مركز سيتا
استهدف قصف جوي إسرائيلي ساحة الحاويات في مرفأ اللاذقية، شمال غرب سوريا، وفق ما أفاد الإعلام الرسمي السوري، وذلك في ثاني استهداف من نوعه للمرفق الحيوي خلال شهر واحد. وبحسب بعض المراقبين، إن الهجوم على ميناء اللاذقية – وكذلك باقي الهجمات السابقة المنسوبة لإسرائيل – يعكس جهداً إسرائيلياً لمحاولة دق إسفين بين الدولة السورية والحليف الإيراني، هذا على جانب.
على الجانب الآخر وعلى الصعيد الاسترايجي، يشير بعض المحللين إلى مسألة مهمة وهي مصلحة إسرائيل في شل موانئ شرق المتوسط العربية بشكل كبير.
ادعاءات معروفة وأهداف مختلفة
لم تأتِ الغارات المتكررة من الجانب الإسرائيلي على سوريا لنفس الأسباب المعروفة سابقاً – أي تدمير شحنات إيرانية في طريقها إلى حزب الله اللبناني – وذلك لتعدد الأهداف الإسرائيلية، حيث تتخذ تل أبيب التواجد الإيراني كذريعة لتدمير البنى التحتية السورية بشكل ممنهج ومدروس وكبير، وهذا بدا جلياً ضمن “قائمة الأهداف” التي يختارها الجيش الإسرائيلي، سواء بتنفيذ اغتيالات أو عبر قصف جوي على مطارات حيوية ومواقع عسكرية، أو ما شابه ذلك.
في الشأن السوري، يقول الأستاذ مهند الحاج علي، المحلل السياسي السوري وعضو مجلس الشعب السابق، إن “الاستهداف المتكرر لميناء اللاذقية ليس له علاقة أبداً باستهداف شحنات سلاح مزعومة ترسل إلى لبنان.”
حرب المرافئ
اعتقد الكثير من المحللين بأن الاعتداء الإسرائيلي الأول على مرفأ اللاذقية التجاري المدني – الخالي من أية مظاهر عسكرية والذي يعتبر الشريان الرئيسي للبلاد وسط تعطل غالبية الطرق البرية مع الابتعاد كلياً عن مرفأ طرطوس الذي يُعتبر مملوكاً لروسيا (بموجب عقد أبرمته مع الجانب السوري لمدة 49 عاماً وفيه أسطولاً لها وبعضاً من قطعها العسكرية ما يعني تحوله من الطابع التجاري إلى العسكري) يشير بشكل واضح إلى مسألة مهمة وتدمير البنى التحتية السورية القادرة على التواصل مع العالم مستقبلاً، ويظهر ذلك بوضوح عند الربط بين العدوان السابق والعدوان الجديد خصوصاً أن المرفأ يعتبر أساس للعمليات التجارية حالياً؛ ومع تكرار استهدافه، فذلك يعني بوضوح توجيه رسالة قوية إلى شركات النقل البحري العالمية بالحذر من التوجه أو التعامل مع سوريا ما يعني بدوره – على الصعيد المحلي – رفع أسعار السلع بشكل كبير ما يزيد من الأعباء الاقتصادية على دمشق.
في هذا الشأن، يقول الحاج على أيضاً إن هدف العدوان الأساسي هو “زرع الرعب في نفس المستوردين والمصدرين، وبالتالي خلق نوع من الشلل الحركي لهذا الميناء الذي يقود إلى إتمام وإطباق الحصار الاقتصادي على سوريا.”
وعند الربط مع ما حدث لمرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب العام 2020 (سواء كان إنفجاراً أو تفجيراً)، فمكن القول بأن رفع موانئ المتوسط عن الخدمة التجارية والاقتصادية (لأي سبب كان) يقع ضمع المصالح الإسرائيلية حكماً، والتعويض عن ذلك سيكون من خلال الاعتماد على مرفأ حيفا المجهّز بشكل كامل وحديث، خصوصاً مع الاستثمارات الصينية فيه واتفاقيات التطبيع مع العديد من الدول العربية وتصاعد الحديث عن اعتماده للتصدير إلى أوروبا وحوض المتوسط لا سيما مع العلاقات المتوترة بين العديد من دول الخليج العربي مع سوريا (خفت حدتها نوعاً ما) ولبنان (وجود تجاذبات عميقة وبالتحديد في الفترة الحالية).
هذا الأمر لا يبدو عبثياً وقد لا يأتي من فراغ، بل يمكن القول بأنه يقع ضمن مخطط إسرائيلي لشل موانئ سوريا ولبنان على البحر المتوسط، وهو ما قد يدفع للاعتقاد بأن – وفي أية حرب مقبلة – مرفأ طرابلس اللبناني سيكون في “عين العاصفة” أيضاً، وذلك للإطباق على كل الموانئ المتوسطية لينفرد مرفأ حيفا الإسرائيلي بحركة التجارة الدولية والإقليمية من هذه المنطقة ليكون هو نقطة الوصل بين العالم، خاصة بعد أن بدأ الغرب يبحث عن بديل ما يعد جنوح سفينة “إيفر غرين” في قناة السويس التي عطلت حركة الملاحة وسببت خسائر اقتصادية بالمليارات.
بالإضافة إلى ذلك، إن استهداف الميناء إسرائيلياً قد يكون سبباً في زيادة النقمة السنّية – الشيعية، خصوصاً، واللبنانية، عموماً، تجاه حزب الله (الجزء الإسلامي من المقاومة اللبنانية)، لا سيما في ظل الأجواء المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد، بالإضافة إلى وجود نوع من الانقسام السياسي – الأمر الذي “قد” يعوق من قدرة حزب الله على توجيه ضربة مماثلة وليس لنقص في تجهيزاته العسكرية – وهذا ما سيزيد من الضغط على الداخل اللبناني بشكل كبير، وسيصب حكماً ضمن مروحة الأهداف والمصالح الإسرائيلية على المدى الاستراتيجي.
مصدر الصورة: جريدة التمدن.
موضوع ذا صلة: الصراع الدولي على طرابلس اللبنانية