شارك الخبر

لطالما أثار التقارب الأمريكي – الإسرائيلي تساؤلات وإشكاليات عميقة عند الدارسين والباحثين في العلاقات الدولية، حيث تعتبر الولايات المتحدة من أكثر الدول الداعمة لإسرائيل اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً منذ تأسيسها، ويمتد عمق العلاقات إلى تطابق السياسات الأمريكية – الإسرائيلية في كثير من الأحيان.

وبالعودة إلى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية الاستعماري وحروبها الاستباقية، يمكننا اعتبار الكيان الصهيوني نسخة مصغرة عنها، ويعود هذا لعدة أسباب أهمها انتقال الأفكار التوسعية الغربية (الإمبريالية) وسياسة تحقيق المصلحة وتعظيم القوة إلى اليهود طوال فترة عيشهم واختلاطهم بالغرب قبل احتلال فلسطين، بالإضافة إلى أن الكثير من المحللين يعتبروا، كل من إسرائيل والولايات المتحدة ديمقراطيتان محاطتان بالأعداء، وكلتاهما مجبرة على الاعتماد على القوة العسكرية للبقاء.

فهل فعلاً تعتبر السياسة الإمبريالية الإسرائيلية امتداداً للإمبريالية الأمريكية؟

تعتبر إسرائيل امتداداً أمريكياً أو كما يتم وصفها بالمصلحة الوطنية الحيوية وجزءاً لا يتجزأ منها،  حيث تجاوزت العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية التعاون الإستراتيجي، ويؤمن المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، بوجود التطابق بين مصالح الطرفين بطريقة عميقة. فما يحقق مصلحة أميركا الإمبريالية صالح لتحقيق مصالح إسرائيل الكبرى، والعكس صحيح .

في البداية الإمبريالية هي سياسة تمارسها الدول لتوسيع نطاق السلطة والسيطرة، لا سيما عن طريق اكتساب الأراضي مباشرة أو عن طريق السيطرة السياسية والاقتصادية على مناطق أخرى،  ولأن هذا المصطلح ينطوي دائماً على استخدام السلطة والقوة، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو شكل من الأشكال الأقل شأناً وحدة، فإنها كثيراً ما كانت تعتبر مستنكرة أخلاقياً وقانونياً، وكثيراً ما يستخدم هذا المصطلح في الدعاية الدولية للتنديد بسياسة الخصم الخارجية وتشويه سمعته.

قد عُرف أواخر القرن التاسع عشر باسم “عصر الإمبريالية”، وهو الوقت الذي وسعت فيه الولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية الكبرى ممتلكاتها الإقليمية بسرعة، لكن الفرق ان الإمبريالية الأمريكية تقوم جزئياً على الإستثنائية الأمريكية، على اساس أن الولايات المتحدة تختلف عن الدول الأخرى بسبب مهمتها العالمية المحددة لنشر الحرية والديمقراطية التي تجعل توسعها وحتى حروبها تحت مظلة نشر الديمقراطية والليبرالية.

من أبرز حالات الإمبريالية الأمريكية ضم هاواي في عام 1898، مما أتاح للولايات المتحدة امتلاك جميع الموانئ والسيطرة عليها .

وفي مفهوم آخر يتم وصف الإمبريالية الأمريكية بالتأثير الاقتصادي والعسكري والثقافي للولايات المتحدة على الصعيد الدولي ، ويتم تحديد انطلاق المشروع الإمبريالي الأمريكي الجديد بداية بغزو العراق ويستمر في إطار السياسة الإسرائيلية التوسعية وهذا لوجود توافق وترابط في المصالح الأمريكية – الإسرائيلية.

أما الإمبريالية الإسرائيلية فتنطلق بدورها منذ تأسيس هذا الكيان على الأراضي الفلسطينية بدعم من القوى الغربية، حيث أعلنت إسرائيل أنها تمثل “الدولة القومية للشعب اليهودي”.

وتكمن فكرة “إسرائيل الكبرى” التي تروج لها حتى الولايات المتحدة في مبدأ أساسي ومركزي حول الحدود، وهي في نفس الوقت أيديولوجية تهدف إلى الاستيلاء على المساحة الأقصى من الأرض وتحقيق السيطرة الإمبريالية في المنطقة، حيث تمثل “نظرية التوسع” أساس المشروع الصهيوني.

ويمثل مفهوم الحدود بالنسبة لإسرائيل جزء أساسي في سياستها الإمبريالة، حيث يحاجج ديفيد بن غوريون رئيس الوزراء الاسرائيلي سابقاً في كتاباته أن حدود إسرائيل تفرضها حاجتها الظرفية للتوسع والمناخ الإقليمي والدولي الذي يسمح لها أو لا يسمح بالذهاب إلى آخر الشوط في تلك السياسة، وهي سياسة تفرضها القوة العسكرية بالطبع.

بالتالي فإن الحدود بالنسبة لإسرائيل كنظيرتها الولايات المتحدة مطاطية وقادرة على التمدد على حسب الوضع الدولي والمصلحة والقدرة على تعظيم المكاسب، فإذا توفرت الشروط المناسبة فإن التوسع أو الإمبريالية فكرة متأصلة في العقيدة الإسرائيلية .

وكان بن غوريون من دعاة الحرب باتجاه الشرق لضم الضفة الغربية التي صارت تحت الحكم الأردني، وفي نفس المدرسة التوسعية التي كان بن غوريون أحد طلائعها نجد موشيه دايان، الجنرال الأقرب لبن غوريون والمؤيد له على طول الخط في ضرورة فرض حدود مرنة لإسرائيل على حساب العرب.

لا تقتصر السياسة الإمبريالية الاسرائيلية على احتلالها فلسطين فقط بل تمتد إلى رغبتها الدائمة والمستمرة للتغلغل في القارة الأفريقية، عن طريق المساعدات المالية والعسكرية التي ترسلها للدول الأفريقية، في إطار إمبريالية المساعدات، التي استخدمتها من قبلها الولايات المتحدة مع دول أمريكا اللاتينية، حيث عملت على تقديم قروض أو مساعدات مالية وفق شروط تكون في كثير من الأحيان تعجيزية وتؤثر على الدول سياسياً واجتماعياً، ولم يقتصر الأمر على الضغط عن طريق المساعدات بل أيضاً الصغط عن طريق التهديد بقطع هذه المساعدات والذي يكون له تداعيات أسوأ على هذه الدول النامية.

وفيما يخص إسرائيل فقد أسست مؤسسة ماشاف MASHAF، وهي الوكالة الإسرائيلية للتعاون الدولي للتنمية، لتصبح إحدى أكثر الوكالات التنموية الدولية تأثيراً في القارة الأفريقية.

وقد راهنت على عاملين أساسيين هما: العامل التقني/التكنولوجي وعامل التدريب، لتقديم المساعدة للعديد من الدول الأفريقية.

ويتوزع الاستثمار والتصدير الإسرائيلي في الدول الأفريقية على النحو التالي: كينيا 150 مليون دولار، نيجيريا 105 مليون دولار، أوغندا 70 مليون دولار، إثيوبيا 33 مليون دولار، كاميرون 60 مليون دولار.

كما وقعت إسرائيل اتفاقية مع منظمة “قوة أفريقيا” (Power Africa) التابعة لـ”وكالة التعاون والتنمية الأميركية” (USAID) المتخصصة بإقامة مشاريع الطاقة في القارة الأفريقية.

بالإضافة إلى الرغبة في التوسع سياسياً عن طريق الانضمام للاتحاد الافريقي كعضو مراقب، الأمر الذي قوبل برفض واحتجاجات معلنة من جانب الجزائر وجنوب أفريقيا في إطار التصدي للتغلغل الإسرائيلي في أفريقيا”، فالاتحاد الافريقي لطالما صنف إسرائيل تاريخياً كنظام استيطاني عنصري ودولة احتلال، على الرغم من تمتع الدولة العبرية خلال السنوات الأخيرة بعلاقات دبلوماسية ثنائية مع أكثر من ثلثي دول القارة فهي لا تزال مرفوضة بسبب سيساتها التوسعية في فلسطين وحتى علاقاتها مع دول افريقيا تتنافى مع مبادئ دعم الحركات التحررية ورفض الاستعمار التي تعترف بها هذه الدول المطبعة.

في الحقيقة لا تنكر إسرائيل امتدادها وارتباطها العميق بالولايات المتحدة الأمريكية حيث قالها موشيه دايان الجنرال الإسرائيلي في فترة جمال عبد الناصر الرئيس المصري بوضوح: “إن إسرائيل لها مهمة وهي أن تكون الصخرة، وامتداد الغرب، الذي تتحطم عليه أمواج قومية ناصر العربية”.

ولا يقتصر الأمر على الترابط بين الحكومتين فقط فأوجه التشابه تمتد إلى المجتمع بين العنصريين البيض في الولايات المتحدة والمستوطنين الصهاينة في إسرائيل، والعلاقة بين المجموعتين أعمق بكثير من الكره المشترك لـ “الآخر”، ويلخص المستوطنون الإسرائيليون المثل العليا والسياسات الإمبريالية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

المراجع:

ليون هدار / الإمبريالية الأميركية الجديدة وأوروبا القديمة / مجلة الدراسات الفلسطينية/ المجلد 14 ،العدد 56 خريف 2003 .

عدنان ابو عمار / الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا.. كيف تغيرت مواقف القارة المناصرة لفلسطين؟ / الجزيرة / 20/3/2021

كيف عبَّدت “الماشاف” طريق إسرائيل إلى أفريقيا/ TRT عربي / 07.02.2019

د م . إسرائيل الإمبريالية والفلسطينيون: سياسات التوسع / الجزيرة/ 3/10/2004
بهاء الدين عياد / ما دلالات قرار الاتحاد الأفريقي تعليق منح إسرائيل صفة مراقب؟ / اندبندنت عربية / 07/02/2022

Haythem Guesmi / Israeli settlers: The face of US imperialism in the Middle East / al jazeera / 08.07.2021
https://www.aljazeera.com/opinions/2021/7/8/israeli-settlers-the-face-of-us-imperialism-in-the-middle-east

imperialism / britanicca / Jul 20, 1998 last update Apr 08, 2021
https://www.britannica.com/topic/imperialism

American Imperialism / lumen /
https://courses.lumenlearning.com/boundless-ushistory/chapter/american-imperialism/

مصدر الصور: أرشيف سيتا + وكالة سنا الإخبارية

موضوع ذا صلة: المقاومة واشكالية الاعتراف بإسرائيل

شروق مستور

طالبة ماجستير علاقات دولية / تخصص دراسات أمنية وإستراتيجية – الجزائر


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •