حوار: سمر رضوان
لا تزال مسألة تسليح اليابان، ولو بأسلحة دفاعية، تثير الشكوك لدى الدول التي خاضت معها معارك عديدة خلال الحرب العالمية الثانية. وما يثير الاهتمام اكثر، الزيادات المستمرة في الموازنة الدفاعية اليابانية والتي اصبحت شبه “تقليد” سنوي.
للوقوف على هذه الموضوع وتفصيلاته، يقول العميد المتقاعد الياس فرحات، الخبير العسكري والاستراتيجي، لمركز “سيتا“، إن “قرار اليابان زيادة موازنة الدفاع إلى ما يعادل 56 مليار دولار، أي بزيادة طفيفة على موازنة روسيا ورابع موازنة دفاع في العالم بعد الولايات المتحدة والصين وبريطانيا، تأتي في ضوء التوتر الحاصل في بحر الصين الجنوبي بين الولايات المتحدة والصين وبداية دخول اليابان على خط التوتر هذا بعقد اتفاقات بحرية مع تايوان، الأمر الذي يستفز الصين ويعقد الأزمة.”
ويتابع العميد فرحات “إن مجال إنفاق هذه الموازنة لم يتضح بعد. فهل تكون من اجل شراء أسلحة متطورة من الولايات المتحدة أم الاستثمار في الصناعات الحربية؟ في كلتا الحالتين ستخرج اليابان من حال العزلة العسكرية الذي فُرضت عليها بعد الحرب العالمية الثانية. إذا وافقت الولايات المتحدة على إطلاق حرية اليابان في بناء قواتها المسلحة، فهذا يعني اننا سوف نشهد قوة عسكرية منافسة للصين ومواجهة لكوريا الشمالية. لكن يبقى السؤال المركزي هل تُقدم الولايات المتحدة على خطوة إطلاق يد اليابان؟ وهل يؤثر ذلك على التوازنات الدولية؟ وهل ينسحب ذلك على ألمانيا في أوروبا؟ إنها بداية مسار معقد وخطير ومفصلي في شرق آسيا والباسيفيك.”
وعن مدى توافق هذه الزيادات مع الاتفاقيات الدولية المفروضة على اليابان، يقول العميد فرحات “برأيي، إن تلك الاتفاقات الدولية تشرف على نهايتها على ضوء المتغيرات الإقليمية بعد سقوط النظام العالمي ثنائي القطبية وترنح النظام أحادي القطبية وبروز روسيا والصين على المسرح الدولي كقوتين عسكريتين واقتصاديتين تهددان الولايات المتحدة حسب ما جاء في استراتيجية الرئيس الامريكي دونالد ترامب التي أعلنها مؤخراً.”
اضافة الى ما سبق، يشير العميد فرحات الى أمر مهم يكمن في “أن الولايات المتحدة، ربما، أرادت إطلاق يد اليابان كي تكون قوة توازن في منطقة تعج بالقوى الكبيرة مثل الصين والهند وباكستان دون أن ننسى روسيا. الى ذلك، لا يمكن ان نتجاهل التجاذب في العلاقات بين الولايات المتحدة والفيليبين، لا سيما بعد الموقف “المشاكس” الذي اتخذه الرئيس الفيليبيني، رودريغو دوتيرتي، للولايات المتحدة حيث مضى في سياسة مكافحة تهريب وترويج المخدرات والسماح للشرطة بقتل تجار المخدرات. ورغم ان الرئيس دوتيرتي رفض دعوة الرئيس ترامب لزيارة الولايات المتحدة، إلا أنه استقبله في مانيلا واجتمع إليه على هامش قمة آسيان. في مقابل موقف الرئيس، ان الدولة الفيليبينية “العميقة”، بأجهزتها، ترتبط بعلاقة قوية وتاريخية مع الولايات المتحدة اذ ليس من السهل ان تتحول مانيلا نحو الصين. هذة الاحداث تضفي غموضاً على الوضع في المنطقة حال إطلاق العنان لليابان كي تتسلح.”
وعن صفقة شراء منظومات الدفاع “آيجيس” من واشنطن، يقول العميد فرحات “حتى الآن، باعت واشنطن صواريخ آيجيس المضادة للصواريخ البالستية لليابان ولرومانيا وتخطط لبيعها إلى بولونيا. هذه النسخة تطلق من على الأرض وتتصدى للصواريخ البالستية المتوسطة المدى، أما النسخ التي تطلق من على متن مراكب بحرية أو غواصات في أعماق البحار، فهي لم تزوِّد اليابان بها بعد. أن النسخة التي بيعت لليابان غير قادرة على التصدي للصواريخ البالستية العابرة للقارات، ولم يعرف بعد تقدير الولايات المتحدة لليابان والمدى الذي ستطلق يدها فيه، وإذا ما كانت ستزودها بصواريخ تطلق من البحر أو تتصدى للصواريخ العابرة للقارات وذلك كي لا تنبثق في المستقبل قوة عسكرية منافسة لها. برأيي، أن الولايات المتحدة تعمل على أن تكون اليابان قادرة على الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الكورية الشمالية والصينية لكن من دون أن تتمكن من منافسة الولايات المتحدة.”
وعن العلاقات الأميركية – اليابانية في ظل عالم متغير من التحالفات، يشرح الخبير فرحات عن العداوة التاريخية بين كل من اليابان، من جهة، وروسيا والصين من جهة اخرى. بالنسبة لروسيا “فقد نشبت حرب بينها وبين اليابان مطلع القرن العشرين، بين العامين 1904 و1905، اذ استطاعت طوكيو، بعد انتصارها في الحرب، انتزاع كوريا ومنشوريا من روسيا، كما أصبحت دولة كبرى. وبالرغم من ان هذه الحرب قد اندلعت في عهد القياصرة، إلا أن الروس لم ينسوا الهزيمة بعد والوساطة الأميركية لوقف الحرب. لذلك، فإن ما تريده الولايات المتحدة من تقييد لليابان، تريد روسيا المزيد منه. فالتقارب الحالي ليس إلا لخلق توازنات جديدة في شرق آسيا والباسيفيك.”
اضافة الى روسيا، يشير العميد فرحات إلى أن “هناك قوى كبرى موجودة هي الصين والولايات المتحدة، وقوى أخرى تتبلور هي اليابان وكوريا. الجميع يريد اقامة توازن ما، لكنهم لم يتوصلوا بعد إلى تلك المعادلة. الآن، تتطور الأحداث ومعها التوازنات الجديدة، وهو ما تأخذه الولايات المتحدة بعين الاعتبار في دفعها للتوازن مع الصين وكوريا.”
وعن الأوضاع الاقتصادية العالمية المضطربة المتزامنة مع معدلات شيخوخة مرتفعة وتأثير ذلك على مستقبل اليابان، يرى فرحات “إن اليابان بلد المعمرين والمتقاعدين، فنسبة الشباب والأطفال قليلة فيه. انها الآن تقف أمام تحدي الدخول في سباق التسلح، وسباق انشاء الجيوش وتطويرها وهو ما يتطلب إعداداً كبيرة من الشباب القادرين على حمل السلاح والخدمة في القوات البرية والبحرية والجوية. هذا التحدي يفرض تحدياً ثقافياً واجتماعياً يدفع الشباب الياباني للعزوف عن التوحُّد، وهي ظاهرة منتشرة في المجتمع الياباني، والاقدام على الزواج والإنجاب بغية تقديم قوة عاملة شابة الى سوق العمل وإلى المجتمع أيضاً. فإذا كانت بعض الدول الأوروبية والأميركية تستقدم المهاجرين من سائر أنحاء العالم لزيادة عدد الشباب والقوة العاملة، فإن الثقافة والعادات اليابانية تجعل من الصعب على أي أجنبي الاندماج في المجتمع الياباني. وفي الوقت نفسه، يصعب على الياباني تقبل مواطنين شركاء من أعراق مختلفة كالهنود والسود او حتى الأوروبيين.”
في المقابل، يشير الخبير فرحات الى ان “الحكومات اليابانية المتعاقبة اعلنت عن اهتمامها لمعالجة مشكلة شيخوخة المجتمع وهي تعالجها بالاعفاءات الضريبية ورعاية الأطفال للتشجيع على الإنجاب، لكن العامل الثقافي والعزوف عن الزواج ما زال عقبة كبيرة. وفي حال تفاقمت الامور، فإن ذلك سيحد من قدرة اليابان على خوض حروب للدفاع عن أمنها ومصالحها.”
مصدر الصور: صوت لبنان – سبوتنيك – موقع وزارة الدفاع الروسية – البوابة نيوز – oneindia.com.