لا أخفي أنني مدرك للأضرار التي يسببها الغرب سياسياً للعرب منذ أن تلاعبو جميعاً بمصائرنا وأبتدعوا عدة مصطلحات، ولكن الغرب بقيادة واشنطن هو أحد الأسباب الرئيسية لشقاء المواطن العربي، فهو الذي زرع إسرائيل ويتواطأ معها على جرائمها ويتحالف مع الحكام ضد الشعوب ويتستر على فسادهم، وهو الذي يشجع إسرائيل على سحق الفلسطينيين والعرب، وليس معنى ذلك أنه في الصراع الوجودي بين روسيا والغرب أننا نعتبر روسيا ملاكاً، فقد كان لموقفها الشيوعي من المسلمين ابلغ الضرر للمسلمين.
موسكو هي التي اتفقت مع واشنطن على الاعتراف بالسرطان الصهيوني فور إعلان الحكومة المؤقتة في إسرائيل، ولمّا استبان أن إسرائيل جزء من الغرب، فكان يجب على روسيا أن تنتقم من إسرائيل على الأقل بسبب موقفها المعادي لروسيا وبصرف النظر عن اقتناع روسيا بذلك فأنا لا أطلب منها دعم المقاومة ضد إسرائيل، وإنما أن تعلن أن إسرائيل ثمرة المؤامرة الدولية، ولا تسمح بهجرة اليهود الروس للانضمام إلى الدفعات السابقة في إسرائيل، ولابد أن روسيا تدرك الفارق بين المقاومة ضد إسرائيل والمقاومة الأوكرانية ضد الجيش الروسي، فمن الناحية الشكلية روسيا وإسرائيل دول معتدية، فالجيش الروسي هو الذي تحرك من أراضيه الى أراضي أوكرانيا، كما تحرك الجيش الإسرائيلي إلى سيناء والجولان والضفة الغربية، والخط الرابط والمتشابه بينهما هو الظاهر وكذلك مقولات روسيا وإسرائيل فروسيا تقول إن أوكرانيا يستخدمها الغرب للإضرار بالأمن الروسي خاصة وأن الصراع السياسي مع الغرب منذ قرون، فأوكرانيا كانت جزءاً من روسيا القيصرية ومن الإتحاد السوفيتي.
وكان الغرب الذي ساهم في اختفاء روسيا القيصرية عمد إلى تفكيك الاتحاد السوفيتي ثم تفكيك الاتحاد الروسي، أما إسرائيل فهي مزروعة في المنطقة برعاية الغرب وتواطؤ موسكو معها وليس لإسرائيل الحق في المنطقة، فعمدت إلى العدوان على جيران فلسطين بمساندة الغرب وواشنطن، بغية إرغامهم على التسوية التي تسمح لإسرائيل بالبقاء وبضم كل فلسطين، ومن الواضح أن الفارق هائل بين حالتي روسيا وإسرائيل، وإذا كان الغرب قد أيد مقاومة اوكرانيا للجيش الروسي، فقد أنكر هذا الاعتراف والتأييد لمقاومة إسرائيل لسبب بسيط وهو أن إسرائيل زرعت لكي تكون ذراع الغرب لقمع العرب ومساندة الحكام العرب المستبدين وفسادهم، وإذا كانت الديمقراطية العربية تعني زوال إسرائيل، فإن الغرب ينفي على العرب دكتاتوريتهم، كما أغفل أنه هو من يساند الحكام وربط بين الولاء لإسرائيل وبين دعم إسرائيل لنظم الحكم العربية ضد أي امل في الديمقراطية أو الثورة أو محاولة تغيير الوضع الراهن.
ويبدو أن العالم العربي الذي ظل محايداً إلا قليلاً من الصراع الروسي – الغربي سيكون عرضة للضغط الغربي لدعم الغرب ضد روسيا.
والحق أن المصلحة العربية تقتضي إزالة الهيمنة الغربية، وليس البديل هو الديمقراطية أو أحضان الشعوب العربية أو الأحضان الروسية، وإنما تخدم هذه المبادرة المصالح العربية، وأنصح العالم العربي بالحياد في هذا الصراع وإحياء حركة عدم الانحياز، لأن الصراع الروسي – الغربي، يهدف إلى تغيير النظام الدولي للهيمنة الغربية، أو التمسك الغربي به، وتلك حرب على المكانة لا علاقة للعرب بها.
فليلزموا الحياد ويحاولوا مساعدة روسيا والغرب على إقامة نظام أقرب إلى العدل والتسويات، ومما يزكي هذا الموقف أن الغرب يريد إخراج روسيا وربما دفع أوكرانيا إلى محاولة استرداد جمهوريتيين ينضمان إلى روسيا، وهناك احتمال أكده الرئيس بوتين بأنه لن يتردد فى استخدام السلاح النووي إذا فكر الغرب في المساس بالأراضي الروسية بعد ضم الجمهوريتين.
وصحيح أن استخدام القوة النووية سيفني العالم ولكن نأمل أن يصل الطرفان بمساعدة العرب على إنقاذ البشرية من الهلاك.
على أن إجراء مثل هذه الاستفتاءات مألوف ويساعد الغرب عليه، حدث ذلك في استفتاء جنوب السودان، وكان استفتاء السكان شائعاً في أوروبا وكان ذلك شرطاً للاعتراف بالدول في القرن التاسع عشر، كما كان الاستفتاء له معنى خاص وهو PLEPESCITE OPPOSITE TO REFERENDOM وهو ما طبّق في السودان 1953.
مصدر الصورة: AFP.
موضوع ذا صلة: أسرار خطيرة.. هجوم بيولوجي كان يحضر على روسيا من أوكرانيا
د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر