مركز سيتا

إنتهت التدريبات العسكرية المشتركة بين روسيا والصين في شمال غربي الصين، والتي دامت أسبوعاً وشارك فيها نحو 10 آلاف جندي، حيث حققت مستوى جديداً من التعاون بين الجيشين على جميع الأصعدة، ما يفتح المجال للعمل على أنشطة مشتركة، وفق ما أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.

هذه التدريبات ليست الأولى بين البلدين، إلاّ أن هذه المرة تأتي وسط تصاعد التوتر أكثر بينهما وبين واشنطن، ما جعل التدريبات المشتركة رسالة واضحة في وجه الولايات المتحدة. والسؤال هنا: ما هي الرسائل التي وجّهتها الصين وروسيا من خلال هذه التدريبات العسكرية المشتركة؟ وكيف تلقتها واشنطن؟

شراكة استراتيجية

منذ العام 2012، تجري موسكو وبكين مناورات بحرية منتظمة. وقد شارك جيش التحرير الشعبي الصيني، منذ العام 2018، في التدريبات الاستراتيجية الروسية السنوية الثلاث. الآن، الروس يشاركون في مناورات في الصين، وتحديداً في منطقة نينغشيا ذاتية الحكم، وهذه التدريبات العسكرية الاستراتيجية الروسية الصينية المشتركة حملت عنوان “الغرب/التفاعل – 2021”.

يشير المحللون الغربيون إلى الطبيعة العميقة للتفاعل بين قوات البلدين المسلحة، حيث كتبوا أن الصين وروسيا “على بعد نصف خطوة من الاستخدام المشترك للاتصالات والاستخبارات وأنظمة التحذير من أجل تعزيز وجودهما الاستراتيجي”. وعلى الرغم من أن العلاقات العسكرية بين موسكو وبكين لا تحمل طابعاً رسمياً، يرى الخبراء أن قواتهما المسلحة قد تبدأ في إنشاء هياكل قيادة مشتركة، كما يشير خبراء أجانب إلى أن كلاً من موسكو وبكين تعمّقان التعاون العسكري على خلفية انسحاب قوات التحالف من أفغانستان وتستعدان لتحمل مسؤولية أكبر من أجل الاستقرار في المنطقة.

مع ذلك، هناك مزيد من الأصوات التي تحذر من خطر نشوء تحالف عسكري كامل بين الصين وروسيا. وهذا، على ما يبدو، أكثر ما يقلق الغرب الجماعي. لكن المحللين الغربيين – الأكثر واقعية – يعترفون بأن الولايات المتحدة وحلفاءها هم من دفع البلدين الجارين للقيام بذلك، إذ لا يمكن لسياسة الردع والتهديدات والعقوبات والتدخل في الشؤون الداخلية إلا أن تؤدي إلى تعاون عسكري أوثق بين الصين وروسيا، اللتين تربطهما شراكة استراتيجية.

تدريبات تكتيكية

انطلقت التدريبات العسكرية الصينية – الروسية في قاعدة تدريب تكتيكي للأسلحة المختلطة تابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني، وتولى الإدارة العامة للتدريب لي تسوه تشنغ، عضو اللجنة العسكرية المركزية الصينية، ورئيس دائرة الأركان المشتركة للجنة العسكرية المركزية.

وقد إنتظم الضباط والجنود المشاركون من الجيشين ضمن 13 تشكيلاً برياً ونسَقين جويين اثنين، وذكر مسؤولون من الجيشين أن التدريب العسكري المشترك يستهدف تعميق عمليات مكافحة الإرهاب المشتركة بين الجيشين، ويُظهر العزم والقوة العظيمين لدى البلدين إزاء الحماية المشتركة للأمن والاستقرار على الصعيدين الدولي والإقليمي، وأضاف المسؤولون أن التدريب يعكس أيضاً المرحلة المتقدمة الجديدة من شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة في العصر الجديد، والثقة الاستراتيجية المتبادلة والتبادلات البراغماتية والتنسيق بين البلدين.

الأهداف المشتركة

يمكن أن تسجل هذه التدريبات العسكرية عدداً من النقاط؛ النقطة الأولى، هي أنها تعد أول تدريب مشترك بين الصين ودولة أجنبية يقام في الصين منذ انتشار فيروس “كورونا”.

النقطة الثانية، إنها المرة أولى التي يدخل فيها الجيش الروسي إلى قاعدة التدريب التكتيكي للأسلحة المختلطة التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني للمشاركة في التمرين، ويعتقد المحللون أن هذا يشير إلى تعميق وترسيخ التعاون العسكري الصيني ـ الروسي المشترك.

النقطة الثالثة، يمكن إعطاء هذه التدريبات العسكرية أهمية أكبر في سياق المنافسة بين الولايات المتحدة بين القوى الكبرى والانسحاب الوشيك للقوات الأمريكية من أفغانستان.

النقطة الرابعة، أشارت وزارة الدفاع الوطني الصينية إلى أن التدريبات ستظهر بشكل أكبر تصميم الصين وروسيا وقدرتهما على محاربة التنظيمات الإرهابية والحفاظ بشكل مشترك على السلام والأمن الإقليميين.

من هنا، سيرسل الجانبان أنواعاً متعددة من الطائرات والمدفعية والمعدات المدرعة، ويتدربان معاً على نفس المنصة، حيث قال لي شين، مدير المعهد الأوراسي بجامعة شنغهاي للعلوم السياسية والقانون، إن التدريب أظهر أولاً تطور شراكة التعاون الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا على مستوى عالٍ في العصر الجديد، وتعد مناورة مكافحة الارهاب مشروع تعاون صيني ـ روسي تقليدي، كما يظهر أن الثقة العسكرية المتبادلة والتعاون العملي بين الجانبين قد تعمقت بشكل أكبر.

بدوره، أشار المراقب العسكري، وانغ تشيانغ، إلى أن التدريبات العسكرية لها سمات مميزة والعديد من النقاط الجديرة بالاهتمام، مثل: بعد هذه التدريبات بين الصين وروسيا، سيرسل جيش التحرير الشعبي الصيني فرقاً إلى روسيا ودول أخرى للمشاركة في “الألعاب العسكرية الدولية 2021″ في وقت لاحق من هذا الشهر” (أغسطس/آب 2021)، كما أن هذا التدريب يعطي الناس الشعور بأن الجيشين يشبهان زيارة الأقارب والأصدقاء، وأن التبادلات قريبة للغاية، ويعكس المستوى العالي من الثقة الاستراتيجية المتبادلة.

في هذا السياق، لا يمكن اخفاء مسألة أن الولايات المتحدة تعتبر كلاً من الصين وروسيا منافسين استراتيجيين؛ فتعزيز الثقة العسكرية المتبادلة والتعاون بين الجانبين، هو أيضاً إشارة إلى الولايات المتحدة. وتعتقد موسكو اليوم – والآراء العامة الأخرى – أن الولايات المتحدة لطالما اتبعت “معايير مزدوجة”، حيث تجري تدريبات عسكرية في مياه حساسة بشكل متكرر، لكنها تعتبر التعاون العسكري الطبيعي للدول الأخرى بمثابة “استفزاز”. كما تحاول واشنطن زرع الفتنة في العلاقات الصينية ـ الروسية، لكن الوقت قد حان للاعتراف بالواقع.

أخيراً، إن هذه التدريبات تعتبر بمثابة “رسالة موحدة” من قوتين دوليتين أساسيتين لقوة الولايات المتحدة العظمى، ومفادها أن أي مخطط سيحدث بالقرب من حدودهما لن يتهاونا بالدفاع عن الأمن والسلم الدوليين حتى لو كان ذلك إعلان حرب شاملة، فتوقيت تلك التدريبات هو رسالة مزدوجة ربطاً مع التطور المتسارع لسقوط أفغانستان بيد حركة “طالبان”، التي خلفها وبدون أدنى شك أهداف كثيرة لواشنطن في وسط آسيا تتعلق تحديداً بروسيا والصين وكذلك إيران.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: ليفانت نيوز – الشرق.

موضوع ذا صلة: مناورات “قوقاز – 2020”.. رسائل عسكرية روسية