ملخص

لم يكد ينطوي العام حتى لجأت الصين – تجنباً لحدوث كساد كبير جديد – إلى ضخ أموال غير مغطاة على نطاق واسع، وتوسيع نطاق منح القروض سعياً لتحفيز الطلب. قرارات بكين جاءت ما بعد أزمة انزلاق شركة إيفيرغراند – Evergrande الصينية الأضخم في مجال التطوير العقاري، والذي يمثّل 30% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، نحو الإفلاس بخطى متسارعة، ما قد ينعكس على الاقتصاد الصيني بأكمله، والذي كان يعتمد في نموّه طوال الأعوام الأخيرة، على ضخ القروض.

خبراء الإقتصاد، الذين يرصدون التباطؤ والضعف في الإقتصاد الصيني، حذروا من نتائج وخيمة للإفلاس المحتمل للشركة العقارية العملاقة ما قد يؤدي إلى انهيار عدد من الشركات الأخرى في هذا القطاع، ونشر الذعر في البورصات. كما يمكن التأثير سلباً على النظام المالي للبلاد على غرار ما حدث في انهيار ليمان براذرز – Lehman Brothers في الولايات المتحدة الأمريكية، العام 2008. ويكمن الخطر في أن جزءاً كبيراً من الطبقة الوسطى الصينية يستثمر مدخراته في الأسهم، وسيؤدي انهيار سوق الأوراق المالية تلقائياً إلى أزمة اجتماعية وسياسية حادة.

ومن المرجح أيضاً أن يتسبب ذلك، نظراً لحجم الاقتصاد الصيني، في حدوث “تسونامي” بجميع أسواق الأسهم العالمية، وإلى موجة من الذعر والإفلاس في معظم أنحاء العالم، لن يكون أمام البنوك المركزية في العالم حينها سوى طباعة عشرات أو مئات التريليونات من الأموال الإضافية غير المغطاة لدعم الأسواق والبنوك، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى تضخم عالمي مفرط. سيتفاقم الوضع بسبب الانهيار المالي في الصين “المصنع الرئيسي للعالم”، والذي من المرجح أن يخفّض بشكل كبير من إنتاج وتصدير السلع إلى الأسواق العالمية.(1)

هذا المستجد في تباطؤ صعود المارد الصيني إلى القمة وبدء انحدار متوقع، وما رافقه من عيون مفتحة من الغرب والشرق، هل عليه أن يرضي “الجبار الأول” الحالي المتربع على القمة، أو أن على أمريكا وحلفائها أن تخشى ذلك، وبصيغة أخرى هل على واشنطن أن تتحسب لمنع حلول الصين مكانها في القمة، أم أن التباطؤ والخط الإنحداري للإقتصاد الصيني سيمثل حافزاً لبكين للجوء إلى القوة العسكرية؟

سنحاول في هذا البحث، بعد شرح معايير تبوء سدة المراتب العالمية أو ما اصطلح على تسميته “تحوّل القوة”، وتوثيق مكامن القوة والريادة للمارد الصيني، وتبيان خطوط التباطؤ وصعوبة الإصلاح، والخطط الأميركية بتطويق القوة الصاعدة، الإجابة على تساؤل مقلق: هل أن استعمال القوة من احد الجبارين مسألة وقت؟

مقدمة – مفهوم “تحول القوة”

يشير مفهوم “تحول القوة” إلى فقدان دولة مهيمنة لموقعها القيادي في النظام الدولي لصالح قادم آخر تتنامى قوته بشكل متسارع؛ وبالتالي، يسعى هذا القادم للوصول إلى موقع الهيمنة. فمن أجل حدوث تحول للقوة، يجب على الدولة الصاعدة أن تمتلك مقومات للقوة تفوق تلك التي تمتلكها الدولة المهيمنة، أو على الأقل تعادلها؛ وبالتالي، على الدولة الصاعدة العمل على تضييق الفجوة بين مقدراتها القومية، ومقدرات الدولة المهيمنة. وعندما يكون الأمر مصحوباً بعدم رضا شديد عن الوضع الدولي القائم بالنسبة للدولة الصاعدة، فإنه من المتوقع نشوب الحروب.

المؤشرات التقليدية لمفهوم تحول القوة حصرها ديفيد سنجر – David Singer في 6 مؤشرات: عدد السكان الكلي، عدد سكان الحضر، الأفراد العاملين بالقوات المسلحة، مقدار الإنفاق العسكري، صناعات الحديد والصلب، ومعدل استهلاك الطاقة. وقام تشارلز دوران – Charles Doran بتتبع صعود وهبوط المقدرات القومية للدول.

وأكد كل من أبرامو فيمو كينيث أورغانسكي – Abramo Fimo Kenneth Organski وجاسيك كوجلر – Jacek Kugler أن الدولة الصاعدة – أطلقا عليها تعبير المتحدي الصاعد – rising challenger – تسلك سلوكاً تصادمياً مع القوة العظمى، للوصول إلى موقع الصدارة في النظام العالمي، ولهذا، تندلع الحروب بين القوة الصاعدة وتلك المسيطرة على الوضع القائم. ويضيف أورغانسكي أن احتمالات الصراع بين دولتين تزداد حينما يبدأ ميزان المقدرات بينهما في التغير، بحيث يصبح لإحدى الدولتين ميزة نسبية على الدولة الأخرى، وتكون تلك الدولة ذات الميزة غير راضية عن النظام الدولي القائم.(2)

إن مسألة تعادل القوة بين القوى الكبرى أمر له خطورته، لأن الفرص المتكافأة في تحقيق انتصار عند نشوب الحرب ربما يشكل حافزاً كافياً لقادة الدول لقبول مخاطرة اقحام دولهم في حرب. ولكن مع ازدياد قوة الدولة المتحدية، فإن ذلك يخلق موقفاً غالباً إلى نشوب حرب. فالحرب تندلع عندما يصبح توزيع القوة بين الدولة المهيمنة وتلك المتحدية متعادلاً بشكل تقريبي، وتكون احتمالية اندلاع حرب كبرى عالية عند النقطة التي تتخطي فيها الدولة المتحدية نظيرتها المهيمنة.

فنشوب الحروب الكونية يمهد لنظام عالمي جديد – وفق ما اشار الباحثان الأمريكيان جورج موديلاتسكي – George Modelski ووليام طومسون – William R. Thompson بقولهما إن النظام العالمي منتظم في هياكل محددة حيث تكون مقاليد الأمور في يد دولة واحدة مهيمنة، كما يعتبر المؤشر الأساسي في عملية تحول القوة وتدشين نظام عالمي جديد هو “نشوب الحروب غير القابلة للمنع”. فالحروب الكونية، تعد مؤشرات لتولي قيادة عالمية جديدة لشؤون العالم؛ وبالتالي، فإن تفوقها العسكري يمنحها القدرة على تقديم السلع العامة كالأمن العسكري ووضع قواعد للعلاقات الاقتصادية الدولية. والأكثر من هذا، إن اساءة تقدير دولة – أو أكثر – لقوتها النسبية بالمقارنة بقوة خصومها، تكون أكبر ما تكون عندما تتساوى أو تتعادل قوة كل طرف من الأطراف.(3)

أيضاً، هناك نظرية أخرى تقول إنه في توازن أو تعادل القوة ليس من المحتم قيام الحروب الكونية، لأن وجود الدول والتحالفات في حالة تكاد تتعادل فيها قوتها العسكرية أمر من شأنه أن يحول دون نشوب النزاع المسلح؛ وعليه، فإن بعضاً من الدول تسعى إلى الحفاظ على التوازن العسكري فيما بينها. ويعتبر سعي إحدى الدول لزيادة قدرتها العسكرية بالصورة التي تخل بتوازن القوى علمياً أمراً يدعو للاضطراب ويولّد سعياً من قبل الدول الأخرى لتعزيز توازن القوى بمعاهدات تلتزم فيها الدول الأطراف بالحفاظ على قوتها العسكرية ضمن حدود مقبولة من الدول الأخرى. وفي معاهدات السلام التي تبرم بين الدول بعد إنقضاء الحروب، يتم – في العادة – التطرق إلى موضوع توازن القوى والإشارة إلى الترتيبات التي من شأنها أن تحافظ عليه وتحول دون الإخلال به.

أولاً: الريادة العالمية وصعود المارد الصيني

تمثل السياسة الخارجية للصين مجالاً حيوياً ورئيسياً لتعزيز الصعود الصيني على الصعيدين الاقليمي والعالمي. وقد استفادت بكين من التطورات الدولية التي لحقت بالنظام الدولي خلال العقدين الماضيين، سواء على صعيد تغيير شكل النظام العالمي ودور القوى الكبرى الموجودة حالياً فيه، أو من حيث تجذّر مظاهر العولمة والانفتاح الاقتصادي والسياسي بين العديد من دول العالم، وذلك من أجل زيادة حجم ونوعية مقدرات القوة لديها ومحاولة اكتساب المزيد من خلال التفاعلات القائمة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية بين العديد من البلدان.

1. مؤشرات القوة الصلبة الصينية

تقوم ركائز الثقافة الصينية – بالدور الرئيس – في بناء الدولة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية. في البداية، كانت أفكار كونفشيوس – التي تدعو إلى إقامة “حكومة فاضلة” يكون الحاكم فيها حاكماً مطاعاً ذا واجبات ومسؤليات والمحكوم فيها محكوماً مطيعاً ذا حقوق واجبة القضاء – بالإضافة إلى الطبيعة المسالمة للشعب، ساعدت الصين للانتقال، بعد ذلك، إلى تبني الإيدولوجية الاشتراكية، بعد تأثر الصينيين بكبار الماركسيين فتحركوا نحو الاشتراكية ومبادئها.

ومنذ منتصف ثمانينات القرن الـ 20 وتحديداً خلال الدورة الثالثة للجنة المركزية الـ 11 للحزب الشيوعي في ديسمبر/كانون الأول 1978 والتي شهدت غلبة التيار الاصلاحي وبداية عصر “الاصلاح والانفتاح” عن طريق الصفوة الحاكمة في حقبة ما بعد ماو تسي تونغ، استقرت الصين على تبني إيدولوجية “النفعية البرجماتية” القائمة على المصالح، والتي دشن ركائزها الليبراليون الجدد، بدءً من الزعيم الصيني دينغ تشاو بينغ – Deng Xiaoping وصولاً إلى الرئيس هو جينتاو – Hu Jintao، اللذان تأثرا بنمط الحياه الغربية.

ويؤكد بعض الباحثين إلى أن الصين لم تتجه لتبني النهج البرجماتي والاصلاح الثقافي لأنها ترفض الاشتراكية بصفة عامة، لكنها اتجهت إلى الاصلاح لإعادة تصحيح المنهج الخاص بالتطبيق الاشتراكي بهدف تحقيق التحديث، ولكن وفقاً للخصوصية الثقافية الصينية. وقد تجلى ذلك في اعتماد بكين على اسلوب الرجوع لاراء الخبراء الفنية والمهنية من دون أخذ الاعتبارات الإيدولوجية، ولاعداد دراسات الجدوى الاقتصادية المزمع اقامتها واعطاء القطاع الخاص دوراً مكملاً في الحياه الاقتصادية.

للمفارقة، فإن التطور الاقتصادي الهائل للصين – خلال العقود الثلاثة الماضية – تم بمباركة أمريكية. لقد أيّد الأمريكيون انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية العام 2001، واستضافت جامعاتهم العديد من الباحثين الصينيين. كما وضعت الشركات الأمريكية الصين في قلب سلاسل انتاج الاقتصاد العالمي، حيث كانت واشنطن تراهن في ذلك على تقارب وتكامل النموذجين الاقتصاديين، إلا أن ذلك لم يتحقق بالشكل الذي كانت ترجوه. كل هذا أدى إلى تحول استراتيجي في التصور الأمريكي، ظهر من خلال تراكم العقوبات الاقتصادية والعقوبات المضادة في حرب تجارية بدأت في يناير/كانون الثاني 2018. تأثيرات هذه الحرب هائلة، وتحديداً في العام 2019، أدت إلى تراجعت الصين من أول إلى ثالث أكبر مورد للولايات المتحدة، بينما انخفضت الصادرات الأمريكية إلى الصين.(4)

2. خطة الريادة الصينية… اقتصاد الذكاء الاصطناعي

“… يرجَّح أن تكون المُنافَسة على التفوُق فى مضمار الذكاء الاصطناعي على مستوى الدول، سبباً في اندلاع حرب عالمية ثالثة، في رأيي”. جاءت هذه الكلمات في تغريدة لرائد الأعمال الأمريكي الشهير، إيلون ماسك، الذى أسَس ويُدير عدداً من الشركات التقنية المُهمة، بل وأكثر من ذلك، قام هو و115 شخصاً آخراً، من كِبار قادة الذكاء الاصطناعي في 26 دولة مُختلِفة، بتوقيع مذكرة إلى الأُمم المتحدة لحظْر تصنيع الأسلحة الفتاكة الإلكترونية، والمعروفة بإسم “الروبوتات القاتِلة”، وذلك قبيل انعقاد المؤتمر الدولي المُشترَك للذكاء الاصطناعي وبالتزامن مع بداية المُحادثات الرسمية من قبل الأُمم المتحدة لدراسة هذا الحظر.

يبدو أن الأفكار القائلة إن اقتصاد الذكاء الاصطناعي هو المستقبل وإن كل مَن يُصبِح زعيماً في هذا المجال سوف يَحكم العالَم، قد سيطرت على التفكير الاستراتيجي لقادة المُجتمع الصيني، الذين بدأوا بالفعل في إعطاء الأولوية لأبحاث الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته على أعلى المستويات.

في هذا المضمار، تم – مارس/آذار 2017 – إدراج الذكاء الاصطناعي للمرة الأولى في تقرير عمل الحكومة الصينية؛ وبناء عليه، أصدرت بكين خطتها لتطوير الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، بوضْعها جدول أعمالٍ طموح للغاية ومكونا من 3 مراحل زمنية مخُتلفة، تستهدف نمو قيمة صناعات الذكاء الصناعي في البلاد إلى ما يتجاوز 150 مليار يوان صيني بحلول العام 2020، وإلى ما يتجاوز 400 مليار يوان بحلول العالم 2025، وإلى 1 تريليون يوان بحلول العام 2030.(5)

وبجانب التخطيط والدعم الحكومي الملموس لتطوير قطاع الذكاء الاصطناعي، يتوقَع بعض الخبراء دوراً متزايداً لشركات القطاع الخاص الصينية العملاقة، مثل “علي بابا” و”بايدو” و”تنسنت”، لتحقيق اختراقات كبرى في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي على المدى القريب، لا سيما بعد أن أصبحت هذه الشركات منافساً قوياً لمعظم الشركات الأمريكية العاملة في هذا المجال.

إن نهوض الصين ليس سراباً، فهي نتيجة عقودٌ من النمو أعطت بكين القوة الاقتصادية للقوة العالمية، حيث أدت الاستثمارات الكبيرة في التقنيات الرئيسية والبنية التحتية للاتصالات إلى تبوئها مكانة قوية في الصراع من أجل التأثير الجغرافي الاقتصادي. أيضاً، تستخدم الصين مبادرة “الحزام والطريق” متعددة القارات لجلب دول أخرى إلى فلكها.

وعلى الجانب العسكري، تشير التقييمات الأكثر إثارة للقلق وتقارير وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن جيش الصين الهائل – على نحو متزايد – لديه الآن فرصة حقيقية للفوز بحرب ضد الولايات المتحدة في غرب المحيط الهادئ؛ لذلك، ليس من المستغرب أن تكون الصين قد طورت أيضاً طموحات قوة عظمى: لقد أعلن الرئيس شي جين بينغ – إلى حد ما – أن بلاده ترغب في تأكيد سيادتها على تايوان وبحر الصين الجنوبي وغيرها من المناطق المتنازع عليها، لتصبح القوة البارزة في آسيا وتتحدى الولايات المتحدة من أجل القيادة العالمية. ومع ذلك، إذا كانت نافذة الفرص الجيو – سياسية للصين حقيقية، فإن مستقبلها قد بدأ بالفعل يبدو قاتماً للغاية لأنها تفقد بسرعة المزايا التي دفعت نموها السريع.(6)

3. بناء القدرات العسكرية

حرصت الصين على استخدام ناتج الانطلاقة الاقتصادية في دعم وتحويل المجال العسكري، وبناء ترسانة عسكرية قوية تضمن للصين مكانتها كقوة عظمى. ولقد وصل الانفاق العسكري في الصين بمعدله الحالي إلى 4% من اجمالي الناتج القومي، وتجدر الاشارة إلى أن الميزانية الرسمية المعلنة الخاصة بالتسلح لا تعكس واقعها الحقيقي، حيث لا تتضمن الامدادات العسكرية، كما تغفل المبالغ المخصصة للابحاث العسكرية، وهذا يمكن ارجاعه إلى رغبة الصين في تدعيم قدراتها العسكرية بهدف تأكيد نفوذها خارج حدودها، حيث بادرت بالفعل إلى اتخاذ بعض المواقف “العدوانية” بشأن عدد من القضايا الحدودية مع جيرانها.

هذا ويتخوف الكثيرون من تنامي القوة العسكرية الصينية لما يمكن أن يتسبب فيه اذكاء حدة الصراع في المنطقة. إلا أنه تجدر الاشارة إلى صعوبة تخلي أية حكومة صينية عن مطالبها الاقليمية في تايوان وبحر الصين الجنوبي، أو هونغ كونغ باعتباره “مطلباً قومياً” يصعب التخلي عنه، هذا بالاضافة إلى العلاقات التي تربط كلا من الصين بهذه المناطق قبل أن تفقدها خلال نصف قرن مضى.

أيضاً، تسعى الصين إلى “ملء الفراغ” القائم في المحيط الهادي مع رغبتها في توسع مصالحها في المنطقة. وهنا تجدر الاشارة إلى أن معاناة الصين لفترة طويلة من الاحساس بعدم الأمن كان وراء سعيها لارساء دعائم أسطول قوي وإن لجأت الحكومة الصينية إلى تقليل حجم الجيش – إلى حوالي 3 مليون عسكري – بهدف زيادة فاعلية الانفاق العسكري وتوجيهه نحو التدريب. وبالرغم من تناقص عديد الجيش الصيني، إلا انه ظل 10 أضعاف مثيليه في اليابان.

من هنا، يمكن القول بأن تحديث القوة العسكرية المسلحة مر عبر 3 مراحل بدءً من العام 1992 حتى العام 2001. أما المرحلة الحالية، فتشهد ثمار أسس التحديث في بعض المجالات النوعية، مثل بناء القدرات على رد الفعل والمساندة البحرية والجوية للصواريخ الباليستية وغزو الفضاء وعمليات الاتصال ونظم الأوامر والتعليمات. وتستند عملية رفع القدرات العسكرية للصين على مجموعة من الأسس، الأمر الذي أدى إلى تكوين ما يقرب من 30 مليون فني متخصص في عقد التسعينات.(7)

ثانياً: مكامن الضعف وصعوبات الإصلاح

في بحث كتبه الباحثان هال براندز – Hal Brands ومايكل بيكلي – Michael Beckley، نشره موقع “ذي نيويوركر” يقولان فيه “من السبعينيات إلى العقد الأول من القرن الـ 21، كانت الصين شبه مكتفية ذاتياً في الغذاء والماء وموارد الطاقة. لقد تمتعت بأكبر عائد ديموغرافي في التاريخ، مع 10 بالغين في سن العمل لكل مواطن كبير يبلغ من العمر 65 عاماً أو أكبر (بالنسبة لمعظم الاقتصادات الكبرى، يكون المتوسط أقرب إلى 5 أشخاص بالغين في سن العمل لكل مواطن كبير السن). تتمتع الصين ببيئة جيو – سياسية آمنة وسهولة الوصول إلى الأسواق والتكنولوجيا الأجنبية، وكل ذلك مدعوم بعلاقات ودية مع الولايات المتحدة. واستفادت حكومة الصين بمهارة من هذه المزايا من خلال تنفيذ عملية الإصلاح الاقتصادي والانفتاح مع نقل النظام أيضاً من الشمولية الخانقة تحت حكم الزعيم الصيني السابق ماو تسي تونغ إلى شكل أكثر ذكاءً – وإن كان لا يزال قمعياً للغاية – من الاستبداد في ظل حكم خلفائه. امتلكت الصين كل شيء من السبعينيات إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين – فقط مزيج من الهبات والبيئة والأشخاص والسياسات اللازمة لتزدهر.”

ويضيف الباحثان “… لكن منذ أواخر العقد الأول من القرن الـ 21، توقفت دوافع صعود الصين أو استدارت بالكامل. على سبيل المثال، الصين تنفد من الموارد: أصبحت المياه نادرة، وتستورد البلاد طاقة وغذاء أكثر من أية دولة أخرى، بعد أن دمرت مواردها الطبيعية؛ وبالتالي، أصبح النمو الاقتصادي أكثر تكلفة: وفقاً لبيانات من بنك DBS، يتطلب إنتاج وحدة نمو اليوم 3 أضعاف ما كان عليه في أوائل العقد الأول من القرن الـ 21. وتقترب الصين أيضاً من الهاوية الديموغرافية: من 2020 إلى 2050، ستفقد 200 مليون من البالغين في سن العمل – عدد سكان بحجم نيجيريا – وستكتسب 200 مليون من كبار السن. ستكون العواقب المالية والاقتصادية مدمرة: تشير التوقعات الحالية إلى أن إنفاق الصين على الضمان الطبي والاجتماعي يجب أن يتضاعف 3 مرات كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، من 10% إلى 30%، بحلول العام 2050 فقط لمنع ملايين كبار السن من الموت بسبب الفقر والإهمال”.(8)

1. أطول تباطؤ منذ نهاية عصر ماو

تواجه الصين حالياً نزعتين: ركود النمو والتطويق الاستراتيجي، وهُما يكتبان نهاية صعودها. فبسبب مشكلات الاقتصاد الصيني المتراكمة، دخل مؤخراً أطول تباطؤ شهده عصر ما بعد ماو، إذ انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الرسمي من 15% العام 2007 إلى 6% العام 2019، ثمَّ جاءت جائحة “كورونا” لتهبط بالنمو إلى ما يزيد بقليل على 2% العام 2020. أما الإنتاجية، المُكوِّن الأساسي لصناعة الثروة، فانخفضت بنسبة 10% بين عامَي 2010 – 2019، وهو أسوأ هبوط للإنتاجية تشهده قوة عظمى منذ الاتحاد السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي.

فمشكلة تباطؤ معدل نمو الاقتصاد الصيني، التي تفاقمت بسبب أزمة الديون بقطاع العقارات، ونقص الطاقة الذي يتسبب في إغلاق المصانع، تجعل انتعاش الاقتصاد العالمي معتمداً أكثر على الولايات المتحدة، وفقاً لتقرير بلومبيرغ – الشرق .

وحسب البيانات التي أعلنتها الحكومة الصينية مؤخراً، فلقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 4.9% خلال الربع الثالث من العام 2021، مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2020، وهو مستوى يقل كثيراً عن توقعات الاقتصاديين، وينخفض كذلك بنسبة كبيرة عن معدل 7.9% الذي سجله النمو الاقتصادي خلال الفترة من شهر أبريل/نيسان إلى شهر يونيو/حزيران 2021. وقد انخفض معدل النمو بمقدار نقطة مئوية كاملة تقريباً عمّا كان عليه خلال الربع الأخير من العام 2019، عشية تفشي جائحة “كورونا”.(9)

2. محاباة الشركات الحكومية على حساب القطاع الخاص الذي صنع المعجزة الصينية

رغم أن الشركات الخاصة تُولِّد معظم الثروة في البلاد، فإنها حُرِمَت من رأس المال تحت حكم الرئيس شي. عوضاً عن ذلك، تحصل الشركات المملوكة للدولة والأقل كفاءة على 80% من الدعم والقروض الحكومية.

لقد قاد الروَّاد المحليون وشركاتهم طفرة الصين الاقتصادية، لكن حملة مكافحة الفساد التي قادها الرئيس شي نفَّرتهم من الانخراط في تجريب المشروعات من جديد، كما حظرت الحكومة فعلياً نشر أخبار اقتصادية سلبية، وهو أمر استحالت معه الإصلاحات الحيوية تقريباً، في حين انسحق الابتكار بفعل موجة من القوانين ذات الدوافع السياسية.

وبالتزامن مع تحوُّل الصين إلى دولة أكثر حزماً وسلطوية، بات العالم هو الآخر أقل ملاءمة للنمو الصيني، إذ واجهت بكين آلاف العوائق التجارية منذ الأزمة المالية العالمية العام 2008. علاوة على ذلك، تعزل اقتصادات العالم الكبرى اليوم شبكاتها التجارية عن التأثير الصيني، حيث تسعى أستراليا والهند واليابان وغيرها إلى إبعاد الصين عن سلاسل الإمداد الخاصة بهم.

ورغم الانجازات التي تحققت، إلا ان هناك تحديات ومصاعب كبيرة تواجه القيادة الصينية الجديدة وينبغي التعامل معها بجدية وايجاد حلول جذرية لها، ومنها:

أ. مشكلة الريف الصيني

يزداد الدخل لدى الفلاحين وبعض السكان في المدن والقرى على نحو بطئ. فالريف الصيني يواجه اليوم ازمة حقيقية، فحجم الأموال المتبقية للفلاحين – بعد ان يدفعوا الضرائب والرسوم المحلية – لا تكفي لشراء البذور والأسمدة لموسم الزراعة القادم حيث تضاءلت دخول الفلاحين والمزارعين، ولكن ارتفعت تكاليف الانتاج كما ان البنية التحتية في الريف في حالة لا يرثى لها فيما تنعدم الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية؛ واذا كان 85% في الريف يدخلون المدارس، فإن نفس النسبة تترك المدرسة ويضاعف من حجم مشكلة الريف اعتماد الدولة بشكل كبير عليه، فالفلاحون الصينيون يقدمون ضرائب تعادل تقريباً 3 اضعاف ما يقدمه الأفراد في المدن. في المقابل، فإن حجم الاموال التي تخصصها الحكومة المركزية للصين للريف لا تصل اليه بالشكل الأمثل نتيجة لسوء الادارة وفساد كثير من القيادات وتزداد الازمة حدة في الريف خاصة اذا عرفنا أن بكين بها اكثر من 900 مليون فلاح ويزداد هذا العدد سنوياً بنحو 11 مليون.

بـ. البطالة

سجلت معدلات البطالة ارتفاعاً كبيراً وصل الى 15% فى المتوسط ببعض مناطق البلاد، ويعني ذلك وجود 150 مليون عاطل عن العمل. وارتبطت البطالة بعملية الاصلاح الاقتصادي الذي ترتب عليه اغلاق المصانع الخاسرة، وقد تم تخفيض عدد العاملين في القطاع العام بنسبة 30% أي ما يعادل 24 مليون عامل.

جـ. قضية تايوان

أيضاً هناك تحدي استكمال الوحدة الوطنية، فتايوان شكّلت الجرح الأكبر في حياة الصينيين – شعباً وحكومة. ورغم تطبيع العلاقات بين الصين وأمريكا، إلا أن موقف واشنطن المؤيد لتايوان ظل كما هو، حيث استخدمت هذه القضية كورقة للضغط بها على الحكومة الصينية وقتما تريد؛ لذا، فإنها تريد فصل تايوان عن الصين، بل وتشجع قادتها علناً على التمرد. في المقابل، ظلت القيادة الصينية ترفع دائماً شعار “دولة واحدة ونظامان”، أي عودة تايوان إلى الوطن الأم، مع الاحتفاظ بنظامها الداخلي كما هو، كما حدث مع هونغ كونغ.

ثالثاً: نظرية “انتقال القوة” وحتمية اللجوء إلى الحرب

بمجرد الإعلان عن تفاصيل الخطة الصينية لريادة الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، انتشرت حالة من القلق والخوف بين عددٍ ليس بالقليل من الأكاديميين وصناع القرار وقادة الأعمال في الولايات المتحدة. ففي 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، حذّر تقريرٌ بحثىي صادرٌ عن مركز الأمن الأمريكي الجديد، إحدى الأذرع البحثية للاستخبارات الأمريكية، من أن تكنولوجيا الذكاء الصناعي الصينية، وتطويرها قد يشكلان تهديداً للتوازن الاقتصادي والعسكري للقوى العالمية.

وقد أكَد هذا التقرير البحثي، أن الصين لم تعُد في مركز أقل من الناحية التكنولوجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، بل أَصبحت تنافس بحق، ولديها القدرة على التفوق بالفعل في مجال الذكاء الصناعي، خصوصاً في ظل تزايد استثمارات الجيش الصيني، وتعاون معاهد بحثية تابعة له مع قطاع الصناعات الدفاعية الصينية، فضلاً عن إمكانية استفادة الجيش من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بطرق فريدة وربما غير متوقَعة، قد تكون أقل تقييداً على الأرجح، مقارنة ببعض المخاوف القانونية والأخلاقية في الداخل الأمريكي.(10)

والحقيقة أن هناك عوامل عدة قد تعزز فرص الصين في النجاح؛ فالدولة التي تمتلك أكبر مجتمع من المستهلكين على الإنترنت، ولديها بصمات اقتصادية واضحة باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فضلاً عن علماء وباحثين على درجة عالية من الابتكار في معظم أبعاد الثورة الصناعية الرابعة، وخدمات عسكرية واستخباراتية ذكية ومتزايِدة القدرة، وسياسة خارجية متطوِّرة تسعى إلى الاستفادة القصوى من توظيف تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، من المرجَّح أن تكون قادرة على تنفيذ غاياتها الاستراتيجية وخططها السيبرانية الطامحة إلى الريادة العالمية.

1. من للحرب أولاً: القوة الصاعدة أم القوة المهيمنة

مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، أصبح الاعتقاد بأن السبب الأساسي للاحتكاك هو “انتقال القوة” الذي يلوح في الأفق – استبدال قوة مهيمنة بأخرى – أصبح اعتقاداً أساسياً. فلقد كتب المؤرخ القديم ثوسيديديس “إن نمو قوة أثينا، والإنذار الذي ألهمه هذا في اسبارطة، جعل الحرب أمراً لا مفر منه” – وهي حقيقة بديهية الآن عند شرح التنافس بين الولايات المتحدة والصين.

إن فكرة مصيدة ثيوسيديدس Thucydides Trap، التي روّج لها عالم السياسة في جامعة هارفارد، جراهام أليسون – Graham Allison، ترى أن خطر الحرب سوف يرتفع بشكل صاروخي عندما تتفوق الصين الصاعدة على أمريكا المترهلة. حتى الرئيس شي أيّد المفهوم الذي يجادل بأنه يجب على واشنطن إفساح المجال لبكين.

في هذا المجال، توقع الباحثان براندز وبيكلي أن “هناك بالفعل فخٌ مميت يمكن أن يوقع الولايات المتحدة والصين في شرك. لكنها ليست نتاج انتقال السلطة، ومن الأفضل التفكير بدلاً من ذلك على أنه ذروة فخ القوة. وإذا كان التاريخ هو أي دليل، فإن الانحدار الوشيك للصين – وليس الولايات المتحدة – هو الذي قد يتسبب في إغلاقها بشكل مفاجئ”، ويضيفان “هناك مجموعة كاملة من الأدبيات، تُعرف بإسم نظرية انتقال القوة، والتي تنص على أن حرب القوى العظمى تحدث عادةً عند تقاطع صعود إحدى القوى المهيمنة وتراجع أخرى. وهناك، باعتراف الجميع، حقيقة أساسية للفكرة. لن يكون هناك تنافس بين واشنطن وبكين إذا كانت الصين لا تزال فقيرة وضعيفة. تعمل القوى الصاعدة على توسيع نفوذها بطرق تهدد القوى الحاكمة.”(11)

إن الدولة التي تتنامى ثروتها النسبية وقوتها النسبية ستصبح بالتأكيد أكثر حزماً وطموحاً، وستسعى إلى مزيد من النفوذ والمكانة العالمية. ولكن إذا كان موقفها يتحسن باطراد، فيجب عليها تأجيل المواجهة المميتة مع القوة المهيمنة حتى تصبح أقوى. أيضاً، يجب أن تتبع مثل هذه الدولة القول المأثور الذي وضعه الزعيم الصيني السابق دنغ شياو بينغ للصين الصاعدة بعد الحرب الباردة وهو “يجب أن تخفي قدراتها وتتحكم في وقتها”.

2. أخطار الصعود الطويل الذي يتبعه احتمال حدوث تراجع حاد

على مدار الـ 150 عاماً الماضية، فإن القوى العظمى – أي التي كانت تنمو بشكل أسرع من المتوسط العالمي ثم عانت من تباطؤ شديد وطويل الأمد – لا تتلاشى عادة بهدوء. بدلاً من ذلك، يصبحون متهورون وعدوانيون. إنهم يقمعون المعارضة في الداخل ويحاولون استعادة الزخم الاقتصادي من خلال خلق مناطق نفوذ حصرية في الخارج. إنهم يصبون الأموال في جيوشهم ويستخدمون القوة لتوسيع نفوذهم. عادة ما يثير هذا السلوك توترات بين القوى العظمى. في بعض الحالات، تمس الحروب الكارثية.

لا ينبغي أن يكون هذا مفاجئاً. إن عصور النمو السريع تحفز طموحات الدولة وتزيد من توقعات شعبها وتجعل منافسيها متوترين. فخلال فترة الازدهار الاقتصادي المستمر، تتمتع الشركات بأرباح متزايدة واعتاد المواطنون على العيش بشكل كبير، وتصبح البلاد لاعباً أكبر على المسرح العالمي، ثم يضرب الركود.

إن تباطؤ النمو يجعل من الصعب على القادة إسعاد الجمهور، كما أن ضعف الأداء الاقتصادي يضعف البلاد أمام منافسيها. وخوفاً من الاضطرابات، يقوم القادة بقمع المعارضة. إنهم يناورون بشكل يائس لإبقاء الأعداء الجيو – سياسيين في مأزق. يبدو التوسع كحل – طريقة للاستيلاء على الموارد الاقتصادية والأسواق، وجعل القومية ركيزة لنظام جريح، ودحر التهديدات الخارجية.

وقد اتبعت العديد من الدول هذا المسار. عندما انتهت الطفرة الاقتصادية الطويلة في الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية، قمعت واشنطن بعنف الإضرابات والاضطرابات في الداخل، وأنشأت بحرية قوية من المياه الزرقاء، وانخرطت في نوبة من العداء والتوسع الإمبراطوري خلال تسعينيات القرن الـ 19.

3. الإمبراطورية الألمانية مثال في الكتب المدرسية

غالباً ما يُنظر إلى التنافس بين ألمانيا وبريطانيا – أواخر القرن الـ 19 وأوائل القرن الـ 20 – على التنافس بين الولايات المتحدة والصين؛ في كلتا الحالتين، هدد منافس استبدادي هيمنة ليبرالية. لكن أكثر تشابهاً واقعياً هو هذا، جاءت الحرب عندما استوعبت ألمانيا المحاصرة أنها لن تتخطى منافسيها دون قتال.

على مدى عقود بعد التوحيد في العام 1871، ارتفعت ألمانيا. كانت مصانعها تنفث الحديد والصلب، مما يمحو الريادة الاقتصادية لبريطانيا. قامت برلين ببناء أفضل الجيوش والبوارج في أوروبا التي هددت التفوق البريطاني في البحر. بحلول أوائل القرن الـ 20، كانت ألمانيا ذات وزن ثقيل في أوروبا وتسعى إلى مجال نفوذ هائل – Mitteleuropa أو Middle Europe – في القارة. كما كانت تنتهج، في عهد القيصر فيلهلم الثاني – آنذاك – “سياسة عالمية” تهدف إلى تأمين المستعمرات والقوة العالمية.

لكن خلال مقدمة الحرب، لم يشعر القيصر ومساعدوه بالثقة. تسبب السلوك المتهور لألمانيا في تطويقها من قبل قوى معادية. أيضاً، شكلت لندن وباريس وسانت بطرسبرغ بروسيا “الوفاق الثلاثي” لمنع التوسع الألماني. وبحلول العام 1914، كان الوقت ينفد. كانت ألمانيا تخسر قوتها الاقتصادية لصالح روسيا سريعة النمو؛ كما كانت لندن وفرنسا تتابعان الاحتواء الاقتصادي من خلال منع وصولها إلى النفط وخام الحديد. في المقابل، تمزق حليف برلين الرئيسي النمسا – المجر، بسبب التوترات العرقية. في الداخل، كان النظام السياسي الألماني الاستبدادي في مأزق.

وأكثر ما ينذر بالسوء أن الميزان العسكري كان يتغير. كانت فرنسا توسع جيشها، وروسيا تضيف 470 ألف رجل إلى جيشها وتختصر الوقت الذي تحتاجه للتعبئة للحرب، وأعلنت بريطانيا أنها ستبني سفينتين حربيتين مقابل كل واحدة بنتها برلين. كانت ألمانيا، حينها، القوة العسكرية الأولى في أوروبا. ولكن بحلول عامي 1916 و1917، سيكون هناك مبالغة ميؤوس منها. كانت النتيجة عقلية الآن أو لا أبداً يجب على ألمانيا “هزيمة العدو بينما لا تزال لدينا فرصة للنصر”، كما أعلن رئيس الأركان هيلموث فون مولتك، حتى لو كان ذلك يعني “إثارة حرب في المستقبل القريب”.

هذا ما حدث بعد أن اغتال القوميون الصرب ولي العهد النمساوي، يونيو/حزيران 1914، حيث حثت حكومة القيصر النمسا – المجر على سحق صربيا، رغم أن ذلك كان يعني الحرب مع روسيا وفرنسا. ثم غزت بلجيكا المحايدة – المفتاح لخطة شليفن لحرب على جبهتين – على الرغم من احتمال استفزاز بريطانيا. واعترف مولتك بأن “هذه الحرب ستتحول إلى حرب عالمية ستتدخل فيها إنجلترا أيضاً”. لقد منحها صعود ألمانيا القوة للمراهنة على العظمة، لكن تراجعها الوشيك أدى إلى اتخاذ القرارات التي أغرقت العالم في الحرب.

رابعاً: التطويق الاستراتيجي الأمريكي ورد الفعل الصيني

لطالما تجنَّبت الصين أثناء صعودها طيلة 40 عاماً تقريباً، تطويقها استراتيجياً عن طريق التقليل من شأن طموحاتها العالمية، والحفاظ على علاقات ودية مع الولايات المتحدة. لكن هذه المرحلة انتهت منذ أن أصبحت بكين “أكثر عدوانية” في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان أو أصبح العداء للصين محور السياسة الأمريكية.

فعلى مدار الأزام الـ 5 الماضية، تخلَّت الولايات المتحدة عن التفاعل البنَّاء وانتهجت سياسة احتواء جديدة. فقد أجرت واشنطن توسعة بحرية وصاروخية هي الأكبر في 30 عاماً، وفرضت رسوماً جمركية هي الأعنف منذ الحرب العالمية الثانية، وطبَّقت أشد قيود عرفتها منذ الحرب الباردة على الاستثمار الأجنبي، وجميعها إجراءات موجَّهة ضد بكين. واشتكى نائب وزير الخارجية الصيني، العام 2021، من “حملة حكومية وشعبية، هدفها تركيع بلاده”.

يصُب تحوُّل الموقف الأمريكي هذا تجاه الصين لصالح كفة رد الفعل المتنامي على نطاق أوسع ضد قوة بكين من الدول الآسيوية والغربية؛ بالتأكيد، سيظل التعاون المناهض للصين قيد التنفيذ حيث لم تتبلور ملامحه بعد، لأن دولاً عديدة لا تزال معتمدة على التجارة مع بكين، غير أن هذه الشراكات المتشابكة قد تكون في النهاية سيفاً مُسلَّطاً على رقبة الصين.(12)

1. الإحتواء الإستراتيجي والعسكري الأمريكيين

ألزمت إدارتان رئاسيتان أمريكيتان الولايات المتحدة، على مدى الأعوام الـ 5 الماضية، بسياسة “المنافسة” – في الواقع، الاحتواء الجديد – تجاه الصين. تركز الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية الآن بشكل مباشر على هزيمة “العدوان” الصيني في غرب المحيط الهادئ؛ وتستخدم واشنطن مجموعة من العقوبات التجارية والتكنولوجية للتحقق من نفوذ بكين والحد من احتمالات تفوقها الاقتصادي، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى، فقد حذّر أحد كبار ضباط جيش التحرير الشعبي الصيني من أنه “بمجرد أن تعتبرك أمريكا الإمبراطورية بمثابة عدوهم، فإنك تواجه مشكلة كبيرة”. في الواقع، التزمت الولايات المتحدة أيضاً بتنظيم مقاومة عالمية أكبر للقوة الصينية، وهي حملة بدأت تظهر نتائجها مع استجابة المزيد والمزيد من الدول لتهديد بكين.

في آسيا البحرية، تشتد مقاومة القوة الصينية. تعمل تايوان على زيادة الإنفاق العسكري وتضع خططاً لتحويل نفسها إلى “نيص” استراتيجي في غرب المحيط الهادئ. تنفذ اليابان أكبر حشد عسكري لها منذ نهاية الحرب الباردة، حيث وافقت على دعم الولايات المتحدة إذا هاجمت الصين تايوان. كما تعمل الدول المحيطة ببحر الصين الجنوبي، ولا سيما فيتنام وإندونيسيا، على تعزيز قواتها الجوية والبحرية وخفر السواحل للطعن في مطالبات الصين التوسعية.

أيضاً، هناك دول أخرى تعارض وتقاوم موقف بكين، حيث تعمل أستراليا – على سبيل المثال – على توسيع القواعد الشمالية لاستيعاب السفن والطائرات الأمريكية وبناء صواريخ تقليدية بعيدة المدى وغواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية. أيضاً، تحشد الهند قواتها على حدودها مع الصين بينما ترسل سفناً حربية عبر بحر الصين الجنوبي. وقد وصف الاتحاد الأوروبي بكين بأنها “منافس منهجي”، حيث أرسلت القوى الثلاث العظمى في أوروبا – فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة – فرق عمل بحرية إلى بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي. كما توجد مجموعة متنوعة من المبادرات متعددة الأطراف المناهضة للصين مثل الحوار الأمني الرباعي، تحالفات سلسلة التوريد، التحالف الجديد المسمى AUKUS مع واشنطن ولندن وكانبيرا وغيرها. اعترف العالم المتشدد يان زويتونغ، يوليو/تموز 2021، بأن “استراتيجية النادي متعدد الأطراف” التي تتبناها الولايات المتحدة، تعمل على “عزل الصين” وتضر بتطورها.

لا شك أن التعاون ضد الصين ظل غير كامل، لكن الاتجاه العام واضح؛ مجموعة من الجهات الفاعلة توحد قواها تدريجياً للتحقق من قوة بكين ووضعها في صندوق استراتيجي. بعبارة أخرى، الصين ليست دولة صاعدة إلى الأبد. إنها قوة قوية بالفعل، وطموحة للغاية، ومضطربة بشدة، ولن تظل نافذة الفرص مفتوحة لها لفترة طويلة.

من بعض النواحي، يعد كل هذا أخباراً سارة لواشنطن؛ إن الصين التي تتباطأ اقتصادياً وتواجه مقاومة عالمية متزايدة ستجد صعوبة كبيرة في إزاحة الولايات المتحدة كقوة رائدة في العالم، في حد ذاته أو التخلي عن اللعبة بطريقة أخرى. لكن الأخبار أكثر إثارة للقلق من نواحٍ أخرى. يحذر التاريخ من أن العالم يجب أن يتوقع أن تتصرف الصين في ذروتها بجرأة أكبر، وحتى بشكل متقطع، خلال العقد القادم للاندفاع والحصول على جوائز استراتيجية طال انتظارها قبل أن تتلاشى ثرواتها.(13)

2. سيناريو ردود الفعل الصينية

من المتوقع أن تميل الصين بشدة إلى استخدام القوة لحل قضية تايوان بشروطها في العقد المقبل، قبل أن تنهي واشنطن وتايبيه إعادة تجهيز جيشيهما لتقديم دفاع أقوى. يقوم جيش التحرير الشعبي بالفعل بتصعيد تدريباته العسكرية في مضيق تايوان. لقد أعلن الرئيس شي مراراً وتكراراً أن بكين لا يمكنها الانتظار إلى الأبد حتى تعود “المقاطعة المنشقة” إلى الحظيرة. عندما يتحول الميزان العسكري مؤقتاً أكثر لصالح الصين، ومع إجبار البنتاغون على سحب السفن والطائرات القديمة للتقاعد، قد لا تحظى الصين أبداً بفرصة أفضل للاستيلاء على تايوان والتعامل مع واشنطن بهزيمة مذلة.

وفي سيناريو آخر، ربما لن تقوم الصين بهجوم عسكري شامل عبر آسيا، كما فعلت اليابان في الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من القرن الـ 20، لكنها ستواجه مخاطر أكبر وتقبل توترات أكبر وهي تحاول جني المكاسب الرئيسية. في الجغرافيا السياسية في عصر ذروة الصين، إن دولة لديها بالفعل القدرة على تحدي النظام الحالي بعنف ودولة من المحتمل أن تعمل بشكل أسرع وتدفع بقوة أكبر لأنها تفقد الثقة في أن الوقت إلى جانبها.

وفي سيناريو بعيد عن اللجوء إلى العنف، توقع الخبير والكاتب الأمريكي ديفيد فيكلنغ، في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ، عن مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية قال فيه إن إلقاء نظرة على العلاقات المتوترة للصين مع دول أخرى يظهر أن بكين تعتمد على الواقعية السياسية أكثر مما تركز على “الذات”، مستبعداً بذلك مواجهة عسكرية.

رأي آخر كتبه هو شي جين، رئيس تحرير صحيفة “غلوبال تايمز” الشعبية الصينية على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، يقول إن “خطر المواجهة العسكرية بين الصين والولايات المتحدة يتصاعد رغم أن أياً من الجانبين لا يريد الحرب”. ويرى يورغ لاو، في مقال لموقع “تسايت أونلاين” الألماني تاريخ 20 مايو/أيار 2020، أن “الصراع بين واشنطن وبكين ليس حرباً باردة جديدة، كل ما هناك هو أن الصين تستخدم بذكاء ضعف القوة الأمريكية المتذبذبة”.(14)

3. بدأ غزو تايوان… كيف سيكون الرد الأميركي؟

أحد الأسئلة الكبيرة التي يطرحها مخطط الحروب الأمريكيين بالنسبة لتايوان، هو سؤال يقول: إذا قررت الصين القيام بمثل هذا الغزو.. هل سيفتتحونه بتوجيه ضربة قوية ضد القوات الأمريكية الموجودة في منطقة جنوب شرق آسيا؟

يري خبير السياسة الدفاعية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، هيرزينجر، أنه سيكون من العدل افتراض أن يفعل الصينيون ذلك؛ ولهذا السبب، ففيما يتعلق بالأسطول السابع الأمريكي المنتشر هناك، فلا أحد يدري ما الذي سيواجهه في اليوم صفر من أيام القتال. ويضيف بالقول “بالتأكيد، سيكونوا في حاجة للغواصات الموجودة في غوام (غوام هي جزيرة أمريكية تقع غرب المحيط الهادئ وبها قاعدة جوية وبحرية هامة). وإذا اندلعت حرباً، فهذا شيء لا مزاح فيه، وسيحتاج الأسطول السابع دعماً كاملاً من الأسطول الثالث الذي يتخذ من سان دييغو مقراً له (سان دييغو مدينة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية غرب أمريكا).”

يري هيرزينجر أن هذه الحرب لن تنكشف كيف ستسير أحداث ساعاتها، أيامها، وأسابيعها الأولى إلا بناء على كيفية إندلاعها. فإذا ما كانت حرباً مفاجئة، فإن القوات الموجودة في مسرح الأحداث سيكون عليها التعامل مع نتائج ضربة وقائية كبيرة ستسددها الصين إليها. حينها وفي ظل حالة الطوارئ تلك، ستحدد القوات البحرية أولوياتها في القتال. ففي حرب واسعة النطاق مثل هذا، ستكون مهمتها الأولى تأمين الطرق البحرية إلى أراضي الحلفاء في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، إذا ما ظلت الأخيرة صامدة، وهذا يحتاج للتصدي لقوة الغواصات الكبيرة الموجودة في صفوف البحرية الصينية. ثم ستبدأ البحرية الأمريكية في استدعاء الاحتياطيات وتعبئتها (الأمر الذي يستغرق وقتاً طويلاً، أسابيع وشهور)، على أن يستعد الأسطول الثالث للاندفاع فوراً إلى الأمام، وتتحرك سفنه إلى مواقعها المحددة مسبقاً. وبمجرد أن تنجح القوات على جبهة القتال في تأمين عمليات نقل بقية القوات الداعمة إلى مسرح العمليات بطريقة آمنة، ستبدأ عمليات نقل جوي ضخمة إلى القواعد التي تم تأمينها.”

في الحرب المضادة للغواصات الصينية، ستعتمد أمريكا علي طائراتها طراز P-8 Poseidon أو “الصياد”، التي تعد “تحفة” تكنولوجية صممت لمهام جمع المعلومات والاستطلاع، وكذلك القتال ضد الغواصات، بفضل أجهزتها عالية التطور التي تستطيع رصد أكثر الغواصات تخفياً في أعمق أعماق مياه البحار والمحيطات، وتسدد لها بدقة طوربيداتها الدقيقة، وهذا التكنيك بالذات قاتل أخطر للغواصات مقارنة بحرب الغواصات التقليدية والتي قد ترصد فيها الغواصات بعضها بعضاً وتستطيع توقع اتجاهات طوربيدات الغواصة المعادية وتجنبه.

بخلاف ذلك، فإن سفن السطح الأمريكية كالمدمرات وغيرها، تملك كذلك أجهزة “سونار” متطورة للكشف عن الغواصات، وطوربيدات جاهزة للفتك بها، بالإضافة إلى الصواريخ الساحلية والمقاتلات والمروحيات التي تحمل الطوربيدات. كل هذا سيكون ضرورياً للتحركات الأمريكية. لكن السيد هيرزينجر، يفجر مفاجأة حينما يتحدث عن أن عدد من قادة البحرية الأمريكية أوضحوا له أنهم لا يملكون ما يكفي من الصواريخ والطوربيدات لمواجهة قوة بحرية بحجم البحرية الصينية، بل إنهم لا يملكون أعداد كافية من أنابيب الإطلاق اللازمة. قد تكون تلك مشكلة تستلزم العلاج بالنسبة الأمريكيين، وقد تكون مجرد عملية خداع ألفناها طوال التاريخ.(15)

الخلاصة

لن تواجه الولايات المتحدة مهمة واحدة بل مهمتين في التعامل مع الصين؛ في عشرينيات القرن الـ 21، سيتعين عليها – أولاً – مواصلة التعبئة من أجل المنافسة طويلة الأجل مع التحرك بسرعة لردع العدوان؛ وثانياً، تخفيف حدة بعض التحركات الأكثر عدوانية على المدى القريب التي قد تتخذها بكين. بعبارة أخرى، “اربط حزام الأمان”، فمسألة اللجوء إلى الحرب التي لم يعد ممكناً تلافيها أصبحت مسألة وقت؛ ففي حين كانت الولايات المتحدة تستنهض نفسها للتعامل مع الصين الصاعدة، يبدو إنها على وشك اكتشاف أن تدهور الصين قد يكون أكثر خطورة.

المراجع:

1. ماذا يحدث في الصين – صراع على السلطة أم بداية انهيار الاقتصاد العالمي؟ 1/10/2021. روسيا اليوم.
2. دينا سليمان كمال لاشين. “تحول القوة وتأثيرها على الصعود الصيني 2008 – 2018” – المركز الديمقراطي العربي. 18/2/2020. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3r2NQZG
3. دينا لاشين: المرجع السابق.
4. دينا لاشين: المرجع السابق نفسه.
5. إسلام حجازي: “الصين وريادة الذكاء الاصطناعي في العام 2030”. نشر في مؤسسة الفكر العربي. 12/11/2019. لمزيد من التفاصيل، أنظر الرابط التالي:
https://bit.ly/3n6C8vY
6. أنظر:
هال براندز – Hal Brands، أستاذ هنري كيسنجر المتميز للشؤون العالمية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، مايكل بيكلي – Michael Beckley، أستاذ مشارك في العلوم السياسية بجامعة تافتس. بحث بعنوان China Is a Declining Power—and That’s the Problem. 24/9/2021. موقع “ذا نيويوركر” – The New Yorker.
7. دينا لاشين: مرجع سابق.
8. هال براندز – مايكل بيكلي: مرجع سابق.
9. صعود الصين العظيم مُهدد. 20/10/2021. عربي بوست. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3JT4jIz
10. إسلام حجازي: مرجع سابق.
11. هال براندز – مايكل بيكلي: مرجع سابق.
12. موقع عربي بوست. مرجع سابق.
13. هال براندز ومايكل بيكلي. مرجع سابق.
14. موقع DW عربية. 20/5/2020.
15. “من سينتصر في الحرب بين الصين وأمريكا.. سيناريوهات الحرب القادمة”. الجزء 3. تعريب: المعرفة للدراسات لتقرير من Military Times الأمريكية. بقلم: تود ساوث – فيليب آثي – ديانا ستانسي كوريل – ستيفن لوسي – جيف زيزوليفيتش – ميغان مايرز – هوارد ألتمان. نشر على موقع المعرفة. 4/11/2021. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3zBBvQ2

ستنشر قريباً في العدد المقبل من مجلة “الدراسات الأمنية”

مصدر الصور: موقع Defence News – Council on Foreign Relations – Business Insider – Pacific Command.

موضوع ذا صلة: هل يمكن أن تخسر الولايات المتحدة حرباً ضد الصين بسبب تايوان؟

العميد م. ناجي ملاعب

باحث في مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري / عضو الهيئة العلمية لمجلة الدراسات الأمنية – لبنان.