تعتبر السياسية الخارجية أحد أهم محددات قوة الدولة وتماسكها، فهي تلك النشاطات المتنوعة – سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية – التي تعبر بها الدولة عن توجهها وعن ادراكها لعلاقتها مع الفواعل الأخرى في المجتمع الدولي، أو هي مختلف تحركات الدولة خارج حدودها انطلاقاً من قرارات يتم بناءها داخل الحدود.
ومن بين أهم أهداف السياسة الخارجية هي تحقيق المصلحة الوطنية للدولة قبل كل شيء، حيث – منطقياً – تعتبر أول مهمة لوضع السياسة الخارجية هي دراسة الأوضاع الخارجية والداخلية وتحديد الوسائل المتوفرة لخلق التوازن بين الامكانيات والاهداف، وعادة ما يواجه صانع القرار صعوبة في وضع سياسة خارجية مؤثرة وقوية ومتوازنة في ظل الازمات؛ من هنا، يمكننا طرح السؤال التالي: كيف يمكن لصانع القرار أن يخلق التوزان بين الاهداف المسطرة والوسائل المتوفرة في صنع السياسة الخارجية اثناء الأزمات ؟
إن صناعة القرار هي عملية التوصل إلى صيغة أو اختيار بديل من بديلين أو اكثر باعتبار أن البديل هو الاكثر قدره على حل المشكلة أو المشاكل القائمة بشكل يحقق للدول والمؤسسات اهدافها المحددة مسبقاً، أو بصورة اخرى إن صنع القرار يشير إلى القدرة على تبنى سلوك معين من بين البدائل المطروحة، إذ عادة ما يتم التوصل إلى البدائل عن طريق دراسة الاهداف المسطرة أو احتياجات الدولة اللازم تحقيقها في فترة محددة ويتم ترتيب البدائل انطلاقاً من مجموعة مؤشرات تحدد مدى عقلانية وواقعية صانع القرار.
في العلاقات الدولية والسياسية الخارجية ومهما كان حجم الدولة فإن صانع القرار يجب عليه أن يحدد أهداف البلاد انطلاقاً من المصلحة القومية مع مراعاة المبادئ والثوابت المجتمعية والسياسة ودراسة الامكانيات والموارد المادية والبشرية المتوفرة وهنا تكمن الموازنة؛ فالاهداف وحدها ليست كافية، إذ عادة ما تصطدم الدولة بوضع داخلي أو خارجي يحول دون تطبيق السياسة الخارجية أو يجعلها بدون قيمة أو مردود، وهذا عندما تتعارض الاهداف مع البيئة الداخلية والخارجية وتكون الموارد غير كافية، فتتحول القرارات إلى “حبر على ورق” أو تفقد فعاليتها وقيمتها فور تطبيقها بشكل ناقص.
في كثير من الحالات يقع صانع القرار في مأزق أمام ما هو متوفر وما هو مطلوب خاصة في حالة وجود ضغط شعبي أو في حالة الازمات؛ ولكن العقلانية في هذه الحالة تفرض عليه اتباع خطوات بسيطة وثابتة يكون تأثيرها وثقلها كبير بدل من خطوات متسرعة وعميقة تتوقف في المنتصف لغياب الامكانيات أو لا يتم تطبيقها على أرض الواقع بالأساس.
خلق التوازن بين الاهداف و الوسائل في فترة الازمات
بعض الازمات التي تواجهها الدولة تمثل درجة عالية من التهديد للأهداف والقيم والمصالح الجوهرية للدولة، إلا أن التهديد لا يمثل فى حد ذاته عنصراً من عناصر الأزمة إلا إذا أدركه صانع القرار؛ فمن الممكن أن ما تعتبره أنت تهديداً، يعتبره صانع القرار وضع طبيعي والعكس صحيح. وبنفس الدرجة يختلف الوضع من صانع قرار إلى آخر بحسب العوامل الشخصية والبيئة المحيطة به والوضع العام، كما تتوقف خطورة هذا التهديد على أهمية القيم التي يتعلق بها، واخطر أنواع التهديدات هي تلك التي تمس بالأمن الوطني للدولة وببقاءها.
وتكون إدارة الأزمات الدولية بالأساس في التغلّب عليها من خلال الأدوات المناسبة لتجنب سلبياتها والاستفادة من إيجابياتها، أي إدارة التوازنات، وهذا يستدعي عملية اتخاذ القرار في الظروف الاستثنائية على قاعدة حسن الترشيد، حيث نلاحظ دائماً – في بعض الحالات – تباين آراء متخذي القرار حول ما يعتبره أحدهم قرار صائب أو ذي جدوى فعالية وآخر يعتبره قرار خاطئ أو غير متكافئ. فمن الممكن أن يواجها نفس الأزمة ويكون لديهما نفس الأهداف، ولكن الاختلاف يكمن في الادراك بين صانع قرار وآخر ينفذ، أي وضع سياسة مختلفة واستخدام وسائل متبانية.
ويعتبر وضع السياسة الخارجية المناسبة في حالة الأزمات صعب جداً لأنه مهما تمسك صانع القرار بالحلول الواقعية والبدائل الأفضل فأنه لن ينال رضى جميع الأطراف، وسيعاني من تداخل عوامل أخرى تعيق تطبيق قراراته كالبيئة الخارجية وظروف لا يمكن التنبؤ بها أو التحكم فيها. ولكن، من بين الأساليب المناسبة لصناعة سياسة فعالة في فترة الأزمات – سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو صحية – هي وضع هيكل أو فريق مختص في مجال الازمة، وهذا ما يعتبر أهم خطوة على طريق تسهيل عملية وضع السياسة الخارجية على صانع القرار.
من هنا، يجب أن يتكون هذا الفريق من المختصين والباحثين والمستشارين في تخصصات متنوعة والتي تمس مجال الأزمة بشكل مباشر؛ فاذا كانت الأزمة سياسية وامنية، فعلى صانع القرار العقلاني أن يستعين بخبراء في تخصص العلاقات الدولية والدراسات الامنية وحتى الاقتصادية.
وعلى هذا الفريق أن يجمع ما بين المصالح المتعارضة، ويجب أن تكون صغيراً بما يكفي ليكون قادراً على اتخاذ القرارات بسرعة، وكبيراً بما يكفي ليشمل وجهات نظر ومصادر معلومات مختلفة. أيضاً، يجب أن يكون تشكيله هرمياً، وأن يذكر بشكل واضح تقسيم المسؤوليات فيه.
تكون مهمة هذا الفريق الأساسية هي خلق التوازن بين الاهداف والوسائل في صنع السياسة الخارجية مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع المتأزم و البدائل القليلة. ولكن، هل عمل هذا الفريق يقتصر على حل الاوضاع المعقدة و الأزمات فقط؟
في العادة، إن عملية صنع القرار السليمة لا تقتصر على رأي شخص واحد أو قائد واحد فقط؛ فإدارة الدولة ووضع سياسة خارجية مؤثرة تحتاج إلى وجهات نظر متعددة تخلق نوع من التنافس بين المستشارين ومراكز البحث للخروج بأفضل بديل الذي يحقق اكبر الأرباح بأقل التكاليف، ويضمن نجاح السياسة خارجياً.
يمثل هذا النمط من الهياكل والمؤسسات ضرورة في عملية صنع القرار خاصة في الدول النامية التي تغيب فيها مراكز البحث المؤثرة؛ فالدول القوية – على غرار الولايات المتحدة وروسيا والصين – تستعين بشكل واسع بمراكز البحث والخبراء في وضع سياساتهم الخارجية، وتعتبر هذه المراكز والهياكل أساسية وجزء لا يتجزأ من مؤسسة صناعة القرار.
المراجع:
1. جمال بوربيع. القيادة اتخاذ القرار أثناء الكوارث والازمات. مجلة علوم الإنسان والمجتمع. جامعة سطيف. الجزائر.
2. حسين خلف موسى. إدارة أزمات السياسة الخارجية. المركز الديمقراطى العربى. 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2014. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3o2DsQa
3. صنع القرار السياسي أثناء الأزمات. المعهد الديمقراطي الوطني. مايو/أيار 2020. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3bJofhh
4. ناجي محمد الهتاش. محاضرات السياسة الخارجية. جامعة تكريت للعلوم السياسة. العراق. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3H3cL6O
مصدر الصور: رويترز – النهار.
موضوع ذا صلة: الإقتصاد الصيني بين المشكلات الداخلية والأزمات الدولية
طالبة ماجستير علاقات دولية تخصص دراسات أمنية و إستراتيجية – الجزائر