية تشكيل الحكومة، أو المعارضة لعملية التشكيل برمته، للضغط بهدف تحقيق مصالحها، فالمعارضة تستهدف شن حملة ضد الأطراف المنخرطة في عملية التشكيل وفي الوقت نفسه زيادة شعبيتها في الشارع اللبناني الذي يعاني من الفراغ الحكومي والجمود السياسي، مما يتيح لها الفرصة لتحقيق مكاسب في الانتخابات النيابية المقبلة، وكذا إبعاد بعض المرشحين من على قائمة المنافسة في الانتخابات الرئاسية، مثل تحرك حزبي الكتائب والقوات اللبنانيين لإقصاء جبران باسيل من قائمة المرشحين، في حين يسعى الفريق المناوئ إلى تشكيل حكومة تتوافق مع توجهاته، أو تعطيلها لخدمة مصالح أطراف إقليمية.

وتستغل القوى السياسية العديد من الملفات الداخلية كورقة ضغط على خصومها من أجل تقديم تنازلات في الملف الحكومي، منها على سبيل المثال، اتهام الرئيس ميشيل عون، 7 أبريل/نيسان 2021، المصرف المركزي بأنه سبب الأزمة في لبنان، وذلك في محاولة لانتقاد رياض سلامة حاكم المصرف، وفي هذا السياق ضغط عون على المصرف لتقديم مستندات إلى شركة “الفاريز ومارسال” التي ستقوم بالتدقيق الجنائي، أملاً في الكشف عن مخالفات قد تؤدي إلى إقالة سلامة، بينما ينتقد معارضوا التيار الوطني الحر، وعلى رأسهم تيار المستقبل وحركة أمل والمعارضة المسيحية، إدارة التيار لملف الكهرباء، مع اتهامه بالضلوع في عمليات فساد وهدر للمال العام، مما أدى إلى تراجع قدرة ذلك القطاع الخدمي، الأمر الذي ساهم في زيادة الاحتقان وإضعاف فرص إحداث توافق على شكل الحكومة المقبلة.

تحركات خارجية

يتزامن اتساع نطاق التباينات الداخلية مع تحركات دبلوماسية وسياسية خارجية تدفع نحو تشكيل الحكومة اللبنانية في أسرع وقت، وهو ما دلل عليه التحرك العربي الساعي لتقليص الهوة بين الفرقاء السياسيين من أجل تشكيلها، على نحو عكسته زيارة كل من وزير الخارجية المصري، سامح شكري، والسفير حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، للبنان في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة والوقوف على المبادرات الموجودة لتشكيل الحكومة.

وبالتوازي مع ذلك، تضغط فرنسا والولايات المتحدة عبر التلويح بأداة العقوبات على معرقلي تشكيل الحكومة، لخلق قوة ضغط إضافية توفر أرضية للتوافق بين الفرقاء السياسيين، ويُشار في هذا الصدد إلى أن التلويح الفرنسي بفرض عقوبات لم يشر إلى أشخاص بعينهم، مما يعني احتمالية فرض العقوبات على أي من التيارات في الداخل اللبناني إن ثبت عرقلتها لعملية التشكيل للحفاظ على مصالحها الضيقة، مع إمكانية مناقشة فرض عقوبات أوروبية على تلك الشخصيات، وذلك بناءً على ما سينتهي إليه اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذي سيعقد في 19 أبريل/نيسان الجاري (2021).

بالإضافة إلى ما سبق، تتضافر جهود المؤسسات المالية الدولية بجانب الضغوط الغربية لتشكيل الحكومة في لبنان، وهو ما دلل عليه تأكيد صندوق النقد الدولي، عبر تصريح لمدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق جهاد أزعور (في حديث لوكالة “فرانس برس”)، على أنه في غياب حكومة من الصعب جداً على الصندوق تقديم أي شيء غير المساعدة الفنية للبنان؛ وبالمثل، أكد نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فريد بلحاج (في حديث لوكالة “بلومبرج”)، أن البنك يحاول الالتفاف حول الأنظمة الحكومية ومحاولة مساعدة الشعب بشكل مباشر من خلال التحويلات النقدية غير المشروطة، في دلالة على رفض تلك المؤسسات دعم لبنان مالياً إلا بعد تشكيل الحكومة.

ختاماً، تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى عدم تشكيل حكومة لبنانية، وذلك في ظل تراجع مقومات تشكيلها، مما يُرجح استمرار الفراغ الحكومي خلال الفترة المقبلة، إلا إذا تم التوصل لتسوية بين الفرقاء السياسيين على قاعدة “مباراة غير صفرية”، وذلك عبر تقديم بعض التنازلات لتمرير تشكيل الحكومة، أو التوافق على صيغة الـ 24 وزيراً التي قد تعد خرقاً لذلك التعنت، إذا ما تم التوافق على كيفية تسمية الوزراء وتوزيع الحقائب الوزارية التي سيحصل عليها كل فريق.

المصدر: مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

مصدر الصور: الميادين – راديو سوا.

موضع ذا صلة: الأزمة اللبنانية بين أزمتين: الاقتصاد والتنافس الإقليمي