مركز سيتا

25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 كان يوماً مفصلياً في حياة السودان، التي عاشت تاريخاً حافلاً من الانقلابات العسكرية. تاريخ لن يجعل يعيش السودان كما قبل، انقلاب عسكري أطاح بـ “الحلم” الديمقراطي الذي بدأ الشعب السوادني يدفع ثمنه الأرواح – كما يرى العديد من المراقبين – في تصعيد عسكري وقبضة حديدية يمارسها حكم العسكر ضد المدنيين.

وأد الديمقراطية؟!

نفذت سلطات الأمن السودانية حملة اعتقالات واسعة شملت العشرات من النشطاء والفاعلين في تحالف قوى الحرية والتغيير من بينهم نور الدين صلاح الدين، عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني، وجاءت حملة الاعتقالات الجديدة التي نفذت في عدد من إحياء العاصمة الخرطوم ومدن سودانية أخرى قبيل ساعات من انطلاق مسيرات جديدة رافضة لقرارات قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بحل مجلسي الوزراء والسيادة وإعلان الطوارئ في25 أكتوبر/تشرين الأول.

وضع حرج

على مدار الأيام العشرة الماضية، اعتقلت الشرطة وقوات الأمن الوطني الكثير من المتظاهرين بشكل يومي، واحتجزت الكثيرين لساعات وأيام، وكثيراً ما تم احتجازهم مع استجوابهم وتهديدهم وإساءة معاملتهم أثناء الاحتجاز، على حد قول أشخاص تعرضوا للاحتجاز لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، وبناء على تقديرات منظمات أخرى تراقب الوضع.، حيث تم إجبار الكثير من المحتجزين على توقيع تعهد بالكف عن التظاهر قبل الإفراج عنهم. بعد يومين، عاودت قوات الأمن القبض عليهم وضربوهم، بناءً على اشتباه الأمن في دعمهم للمظاهرات، وقال مسؤول أمني محذراً إياهم “إذا أمسكنا بكم ثانية في المظاهرات سوف نقطع أجزاء أخرى من أجسادكم”.

وعلى مدار الأسبوع، حكم القضاء على مجموعات كبيرة من المتظاهرين بعقوبة “الجلد” بموجب أحكام النظام العام في القانون الجنائي السوداني، بتهمة المشاركة في المظاهرات. كما قبضت قوات الأمن على الكثير من شخصيات أحزاب المعارضة وعلى أقارب لهم، وعلى نشطاء معروفين وآخرين من المتصور أنهم معارضون، من بيوتهم وأماكن عملهم.

قمع الحريات

قال مواطنون سودانيون إنهم تمكنوا، من تصفح الإنترنت عبر هواتفهم النقالة، واستدركوا أنهم واجهوا صعوبات في تشغيل وسائل التواصل الاجتماعي – مثل تطبيق “واتساب” و”فايسبوك” – التي تبدو محظورة، ما دفعهم للجوء إلى استخدام تطبيقات فك الحظر. وبحسب تقارير غير رسمية، تجاوزت خسائر قطع الإنترنت في السودان نحو 500 مليون دولار أمريكي.

من جانبها، أفادت مصادر مطلعة بعودة خدمة الإنترنت عبر كافة شركات الاتصالات، دون تفاصيل أكثر، يأتي ذلك بعد أن انقطعت خدمة الإنترنت بالسودان منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك عقب قرارات لقائد الجيش والتي قضت بفرض حالة الطوارئ في البلاد وحل مجلسي السيادة والوزراء وتجميد عدد من بنود الوثيقة الدستورية.

ولقد اعتبر الفريق أول البرهان – في قراراته – “تصحيحاً لمسار الثورة”، فيما عدتها “قوى الحرية والتغيير”، الشريك المدني في السلطة، انقلابا على الوثيقة الدستورية.

وتأتي خطوة عودة الإنترنت بعد أسبوع من تشكيل مجلس سيادي جديد برئاسة البرهان نفسه، يضم 14 شخصاً ليس من بينهم منتسبون لتحالف “قوى الحرية والتغيير” الذي كان يتقاسم السلطة الانتقالية مع الجيش.

مجلس سيادة جديد

شكّل البرهان مجلس سيادة انتقالياً جديداً استبعد منه 4 ممثلين لقوى الحرية والتغيير، وهو تكتّل سياسي انبثق من الانتفاضة ضدّ حكم الرئيس السابق، عمر حسن البشير، الذي دعا إلى تظاهرة “مليونية” جديدة، واحتفظ البرهان بمنصبه رئيساً للمجلس، كما احتفظ الفريق أوّل محمّد حمدان دقلو (حميدتي) – قائد قوة الدعم السريع المتهم بارتكاب تجاوزات إبّان الحرب في دارفور وأثناء الانتفاضة ضد البشير – بموقعه كنائب لرئيس المجلس، وتعهّدا أن يُجريا “انتخابات حرّة وشفافة” صيف العام 2023، حيث أبقى الفريق البرهان على معاونيه في الحكم بعد وضع رئيس الوزراء المعزول، عبد الله حمدوك، رهن الإقامة الجبرية في منزله فيما بعض الوزراء في حكومته لا يزالون رهن الاعتقال.

وقالت مصادر إعلامية إن الأكاديمي هنود أبيا كدوف يتصدر المرشحين لرئاسة الحكومة السودانية المقبلة التي تعهد مجلس السيادة الجديد بتشكيلها خلال أيام، وذلك بعدما رشحت معلومات بأن الرئيس حمدوك لن يترأس الحكومة الجديدة.

فرض أمر واقع؟

بدا إصرار الفريق البرهان على المضي قُدماً في سياسته، بفرض الأمر الواقع واضحاً، من خلال إعلانه تشكيل مجلس سيادة انتقالي جديد برئاسته وتعيين الفريق دقلو نائباً له، كما أدى البرهان أيضاً، اليمين الدستورية كرئيس للمجلس أمام رئيس القضاء عبد العزيز فتح الرحمن عابدين.

ووفقاً لمراقبين، فإن تشكيلة مجلس السيادة الجديد، الذي أعلنه البرهان، تؤكد على مضيه قُدماً في فرض سياسة الأمر الواقع، إذ استبعد الرجل (حمدوك) من المجلس تماماً، كل عناصر قوى الحرية والتغيير، الذين كانوا شركاء في المجلس الأصلي، الذي قام البرهان بحله، إثر انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول.

وفي سياق متصل ووفقاً لعديد من المحللين، فإن البرهان يمارس لعبة “خلط الأوراق”، عبر إنتاجه مجلس سيادة انتقالي جديد يناسب طموحاته، والتأكيد على عودة المدنيين للحكم، ضمن حكومة جديدة قال إنها ستعلن قريباً، إذ هو سيعيد مدنيين للحكم لكنهم مدنيون من نوع آخر، فهم ليسوا مسيسين أو سياسيين، كما كانوا في الحكومة التي انقلب عليها.

ومهما كان الإسم الذي ستسمى به حكومة البرهان الجديدة، سواء كان “تكنوقراط” أو “مدنية”، فإن المؤكد – من وجهة نظر المحللين- هو أن الرفيق البرهان سيأتي بحكومة “تنفذ أوامره”، وربما لو قدر لها أن تستمر، فإنها لن يكون لها من أمر الحكم شيئاً، وسيظل البرهان والعسكر يحكمون من وراء ستار.

مساران لا يلتقيان

تظهر الصورة الحالية في السودان – بوضوح – أن هناك مسارين مختلفين تماماً، يمضي كل منهما في وجهة معاكسة للآخر، إذ يبدو قائد الجيش، وهو يقود مساراً باتجاه تنفيذ خطة خاصة به، كان أول عناصرها تشكيل مجلس سيادة انتقالي جديد، تخلص فيه من شركائه القدامى، من “قوى الحرية والتغيير”، ثم تعيين حكومة جديدة ربما تكون مدنية فعلاً، لكنها لن تضم مسيسين، بما يسهل للبرهان الحكم من خلالها أو من وراء ستار، وفي كل تلك الخطوات، فإن البرهان لايعطي اعتباراً لما يجري في الشارع، ولا يقيم وزناً لقوى سياسية مدنية أخرى.

وفي المسار الآخر، تقود “قوى الحرية والتغيير”، وفي قلبها أحد أهم مكوناتها، وهو تجمع المهنيين السودانيين، حركة رفض في الشارع، يتفاعل معها كثير من السودانيين، وقد أكدت الحركة مراراً، بعد تشكيل البرهان لمجلسه الجديد، على أنها غير معنية بخطواته، وأنها تعول فقط على الشارع، ولن تستجيب لأية خطوة ناجمة عن الانقلاب، مؤكدة على أن الشارع وحده هو من سيسقط هذا الانقلاب، وكل الهياكل التي ترتبت عليه.

أخيراً، يبقى السؤال المحوري: هل سينجح الفريق البرهان في فرض حكومة الأمر الواقع على السودانين الرافضين؟ وما هو المدى الزمني الذي يمكن فيه حسم الصراع في السودان؟ وهل يمكن التعويل على دور دولي أو إقليمي في حسم ما يجري في السودان؟ هي تساؤلات تراود كل الشعب السوداني – الذي لم يستفق من حالة اللا استقرار التي يعيشها – في وضع يبدو أن الهشاشة والفوضى ستكون هي الحاكم لوقت طويل من الزمن، في ظل تهديد الغرب – عبر تصريحات مسؤولي دوله – بوقف المساعدات المالية إذا لم تكن الديمقراطية خياراً متاحاً، لكن لا يوجد حتى الآن موقف إلزامي يلزم حكومة الانقلاب بهذا الأمر.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: المونيتور – دايلي صباح.

موضوع ذا صلة: إزاحة الجيش عن منظومة الإقتصاد السوداني: مبدأ إصلاحي دونه صعوبات