إعداد: مركز سيتا

تعتبر صناعة الأدوية من الصناعات على المستوى العالمي ولما تحققه من أرباح خيالي أحياناً، خاصة في البلدان مرتفعة الكثافة السكانية حيث الحاجة إلى المنتج. وعليه، إن صناعة الدواء تشكل إستثماراً مضمون النتائج وذو ربحية عالية جداً مقارنة بالعديد من الصناعات الأخرى؛ فمن الناحية النظرية، لا يجب أن يخسر أي مصنع متخصص في هذه الصناعة.

لم تكن الشركات التكنولوجية وتلك الخاصة بالإتصالات على قمة “الهرم الاقتصادي” قبل عشرين عاماً، حيث كانت مجالات أخرى تسبق، ومن بينها النفط والمأكولات ومنتجو الأسلحة ومصنعو الأدوية، وتميزت الفئة الأخيرة بقدرتها على حصد أرباح قياسية.

ففي العام 2018، وصلت قيمة صناعة الأدوية العالمية إلى مستويات غير مسبوقة حيث بلغت 1.11 تريليون دولار، وبحسب تقرير شركة “برو كلينيكال” من المتوقع أن تصل قيمتها إلى 1.43 تريليون دولار العام 2020. ونظراً لأن هذه الصناعة تعتمد على الأبحاث، فإن شركات الأدوية تنفق مليارات الدولارات سنوياً على مشروعات البحث والتطوير من أجل مواكبة الطلب العالمي المتزايد على الأدوية والضغوطات لتطويرها وتقديم أكثر العلاجات ابتكاراً وحداثةً.

أسباب خفية

إن أية شركة صناعة دوائية لا تبحث عن مستوى سعري مناسب لأن المستهلك، وببساطة شديدة، “مجبر” على شراء ما تبيعه، حيث تسعى تلك الشركات بإستمرار إلى معرفة خطط الشركات الأخرى لإنتاج العقاقير الدوائية الجديدة، إذ تغيب عن هذه الصناعة قواعد “العمل المشترك”، والسبب يكمن في الأرباح الطائلة التي سيتم جنيها من أي إكتشاف لعقاقير طبية حيث يسعى كل طرف منها للإستحواذ على أي إكتشاف كان لا سيما وأن هناك إدراك عالمي بحجم إتساع السوق.

ففي العام 2017، أوضحت دراسة ألمانية أن شركات صناعة العقاقير في العالم تستغل المرضى بجشع، كما أفادت دراسة “بي دبليو سي” للخدمات الاستشارية والمراجعة الإقتصادية، أن شركات صناعة العقاقير تعاني عالمياً من سمعة سيئة. وحسب الدراسة المنشورة أيضاً، إن 73% من الألمان يرون أن قطاع الأدوية حريص فقط على تحقيق مصالحه على حساب صناديق التأمين الاجتماعي.

وعلى الرغم من أن هذا القطاع، وعلى مدى نحو 150 عام مضى، قد أنقذ البشرية من عشرات الأوبئة وأوجد الحلول للكثير من أسباب الموت وحسّن نوعية الحياة للبشر إلا أن إدراك الخبراء يزداد في آخر 10 سنوات بحجم الجشع والتجاوزات فيه؛ الأمر الذي لا يتوقف عند ارتفاع الأسعار، بل يتجاوز ذلك إلى إنتاج لقاحات فاسدة أو عدم إفصاح العديد من الشركات عن الأضرار الجانبية لبعض العقاقير والتي قد تحتاج إلى سنوات طويلة لكشفها.

منافسة حادة

إن الهيمنة الاميركية على صناعة الدواء في العالم واضح بشكل كبير على الرغم من المنافسة الحادة مع الصناعات الأوروبية، بالإضافة إلى بروز الصناعات الدوائية الإسرئيلية بقوة إذ توجد أربع شركات إسرائيلية تعد من بين المنافسين في العالم، وعلى رأسها شركة “تيفع” التي بدأت في القدس العام 1901 وهي أول من أنتج الفياغرا في العالم.

إن هذه الشركات رغم سمعة العلاج الإسرائيلي في السابق، أصبحت من أكثر الشركات في الإحتيال وممارسة التضليل وأحد الأسباب الرئيسة لإرتفاع الأسعار في العالم. ففي العام 2015، أظهرت دراسة في جامعة حيفا أن شركات الأدوية تمارس أساليب التخويف وإخفاء معلومات طبية وتلفيق معطيات من خلال استطلاعات رأي غير حقيقية، تحت عنوان التوعية من الأمراض وذلك من أجل تسويق الأدوية، وأن استراتيجيات التسويق تشبه استراتيجية تسويق صناعة التبغ في السابق.

شركات رائدة

تتصدر شركة “جونسون أند جونسون” السوق بصافي دخل 15 مليار دولار، حسب تقديات العام 2017، تليها شركة “نوفارتس” السويسرية بصافي دخل 13.8 مليار دولار، لتتراوح الشركات بين الثالثة والعاشرة، بين 4.1 و11.9 مليار دولار كدخل صافي. فالصناعات الدوائية حققت متوسط أرباح يربو على 30% في المتوسط، خلال الفترة بين العامين 1990 – 2005، حيث لم تحدث أية اكتشافات “ذات قيمة تجارية” خلال الفترة الأخيرة إذ بقي الأمر في حدود “تطوير ما هو قائم بالفعل”.

غير أن الكثير من الشركات بدأت في التعافي، العام 2008، تحديداً بسبب الإختراقات المتوالية في مجال بعض الأمراض، ولا سيما “فيروس سي” وبعض أنواع السرطانات، فضلًا عن اتفاقات الدمج وصفقات الإستحواذ بين عدد منها. على سبيل المثال، ظهر عقار “كيترودا” لعلاج مرضى السرطان، والذي أنتجته شركة “ميرك” الأمريكية لصناعة الأدوية، وتتوقع شبكة “بلومبرج” أن تصل مبيعاته وحده، العام 2020، إلى حوالي 100 مليار دولار، كما ازدادت مبيعات الشركة بعد اكتشاف الدواء بشكل لافت، وتقدر شبكة “سي.إن.بي.سي” حجم الإنفاق على علاج السرطان وحده عالمياً بحوالي 107 مليارات دولار، العام 2015 (كآخر عام متاح به بيانات كاملة تخص العالم بأسره)، مشيرةً إلى أن التقديرات تؤكد زيادة الإنفاق عليه سنويًا بنسبة تتراوح ما بن 7% إلى 10% خلال السنوات العشر المقبلة.

الأبحاث والتطوير

تؤدي المنافسة بين شركات الدواء إلى إنفاقها لحوالي 150 مليار دولار على الأبحاث في محاولة لتقديم علاجات ناجعة للأمراض المختلفة وذلك في محاولة للتفوق على الشركات الأخرى وكسب أكبر حصة ممكنة من السوق بما يجعل الإنفاق على الأبحاث يصل إلى أكثر من 13.5% من حجم السوق نفسه، وهي نسبة مرتفعة، وتزداد أهمية هذه النسبة مع الأخذ بعين الإعتبار حقيقة وجود الكثير من الشركات. على سبيل المثال، أنفقت “جونسون أند جونسون” حوالي 10.5 مليار دولار على الأبحاث، خلال العام 2017، فيما يصل إلى 16% من مجمل دخلها في العام ذاته، بينما لا تنفق شركات الأدوية في كافة دول الجنوب، كبلدان أفريقيا وأمريكا الجنوبية وأستراليا، مجتمعة هذا المبلغ، وفقاً لتقديرات مجلة “فوربس”.

وتشير مؤسسة “هيلث أفيرز” إلى أن هناك أزمة كبيرة تعترض الصناعات الدوائية مع الإرتفاع الكبير في تكلفة الأبحاث والتطوير، وتتعلق تلك المشكلة بضعف الطلب على المنتجات الحديثة التي يتم إنفاق مبالغ كبيرة على تطويرها، بما يجعل العائدات عليها تتأخر ويعيق دورة رأس المال.

أخيراً، ومع تفشي وباء “كورونا” المستجد، تتسابق كبرى شركات الأدوية حول العالم في إيجاد لقاحات وأدوية تعالج وباء “كوفيد-19″، الأمر الذي يعيد قطاع الأدوية إلى الصدارة بعد ركود لتتصدر بعد النجاح على قطاعات أخرى وفي مقدمتها الصناعات التكنولوجية، فيما ستحتدم تلك المنافسة بين دول قطبين متنافسين في العالم، ليبقى العلم ينتظر هذا الدواء الذي سينقذ البشرية من وباء أوقف دول العالم كله وشل حركته.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: Chain News – Time.

موضوع ذا صلة: صناعة الأدوية في الكويت بين الإمكانات والمعوقات