إعداد: مركز سيتا

عقدت حكومتا العراق والولايات المتحدة الأمريكية، أولى جلسات الحوار الاستراتيجي، لمناقشة عدد من القضايا المشتركة بين البلدين، أبرزها مسألة وجود القوات الأمريكية في العراق، خاصة في ظل التوترات التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة، إضافة إلى التقدم الكبير نحو القضاء على تهديد تنظيم داعش.

انطلق الحوار الاستراتيجي الثنائي في الوقت الذي تتعرض فيه الحكومة العراقية الجديدة لضغوط داخلية شديدة، وتواجه مطالب لإنهاء الوجود العسكري الأميركي، بعد أن إنقضت الحاجة لتواجده، بعد دحر تنظيم “داعش”، الأمر الذي يسقط ذريعة بقاءه مع وجود أطراف عديدة ترفض تواجده، سواء العراقية التي تضع العراق نصب أعينها، أو الجهات التي تحمل أيديولوجيات خارجية كالولاء إلى إيران التي ترفض هي الأخرى بقاء القوات الأمريكية، خاصة بعد إغتيال قائد فيلق القدس، الشهيد قاسم سليماني.

العقبات والذرائع

إن الحوار العراقي – الأمريكي بدأ يلاقي ردود أفعال في الشارع العراقي، إتخذ بعضها شكل إنتقادات، حيث اعتبر البعض أن هذا الحوار لن يحقق الغاية المرجوة منه، خاصة من جانب الفصائل العراقية الموالية لإيران والتي تسعى إلى إخراج القوات الأمريكية من البلاد، وتشن هجوماً على الحوار حتى من قبل إنطلاقه، خاصة وأن بعض الأطراف السياسية تخشى من تعرُّض الفريق العراقي المفاوض إلى التهديد أو الضغط، خصوصاً وأن مسار الحوار قد يثير بعض القوى الإقليمية، إن برز إلى سطح حل دون رغبتهم أو موافقتهم.

فعلى الرغم من أن الحوار تضمن أبرز ثلاث قضايا ملحّة وهي “الاقتصاد والسياسة والأمن”، ليس من ضمنها إنسحاب القوات الأمريكية، وهذا ما يقوض أمنية شريحة كبيرة من العراقيين سواء الموالين لقوى خارجية أو لا، إذ أنه من المعروف في العام 2008 في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش الإبن، تم إبرام “إتفاقية وضع القوات” على أن تنسحب القوات الأمريكية في العام 2011، إبان تشكيل حكومة نوري المالكي، حيث أبقى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما حينها على ما يقارب على 5000 جندي أمريكي، ما يخالف شرط الإتفاقية بعد إنسحاب الأمريكيين، وذلك بعد الاتفاق ما بين أوباما ومستشاريه آنذاك على بقائهم.

مرحلة حساسة

إن هذا الحوار الاستراتيجي يمثل مرحلة مفصلية في تاريخ العلاقات بين البلدين، وبالتالي يجب أن يمثل العراق في هذه المفاوضات شخصيات معروفة بوطنيتها، مع استبعاد الشخصيات التي تحوم حولها شبهات العمالة والفساد، خاصة وأن فريق رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، يوحي بأن ملف التنمية الإقتصادية سيكون على رأس أولويات الحوار، في حين لم يأتِ على أي ذكر للإنسحاب الأمريكي، حيث إتهمهم بعض الخصوم، بالعمالة لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

وعللت أطراف أخرى الضغوطات على هذا الحوار بأنه يأتي في سياق إدخال مفاوضين من كافة الشرائح العراقية لضمان تحقيق أكبر قدر من تهيئة الظروف التي تناسب العراق الموحد، وليس فريقاً على حساب آخر. في هذا الصدد يقول المحلل السياسي العراقي، هشام الهاشمي، إن الفصائل العراقية المسلحة وأحزابها “لم تعترض على الحوار من حيث أنه حوار”، مضيفا أنه رغم تهديدات هذه الفصائل “فإنها قد تكون غير جادة خاصة بعد زيارة اسماعيل قاآني، القائد الجديد لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الأخيرة إلى بغداد، التي أشعرت بغداد برغبة إيران في التهدئة وفي نفس الوقت لم تحمل تلك الزيارة أي رسائل معلنة أو سرية عن انتقاد إيران لمبدأ الحوار أو حتى انتقاد أسماء المحاورين العراقيين.”

ويرى الهاشمي أن فريق الكاظمي “يـتفهم شكوك الأحزاب السياسية الشيعية والفصائل المسلحة تجـاه النوايا الأمريكية”، وأنه كذلك يدرك “مدى قلق وحساسية الأحزاب والفصائل الولائية مـن الإتفاقية التي قد تمكن الولايات المتحدة من تقييد وتحييد نفوذهم مع إيران في العراق والمنطقة، لذا تواصل مع قادة الكتل لإحاطتهم بمجريات الحوار وتقدير الموقف بغية تهدئة قلقهم.”

تصدع البيت الداخلي

يعتقد الكثير من العراقيين أن الحوار مع الولايات المتحدة سيكون منحصراً بمسألة بقاء القوات الأمريكية من عدمه على الأراضي العراقية وذلك أمر غير صحيح، لأن القوات الأمريكية يمكن التحكم في حركتها من خلال إعادة انتشارها داخل الأراضي العراقية أو خارجها من غير الحاجة إلى أن يُجرى حوار منظم بين الطرفين.

ولقد اعتبرت الأوساط السياسية أن هذا الحوار هو بداية لوضع خطة لإنقاذ العراق، وهي خطة قد تكون متفائلة أكثر مما ينبغي بالقياس لما يمكن أن يواجهها من معوقات على أرض الواقع، إلا أن هذا الأمر قد يصطدم بحائط تعنت بعض الأفرقاء، لجهة أن ما قد يوافق عليه العراق ممثلاً، بحكومة الكاظمي، قد يلقى تعطيلاً من مجلس النواب على إختلاف ألوانه وولاءاته. لكن حقيقة الوضع هي أن ما يمكن توقعه أن يتوصل الجانبان إلى اتفاقات لن يأملا منها أن تنتقل إلى أرض الواقع، ليس بسبب الصعوبات الإقتصادية بل لأن البيئة السياسية غير مستعدة لقبولها، وبذلك تطوى صفحات حوار، كان من الممكن أن يخرج العراق من متاهته التي هي صناعة أمريكية وهي إلى حد ما القادرة على إخراجه منها، والحكومة الحالية تعرف هذه الحقيقة جيداً.

الملفات المطروحة

بينت بعض الأوساط المقربة أن ديفيد هيل، مساعد وزير الخارجية الأميركي، سيتحدث في ملف الأمن بخصوص وجود القوات الأميركية في العراق، وسيتناول عدداً من النقاط التي تثير القلق الأميركي بشأن وجود قوات بلاده هناك، بينما عراقياً سيكون التركيز على الرؤية العراقية المتعلقة بالأزمة المالية، وخطط مواجهتها، إضافة إلى موضوع الطاقة وخطط تأمين الإستقلالية في هذا المجال.

ويتوقع أن يتحدث الطرف الأميركي عن رغبة واشنطن في ضرورة وجود إصلاح اقتصادي، وما يمكن تقديمه للعراق لتحقيق الأهداف التي تسعى إليها حكومة بغداد في ملفي الاقتصاد والطاقة.

سياسياً، سيتم نقاش موضوعي الإنتخابات البرلمانية المبكرة، وتحقيق العدالة لضحايا المظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاح، يتوقع أن يطرحهما الطرف الأميركي، وأن الطرف العراقي سيقدم رؤيته بخصوص الكيفية التي ستتعامل معها الحكومة في هذا المجال.

في هذا الصدد يرى روبرت فورد، الباحث في معهد الشرق الأوسط، أنه “لن يعاد تعريف العلاقات الأميركية – العراقية بأكملها بين ليلة وضحاها” في هذا الحوار الإستراتيجي.

أخيراً، إن هذا الحوار سيفضي إلى وعود وتوقيع إتفاقيات وتبادل أدوار، لكن لا يعرف تماماً ما إذا كان بند خروج الأمريكيين ستتم معالجته، أو على الأقل مناقشة مسألة تخفيض عدد القوات الأمريكية، خاصة بعد ظهور نشاط عودة تنظيم “داعش” مجدداً، ما قد يدخل العراق مجدداً في أتون الصراعات. إلا أن الحاجة الأساسية اليوم، هي حلحلة الوضع الإقتصادي السيء جداً، والذي قد يزيد من التواجد الأمريكي. لكن من الناحية الإقتصادية، الأمر الذي سيتعارض مع المصالح الإيرانية، ما يعني إقتصار هذا الحوار على الناحية النظرية، لأن التطبيق صعب التحقيق في ضوء التصدعات العراقية – العراقية التي هي بأمس الحاجة لتوحيد كل الجهود للنهوض مجدداً.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: أرشيف سيتا + شفق نيوز.

موضوع ذا صلة: الحضور العراقي في سياق الصراع الأمريكي – الإيراني