شارك الخبر

ثلاثون عاماً أمضاها الرئيس التشادي، إدريس ديبي، في سدة الحكم؛ وبعد انتخابات رئاسية مكنته بالفوز بولاية سادسة، أعلن التليفزيون الرسمي مقتله متأثراً بجراح، أصيب بها خلال معارك مع بعض المتمردين والمتشددين.

إدريس ديبي يبلغ من العمر 68 عاماً، وأعتبر كأطول الزعماء حكماً في إفريقيا، وهو حليف للقوة الغربية في القتال ضد المتشددين الإسلاميين في غرب ووسط القارة. سيطر ديبي على سلطة البلاد نتيجة تمرد مسلح العام 1990، وواجه منذ ذلك الوقت حركات تمرد متكررة في الصحراء الشمالية. تعامل أيضاً مع استياء شعبي متزايد على إدارته للثروة النفطية وحملات قمع للمعارضين. وفي 3 مايو/أيار 2006 وبعد أن استطاع ديبي من انتهاج سياسة تنموية واجتماعية لمحاربة الفقر تمت إعادة انتخابه، ثم أعيد انتخابه للمرة الثالثة رئيسا للجهورية لفترة 5 أعوام.

وفي 11 أبريل/نيسان 2021، أظهرت النتائج الأولية لانتخابات رئاسة الجمهورية أن الرئيس ديبي فاز بولاية سادسة، حاز خلالها نحو 80% من الأصوات، بعدما قاطعها كبار قادة المعارضة احتجاجاً على جهوده لتمديد حكمه المستمر لثلاثة عقود. وكان فوز ديبي متوقعاً بالنظر لهشاشة المنافسة خلال الاستحقاق الرئاسي والانقسام الواسع للمعارضة.

وفي 20 أبريل/نيسان 2021، أعلن الجنرال برماندوا أغونا، المتحدث باسم الجيش، أن ديبي “لفظ أنفاسه الأخيرة دفاعاً عن دولة ذات سيادة في ساحة المعركة”، وإنه “تم تشكيل مجلس عسكرى بقيادة الجنرال محمد إدريس ديبي ذي الـ 37 عاماً، لإدارة البلاد لمدة 18 شهراً كفترة انتقالية.

وكان الجيش التشادي قد أعلن – منذ أيام- عن مقتل أكثر من 300 مسلح، وأسر نحو 150 آخرين بعد اندلاع معارك مع جماعة مسلحة توغلت شمال البلاد. وأكد الجيش عودة الهدوء إلى تلك المناطق. ولكن على النقيض، تم إذاعة خبر مقتل ديبي، مما شكك في أن ما يحدث هو انقلاب عسكري، لأنه يخالف الدستور التشادي، الذى ينص على “أنه في حال وفاة رئيس الجمهورية، يتولى رئيس البرلمان الحكم، إلى حين إجراء انتخابات عامة، ومن ثم انتخاب رئيس جديد”؛ وبالتالي، الإعلان عن مجلس عسكري بقيادة نجل الرئيس القتيل يظهر بشبه الانقلاب.

وأفادت بعض التقارير بفرض الجيش التشادي حظراً للتجوال ليلا بين الساعة 6 ليلاً والساعة و5 صباحاً، وإغلاق المجال الجوي والحدود حتى إشعار آخر، وأن الجيش سيعمل على تشكيل حكومة ومؤسسات انتقالية تشرف على تنظيم الانتخابات المقبلة.

وقال أغونا إن هناك “دعوة للحوار والسلام تنطلق لجميع التشاديين في البلاد، وفي الخارج من أجل مواصلة بناء تشاد معا”، وأكد المجلس الانتقالي للشعب التشادي على أنه تم اتخاذ كافة الإجراءات لضمان السلام والأمن والنظام الجمهوري.

وعلى ذلك، فما انعكاسات مقتل ديبي داخلياً وخارجياً؟ وهل يملك المجلس العسكري القدرة على المرور بالبلاد بأمان خلال المرحلة الانتقالية. وما مصير المواجهة مع المتمردين؟

أولاً: انعكاسات مقتل ديبي على دول الجوار الجغرافي

تعيش تشاد منذ فترة حالة من عدم الاستقرار الأمني. ففي 11 أبريل/نيسان 2021 – وهو اليوم الذي كان مقرراً إجراء الانتخابات الرئاسية فيه – شنت جبهة “التغير والوفاق” هجوماً كبيراً، حيث دارت اشتباكات عنيفة بين مسلحي الجبهة وقوات الجيش التشادي، سقط على إِثرها قتلى وجرحى من الجانبين.

وفي هذا الإطار، أكدت جبهات التمرد في تشاد أنها تواصل طريقها للعاصمة نجامينا، بعد ساعات من إعلان الجيش مقتل الرئيس ديبي، رافضين تشكيل المجلس العسكري الانتقالي برئاسة نجله. وأضافوا أن “تشاد لا يحكمها نظام ملكي، يجب ألا يكون هناك انتقال للسلطة من الأب إلى الابن”، وأن “قواتنا في طريقها إلى نجامينا، لكننا سنترك ما بين 15 إلى 28 ساعة لأبناء ديبي لكي يدفنوا والدهم وفق العادات.”

كما أعلنت جبهة “التغير والوفاق” رفضها لسياسة الأمر الواقع والخضوع “لأي كيان يمارس السلطة بالعنف”، وقالت إنها ستحارب “النظام العسكري المستمر منذ 3 عقود”. بدورها، أعلنت مجموعة “العمل والعدل” المعارضة “إن تشاد ليست مملكة، ولا يمكن انتقال السلطة بين أعضاء الأسرة الحاكمة، مضيفة أن قوات المقاومة الوطنية تتجه في هذه اللحظة نحو العاصمة”.

في المقابل، أعرب رئيس الحركة الشعبية للإصلاح في تشاد، بابا لادي، عن تأييده لإنشاء مجلس عسكري يرأسه نجل رئيس البلاد، الأمر الذي يشير بالتبعية إلى مدى اتفاق القوى المعارضة في النهج رغم اختلافها الإيديولوجي والتكويني. والانقسام الواضح أيضاً في الآراء من بين معارض وموافق على إنشاء مجلس عسكرى انتقالي لإدارة البلاد، مما يشير إلى مزيد من الاضطرابات الأمنية على مستوى تشاد والمنطقة ككل.

حيث تحارب تشاد على جبهتين، جبهة في الساحل والصحراء، تلك المنطقة التى تشهد تمدد نفوذ “القاعدة” و”داعش”، وجبهة أخرى في غرب أفريقيا مع دول حوض تشاد ضد “بوكو حرام”؛ وبالتالي، كان الرئيس ديبي يعمل دائماً على مكافحة الإرهابيين، مما يرجح أن بمقتل ديبي قد تشهد دول الجوار الجغرافي لتشاد عدة اضطرابات شديدة، نظرَا للظروف الحالية المؤهلة لذلك كما هو موضح في السطور التالية:

• السودان: يشهد إقليم دارفور المتاخم لتشاد أوضاع أمنية هاشة، وربما يزداد الأمر تعقيداً عقب مقتل ديبي. فهناك أحداث دموية مستمرة منذ أكثر من عشرات الأعوام، راح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى. وخلال الأسابيع الماضية، ازداد الوضع سوءاً باندلاع أعمال عنف وتمرد قبلية في منطقة “الجنينية” – عاصمة غرب دارفور – الأمر الذى أدى إلى إجبار نحو 1860 لاجئاً على العبور إلى تشاد، وفقاً لما أعلنته المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.

ووسط اندلاع الاتهامات بمشاركة مجموعة مسلحة من داخل الأراضي التشادية في تلك الأحداث، أعلن مجلس السيادة الانتقالي السوداني – عقب إعلان خبر مقتل ديبي – إنه لعب أدواراً كبيرة في تعزيز العلاقات بين البلدين، فضلاً عن جهوده ودعمه لتحقيق السلام بالسودان.

ولكن ربما يكون مقتل ديبي يضع السودان في مأزق كبير بحكم التقارب الجغرافي والتداخل القبلي الكبير بين سكان منطقة دارفور في غرب السودان وسكان المناطق الشرقية والوسطى في تشاد. فضلاً عن اشتعال الحرب الأهلية في منطقة “أم التيمان” القريبة من الحدود السودانية، والتي تقطنها قبائل مشتركة من البلدين.

وعلى النقيض، ربما يكون هناك عوامل حاسمة للصراع، متمثلة في أن أغلب القادة المعارضين السودانيين المنتمين لقبيلة “الزغاوة” وقعوا على اتفاق السلام – جوبا؛ وبالتالي، فمن الأرجح أنهم سوف يتبعوا النهج الحكومى في التعامل مع الأزمة الداخلية في تشاد على عكس المرات السابقة عندما كانوا في المعارضة.

• إفريقيا الوسطى: فمع بداية شهر أبريل/نيسان 2021، شهد شمال جمهورية أفريقيا الوسطى مزيداً من الاشتباكات بين القوات الحكومية والجماعات المتمردة، مما أجبر أكثر من 2000 لاجئ على التوجه نحو تشاد خوفاً من التعرض للهجمات الإرهابية.

وبناء على ذلك، تستضيف تشاد حالياً ما يقرب على الـ 11000 من إجمالي 117000 لاجئ من جمهورية إفريقيا الوسطى ممن فروا أيضاً في أعقاب أعمال العنف التي تلت الانتخابات – وفقاً لما أعلنته المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة؛ في هذا الصدد، تظل المخاوف الكبيرة هي أن تتحول تشاد إلى ساحة صراع قبلي، يمكنها عبره أن تشهد عشرات من الحركات المسلحة، وذلك في ظل سهولة الحصول على الأسلحة في هذه المنطقة.

• النيجر ونيجيريا: فهناك دور فعال للقوات التشادية في مكافحة التطرف العنيف والإرهاب بهما. ففي أبريل/نيسان 2020، أعلنت رئاسة الجمهورية، قيام قوات الجيش التشادي بتدمير 5 قواعد تابعة لتنظيم “بوكو حرام” الإرهابي بكل من النيجر ونيجيريا. وجاء ذلك في إطار عملية “غضب بوما” التي أطلقها الجيش التشادي في إطار خطة محاربة الحركة. وفي مارس/آذار 2021، أعلنت وزارة الدفاع النيجرية مقتل القيادي في تنظيم “بوكو حرام”، إبراهيم فاكورة، وعدد من رفاقه، وذلك خلال عملية نفذها جيشها في جزر بحيرة تشاد، الأمر الذي يوضح مدى الدور الفعال الذى كانت تلعبه القوات التشادية في المنطقة المذكورة، في إطار سياسات ديبي لمكافحة الإرهاب.

وبالتالي، من المحتمل أن يؤثر الوضع القبلي فى الدول الثلاث (السودان وأفريقيا الوسطي والنيجر)، خاصة إذا حدث تغيير كبير في السياسات الإدارة المؤقتة، أو ربما تحالفات غيرت من هيمنة قبيلة “الزغاوة” وجاءت بعض القبائل الأخرى مثل “القرعان”.

• ليبيا: تشهد منطقة جبال “تيبستي” قرب الحدود مع ليبيا منذ أعوام مواجهات مستمرة بين الجيش التشادي ومتمردين جبهة “التغير والوفاق”. وكانت المنطقة قد شهدت المواجهات الأعنف العام 2019 عندما أوقفت عمليات قصف فرنسية – بطلب من الحكومة التشادية – تقدم المتمردين الذين حاولوا الإطاحة بديبي في ذلك الوقت، الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي فى ليبيا – خاصة جنوب البلاد – بالتزامن مع مقتل ديبي حيث تنشط حركات المعارضة التشادية المسلحة.

فقد كان ديبي بمثابة الحليف الأمني لليبيا، وهو ما انعكس بشكل كبير على الوضع الأمني بين البلدين طوال الفترات الماضية؛ وبالتالي، فإن مقتله سوف يسبب فراغاً أمنياً في تشاد يصل مردوده إلى ليبيا، مما يتطلب عدم رضوخ طرابلس للتغييرات الجيو – سياسية المحتمل حدوثها في تشاد.

وفي هذا الإطار، طالب مجلس النواب الليبي، رفع درجات الاستعداد العسكري على الحدود مع تشاد، وطالبوا من السلطات المختصة بأن تكون على أهبة الاستعداد، وأن تعمل على تكثيف الوجود الأمني على الحدود الليبية – التشادية لمنع أية خروقات قد تضر بأمن واستقرار الجانبين الليبي والتشادي.

وشددت “لجنة الشؤون الخارجية” على أن ملف الجنوب الليبي يجب أن يمثل أولوية حكومة “الوحدة الوطنية”، مؤكدة “ضرورة العمل على هذا الملف بما يعود بالاستقرار والتنمية” على سكان المنطقة المتاخمة للحدود مع تشاد.

ومن هنا، يمكن القول إن انعكاسات مقتل ديبي لم تكن على تشاد كدولة تسودها الصراعات منذ عقود، ولكن الأمر سوف يتجاوز ذلك ليصل إلى محيطه الإقليمي، وتحديداً مجموعة دول الساحل الخمس – G5، والتي تولى ديبي رئاستها الدورية، فبراير/شباط 2021؛ وبالتالي، فإن الدول المحيطة بالتشاد سوف تتأثر بشكل كبير بهذا الحدث، حيث أن قواتهم كانت جزءاً من معادلة “الأمن والاستقرار” لديبي فيما يتعلق بمواجهة الحركات المسلحة. فمقتله سوف يترك بصمة على الأمن والاستقرار في تشاد أولاً، وعلى منطقة الساحل والغرب الأفريقي بشكل عام، ثانياً.

والجدير بالذكر أنه من المتوقع أن انعكاسات مقتل ديبي على دول الجوار، ربما تكون شبيهة بانعكاسات مقتل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، على الأقل في جوانبها المتعلقة باستفادة الجبهات المسلحة من وفرة السلاح، وتصاعد الأجندات القبلية، وعبور الصراعات لدول الجوار، وتعرض التجمع الإقليمي الأبرز G5 إلى ضربة قوية تؤثر بشكل سلبي فى دول الإقليم.

ثانياً: انعكاسات مقتل ديبي على الغرب

تهدد وفاة ديبي بمزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، فمقتله يحرم الغرب من حليف أمني رئيسي في منطقة الساحل المضطربة، مما يكسب الجماعات الجهادية قوة. فكان يُنظر إلى ديبي – الذي أغفلت البلدان الغربية إلى حد كبير وسياسته غير الديمقراطية في السلطة على مدار 30 عاماً- على أنه رجل قوي قادر على نشر قوات متشددة في القتال ضد الجماعات الجهادية في جميع أنحاء المنطقة.

حيث ساهم في “قوة حفظ السلام” التابعة للأمم المتحددة، بالإضافة إلى قيادة جيش إقليمي يعرف باسم G5 Sahel المكوّن من تحالف من 5 دول إقليمية – تشاد، والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا – لمحاربة التطرف العنيف في جميع أنحاء المنطقة، ومدعوم من القوات الفرنسية؛ وبالتالي، بمقتل ديبي تعد تشاد عند مفترق طرق أمني مهم للقارة الأفريقية بأكملها.

كما تنطوي تشاد على أهمية استراتيجية بالنسبة لأوروبا، فاعتمدت القوى الغربية على ديبي كحليف في القتال ضد الجماعات الإسلامية المتشددة، بما في ذلك “بوكو حرام” في حوض بحيرة تشاد والجماعات المرتبطة بـ “القاعدة” و”داعش” في الساحل. وفيما يلي عرض لانعكاسات مقتل ديبي على القوى الغربية ذات النفوذ في المنطقة:

• فرنسا: تعد باريس من أهم الأطراف الخارجية الفاعلة في المشهد التشادي، إذ تتخذ من العاصمة التشادية نجامينا مركزاً لعملياتها لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. وقد كانت لها العديد من المواقف تجاه وقف العدوان المسلح على الرئيس ديبي طوال فترة حكمه، مما جعل من نجامينا مقراً لعملية “برخان” الفرنسية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل التى أطلقت خلال العام 2014؛ وبالتالي، هناك ثابت لا يتغير، متعلق بالدعم المطلق لتشاد، إحدى مستعمرات فرنسا السابقة.

ويرجع السبب وراء كل هذا الدعم الفرنسي لتشاد إلى أنها تحتل موقعاً استراتيجياً ومركزياً للمصالح الفرنسية؛ وبالتالي، تحاول فرنسا أن تساند تشاد لعدة مصالح، من بينها، أن تشاد مؤهلة للعب دور عملي لاحتواء مسلحي تنظيم “بوكو حرام” شرق نهر النيجر وشمال الكاميرون، وفي نيجيريا. فضلاً عن تسهيل عملية الحصول على الثروات الإفريقية من المنطقة.

وقد أعلنت وزيرة الدفاع، فلورنس بارلي، إن فرنسا فقدت حليفاً رئيسياً في الحرب ضد الإرهاب في منطقة الساحل بوفاة الرئيس التشادي ديبي، بينما أكدت أن المعركة ضد الجهاديين في المنطقة لم تنته بعد.

وأكدت باريس أهمية أن “تتم المرحلة الانتقالية في ظروف سلمية، عن طريق الحوار مع كل الأطراف السياسية والمجتمع المدني، والسماح بالعودة السريعة إلى حكومة تشمل الجميع، وتعتمد على المؤسسات المدنية.”

ورغم أنه مر أكثر من 24 ساعة على إعلان مقتل ديبي، إلا أن فرنسا لم تصدر أي موقف رسمي تجاه الأوضاع في تشاد حتى الآن. ربما يرجع ذلك لإدراكها مدى حجم الاستياء الشعبي تجاه التدخلات الفرنسية في شؤون البلاد، فقررت التريث في إعلان موقفها من تلك التطورات منتظرة جلاء الأمور أكثر من ذلك، أو ربما تفادياً لتحمل ضريبة موقف معلن يأخذ عليها كتجاوز على سيادة الدولة والإرادة الشعبية.

وفي كل الحالات، فإنه من الواضح أن فرنسا ليست لديها المقدرة على مواجهة “الجبهات الإرهابية” وحالة عدم الاستقرار في المنطقة وحدها، خصوصاً في ظل المطالبات الحالية في باريس بعودة القوات الفرنسية المنتشرة في منطقة الساحل. ولكن ذلك الأمر لا ينفي أن الدور الفرنسي يظل يمثل محرك التطورات في تشاد بشكل كبير، لأنها تتمتع بنفوذ كبير بهذا البلد والمنطقة ككل.

• الولايات المتحدة: دانت المتحدثة بإسم البيت الأبيض أعمال العنف في تشاد، وأكدت تأييد واشنطن للانتقال السلمي للسلطة وفقا للدستور. ودعا الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف إلى ضبط النفس، واحترام حقوق الإنسان، وتنظيم انتخابات شاملة.

فتعد الولايات المتحدة من الأطراف الدولية الفاعلة في تشاد، إذ تحتفظ بحضور عسكري بسيط في البلاد، لتدريب وتجهيز القوات التشادية وبناء قدراتها. ورغم ذلك، فإنه سرعان ما أعلنت الولايات المتحدة بإجلاء موظفي سفارتها بسبب حالة عدم اليقين من الاستقرار والتقدم المحتمل للمتمردين.

فقد أمرت وزارة الخارجية الأمريكية، في 17 أبريل/نيسان 2021، الدبلوماسيين غير الأساسيين في السفارة الأمريكية بمغادرة تشاد بسبب هجمات المتمردين المحتملة على العاصمة نجامينا. كما أمرت أسر العسكريين الأمريكيين المتمركزين هناك بمغادرة البلاد. وحذرت الوزارة الأمريكيين من السفر إلى تشاد بسبب الاضطرابات ووجود تنظيم “بوكو حرام” الجهادي. وقالت إن أي أمريكي هناك الآن يريد المغادرة يجب أن يفعل ذلك.

ورغم ذلك، إلا أنه من المرجح أن تنسق فرنسا مع الولايات المتحدة تعاوناً يعيد الاستقرار والأمن للبلاد، ويمنع بقدر الإمكان وقف أية تحركات للمعارضة المسلحة، وأية تأثيرات سلبية في أمن دول الجوار. كما أن تشكيك الرأي العام في كلا البلدين في أهداف وجدوى نشر قواتهما في مناطق نائية لا يبدو فيها التهديد المباشر لمصالحهما الوطنية واضحاً، قد يدفعهم لإعادة التفكير في انخراطهما عسكرياً بالمنطقة من أجل حماية مصالحهم المرتبطة بشكل كبير بالثروات في المنطقة.

والجدير بالذكر هنا أن ثمة قوة عظمى تحاول التوغل في إفريقيا. ففي إطار “القمة الروسية – الإفريقية” التى عقدت العام 2019، شهدت روسيا توقيع اتفاقيات مختلفة مع عدة دول أفريقية بقيمة 12.5 مليار دولار. أغلب تلك الاتفاقيات كانت حول السلاح والمعدات العسكرية التي تعد المجال التقليدي للصادرات الروسية إلى إفريقيا. وقد تشير بعض التقرير هنا إلى “رغبة روسية في الحضور إلى تشاد عن طريق الجماعات المتمردة التي انطلقت من الجوار الليبي، لكن لا يوجد حتى الآن كثير من الأدلة على ذلك”. فهناك تنافس محموم على النفوذ بين روسيا وفرنسا في المنطقة، كالذى يحدث تماماً في إفريقيا الوسطى بين موسكو وباريس.

وبالتالي، كل هذه المعطيات على المستوىين الداخلى والخارجي ترجح تغيير في خريطة التعاون بين الدول المجاورة، لا سيما أيضاً في تصاعد النفوذ الغربي.

كما توضح تلك المعطيات أيضاً خصال وإنجازات ديبي في مجال مكافحة الإرهاب، وعمل توازنات تجاوزت حدود تشاد، فقد كان حليف وثيق للقوى الغربية المكافحة للإرهاب في المنطقة، وكان من أبرز داعمى القوة المشتركة مع البلدان المجاورة للتصدى للإرهاب. فاستطاع ديبي أن يكسب ثقة الحكام الأفارقة والغربيين بوضعه في طليعة مكافحة الإرهاب.

الخاتمة

من الواضح أن المرحلة الانتقالية التى أعلن عنها الجيش لم تنل موافقة الجماعات المتمردة/المتطرفة ضد الحكومة التشادية ولن تقبل بهذا، لأن ذلك يعد بمثابة امتداد لحكومة الرئيس ديبي التي تقاتلها منذ عدة أعوام.

إضافة إلى ذلك، فإن مقتل الرئيس ديبي رفع من معنويات مقاتلى المعارضة، مما يزيد حدة معاركهم وسيحاولون الوصول إلى العاصمة نجامينا مستغلين الظروف الحالية، ظنناً منهم أنهم أصبحوا في وضع أقوى، وأنهم يستطيعوا أن يكون لهم كلمة في مستقبل الأحداث في تشاد.

ولكن ما يؤخذعلى هذه المعارضة أنها تعاني من انقسامات داخلية. فإن الجبهة الأقوى التي قادت المعارك في الأيام الماضية هي جبهة “التغير والوفاق” وتتكون من أكثر من فصيل. كما أنه هناك معارضة في الشمال ومعارضة في الجنوب، ومعارضة أخرى قادت مقاطعة الانتخابات؛ وبالتالي، هذه المعارضة هي ليست موحدة إلى حد كبير مما يشير إلى أن انقسامها قد يؤدى إلى ضعفها، مما يسهل على المجلس العسكرى الانتقالي مهمته في القضاء عليها.

كما أن هذه المعارضة ستواجه ضغوطاً من المجتمع الدولي، وفي مقدمتها فرنسا التي لها مصالح قوية ليس في تشاد وحدها وإنما في المنطقة ككل. والآن المعارضة على الرغم من تقدمها إلا أنها في موقف صعب، لأن الموقف الدولي سيكون ضدها إلى حد كبير.

ومن المتوقع أن فرنسا هي من توزن الكفة سواء كان موقفها دعم قرار المجلس العسكرى الانتقالي، أو دعم المعارضة المسلحة، فالذي تسانده هو الذي سيكون الرابح، وحتى الآن لم تكن التصريحات الصادرة عن الرئاسة الفرنسية واضحة، فهي لم تعلن هل تم إبلاغها فقط بتشكيل المجلس العسكري لإدارة البلاد، أم أنها كانت تعلم ذلك قبل الإعلان!

كما أن هذه المنطقة أصبحت تشهد لاعبين دوليين جدد، مثل الصين التي تعد أكبر مستثمر للنفط التشادي، ولها مصالح عدة في المنطقة. فضلاً عن ما تشهده المنطقة من اهتمام متزايد من روسيا، وسعيها الواضح لتكون لاعباً في المنطقة.

وبالتالي، ربما الأمر يزداد تعقيداً مع وجود أكثر من لاعب في المنطقة. صحيح أن فرنسا ما زالت لها اليد العليا باعتبار أن تشاد أحد مناطق النفوذ التقليدي لها، ولكن المشهد الآن أكثر تعقيداً من أن تلعب فيه فرنسا لوحدها، لأن هناك أطراف أخرى يمكن أن يكون لها تأثير في المنطقة.

وإضافة إلى القوةىالدولية، هناك قوى إقليمية، فنجد أن تشاد تجاور أفريقيا الوسطى وتجاور إقليم دارفور السوداني، وتجاور ليبيا ودول غرب أفريقيا، تلك الدول التى تعاني من إضرابات عدة على المستويات السياسية والاجتماعية والأمنية. لذلك، ما يحدث في تشاد يؤثر من الناحية الدولية والإقليمية، فإذا دخلت تشاد في حالة اضطراب أمنى كامل، فسوف يؤثر بالسلب فى كل الإقليم غرباً وجنوباً وشمالاً وشرقاً، فضلاً عن التأثير في مصالح القوى الغربية، مما يضعها في موقف صعب، يمكن أن يقودها إلى أن تصل لحد الدولة الفاشلة، ويكون مقتل ديبي هو بداية انهيارها.

المصدر: مجلة السياسة الدولية.

مصدر الصور: موقع نبض – جريدة النهار – جريدة الوطن.

موضوع ذا صلة: الحركات “الجهادية” بإفريقيا: التمدد في ظل الصراع

نورا فخري أنور

باحث مساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية – مصر


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •