كان واضحاً أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لم تكن مرتاحة لأن تجد على رأس أكبر دولة حليفة لها في الشرق الأوسط شخصاً مثل بنيامين نتنياهو، الذي خبره بايدن عندما كان نائباً للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، حيث كان شاهداً على فصول علاقة متوترة بالغة التعقيد، وصف أوباما بعضاً من فصولها في مذكراته. ولفترة طويلة، ظل وجه “بيبي” مألوفاً على رأس إسرائيل بعدما تولى منصب رئيس الوزراء لأكثر من عقد واستطاع الاحتفاظ به رغم فضائح جنائية وما لا يقل عن 4 انتخابات خلال العامين الماضيين فقط.

وحينما تولى الرئيس بايدن منصبه، يناير/كانون الثاني 2021، لم تكن منطقة الشرق الأوسط تدخل في أولوياته وكان يعتزم التركيز في الواقع على جائحة “كورونا”، والتراجع الاقتصادي في الداخل، وتحديات كبرى في الخارج كالصين وروسيا وإيران؛ لكن وبعد الصراع الذي اندلع في قطاع غزة وتطلّب دبلوماسية أمريكية مكثفة من وراء الكواليس، بات لزاماً على معاونيه إعادة ترتيب أولوياتهم مع السعي لتثبيت وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة “حماس”، ووضع خطة لإعادة إعمار غزة، والحيلولة دون تكرار المواجهة التي صارت أولى أزمات السياسة الخارجية في طريق بايدن.

بعد “دلع” ترامب: نبرة بايدن لا تُطرب نتنياهو

حملت نبرة الإدارة الأمريكية الجديدة تغييراً واضحاً عن أسلوب النأي بالنفس الذي اتسمت به الشهور الأولى لرئيس لا يريد الخوض بالضرورة في صراع قائم منذ عقود بين إسرائيل والفلسطينيين والذي أربك مساعي رؤساء سابقين لصنع السلام. ولم يبدِ بايدن حتى اهتماماً بالانغماس في مسعى جديد لإحياء جهود السلام المتوقفة منذ فترة طويلة، في وقت يرى معظم المحللين فيه أنه لا توجد آفاق كبيرة لإجراء مفاوضات ناجحة.. إن كانت هناك آفاق أصلاً. وكان واضحاً أيضاً أن آفاق السلام مع رئيس وزراء لا يؤمن بحل الدولتين، منعدمة تماماً.

لكن ثمة إشارات متزايدة على تجدد الانخراط الأمريكي – الآن – بعد توقف القصف الصاروخي من غزة والضربات الجوية من إسرائيل. يأتي هذا بعدما واجه بايدن ضغوطاً شديدة ليلعب دوراً أكثر وضوحاً، ويتخذ نهجاً أكثر صرامة تجاه إسرائيل، وهي ضغوط جاءت من الديمقراطيين التقدميين الذين كان دعمهم له حاسماً في الفوز بانتخابات العام 2020.

ووعدت إدارة بايدن بحزمة مساعدات سيتُضاف لدعم للفلسطينيين بقيمة 235 مليون دولار سبق وأن أعلنت عنها واشنطن، أبريل/نيسان 2021، تتضمن أيضاً استئناف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا وإعادة مساعدات أخرى أوقفها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب؛ بل وهناك وعود بإعادة فتح القنصلية الأمريكية بالقدس الشرقية، والتي كانت تخدم الفلسطينيين وأغلقها ترامب.

النووي الإيراني: “الملك بيبي” يعارض بايدن بشراسة

تجدد المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني تشكل نقطة خلاف جوهرية بين كل من بايدن ونتنياهو. ويحظى نتنياهو بحب أنصاره – الذين يطلقون عليه لقب “الملك بيبي” – ويعجبهم موقفه المتشدد بشكل خاص من قضايا عديدة، مثل إيران والفلسطينيين، وكذلك شخصيته البارزة على المسرح الدولي.

وجعل “بيبي” من تشدده هذا رأسمالاً سياسياً يقدم نفسه به كضامن لـ “أمن إسرائيل”. وذهب به الأمر إلى حد التصريح بأن إزالة التهديدات الإيرانية أولوية مطلقة بالنسبة إليه، حتى وإن كان هذا على حساب توتر العلاقات مع الولايات المتحدة حيث أن “أكبر تهديد علينا هو التهديد الوجودي المتمثل بالمحاولات الإيرانية للتزود بأسلحة نووية…”، بحسب قوله.

وأضاف أنه قال للرئيس بايدن “بغض النظر عما إذا تم التوصل إلى اتفاق مع إيران أم لا، فإننا سنواصل القيام بكل ما بوسعنا من أجل إحباط تزود إيران بأسلحة نووية… لأن إيران تختلف عن باقي الدول التي تمتلك الأسلحة النووية”، واستطرد قائلاً “إذا اضطررنا إلى الاختيار، وآمل ألا يحدث هذا، بين الاحتكاك مع صديقتنا الكبيرة الولايات المتحدة وبين إزالة التهديد الوجودي، فإن إزالة التهديد الوجودي تتغلب”.

غير أن وزير الدفاع، بيني غانتس، وصف تلك التصريحات بأنها “استفزازية”، وكتب “كانت الولايات المتحدة وستظل الحليف الأهم لإسرائيل، حيث تحمي أمن إسرائيل وتفوقها النوعي في المنطقة. وإدارة بايدن هي صديقة حقيقية لإسرائيل. وليس لإسرائيل ولن يكون لها على الإطلاق شريك أكبر من الولايات المتحدة”، مضيفاً “حتى لو ظهرت خلافات، سيتم حلها من خلال الحوار المباشر، خلف الأبواب المغلقة، وليس من خلال تصريحات استفزازية تضر بأمن إسرائيل”.

ظل نتنياهو سيبقى حاضراً مع ذلك، وإن كان هذه المرة من مقاعد المعارضة في الكنيسيت؛ فقد صوت ربع الناخبين لحزبه – الذي لا يزال صاحب أكبر عدد من المقاعد في الكنيست برصيد 30 مقعداً من أصل 120 مقعداً – كما أنه سيترصد أية فرصة للإطاحة بحكومة تتضمن أحزاباً كثيرة غير متجانسة من الناحية الإيديولوجية.

المصدر: DW.

مصدر الصورة: أن.بي.سي نيوز.

موضوع ذا صلة: الإنتخابات الرابعة: التداعيات المترتبة على نتنياهو والسياسة الأمريكية